الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا القول في "السنة النبوية" مبني على معتقدهم في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين من أنهم ارتدوا لصرفهم الخلافة عن علي إلى أبي بكر، ولا يستثنون من هذا الحكم على الصحابة إلا ثلاثة في معظم رواياتهم وكما سيأتي، وهم بهذا «المبدأ» يعزلون أنفسهم عن المسلمين.
ثم إن هذا «المبدأ» في رفض مرويات الصحابة يفضي إلى فقدان صفة «التواتر» في نقل شريعة القرآن وسنّة سيد الأنام ما داموا يحكمون على «النقلة» بهذا الحكم، ويحصرون اعتبارهم لصحة المنقول بما جاء عن طريق الآحاد فضلاً عن الواحد وهو علي الذي يجعلونه المصدر الوحيد للتلقي بعد وفاة الرسول ?، وهذا «أساس» وضعه «زنديق» لهدم الدين والطعن في شريعة سيد المرسلين.
رابعاً: تلقيهم السنّة عن «حكايات الرقاع» وما يسمونه بالتوقيعات الصادرة عن الإمام:
هؤلاء القوم الذين يردون ما جاء عن طريق الصحابة الذين أثنى عليهم الله ورسوله يقبلون، بل يعدون من أوثق طرقهم ما يسمى «بحكايات الرقاع» ، وحقيقتها كما يلي:
أنه لما توفي إمامهم - الحادي عشر - الحسن العسكري (ت 260هـ) لم يكن له عقب (1) ، وقد تم استبراء زوجاته وإمائه للتأكد من ذلك (حتى تبين لهم - كما يعترف عالم الشيعة ابن بابويه القمي -
(1) قال سعد القمي: (توفي - يعني الحسن العسكري - ولم ير له خلف ولم يعرف له ولد ظاهر)«المقالات والفرق» : ص 102.
بطلان الحبل، فقُسم ميراثه بين أُمه وأخيه جعفر وأودعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي والسلطان) (1) . ويقول كبار المؤرخين بأن الحسن العسكري مات عقيماً (2)، ولهذا تحيرت الشيعة بعده (فافترق أصحابه من بعده خمس عشرة فرقة) (3) منهم من قال:(انقطعت الإمامة)(4) ومنهم من قال: (إن الحسن بن علي توفي ولا عقب له والإمام بعده جعفر بن علي أخوه)(5) إلى غير ذلك من اختلافاتهم وحيرتهم.
وفي خضم هذه الحيرة والاضطراب قام رجل يدعى (عثمان بن سعيد العمري) ، وادعى دعوى في غاية الغرابة، ادعى أن للحسن العسكري ولداً في الخامسة من عمره مختفياً عن الناس لا يظهر لأحد غيره وهو الإمام بعد أبيه الحسن، وأن هذا "الطفل" الإمام قد اتخذه (وكيلاً عنه في قبض الأموال ونائباً يجيب عنه في المسائل الدينية)(6) ولما مات عثمان سعيد (ت 280هـ) ادعى ابنه محمد بن عثمان نفس دعوى أبيه، وبعد وفاته (ت 305) خلفه الحسين بن روح النوبختي في نفس الدعوى ومن بعده (ت 326) خلفه أبو الحسن علي بن محمد السمري (ت 329) وهو آخرهم عند الشيعة الإمامية، ومن بعده وقعت الغيبة الكبرى وكان هؤلاء النواب (7) عن الإمام يتلقون أسئلة
(1) ابن بابويه القمي: «إكمال الدين» : ص 42.
(2)
قال في «المنتقى» : (إن الحسن بن علي العسكري لم يعقب كما ذكره محمد بن جرير الطبري وعبد الباقي ابن قانع وغيرهما من النسابين)«المنتقى» : ص 31.
(3)
القمي: «المقالات والفرق» .
(4)
المصدر السابق: ص 108.
(5)
المصدر السابق: ص 110.
(6)
السيد محمد صالح: «حصائل الفكر» : (ص 36 - 37) .
(7)
انظر في أخبار هؤلاء: الطوسي: «الغيبة» : ص 214 وما بعدها، وانظر: الطبرسي: «الاحتجاج» : (جـ2/ص 296)، «تاريخ الغيبة الصغرى» : محمد باقر الصدر: ص 396.
الناس كما يتلقون أموالهم، ويأتون بأجوبتها وإيصالاتها من الإمام المنتظر ويسمونها "توقيعات" - والتوقيعات هي خطوط الأئمة بزعمهم في جواب مسائل الشيعة وأسئلتهم.
وهذه الأجوبة والتوقيعات هي عند الشيعة كقول الله ورسوله!! حتى أنهم رجحوا هذه التوقيعات على ما روي بإسناد صحيح عندهم في حال التعارض. قال ابن بابويه القمي في كتابه «من لا يحضره الفقيه» بعد ما ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة في باب الرجلين يوصي إليهما.. (قال: هذا التوقيع عندي بخط أبي محمد الحسن بن علي ـ ثم ذكر أن في الكافي للكليني رواية بخلاف ذلك التوقيع عن الصادق - ثم قال: لست أفتي بهذا الحديث بل أفتي بما عندي بخط الحسن بن علي..)(1) .
قال الحر العاملي في تعقيبه على ذلك: (.. فإن خط المعصوم أقوى من النقل بوسائط..)(2) .
فهم يرجحون ما في هذه التوقيعات على ما جاء في أصح كتبهم..!
والرقاع والتوقيعات كثيرة ذكر الطوسي في الغية طرفاً منها (3) ، وكذلك أورد صاحب الاحتجاج صوراً من هذه "التوقيعات
(1) انظر: ابن بابويه القمي: «من لا يحضره الفقيه» : (جـ4/ص 151)، وانظر: الحر العاملي: «الوسائل» : (20/108) .
(2)
«الوسائل» : (20/108) .
(3)
الطوسي: «الغيبة» : ص 172 وما بعدها.
المزعومة" (1) ، وكذا وردت في «إكمال الدين» لابن بابويه القمي (2) وكذلك عند المجلسي في «البحار» (3) كما هي موجودة في «الكافي» (4) ، وقد جمع شيخهم: عبد الله بن جعفر الحميري الأخبار المروية عن منتظرهم وسماها: «قرب الإسناد إلى صاحب الأمر» (5) وذكر صاحب "الذريعة.." كتابين لهم في هذا باسم «التوقيعات الخارجة من الناحية المقدسة» (6) .
ونجد في تراجم رجالهم إشارة إلى من زعم أنه كاتب - بفتح التاء - "صاحب الأمر" عن طريق أولئك النواب الأربعة، كما في ترجمة محمد بن عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري حيث قالوا بأنه كاتب - بفتح التاء - صاحب الأمر "ع"(7)، وفي ترجمة - شيخهم - علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي أبو الحسن قالوا: إنه اجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح - النائب الثالث - وسأله عن مسائل ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود يسأله أن يوصل له رقعة إلى الصاحب "ع"(8) ، والذين كاتبوا صاحب الأمر كثيرون عندهم.
ومواضع هذه التوقيعات المزعومة كثيرة.
(1) الطبرسي: «الاحتجاج» : (2/277) وما بعدها.
(2)
ابن بابويه القمي: «إكمال الدين» : الباب التاسع والأربعون، ذكر التوقيعات الواردة عن القائم "ع": ص 450 وما بعدها.
(3)
المجلسي: «البحار» : باب ما خرج من توقيعاته "ع": (جـ53/ص 150- 246) .
(4)
الكليني: «الكافي» : باب مولد الصاحب "ع": (جـ1/ص 517) وما بعدها.
(5)
وقد طبع في المطبعة الإسلامية بطهران.
(6)
أغابزرك الطهراني: «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» : (4/500، 501) .
(7)
الحر العاملي: «وسائل الشيعة» : (20/332) .
(8)
المصدر السابق: (20/262) .
فقد تكون إخباراً بمغيب مثل: (كتب علي بن زياد يسأل كفناً فكتب إليه: إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين، فمات في سنة ثمانين وبعث إليه بالكفن قبل موته بأيام)(1) .
وقد تكون إجابة على أسئلة مثل ما ذكر صاحب الاحتجاج عن الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله النائب الثاني - أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أُشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان "ع": (أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا.
فاعلم أنه ليس بين الله (وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح، وأما سبيل ابن عمي جعفر وولده فسبيل أُخوة يوسف "ع".
وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع) (2) .
(وأما ما سألت عنه من أمر المصلي والنار والصورة بين يديه فهل تجوز صلاته؟
فإن الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران أن يصلي والنار والسراج بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان) (3) !!!
(1) الكليني: «الكافي» : (1/524) .
(2)
الطبرسي: «الاحتجاج» : (2/283) .
(3)
الطبرسي: «الاحتجاج» : (2/299) .
(وعن المرأة يموت زوجها فهل يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟
التوقيع: تخرج في جنازته.
وهل يجوز لها في عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟
التوقيع: تزور قبر زوجها.. (1)) !!! إلخ إلخ.
ومواضع هذه التوقيعات "المزعومة" كثيرة لا مجال لاستعراضها.
وفترة النيابة عن الإمام بواسطة الوكلاء الأربعة تلك التي استمرت قرابة سبعين سنة (2) هي المناخ الزمني لحكايات الرقاع، وبوفاة آخرهم وقعت الغيبة الكبرى والمحرومية العظمى من الإمام. لكن من مجتهدي الشيعة من زعم أنه التقى بالإمام الغائب وأفتاه ووقّع له بعد الغيبة الكبرى، قالوا - مثلاً - إن ابن المطهر الحلي التقى بالمهدي فنسخ له كتاباً ضخماً في ليلة واحدة (3)، وقالوا:(إنه "ع" كان يجتمع بجملة من أهل العلم والتقوى الذين كانوا يستحقون المقابلة؛ كالعلامة السيد مهدي بحر العلوم النجفي فيما اشتهر عنه والشيخ ميثم بن علي البحراني فيما ينقل عنه..)(4) وقد ألف - عالم الشيعة المعاصر - ميرزا حسين النوري الطبرسي كتاباً ذكر فيه من اجتمع بصاحب الأمر - بزعمه - سماه (جنة المأوى فيمن رأى صاحب الزمان في الغيبة الكبرى) .
(1) الطبرسي: «الاحتجاج» : (2/302) .
(2)
وسيأتي في مبحث الغيبة ذكر خلافهم في مدة الغيبة الصغرى.
(3)
المجلسي: «البحار» : (جـ55/ص 252)، وانظر:«الخوانساري» : «روضات الجنات» : (2/282، 283)، وانظر: مصطفى الشيبي: «الفكر الشيعي» : ص 113.
(4)
السيد محمد صالح: «حصائل الفكر» : ص 123.