الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من دائرة التشيع، لأنه لم يذكر ما يعتبرونه الأساس في التشيع في تعريفه.
التعريف المختار للشيعة:
ومع كل ما ورد في هذا المساق فقد تكون الرؤية في هذا المقام أكثر دقة إذا نحن نظرنا إلى بعض الملابسات. ولذا فإني أرى أن تعريف الشيعة مرتبط أساساً بأطوار نشأتهم ومراحل التطور العقدي لهم، ولهذا كان في الصدر الأول لا يسمى شيعيّاً إلا من قدّم عليّاً على عثمان، ولذلك قيل شيعي وعثماني، والشيعي من قدّم عليّاً على عثمان، والعثماني من قدّم عثمان على علي رضي الله عنه (1) .
فعلى هذا يكون تعريف الشيعة في الصدر الأول مقصوراً على الذين يقدمون عليّاً على عثمان فقط.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن: (الشيعة الأولى الذين كانوا على عهد علي كانوا يفضلون أبا بكر وعمر (2)، ولما سأل سائل شريك بن عبد الله (3) فقال له أيهما أفضل: أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر. قال له السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فقال له: نعم، ومن لم يقل هذا فليس شيعيّاً، والله لقد رقي عليٌّ هذه الأعواد، فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، فكيف نرد قوله وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذاباً) (4) .
(1) نشوان الحميري: «الحور العين» : ص 179، وانظر: ابن المرتضي: «المنية والأمل» : ص 81.
(2)
«منهاج السنة» : (2/60) تحقيق: رشاد سالم.
(3)
شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي أبو عبد الله المدني. توفي سنة 140هـ، وقد أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما. انظر:«الخلاصة» : ص 166، «تقريب التهذيب» :(1/351) .
(4)
«منهاج السنة» : (1/7-8) تحقيق: رشاد سالم.
وروى ابن بطة عن شيخه المعروف بأبي العباس بن مسروق: حدثنا محمد بن حميد، حدثنا جرير عن سفيان عن عبد الله بن زياد بن حدير قال: قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة، قال لنا شمر بن عطية: قوموا إليه، فجلسنا إليه، فتحدثوا، فقال أبو إسحاق: خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما، وقدمت الآن وهم يقولون ويقولون، ولا والله ما أدري ما يقولون (1) .
قال محب الدين الخطيب (2) : (هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور التشيع، فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها، ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلاث سنين، وعمَّر حتى توفي سنة 127هـ، وكان طفلاً في خلافة أمير المؤمنين علي. وهو يقول عن نفسه رفعني أبي حتى رأيت علي بن أبي طالب يخطب، أبيض الرأس واللحية، ولو عرفنا متى فارق الكوفة ثم عاد فزارها لتوصلنا إلى معرفة الزمن الذي كان فيه شيعة الكوفة علويين يرون ما يراه إمامهم من تفضيل أبي بكر وعمر، ومتى أخذوا يفارقون عليّاً ويخالفونه فيما كان يؤمن به ويعلنه على منبر الكوفة من أفضلية أخويه صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وخليفتيه على أمته في أنقى وأطهر أزمانها)(3) .
(1)«المنتقى» : ص 360 (مختصر منهاج السنة) .
(2)
محب الدين بن أبي الفتح محمد بن عبد القادر بن صالح الخطيب، من كبار الكتاب الإسلاميين، تولى تحرير مجلة الأزهر 6 سنوات وأصدر مجلتيه: الزهراء، والفتح، ونشر عدداً كبيراً من كتب التراث، ومن مؤلفاته:«الرعيل الأول» ، «تاريخ مدينة الزهراء» وغيرهما. توفي سنة 1389هـ، وكان مولده سنة 1303هـ. «الأعلام» :(5/282) طبعة دار الملايين.
(3)
«حاشية المنتقى» : (ص 360 - 361) .
وقال ليث بن أبي سليم (1) : (أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحداً)(2) .
وذكر صاحب مختصر التحفة: (أن الذين كانوا في وقت خلافة الأمير ـ كرم الله وجهه ــ من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، كلهم عرفوا له حقه، وأحلوه من الفضل محله، ولم ينتقصوا أحداً من إخوانه أصحاب رسول الله ? فضلاً عن إكفاره وسبه، بيد أن منهم من قاتل معه على تأويل القرآن كما قاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على تنزيله، فقد كان معه رضي الله عنه في حرب صفين من أصحاب بيعة الرضوان ثمانمائة صحابي، وقد استشهد منهم تحت رايته هناك ثلاثمائة)(3) .
ولكن مبدأ التشيع تغير فأصبحت الشيعة شيعاً، لهذا نرى الإمام زيداً يسمي الطاعنين في الشيخين بالروافض ويجردهم من وصف الشيعة لأنهم لا يستحقونه.
ومن عرف التطور العقدي لطائفة الشيعة لا يستغرب وجود طائفة من أعلام المحدثين وغير المحدثين من العلماء الأعلام أطلق عليهم لقب الشيعة، وقد يكونون من أعلام السنّة، لأن للتشيع في زمن السلف
(1) ليث بن أبي سليم القرشي الكوفي: هو أحد العلماء والنساك، أدرك عكرمة وأخذ عنه، وهو من شيوخ معمر وشعبة والثوري، وكان من أعلم أهل الكوفة بالمناسك، توفي سنة 143هـ، وقد أخرج له أصحاب السنن، وأخرج له مسلم مقروناً بغيره. قال ابن حجر: صدوق اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه فترك. انظر: «تقريب التهذيب» : (2/138)، «تهذيب التهذيب» :(8/465 - 468)، «الكاشف» :(3/14) .
(2)
«المنتقى» : (ص 360 - 361) .
(3)
«مختصر التحفة الاثني عشرية» : ص 3.
مفهوماً وتعريفاً غير المفهوم والتعريف المتأخر للشيعة، ولهذا قال الإمام الذهبي (1)(ت 748هـ)، في معرض الحديث عمن رمى ببدعة التشيع من المحدثين قال: (إن البدعة على ضربين فـ"بدعة صغرى" كغلو التشيع أو كالتشيع من غير غلو، فهذا كثير في التابعين وأتباعهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة، ثم "بدعة كبرى" كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، وأيضاً فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم والتقِيَّة والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله؟ حاشا وكلاّ.
فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليّاً رضي الله عنه وتعرض لسبهم.
والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفّر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين، فهذا ضال مفتر) (2) .
(1) محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الأصل الفارقي ثم الدمشقي (أبو عبد الله شمس الدين الذهبي) ، الحافظ الكبير المؤرخ صاحب التصانيف السائرة في الأقطار، قال ابن حجر:(مهر في فن الحديث وجمع فيه المجاميع المفيدة، وجمع تاريخ الإسلام فأربى فيه على ما تقدم) ومن كتبه: «تاريخ الإسلام» ، «ميزان الاعتدال» وغيرهما، توفي سنة 748هـ في دمشق وكان مولده في سنة 673هـ. انظر ابن شاكر الكتبي:«فوات الوفيات» : (3/315 - 317)، ابن حجر:«الدرر الكامنة» : (3/426 - 427)، الشوكاني:«البدر الطالع» : (2/110 - 112) .
(2)
«ميزان الاعتدال» : (1/5 - 6)، وانظر:«لسان الميزان» لابن حجر: (1/9 - 10) .
أما الشيعة التي أعنيها بالحديث، والطور من التشيع الذي أقصده فهو التشيع الذي يستقي عقيدته ودينه من الأصول الحديثية الأربعة عندهم وهي:(الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه) تلك التي يعتبرونها كالكتب الستة عند أهل السنّة، وما أُلحق بها في الاعتبار من المصادر الأربعة المتأخرة عندهم، وهي:(الوافي، والبحار، والوسائل، ومستدرك الوسائل) وما رأى علماء التشيع أنه بدرجة هذه الكتب من مؤلفاتهم (1) . هذا هو التشيع الذي نعنيه، وهو الذي ندرس مسألة التقريب على ضوئه.
نشأة الشيعة:
وردت عدة أقوال في «بداية التشيع» ووقت ظهور الشيعة، منها ما يحمل "طابع" الدعاية للشيعة وإثبات أصالتها ومحاولة الرد على الأقوال التي تنسب بدايات التشيع إلى مصادر أجنبية، ومنها ما يهدف للوصول إلى الحقيقة.. وما دمنا قد التزمنا أن نعرف الشيعة من مصادرها ثم نفسح المجال بعد ذلك "للرأي الآخر"، فبناء على ذلك نبدأ بذكر الرأي الشيعي، مع ملاحظة أن محور البحث هنا هو الإشارة إلى الآراء في أصل التشيع، ولا يعنينا بحث التطور العقدي للشيعة والفِرق الشيعية، فهذا موضوع يطول استعراضه ودراسته ولا مجال له هنا.
أصل الشيعة:
أولاً: يزعم بعض الروافض - في القديم والحديث - أن الرسول ? هو الذي بذر بذرة التشيع وأن الشيعة ظهرت
(1) سيأتي تفصيل لهذا في مبحث مصادرهم في التلقي.
في عصره، وأن هناك بعض الصحابة الذين يتشيعون لعلي ويوالونه في زمنه صلى الله عليه وسلم.. يقول القمي (ت 301) :(فأول الفرق الشيعية وهي فرقة علي بن أبي طالب "ع" المسلمون شيعة علي "ع" في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي، وأبو ذر، وعمار (1)) وبمثل هذا يقول النوبختي (2)(ت 310) . ويقول محمد حسين آل كاشف الغطاء من مجتهديهم المعاصرين (ت 1373هـ) : (إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة الإسلامية - يعني أن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب، وسواء بسواء، ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والرعي حتى نمت وازدهرت في حياته ثم أثمرت بعد وفاته)(3) .
ويقول بهذا الرأي طائفة أخرى من الشيعة (4) .
ويرى د. محمود صبحي: (أن إرجاع التشيع من الناحية التاريخية إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليس إلا محاولة من جانب متكلمي الشيعة لنقض دعوى خصومهم القائمة على رد معتقدات الشيعة إلى أصول أجنبية)(5) .
والخطأ الأكبر في هذه المحاولة أو الحيلة هو - كما يقول د. علي
(1) القمي: «المقالات والفرق» : ص 15.
(2)
النوبختي: «فرق الشيعة» : ص 15، وانظر: الرازي (من الإسماعيلية) : «الزينة» : ص 205 (مخطوط) .
(3)
«أصل الشيعة وأصولها» : ص 43.
(4)
انظر: محمد حسن الزين: «الشيعة في التاريخ» : ص 29 - 30.
(5)
محمود صبحي: «نظرية الإمامة» : ص 30.
سامي النشار -: (أنه لم يكن بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم شيعة وسنّة، وقد أعلن الله في القرآن: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)(1) . لا التشيع ولا التسنن) (2) . والجميع شيعة للمصطفى صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للشيعة وجود زمن أبي بكر وعمر وعثمان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:(ففي خلافة أبي بكر وعمر وعثمان لم يكن أحد يسمى بالشيعة، ولا تضاف الشيعة إلى أحد)(3) .
ويرى الشيخ موسى جار الله أن هذه "المقالة" من الشيعة مغالطة فاحشة خرجت عن حدود كل أدب وأنها افتراء على النبي محمد ? وتحريف للآيات ولعب بالكلمات. ويتعجب من قول آل كاشف الغطاء (أن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة) .. فيقول: (أي حبة بذر النبي حتى أنبتت سنابل اللعن والتكفير للصحابة وخيار الأمة وسنابل الاعتقاد بأن القرآن محرف بأيدي منافقي الصحابة، وأن وفاق الأمة ضلال، وأن الرشاد في خلافها حتى توارت العقيدة الحقة في لُجٍّ من ضلال الشيعة جَم)(4) .
ثانياً: القول الثاني: أن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث وجد من يرى أحقية علي بالإمامة، ويتشيع له، وهم بعض الصحابة - رضوان الله على الجميع - كسلمان وأبي ذر، والمقداد، وهذا الرأي قال به بعض الشيعة (5) بتفسير خاص له وقال به بعض
(1) آل عمران: آية 19.
(2)
«نشأة الفكر الفلسفي» : (2/30) .
(3)
«منهاج السنة» : (2/64) تحقيق: د. رشاد سالم.
(4)
«الوشيعة» ص: 5 (بتصرف) .
(5)
محسن الأمين العاملي: «أعيان الشيعة» : (1/34) .
أهل السنّة (1) وغيرهم (2) بتفسير مغاير لغرض الشيعة. فالشيعة يعنون بنشأة التشيع بداية عقائدهم في الإمامة وغيرها وهو تعسف ظاهر، وكيف ينسب لأولئك الصحب رضوان عليهم عقيدة من عقائد الشيعة في الإمامة أو الرجعة أو البداء وغيرها من العقائد.. التي بناها الشيعة فيما بعد، ثم هم لا يملكون لهذا الادعاء سنداً
…
أما غير الشيعة فيربط هذا القول بوجود رأي يقول بأحقية قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم بالخلافة بعده.
ولا شك أنه إذا وُجد من يرى أحقية علي بالإمامة أو أن الإمامة ينبغي أن تكون في القرابة، فقد وجد رأي يقول باستخلاف سعد بن عبادة من الأنصار، وبأن الإمامة ينبغي أن تكون في الأنصار، وهذا الاختلاف لا دلالة فيه على ميلاد حزب معين، وتعدد الآراء أمر طبعي، وهو من مقتضيات نظام الشورى في الإسلام، فهم في مجلس واحد تعددت آراؤهم وما انفصلوا حتى اتفقوا، ومثل هذا لا يعد نزاعاً (3) . وقد اندرجوا تحت الطاعة على بكرة أبيهم لأبي بكر (، وكان علي رضي الله عنه سامعاً لأمره ناهضاً إلى غزوة بني حنيفة.. وبايع أبا بكر على ملأ من الأشهاد (4) .
والقول بوجود رأي من سلمان وأبي ذر والمقداد بأحقية علي في الخلافة لم أجد له ذكراً في المصادر الأصيلة، (وقد تواتر عن علي - رضي
(1) ابن خلدون: «العبر» : (3/364)، وممن يرى هذا أحمد أمين:«ضحى الإسلام» : (3/209)، وقال علي الخربوطلي:(ونحن نرى أن التشيع بدأ بعد أن آلت الخلافة إلى أبي بكر دون علي بن أبي طالب)«الإسلام والخلافة» : ص 62.
(2)
انظر: «دائرة المعارف الإسلامية» : (14/58) .
(3)
ابن تيمية: «منهاج السنة» : (1/36) الطبعة الأميرية.
(4)
الجويني: «الإرشاد» : ص 428.
الله عنه - من وجوه كثيرة أنه قال على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر) (1) ، فكيف يرى غيره من الصحابة فيه ما لم يره في نفسه؟.
والشيعة ليس لها ذكر أو وجود في عهد أبي بكر أو عمر أو عثمان، فكيف يقال بنشأتها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟.
وقد أقر بعض الشيعة بهذه الحقيقة التاريخية الثابتة، إذ يذكر محمد حسين العاملي:(أن لفظ الشيعة قد أهمل بعد أن تمت الخلافة لأبي بكر وصار المسلمون فرقة واحدة إلى أواخر أيام الخليفة الثالث)(2) ونحن نقول إنه لم يوجد أصلاً ولم يوجد لمسماه ذكر.
ثالثاً: أن التشيع لعلي بدأ بمقتل عثمان. يقول ابن حزم: (ثم ولي عثمان وبقي اثنا عشر عاماً، وبموته حصل الاختلاف وابتدأ أمر الروافض)(3)(4) ، والذي تولى غرس بذرة الرفض والتشيع هو عبد الله بن سبأ (5) اليهودي الذي بدأ حركته في أواخر عهد عثمان.
(1) ابن تيمية: «منهاج السنة» : (1/4) .
(2)
محمد الزين العاملي: «الشيعة في التاريخ» : ص 39 - 40.
(3)
يعني معتقد الروافض، وإلا فإن ظهور لقب الرافضة ظهر فيما بعد كما سيأتي.
(4)
ابن حزم: «الفصل» : (2/8)، وانظر: عثمان بن عبد الله الحنفي: «الفرق المفترقة» : ص 6.
(5)
عبد الله بن سبأ الذي تنسب إليه الطائفة السبئية، أصله من أهل اليمن كان يهودياً من أمة سوداء، قال ابن حجر:(عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ضال مضل، أحسب أن عليّاً حرقه بالنار..) .
وقد تواترت أخبار ضلاله وزندقته من طرق السنّة والشيعة، انظر:
ابن عساكر: «تهذيب تاريخ دمشق» : (7/431 - 432) .
ابن الأثير: «اللباب» : (1/527) .
السمعاني: «الأنساب» : (7/46) . =
وأكدت طائفة كبيرة من الباحثين القدماء والمعاصرين أن ابن سبأ أساس المذهب الشيعي والحجر الأول في بنائه (1) . وقد تواتر ذكره في كتب السنّة والشيعة على حد سواء ونبتت نابتة من شيعة العصر الحاضر تحاول أن تنكر وجوده بجرة قلم دون مسوغ واقعي أو دليل قاطع (2) ، فضلاً عن أن بعضهم قد ادعى أن عبد الله بن سبأ هو عمار بن ياسر (3) ، وهذه الدعوى هي محاولة لتبرئة اليهود من فتنة المسلمين، كما أنها محاولة لإضفاء صفة الشرعية على "الرفض"، وقد اتفق القدماء من أهل السنّة والشيعة على السواء على اعتباره حقيقة واقعية وشخصية تاريخية، فكيف ينفي ما أجمع عليه الفريقان؟، أما القول بأن ابن سبأ هو عمار بن ياسر فهو قول يرده التاريخ والسنة الثابتة، وكيف تلصق تلك العقائد التي قال بها ابن سبأ بعمار بن ياسر، وهل
= وانظر: ما أشرنا إليه من مصادر في أثناء الحديث عن عقائد ابن سبأ من كتب الشيعة.
(1)
انظر مثلاً: ابن تيمية الذي يعتبر ابن سبأ أول من أحدث القول بالعصمة لعلي وبالنص عليه في الخلافة، وأنه أراد إفساد دين الإسلام كما أفسد بولس دين النصارى. «الفتاوى» :(4/518)، وكذا ابن المرتضي في «طبقات المعتزلة» : ص 6، ومن المعاصرين مثلاً أبو زهرة الذي يذكر أن عبد الله بن سبأ هو الطاغوت الأكبر الذي كان على رأس الطوائف الناقمين على الإسلام الذين يكيدون لأهله، وأنه قال برجعة علي وأنه وصي محمد ودعا إلى ذلك. وذكر أبو زهرة أن فتنة ابن سبأ وزمرته كانت من أعظم الفتن التي نبت في ظلها المذهب الشيعي. انظر:«تاريخ المذاهب الإسلامية» : (1/31 - 33) ، وسعيد الأفغاني الذي يرى أن ابن سبأ أحد أبطال جمعية سرية (تلمودية) غايتها تقويض الدولة الإسلامية، وأنها تعمل لحساب دولة الروم. «عائشة والسياسة» : ص 60، وانظر: القصيمي في «الصراع» : (1/41) .
(2)
مرتضى العسكري في كتابه «عبد الله بن سبأ» : ص 17.
(3)
وهو علي الوردي في كتابه «وعاظ السلاطين» : ص 274، وقلده في هذا الشيعي الآخر مصطفى الشيبي في كتابه «الصلة بين التصوف والتشيع» :(ص 40 - 41) .
هذا إلا جزء من التجني على الصحابة والطعن فيهم؟ ولا مجال لدراسة هذه المسألة هنا. وقد كتب فيها بعض الباحثين المعاصرين ورد هذه الادعاءات بالأدلة من الفريقين (1) .
وسنكتفي هنا بالرجوع إلى مصادر الشيعة الأصيلة لنرى ما تقول كتب الشيعة نفسها عن ابن سبأ (وذلك لالتزامنا أن لا نكتب عنهم إلا من كتبهم) . فالشيعي سعد بن عبد الله القمي (2)(ت 229 أو 301) في كتابه (المقالات والفرق) يقر بوجوده ويعتبره أول من قال بفرض إمامة علي ورجعته وأظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة (3) . وسعد القمي هذا هو - عندهم - ثقة واسع المعرفة بالأخبار، ومعلوماته - عندهم - مهمة موثوقة نظراً لقدم فترتها الزمنية، ولأن سعداً كما روى شيخ الشيعة الصدوق - كما يلقبونه - قد لقي إمامهم المعصوم الحسن العسكري وسمع منه (4) ، ويتفق
(1) ناقش د. عمار الطالبي إنكار وجود ابن سبأ أو اعتباره عمار بن ياسر، وأثبت بالحقائق زيف ذلك وبطلانه. انظر:«آراء الخوارج» : (ص 75 - 81)، وللدكتور عزت عطية مناقشة لهذه المسألة في كتابه «البدعة» : ص 64 وما بعدها. وللدكتور سعدي الهاشمي محاضرة قيمة في هذا الموضوع أثبت فيها وجود ابن سبأ بالأدلة من الفريقين. انظر: «محاضرات الجامعة الإسلامية» عام 98/99 هـ «ابن سبأ حقيقة لا خيال» : (ص 201 - 223) . ويعد الزميل سليمان العودة رسالة عن ابن سبأ، وقد توفرت لديه أدلة قاطعة ويقينية على وجود ابن سبأ وسعيه في الفتنة.
(2)
سعد بن عبد الله الأشعري القمي (أبو القاسم) من شيوخ الروافض، من تصانيفه:«الفرق والمقالات» ، «والضياء في الإمامة» . توفي سنة 301 هـ انظر: الممقاني: «تنقيح المقال» : (2/16 - 20)، ابن شهراشواب:«معالم العلماء» : ص 54.
(3)
انظر: «المقالات والفرق» : ص 10 - 21.
(4)
الصدوق (محمد بن بابويه القمي)«إكمال الدين وتمام النعمة» : (ص 425 - 435) .
النوبختي (1)(ت 310) في الحديث عن ابن سبأ مع القمي حتى في الألفاظ نفسها (2) ، والنوبختي هو أيضاً من ثقاتهم، قال الطوسي:(كان إمامياً حسن الاعتقاد)(3) .. وعالمهم الكشي (4) يقول في كتابه المعروف بـ «رجال الكشي» - وهو أقدم كتب الشيعة المعتمدة في علم الرجال -: (إن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى عليّاً (، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو - كذا - فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي مثل ذلك، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم، من هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية)(5) . هذا ما جاء عن ابن سبأ في «رجال الكشي» الذي يعتبرونه أحد الأصول الأربعة التي عليها المعول في تراجم الرجال، وقام الطوسي المسمى عندهم بشيخ الطائفة بتهذيب الكتاب فزادت ثقتهم بالكتاب، حيث اجتمع في تأليف الكشي الذي هو عندهم (ثقة عين بصير بالأخبار والرجال، كثير
(1) الحسن بن موسى النوبختي الشيعي (أبو محمد)، من تصانيفه:«فرق الشيعة» ، «الجامع في الإمامة» . توفي سنة 310هـ. انظر:«أعيان الشيعة» : (23/233 - 239)، «معالم العلماء» :(ص 32 - 33) .
(2)
النوبختي: «فرق الشيعة» : (ص 19 - 20) .
(3)
الطوسي: «الفهرست» : ص 71.
(4)
الكشي: محمد بن عمر بن عبد العزيز يكنى (أبا عمرو) ، والكشي صاحب كتاب «الرجال» من غلمان العياشي، لا تعرف سنة ولادته ولا وفاته ويقول الروافض أنه من القرن الرابع الهجري: انظر: «لؤلؤة البحرين» : (ص 401 - 404) .
(5)
الكشي: (ص 108 - 109) وقد أورد الكشي عدة روايات لهم عن ابن سبأ وعقائده، انظر: رقم 170، 171، 172، 173، 174، من ص 106 - 108.
العلم حسن الاعتقاد ومستقيم المذهب) (1) مع الطوسي شيخ طائفتهم، وصاحب كتابين من صحاحهم الأربعة. وما نقلناه عن رجال الكشي هو من تهذيب الطوسي، لأنهم قالوا (بأن الأصل لا يعرف له أثر)(2) .
ونقل الممقاني ـ الذي يعتبرونه من أكبر علمائهم المعاصرين في الرجال ـ ما قاله الكشي عن ابن سبأ (3) . ولعل أقدم مصدر عند الشيعة تحدث عن ابن سبأ والسبئية هو كتاب (مسائل الإمامة)(4) لعبد الله الناشئ الأكبر (5)(ت 293) . وكتب الشيعة التي ذكرت ابن سبأ كثيرة لا مجال لاستعراضها، وما نقلناه يشهد بوجود ابن سبأ وسعيه لبذر العقائد الدخيلة في معتقد الأمة - باعتراف كتب الشيعة نفسها - وأنه أول من قال بالوصية لعلي ورجعته وطعن في الخلفاء الثلاثة والصحابة، وهي آراء وعقائد أصبحت فيما بعد من أسس المذهب الشيعي.
رابعاً: ومنهم من يجعل تاريخ ظهور الشيعة يوم الجمل. قال ابن النديم أن عليّاً قصد طلحة والزبير ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله جل
(1) الطوسي: «الفهرست» : (ص 167 - 168)، وانظر:«مقدمة رجال الكشي» لحسن مصطفى: ص 12.
(2)
«مقدمة رجال الكشي» : (ص 17 - 18) وانظر: يوسف البحراني: «لؤلؤة البحرين» : ص 403.
(3)
الممقاني: «تنقيح المقال» : (2/84) .
(4)
انظر: «مسائل الإمامة» : (ص 22 - 23) .
(5)
عبد الله بن محمد أبو العباس المعروف بابن شرشير الناشئ الأكبر. قال ابن خلكان: كان من الشعراء المجيدين وكان نحويّاً عروضياً متكلماً، أصله من الأنبار وأقام ببغداد مدة طويلة، وله عدة تصانيف جميلة، وتوفي بمصر سنة 293هـ «وفيات الأعيان» :(3/91 - 92)، «أنباء الرواة» :(2/128 - 129) .
اسمه، وتسمى من اتبعه على ذلك بالشيعة، وكان يقول: شيعتي، وسماهم عليه السلام: الأصفياء، الأولياء، شرطة الخميس، الأصحاب) (1) .
هذا هو رأي - ابن النديم - وهو شيعي. ويرى د. مصطفى الشيبي - شيعي معاصر - أنه رأي غريب (2) ، ولكن لا يستغرب مثل هذا الرأي من شيعي متحمس لمذهبه، وقال د. النشار:(أرى في كلام ابن النديم وهو شيعي بعض الغلو)(3) .
خامساً: إن تاريخ ظهور الشيعة بعد رجوع علي من صفين. ومن أشهر القائلين بالرأي المذكور الأستاذ وات منتوجمري (4)(Montgomery Watt) حيث يقول: (إن بداية حركة الشيعة هي أحد أيام سنة 658م -37هـ)(5) .
ويقول صاحب «مختصر التحفة الإثني عشرية» : (إن ظهور اسم الشيعة كان عام 37هـ)(6) .
سادساً: إن مقتل الحسين كان هو زمن ميلاد الشيعة، يقول شتروتمان (7)(Strotnmann، R.) : (إن دم الحسين يعتبر البذرة الأولى
(1) ابن النديم: «الفهرست» : ص 249.
(2)
مصطفى الشيبي: «الصلة بين التصوف والتشيع» : ص 18.
(3)
علي سامي النشار: «نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام» : (2/23) .
(4)
عميد قسم الدراسات العربية في جامعة ادنبرا. آثاره: «عوامل انتشار الإسلام» ، و «محمد في مكة» ، «الإسلام والجماعة الموحدة» ، انظر: نجيب العقيقي: «المستشرقون» : (2/554) .
(5)
Montgomery Watt، Islam and the Integration of Society، P. 104.
(6)
«مختصر التحفة» : ص 5.
(7)
رودلف شتروتمان. من كبار العلماء المتخصصين في الفرق ومذاهبها وله عنها مباحث رصينة. من آثاره: «الزيدية» ، وأربعة كتب إسماعيلية، الشيعة والزيدية. =