الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو كان لفظ "البداء" ورد في نص من نصوصهم لكان دفاعهم عنه سائغاً (1) ، أما وأنه جعل عقيدة، وغلا فيه القوم غلواً شديداً فهو ما لا يقبل فيه الدفاع، وسيحمل على أنه تقية، وهو الذي يستدعي ذلك التساؤل عن سبب هذا الاهتمام وهو ما أسلفنا الجواب عنه.
6- الغَيْبة:
(الغَيْبَة
…
من العقائد الأساسية عند الإمامية) (2) ، وذلك أن الشيعة تعتقد (أن الأرض لا تخلو من إمام لحظة واحدة ولو بقيت الأرض بغير إمام لساخت)(3) ، (ولو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله)(4) ، ذلك أنه عندهم (هو الحجة على أهل الأرض)(5) فلا حجة عندهم سواه، لدرجة أن كتاب الله عندهم ليس بحجة بدون الإمام، (لأن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم)(5) ، والقيم هو أحد أئمتهم الاثني عشر كما تقضي توجهاتهم العقدية.
ولنا أن نسأل: أين إمام الشيعة اليوم؟
لقد توفي الحسن العسكري - إمامهم الحادي عشر - سنة
(1) وقد ورد نسبة البداء بمعنى ظهور حكم الله للناس في حديث شريف في صحيح البخاري: فقد روى أبو هريرة (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن ثلاثة في بني إسرائيل، أبرص وأقرع وأعمى بدا لله (أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً.. إلخ» «صحيح البخاري» ، كتاب بدء الخلق، باب ما ذكر عن بني إسرائيل: (4/146) .
(2)
د. عبد الله فياض (من الروافض المعاصرين)«تاريخ الإمامية» : ص 165.
(3)
من حديث لهم في «الكافي» : (1/179)، وانظر:«البحار» : (23/29) .
(4)
من حديث لهم في «الكافي» : (1/179) .
(5)
من حديث لهم في «الكافي» : (1/188) .
260 هـ (1) بلا عقب كما قاله كبار المؤرخين (2) ، واعترفت كتب الشيعة بأنه (لم ير له خلف ولم يعرف له ولد ظاهر فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه)(3) ، واضطرب الشيعة بعد وفاة الحسن بلا ولد وتفرقوا - فيمن يخلفه - فرقاً شتى بلغت ـ كما يقول المسعودي ـ عشرين فرقة (4) ، أو خمس عشرة فرقة كما يقول القمي (5)، حتى إن بعضهم قال: إن الإمامة قد انقطعت (6) ، وكاد أن يكون موت الحسن بلا عقب نهاية للشيعة والتشيع حيث سقط عموده وهو "الإمام".
ولكن "فكرة غيبة الإمام" كانت هي القاعدة التي قام عليها كيان الشيعة بعد التصدع، وأمسكت ببنيانه عن الانهيار، لهذا أصبح الإيمان بغيبة ابن للحسن العسكري هو المحور الذي تدور عليه
(1) الطوسي: «الغيبة» : ص 258.
(2)
نقل هذا ابن تيمية - كما مر - ص 243 (الهامش) من هذا البحث، وقد ذكر الطبري في حوادث سنة 302هـ أن رجلاً ادعى - في زمن الخليفة المقتدر - أنه محمد بن الحسن بن علي بن موسى بن جعفر، فأمر الخليفة بإحضار مشايخ آل أبي طالب وعلى رأسهم نقيب الطالبين أحمد بن عبد الصمد المعروف بابن طومار، فقال له ابن طومار: لم يعقب الحسن، وقد ضج بنو هاشم من دعوى هذا المدعي وقالوا: يجب أن يشهر هذا بين الناس ويعاقب أشد عقوبة. فحمل على جمل وشهر به في الجانبين يوم التروية ويوم عرفة ثم حبس في حبس المصريين بالجانب الغربي. «الطبري» : (13/26- 27) ، المطبعة الحسينية الطبعة الأولى.
والشاهد قول نقيب الطالبين أن الحسن العسكري لم يعقب، وأن بني هاشم ضجوا من دعوى ذلك المدعي.
(3)
القمي: «المقالات والفرق» : ص 102.
(4)
المسعودي: «مروج الذهب» : (4/190)، وانظر:«الصواعق المحرقة» : ص 168.
(5)
«المقالات والفرق» : ص 102.
(6)
المصدر السابق: ص 108، وانظر: الطوسي: «الغيبة» : ص 135.
عقائدهم ودان بذلك أكثر الشيعة بعد تخبط واضطراب، فلم يكن لهم من ملجأ إلا ذلك.
وإذا كان ابن سبأ هو الذي وضع عقيدة "النص على علي بالإمامة" التي هي أساس التشيع، فإن هناك ابن سبأ آخر هو الذي وضع البديل "لفكرة الإمامة" بعد انتهائها حسياً بانقطاع نسل الحسن، أو أنه واحد من مجموعة وضعت هذه الفكرة لكنه هو الوجه البارز لهذه الدعوى. هذا الرجل يدعى عثمان بن سعيد (1) ، زعم أن للإمام الحسن ولداً قد اختفى وعمره أربع سنوات (2) ، على الرغم من أن هذا الولد - كما تعترف كتب الشيعة ـ لم يظهر في حياة أبيه الحسن ولا عرفه الجمهور بعد وفاته (3) ، ولكن هذا الرجل عثمان بن سعيد هو الذي يزعم أنه يعرفه وأنه وكيله في تسلم أموال الشيعة والإجابة عن أسئلتهم.
ومن الغريب أن الشيعة تزعم أنها لا تقبل إلا قول المعصوم وها هي تقبل في أهم عقائدها دعوى رجل غير معصوم، حيث استجابت الشيعة لهذه الدعوى.
ورفض عثمان بن سعيد ومن معه البوح باسم هذا الولد المزعوم أو ذكر مكان وجوده - وذلك في بادئ الأمر - ففي «الكافي» عن
(1) أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي العسكري، كان يتجر في السمن، ويعتبره الروافض الباب الأول لغائبهم المنتظر ويزعمون له كرامات وصفات كثيرة، توفي عام 280هـ. انظر:«الغيبة» الطوسي: ص 214 وما بعدها.
(2)
اختلفوا في عمره؛ فالطوسي يرى أن عمره أربع سنوات «الغيبة» : ص 258، ويقول المجلسي:(أكثر الروايات على أنه ابن أقل من خمس سنين بأشهر أو بسنة وأشهر)«البحارة» : (25/123) .
(3)
المفيد: «الإرشاد» : ص 345.
أبي عبد الله الصالحي قال: سألت أصحابنا بعد مضي أبي محمد (الحسن العسكري) أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب:(إن دللتم على الاسم أَذاعوه، وإن عرفوا المكان دلوا عليه)(1) ، ولكن ورد في كتب الشيعة أن اسمه محمد، وظل بعض علماء الشيعة ينهون عن التصريح باسمه إِلى اليوم ويكتفون بذكر أحد أَلقابه التي وضعوها له وهي:(المهدي، والحجة، والقائم، والخلف والسيد، والناحية المقدسة، والصاحب، وصاحب الزمان، وصاحب العصر (2) ، وصاحب الأَمر) ، وقد ورد عندهم (صاحب هذا الأَمر لا يسميه باسمه إِلا كافر)(3)، ولما قيل: كيف نذكره؟ قال: قولوا: (الحجة من آل محمد صلوات الله عليه وسلامه)(4) .
ويبدو أَن عملية كتمان اسمه ومكانه ما هي إِلا محاولات لستر هذا الكذب؛ إِذ كيف يسوغ كتمانه وهم يقولون: «من لم يعرف الإِمام فإنما يعرف ويعبد غير الله» (5) .
وفكرة الغيبة كما نادى بها عثمان نادى بها من بعده ابنه محمد ثم بعده النوبختي وأَخيراً السيمري - كما مر - وتسمى فترة نيابة هؤلاء الأَربعة عن المهدي بـ "الغيبة الصغرى" وقد استمرت أربعاً وسبعين سنة (6) .
(1) أصول الكافي: 1/181.
(2)
«حصائل الفكر» : ص35.
(3)
«الكافي» : (1/333) .
(4)
«الكافي» : (1/333) .
(5)
المصدر السابق: (1/333) .
(6)
«كشف الغطا» لآيتهم جعفر النجفي: ص 13، ويبدو أَن هذا التحديد غير متفق عليه بينهم؛ ففي «تنقيح المقال» لشيخهم الممقاني رد لهذا التحديد حيث قال: (وما قيل إِن مدة الغيبة أربع وسبعون سنة اشتباه بلا شبهة إلا أن يحسبها من سنة =
وآخر هؤلاء النواب الأربعة هو «السيمري» ، وقد طور فكرة الغيبة: فبدلاً من أن تكون بيد واحد من الشيعة يزعم أنه يلتقي بالإِمام مباشرة أَعلن انقطاع الصلة المباشرة بالمهدي وقال: كل مجتهد شيعي هو نائب عن الإمام وأَخرج توقيعاً يقول: (أما الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إِلى رواة حديثنا، فإِنهم حجتي عليكم وأَنا حجة الله)(1) .
وما ندري على وجه التأكيد لم قام السيمري بإعلان هذا "الانقطاع المباشر" مع الإِمام؟
قد يكون هذا من أَجل المحافظة على كيان فكرة الغيبة من الانهيار، فقد كثر المتنافسون على دعوى النيابة عن المهدي (2) لما في ذلك من مكاسب مادية كبيرة وقام البعض منهم بفضح الآخر، فمثلاً يقول "الشلمغاني"(3) - وهو أَحد مدعي النيابة عن المهدي الذين لا تعترف بهم الاثني عشرية - (ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح "النائب الثالث للمهدي عند الاثني عشرية" إِلا
= الولادة - أي ولادة منتظرهم المزعومة - ثم ذكر أن: مدتها ثمان أو تسع وستون سنة إلا شهراً) «تنقيح المقال» : (1/189) . وفي كتاب «تاريخ الغيبة الصغرى» أَن مدتها سبعون سنة. محمد باقر الصدر: «تاريخ الغيبة» : ص345.
(1)
«الكافي» بشرحه «مرآة العقول» : (4/55)، «إكمال الدين» : ص 451.
(2)
انظر «البحار» ، باب ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباًُ وافتراء:(51/267-368)، الطوسي:«الغيبة» : ص213.
(3)
محمد بن علي بن أَبي العزاقر الشلمغاني، ممن ادعى النيابة عن مهدي الروافض، ونسبت له مقالات ضالة كالقول بالتناسخ، وقال الطوسي: إِن له حكايات قبيحة وأُمور فظيعة ننزه كتابنا عن ذكرها. وقتل سنة 323. الطوسي: «الغيبة» ، وفي «الكامل» ، و «البداية والنهاية» أَنه قتل سنة 322هـ. انظر: «البداية والنهاية» : (11/179)، «الكامل» :(8/290) .
ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، فلقد كنا نتهارش على هذا الأَمر كما تتهارش الكلاب على الجيف) (1) .
يقول - أَحمد الكسروي معقباً على هذا القول -: (ولقد صدق فيما قال؛ فإِن التخاصم لم يكن إِلا لأَجل الأَموال، كان الرجل يجمع المال ويطمع فيه فيدعي البابية لكيلا يسلمه إِلى آخر)(2) .
ولقد كانت مسألة "غيبة الإِمام" - وهي من أَركان المذهب الشيعي - من المسائل التي حيرت كثيراً من الشيعة لشكهم في أَمره وطول غيبته، وانقطاع أَخباره.
يقول ابن بابويه القمي: (رجعت إلى نيسابور، وأقمت فيها فوجدت أَكثر المختلفين عليَّ من الشيعة قد حيرتهم الغيبة، وقد دخلت عليهم في أَمر القائم عليه السلام الشبهة)(3) .
وهذا الشك في أَمر منتظرهم في عصر ابن بابويه (ت 381) ، فكيف يكون الآن بعد مضي هذه القرون الطويلة؟!
ذلك أَن الأَسباب التي يذكرها الشيعة علة لغيبته لا يقتنع بها عاقل؛ فالشيعة يعللون سبب غيبته بأَنه "يخاف القتل"(4) ، مع أَنهم يقولون بأَن الأئمة يعلمون متى يموتون ولا يموتون إِلا باختيار منهم (5) ، فكيف يحتجب خوفاً وأمر الموت بيده؟!! ثم لماذا لم يقتل
(1)«الغيبة» الطوسي: ص241.
(2)
«التشيع والشيعة» : ص 33.
(3)
«إكمال الدين» : ص 2.
(4)
الكليني: «الكافي» حيث ذكر عدة أحاديث لهم تفيد ذلك: (1/337، 338، 340)، وانظر: الطوسي: «الغيبة» : ص 199، وانظر: أَبو طالب التبريزي: «المهدي» : ص 118.
(5)
هذا من أَبواب «الكافي» : (1/258) - كما مر -.
واحد من هؤلاء النواب الأَربعة الذين يزعمون الاتصال به مباشرة وهم ليسوا كالإِمام لا يموتون إِلا باختيار منهم؟. ثم لم يظهر حين تولى الشيعة الحكم باسمه وأصبحت لهم السلطة؟!
يقول الكسروي: (إِذا كان منتظرهم قد اختفى لخوفه على نفسه، فلِمَ لم يظهر عندما استولى آل بويه الشيعيون على بغداد، وصيروا خلفاء بني العباس طوع أمرهم؟ فلم لم يظهر عندما قام الشاه إِسماعيل الصفوي وأجرى من دماء السنيين أَنهاراً؟ فلم لم يظهر عندما كان كريمخان الزندي ـ وهو من أكابر سلاطين إيران ـ يضرب على السكة اسم إِمامكم «صاحب الزمان» ويعد نفسه وكيلاً عنه؟ وبعد فلم لا يظهر اليوم وقد كمل عدد الشيعيين ستين مليوناً وأَكثرهم من منتظريه؟! (1) .
ولو كان الكسروي حيّاً لقال - ولم لم يظهر وقد قامت دولة "الخميني" الذي يزعم النيابة عن المعصوم في كل شيء؟!!
وقد أَلّف علماء الشيعة مؤلفات كثيرة في موضوع "الغيبة"(2) ، وزعم بعض علمائهم أَنه على صلة مباشرة بالمهدي كما مر، وادعوا أن من كتب رقعة وأَرسلها بطريقة معينة ودعاء معين (3) فإِنها تصل للمهدي، وما كل ذلك إِلا لإقناع قومهم بهذه "العقيدة"، وبدأوا يسمون هذه العقيدة بالمهدية، ويدعون أَنها مسألة مجمع عليها بين السنّة والشيعة لأن الجميع يؤمنون بالمهدي (4) . وعظموا من أمر هذه العقيدة وبالغوا
(1)«التشيع والشيعة» : ص 42.
(2)
وفي «الذريعة إِلى تصانيف الشيعة» ذكر 54 كتاباً لشيوخهم في الغيبة «الذريعة» : (16/ 74-84)، وانظر: مقدمة «إِكمال الدين» لمحمد مهدي السيد حسن الموسوي وقد ذكر 36 كتاباً أُلّفت عندهم في موضوع "الغيبة".
(3)
سيأتي ذكرها في مبحث آراء دعاة التقريب في مسألة الغيبة.
(4)
يختلف اعتقاد أَهل السنة في المهدي عن اعتقاد الشيعة من وجوه كثيرة، فعقيدة =
- كعادتهم - فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن منتظرهم: (من أنكر القائم من ولدي فقد أَنكرني)(1)، وأَن جعفر الصادق سئل عمن أَقر بالأئمة جميعاً وجحد الآخر - أي الإمام الغائب - فقال: كمن أَقر بعيسى وجحد محمداً أَو أَقر بمحمد وجحد عيسى، نعوذ بالله من جحد حجة من حججه (2)، وقال ابن بابويه القمي:(ومثل من أنكر القائم عليه السلام في غيبته مثل إبليس في امتناعه عن السجود لآدم)(3) .
وأن من انتظر خروج هذا القائم فهو (كالمتشحط في دمه في سبيل الله)(4) وهو كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) .
وقال لطف الله الصافي (6) : (والأخبار الواردة في فضيلة الانتظار كثيرة متواترة)(7) .
= المهدي عند الشيعة من أصول دينهم كما رأينا ومن جحد المهدي كمن جحد نبياً من الأنبياء، بينما هي عند السنّة ليست من العقائد الأساسية، وينظرون إِلى المهدي على أَن خبره من الأَخبار الكثيرة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحداث آخر الزمان، وقد أَنكر ثبوته بعضهم كابن خلدون ولم يكفره أحد من السّنّة.
ثم إِن الشيعة يؤخرون تطبيق بعض أحكام الشريعة إِلى حين خروجه كتركهم صلاة الجمعة والبدء بالجهاد إِلخ.. بخلاف السنّة.
وتزعم الشيعة أَن عنده القرآن الكامل، ومصحف فاطمة إلخ ولا شيء من ذلك عند السنّة، ثم هم يختلفون مع السنّة في اسمه، وفي وصفه خلافاً كثيراً لا مجال لذكره..
(1)
«إكمال الدين» : ص 390.
(2)
محمد إبراهيم النعماني: «الغيبة» : ص55.
(3)
«إكمال الدين» : ص 13.
(4)
انظر: «منتخب الأثر» لطف الله الصافي: ص 498.
(5)
المصدر السابق: ص 498.
(6)
من علماء الشيعة الإيرانيين - معاصر - مقيم في قم. من كتبه: مع الخطيب في خطوطه العريضة وغيره.
(7)
«منتخب الأثر» : حاشية: 499.
وانتظار خروجه من غيبته من أصول الدين عندهم في «الكافي» عن أبي جعفر أنه قال لمن سأله عن دينه الذي يدين الله به: (والله لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله به، شهادة أن لا إله إلا الله، وأَنّ محمداً رسول الله.. وانتظار قائمنا)(1) .
ولهذا ظل الشيعة إلى أواخر القرن الرابع عشر الميلادي الذي صنف فيه ابن خلدون تاريخه الكبير يجتمعون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب سرداب سامراء (2) فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم، ثم ينفضون كل منهم إلى بيته بعد طول الانتظار وهم يشعرون بخيبة الأمل والحزن (3) .
وكان هذا الانتظار مثار سخرية الساخرين حتى قيل:
ما آن للسرداب أن يلد الذي
…
كلمتموه بجهلكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم
…
ثلثتم العنقاء والغيلانا (4)
ومع ذلك فإن نصوص الشيعة تدعو كل شيعي منذ أكثر من أحد عشر قرناً إلى الآن إلى أن لا يبايع لخليفة من خلفاء المسلمين إلا تقية، وإنما البيعة لهذا المنتظر وعليه أن يجدد البيعة له في اعتقاده وقوله وأدعيته.
(1)«الكافي» عن «منتخب الأثر» : ص499.
(2)
سامراء - لغة في سر من رأى، مدينة بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة. وبها السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخرج منه.. «معجم البلدان» :(3/173)، وانظر: في وصف هذا السرداب: مجلة لغة العرب، ماذا يرى في سامراء؟، كاظم الدجيلي المجلد الأول ص 144 وما بعدها.
(3)
أمير علي - شيعي معاصر - «روح الإسلام» : (1/210)، وانظر:«مقدمة ابن خلدون» : (2/531-532) .
(4)
انظر: «الصواعق المحرقة» : ص 168.
فمن أَدعيتهم اليومية الخاصة بصاحب الأمر دعاء يسمونه "دعاء العهد" وفيه: (اللهم إني أُجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً أو عقداً أو بيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً..)(1) .
وفي دعاء يومي آخر لصاحب الأمر يقول: (اللهم هذه بيعة له في عنقي إلى يوم القيامة) .
قال المجلسي: (..ويصفق بيده اليمنى على اليسرى كتصفيق البيعة) .
ومعظم الشيعة لا يقيمون صلاة الجمعة في زمن الغيبة ويقولون: (الجمعة والحكومة لإمام المسلمين)(2) .
وإمام المسلمين عندهم من أكثر من أحد عشر قرناً هو هذا "المنتظر"، فهم يعطلون فريضة من فرائض الله بسبب هذه الدعوى الغريبة (3) .
(1)«مفتاح الجنان» : عباس القمي: ص 538- 539.
(2)
«مفتاح الكرامة» : كتاب الصلاة: (2/69) .
(3)
ومعظم الشيعة إلى اليوم لا يقيمون صلاة الجمعة، يقول كاظم الكفائي - وهو من علماء الشيعة المعاصرين -:(في العراق الآن الشيعة لا يصلون الجمعة إِلا الشيخ الخالصي في المسجد الصفوي في الصحن الكاظمي) .. حديث لكاظم الكفائي كتبه بخطه ونشره د. علي السالوس في كتابه: «فقه الشيعة» . هامش: ص 203.
وحينما سأل أفراد الشيعة كبير مشايخهم وهو محسن الحكيم عن دليلهم في شرطية وجوب الإمام لصلاة الجمعة كان جوابه بأن لا يسأل هذا السؤال. ثم إن بعض علماء الشيعة يقول بوجوب صلاة الجمعة ولا يقيمها. انظر: «نص الكتاب ومتواتر الأخبار على وجوب الجمعة في جميع الأعصار» : محمد عبد الرضا الأسدي: ص 24، 27-28.
ويزعمون أن مهديهم هذا يغير من شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي «البحار» للمجلسي:(ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم..)(1) ، (وأنه يحكم بحكم سليمان، وداود، وآل داود لا يسأل الناس بينه)(2)(وأنه يحكم بينهم مرة بحكم آدم ومرة بحكم داود ومرة بقضاء إبراهيم وفي كل واحد منها يعارضه بعض أصحابه.. فيضرب أعناقهم ثم يقضي الرابعة بقضاء محمد فلا ينكر أحد عليه)(3) ، (وأن القائم إذا خرج قتل ذراري قتلة الحسين بفعال آبائهم)(4)، ويقولون إن منتظرهم:(يسير في العرب بما في الجفر الأحمر - وهو قتلهم)(5) ، (وإنه يقتل المولّي ويجهز على الجريح)(6) .
ويعترفون بأن ذلك خلاف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي والحسن، ففي «البحار» :(أن عليّاً والحسن يسيران بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث رحمة للعالمين، وأن القائم بعث نقمة على الظالمين)(7) ، ومقتضى هذا - عندهم - أنه لا يسير سيرتهم.
(وأنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين)(8) .
ويذكرون أن "مهديهم" يقوم بعملية هدم وتخريب في الحرمين
(1)«البحار» : (52/349) .
(2)
«البحار» : (52/319- 320) .
(3)
«البحار» : (52/389) .
(4)
«البحار» : (52/313) .
(5)
«البحار» : (52/313، 318) .
(6)
«البحار» : (52/353) .
(7)
المجلسي: «البحار» : (52/314) .
(8)
الفضل بن الحسن الطبرسي: «أعلام الورى» : ص 431، «البحار» :(52/152) .
الشريفين، ففي الغيبة (أن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أساسه، ويرد البيت إلى موضعه وأقامه على أساسه - هكذا -..)(1) .
ويعترفون بأن "منتظرهم" يحاول أن يصرف الناس عن هذا القرآن ويخرج لهم قرآناً يزعم أنه هو القرآن الكامل الذي أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر نقل ذلك عنهم (2) .
كما أنهم يدعون أن عند مهديهم مصحف فاطمة، والكتب السماوية السابقة، والجفر، والجامعة وغيرها من العلوم التي يزعمون أن "القائم" ورثها عن الأئمة (3) - كما سلف -.
ومن العجب أنهم كانوا يؤقتون خروجه في أول الأمر بوقت معين، ففي «الكافي» :(أن علياً - كما يزعمون - سئل: كم تكون الحيرة والغيبة؟ قال: ستة أيام، أو ستة أشهر أو ست سنين..)(4) .
وهذا التوقيت القريب - فيما يبدو - لأجل إقناع شيعتهم بهذه الدعوى في مبدأ نشأتها حتى تشب ويصلب عودها ويكثر مصدقها.
ثم أعلنوا - بعد ذلك - أنه لا وقت معيناً لخروجه، وذلك بعد أن طال بهم الانتظار واستبدت بهم الحيرة، جاء في «الكافي» :(كذب الوقاتون، إنا أهل بيت لا نؤقت)(5) .
(1) الطوسي: «الغيبة» : ص 282، وانظر المجلسي:«البحار» : (52/338) .
(2)
انظر: ص 202 - 203 من هذا البحث.
(3)
انظر: ص 246 وما بعدها، ص 225 وما بعدها من هذا البحث.
(4)
«الكافي» : (1/338)، وانظر: الطوسي: «الغيبة» : ص 263.
(5)
«الكافي» ، كتاب الحجة، باب كراهة التوقيت:(1/368)، انظر: الطوسي: «الغيبة» : ص 262، وانظر:«نور الثقلين» : (2/107) .