الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول:
تعريف الشيعة
ونشأتهم وفرقهم
تعريف الشيعة:
الشيعة في اللغة: هم الأتباع والأنصار.
جاء في «القاموس» : (شيعة الرجل بالكسر أتباعه وأنصاره، والفرقة على حده، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، وجمعه أشياع وشيع)(1) .
(وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة.. وكل من عاون إنساناً وتحزب له فهو له شيعة)(2) .
قال الأزهري (3) : (معنى الشيعة: الذين يتبع بعضهم بعضاً وليس كلهم متفقين)(4) .
(1)«القاموس» : مادة شاع.
(2)
«تاج العروس» : مادة شاع: (8/405) .
(3)
محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح الأزهري، اللغوي، الأديب، الهروي الشافعي (أبو منصور)، قال السيوطي: كان رأساً في اللغة وكان عارفاً بالحديث عالي الإسناد، شديد الورع وله من التصانيف:«التهذيب في اللغة» ، و «التقريب في التفسير» وغيرهما توفي سنة 370هـ وكان مولده سنة 282هـ. السيوطي:«بغية الوعاة» : (1/19 - 20) .
(4)
كذا في «اللسان» : (10/55) مادة شاع. وكذا في بعض النسخ الخطية لكتاب =
فالتشيع بمعناه اللغوي هنا يعني المناصرة والمتابعة، أو الاجتماع على أمر أو التحزب لشخص، ويضيف الأزهري: معنى عدم وجود الوفاق التام بينهم (1) وهو هنا لا يحدد فرقة بعينها، ولكنه غلب فيما بعد كما يقول صاحب «القاموس» على كل من يتولى علياً وأهل بيته حتى صار اسماً لهم خاصاً (2) ، فإذا قيل فلان من الشيعة عرف أنه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم (3) .
والشيعة في الاصطلاح: يقول شيخ الشيعة وعالمها في زمنه "المفيد"(4) بأن لفظ الشيعة يطلق على (أتباع أمير المؤمنين على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول صلوات الله عليه وآله بلا فصل، ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة، وجعله في الاعتقاد متبوعاً لهم غير تابع لأحد منهم على وجه الاقتداء)(5) ثم يذكر أنه يدخل في هذا التعريف "الإمامية والجارودية الزيدية"، أما باقي فرق الزيدية فلا تشملهم سمة التشيع وليسوا من الشيعة وكذا الفرق الأخرى (6) .
= الأزهري «تهذيب اللغة» ، وقد ورد في نسخة أخرى من النسخ الخطية للكتاب هذا النص المذكور بصيغة أخرى نصها:(الشيعة: الذي يتبع بعضهم بعضاً، ومعنى الشيع: الفرق التي كل فرقة منهم يتبع بعضهم بعضاً، وليس كلهم متفقين..) انظر: «تهذيب اللغة» مادة شاع: (3/62) بتحقيق عبد السلام هارون.
(1)
انظر هامش رقم (4) في الصفحة السابقة.
(2)
«القاموس» : مادة شاع.
وهذا التخصيص لمفهوم التشيع بمن يتولى عليّاً وأهل بيته لا يحدد في واقع الأمر فرقة الشيعة بذاتها، لأن أهل السنة يتولون علياً وأهل بيته.
(3)
«تاج العروس» مادة شاع: (8/405) .
(4)
أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالمفيد، من كبار مشايخ الشيعة ت 413هـ. انظر:«لؤلؤة البحرين» : (ص 356 - 372) .
(5)
، (6) المفيد:«أوائل المقالات» : ص 39.
ومما يلاحظ على تعريف المفيد للشيعة:
(1)
أنه لم يشر إلى اعتبار الأئمة بعد علي، مع أنهم يقولون بأن من لم يؤمن بـ "الأئمة" بعد علي فليس من الشيعة.
(2)
أنه لم يذكر في تعريفه مسألة النص على عليٍّ من الله ورسوله - كما يعتقدون - وأن من لم يؤمن بالأئمة وبالنص عليهم فليس من الشيعة عندهم.
كما يلاحظ أنه ينص في تعريفه على إخراج معتدلي الزيدية من وصف التشيع، ولا يصدق وصف التشيع - في نظره - إلا على "الجارودية"، في حين أنه فتح المجال في تعريفه لدخول فرق الغالية كلها.
أما قوله في التعريف: بالاعتقاد بإمامة علي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بلا فصل؛ فإننا نجد شرحاً لهذه الجملة في كتاب آخر له حيث قال: (وكانت إمامة أمير المؤمنين بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون سنة - كذا - منها أربع وعشرون سنة وستة أشهر كان ممنوعاً من التصرف في أحكامها مستعملاً للتقية والمداراة، ومنها خمس سنين وستة أشهر ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين (1) ، ومضطهداً بفتن الضالين كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها خائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً لا يتمكن من جهاد الكافرين ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين، ثم هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً
(1) ورد في «معاني الأخبار» لشيخهم ابن بابويه القمي أن المراد بالناكثين: الذين بايعوه بالمدينة ونكثوا بيعته بالبصرة هكذا. "وبالقاسطين" معاوية وأصحابه من أهل الشام، "وبالمارقين": أصحاب النهروان. «معاني الأخبار» : ص 204.
للمشركين ممتحناً بالمنافقين إلى أن قبضه الله - جل اسمه - إليه وأسكنه جنات النعيم) (1) .
وإذا كان تعريف «المفيد» للشيعة ليس بجامع لمعنى التشيع لما ذكرنا، فإن كتب المقالات والفرق الشيعية القديمة ككتاب «فرق الشيعة» للنوبختي، و «المقالات والفرق» لسعد القمي لم تسعفنا بتعريف جامع للشيعة، وتكتفي في تعريف الشيعة بالقول بأنهم:(أتباع علي بن أبي طالب)(2) . وفي كلام لشيخهم الطوسي (3) عن النص والوصية نراه يربط التشيع بالاعتقاد بكون علي إماماً للمسلمين بوصية من الرسول، وبإرادة من الله (4) .
فالطوسي هنا يجعل الاعتقاد بالنص هو أساس التشيع، ولهذا يخرج الطوسي السليمانية الزيدية من الفرق الشيعية لأنهم لا يقولون بـ "النص"(5)، بل يقولون:(إن الإمامة شورى، وأنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين وأنها قد تصلح في المفضول، ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر)(6) . وينطبق رأي الطوسي على كل من يقول من فرق الزيدية برأي السليمانية كالصالحية والبترية، فلا ينتظم في
(1)«الإرشاد» : ص 12.
(2)
«المقالات والفرق» لسعد القمي: ص 3، «فرق الشيعة» النوبختي: ص 2.
(3)
شيخ الإمامية ورئيس الطائفة، أبو جعفر محمد بن الحسين بن علي الطوسي، وهو مؤلف كتابين من كتبهم الأربعة (التي يعدونها كالكتب الستة عند أهل السنة) وهما:«تهذيب الأحكام» ، و «الاستبصار» ، توفي سنة 460هـ وكانت ولادته سنة 385هـ. الطوسي:«الفهرست» : (ص 188 - 190)، «لؤلؤة البحرين» :(ص 293 - 304) .
(4)
«تلخيص الشافي» : الطوسي: (2/56) .
(5)
المصدر السابق: (2/56) .
(6)
«مقالات الإسلاميين» : الأشعري: (1/143) .
سلك التشيع - في اعتقاد الروافض - من فرق الزيدية سوى الجارودية من الزيدية (1) ، وخالص القول أن الإيمان بالنص على إمامة علي يعتبر عندهم لباب التشيع، لهذا نجد بعض علمائهم المعاصرين يعرف الشيعة على هذا النحو، فيقول إن لفظ الشيعة:(عَلَم عَلَى من يؤمن بأن عليّاً هو الخليفة بنص النبي)(2) .
وتعريف الشيعة على هذا النحو يغفل هو الآخر بعض الجوانب الأساسية في التعريف بالشيعة عندهم، حيث لم يذكر الإيمان بباقي الأئمة بعد علي رضي الله عنه (3) .
لهذا نرى بعض كتاب الشيعة المعاصرين يولي وجهه تعاريف أهل السنّة للشيعة ويختار تعريف ابن حزم لهم ويعتبره (من أكثر التعاريف شمولاً وأقربها للتدقيق)(4) .
يقول ابن حزم: (ومن وافق الشيعة في أن علياً رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعي، وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون، فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعياً)(5) .
(1) انظر التعريف بالزيدية في هذا البحث.
(2)
محمد جواد مغنية: «الشيعة في الميزان» : ص 15.
(3)
ولا يقال: إن هذا التعريف ينطبق على الشيعة من حيث المنشأ قبل وجود الأئمة بعد علي، لأن في كتبهم ما يشير إلى وجود النص على الأئمة جميعاً؛ ففي كتاب «غاية المرام» باب في نص رسول الله على علي أمير المؤمنين بأنه الإمام بعده وبنيه الأحد عشر هم الأئمة الاثنا عشر وخلفاؤه وأوصياؤه، وفيه 19 حديثاً من طرق الشيعة.
(4)
د. عبد الله فياض: «تاريخ الإمامية» : ص 33.
(5)
«الفصل» : ابن حزم: (2/107) .
ويعلل الرافضي اختياره لتعريف ابن حزم بقوله: (ومما حدانا إلى تفضيل تعريف ابن حزم أن الاعتراف بأفضلية الإمام علي على الناس بعد رسول الله، وأنه الإمام الخليفة بعده وأن الإمامة في ذريته من فاطمة؛ هو أس التشيع وجوهره)(1) .
وإن من يقرأ كلام الشيعة عن عقائدهم كالعصمة، والتقية، والرجعة، وغيرها يرى أنهم يغالون في كل عقيدة من عقائدهم بحيث يربطون وصف التشيع بالإيمان بتلك العقيدة، مثل قولهم:(من لم يؤمن بكرَّتنا (2) ويقل بمتعتنا فليس منا) ، وغيره مما سيأتي مما يتضمن نفي صفة التشيع عمن لم يؤمن بتلك العقائد، ولا نرى لهذه العقائد ذكراً في التعريفات مع أنهم يعتبرونها لباً وجوهراً للتشيع.
ونجد الإمام الشهرستاني (3) يقدم لنا تعريفاً للشيعة يعتبر من أكثر التعاريف شمولاً لعقائد الشيعة فيقول: (الشيعة هم الذين شايعوا عليّاً رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصية إما جليّاً، وإما خفيّاً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقيَّة من عنده وقالوا:"ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة" وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم الصلاة
(1) د. عبد الله فياض: «تاريخ الإمامية» : ص 34.
(2)
يعنون بها الرجعة، وسيأتي تخريج حديثهم هذا في مبحث عقيدتهم في الرجعة.
(3)
محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح المعروف بالشهرستاني، قال السبكي: كان إماماً مبرزاً، مقدماً في علم الكلام والنظر، برع في الفقه والأصول والكلام، ومن تصانيفه:«الملل والنحلل» ، و «نهاية الأقدام» ، توفي سنة 548هـ وكانت ولادته عام 467هـ وقيل 479هـ. انظر:«طبقات الشافعية» : (6/128 - 130)، «مرآة الجنان» :(3/284 - 290) .
والسلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله. ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري قولاً وفعلاً وعقداً إلا في حال التقية، ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك) (1) .
ومن هذا التعريف يتبين أن جميع فرق الشيعة ما عدا بعض الزيدية يتفقون على وجوب اعتقاد الإمامة، والعصمة، والتقية.
وسنرى أن الاثني عشرية يقولون بعقائد أخرى كالغيبة، والرجعة والبداء أيضاً.
ولكننا نجد الإمام الأشعري رحمه الله يكتفي في تعريف الشيعة بقوله: (إنما قيل لهم الشيعة لأنهم شايعوا عليّاً صلى الله عليه وسلم ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)(2) .
وهو تعريف ينطبق على أول سلم التشيع، وهو تشيع الزيدية (ما عدا طائفة الجارودية) . وبتعبير آخر هو تعريف "للمفضلة" من الشيعة، وهم الذين يفضلون عليّاً على أبي بكر وعمر وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيعة الاثنا عشرية لا يعتبرون مجرد تقديم علي على سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كافياً في التشيع، بل لا بد من الاعتقاد بأن خلافة علي بالنص واعتقاد أن خلافته بدأت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى استشهاده رضي الله عنه.
ويمكن أنه يقال إن الأشعري بتعريفه هذا قد أخرج الروافض
(1) الشهرستاني: «الملل والنحل» : (1/146 - 147) .
(2)
«مقالات الإسلاميين» : (1/65) .