الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك فقالوا: يجوز من سمع حديثاً عن أبي عبد الله أن يرويه عن أبيه أو عن أحد من أجداده، بل يجوز أن يقول قال الله تعالى (1) .
ويقول أحد علمائهم المعاصرين: (إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الحال عند أهل السنّة)(2) ، ذلك (أن الإمامة استمرار للنبوة)(3) عندهم، فالنص النبوي استمر - في اعتقادهم - حتى آخر أئمتهم، والسنة في اعتبارهم هي (كل ما يصدر عن المعصوم من قول أو فعل أو تقرير)(4) .
والمعصوم ليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم وحده كما يتوهم من يجهل مذهب الشيعة، بل يعدون أئمتهم معصومين كعصمة الرسول لا ينطقون - في اعتقادهم - عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى - كما يزعمون - ولهذا نصوا في دستورهم على أن السنة هي سنة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين (5) لا سنة رسول الله المعصوم وحده.
ثانياً: إيداع الشريعة عند الأئمة المعصومين - بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
.
وهذا الاعتقاد من ضرورات مذهبهم وأركان دينهم وفحواه
(1) المصدر السابق.
(2)
عبد الله فياض: «تاريخ الإمامية» : ص 140.
(3)
محمد رضا المظفر: «عقائد الإمامية» : ص 66.
(4)
محمد تقي الحكيم: «الأصول العامة للفقه المقارن» : ص 122.
(5)
- عندهم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ جزءاً من الشريعة وكتم الباقي وأودعه الإمام عليّاً فأظهر علي منه جزءاً في حياته وعند موته أودعه الحسن وهكذا كل إمام يظهر منه جزءاً - حسب الحاجة - ثم يعهد بالباقي لمن يليه إلى أن صار عند إمامهم المنتظر.
يقول عالمهم محمد حسين آل كاشف الغطا:
(إن حكمة التدريج اقتضت بيان جملة من الأحكام وكتمان جملة، ولكنه سلام الله عليه أودعها عند أوصيائه كل وصي يعهد بها إلى الآخر لينشرها في الوقت المناسب لها حسب الحكمة من عام مخصص، أو مطلق، أو مقيد، أو مجمل مبين إلى أمثال ذلك، فقد يذكر النبي عاماً ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته، وقد لا يذكره أصلاً بل يودعه عند وصيه إلى وقته)(1) .
وقال شيخهم - المعاصر - بحر العلوم: (لما كان الكتاب العزيز متكفلاً بالقواعد العامة دون الدخول في تفصيلاتها، احتاجوا إلى سنّة النبي.. والسنّة لم يكمل بها التشريع لأن كثيراً من الحوادث المستجدة لم تكن على عهده (احتاج أن يدخر علمها عند أوصيائه ليؤدوها عنه في أوقاتها)(2) .
وشواهد هذا "المعتقد" من كتبهم المعتمدة - عندهم - كثيرة، وقد عقد الكليني في «الكافي» عدة أبواب ضمنها مجموعة من أحاديثهم لتأكيد هذه النظرية وشرحها - عندهم - فمن هذه الأبواب:
(باب أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله (
وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها) (1) .
(باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة)(2) . (باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه علماً إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين «ع» وأنه شريكه في العلم)(3) .
(باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل)(4) . وغيرها من أبواب.
ومن الأمثلة على أحاديثهم التي تؤيد هذا "المبدأ" الخطير عندهم ما يروونه عن سدير عن أبي جعفر "ع" قال: (قلت له: جُعلت فداك ما أنتم؟ قال: نحن خُزَّان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض)(5) . وعن أبي عبد الله "ع" قال: (نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله، وعيبة وحي الله)(6) .
وعن خيثمة قال: قال لي أبو عبد الله "ع": (يا خيثمة: نحن شجرة النبوة وبيت الرحمة، ومفاتيح الحكمة، ومعدن العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة وموضع سر الله..)(7) .
(1)«الكافي» : (1/227) .
(2)
«الكافي» : (1/238) .
(3)
«الكافي» : (1/263) .
(4)
«الكافي» : (1/255) .
(5)
الكليني: «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن الأئمة "ع" ولاة أمر الله وخزنة علمه:(1/192) .
(6)
المصدر السابق.
(7)
الكليني: «الكافي» ، كتاب الحجة، باب أن الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة:(1/221) .
ويروي الكليني بسند صحيح - كما يقول علماؤهم (1) - رواية تشرح بعض ما عند أئمتهم من ذلك العلم المخزون فيقول: (عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله "ع" فقلت له: جعلت فداك، إني أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله "ع" ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال: سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم عليّاً (باباً يفتح له منه ألف باب؟ قال: يا أبا محمد علّم رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً (ألف باب، يفتح من كل باب ألف باب، قال: قلت هذا والله العلم، قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك.
قال: ثم قال: يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده إليّ فقال: تأذن لي يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا - كأنه مغضب - قال: قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك.
(1) انظر: «الشافي في شرح أُصول الكافي» : (3/197) .
ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر؟ قال: قلت: وما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال: قلت: إن هذا هو العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة "ع" وما يدريهم ما مصحف فاطمة "ع"، قال: قلت: وما مصحف فاطمة "ع"؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وما هو بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: إنَّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة قال: قلت: جعلت فداك هذا والله وهو العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك.
قال: قلت: جعلت فداك، فأيّ شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار الأمر من بعد الأمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة (1) .
هذا نص من نصوصهم السرية - وقت قوة الدولة الإسلامية - كما يدل ذلك ما جاء في أوله، حيث أن أبا بصير لم يسأل عن هذا العلم المزعوم إلا بعد أن خلا بأبي عبد الله (2) وكذلك أبو عبد الله أراد أن يتأكد من خلو المجلس فرفع "الستر" الذي بينه وبين البيت الآخر، على الرغم من أن هذا "الصنيع" من أبي عبد الله يناقض ما جاء في آخر الرواية من أن عنده علم ما كان وما يكون، لأنه ما دام هذا العلم عنده فلا حاجة لرفع "الستر"!!
ويكشف هذا النص السري عن دعاوى الروافض حول العلم
(1)«الكافي» : الكليني، كتاب الحجة، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة إلخ:(1/238- 240) .
(2)
ونحن نبرئ أبا عبد الله من هذا الافتراء، ولكن نناقش النص كما جاء على سبيل المماشاة لهم.
المستودع والمخزون عند الأئمة أشياء في غاية الغرابة، وهي كما في النص "السالف":
1-
ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب.
2-
الجامعة.
3-
الجفر.
4-
مصحف فاطمة.
5-
علم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.
وهذه "العلوم" المزعومة للأئمة لا تعدو أن تكون وهماً من الأوهام وليس لها وجود في عالم الواقع ولا أثر، ولم يكن لها في حياة الأئمة تأثير ولو كان بعض هذه الدعاوى موجوداً عند أئمتهم لتغير وجه التاريخ ولكنها مجرد خيالات وترهات، و"الخطورة" في مثل هذه الأخبار تكمن في الأثر النفسي الذي يحدثه الصراع بين العقل وهذه الدعاوى، هذا الأثر الذي قد يطوح بمصدق هذه "الأخبار" إلى مهاوي الشك والحيرة والإلحاد. (وما قدمناه هو بعض دعاواهم في هذا المجال ومزاعمهم في هذا الباب يصعب حصرها، ومقتضى هذه النظرية الخطيرة أن كتاب الله (وسنّة نبيه غير وافيين بالبيان ولم يكمل بهما التشريع عند وفاته ?، وهذا مصادم لآيات القرآن كقوله سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً (وغيرها من الآيات وما جاء في ذلك من أحاديث - كما سبق - (1) .
ومقتضى هذا "الرأي" الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) انظر: (ص 91- 94) من هذا البحث.