الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالنسبة لمن يود الاطلاع على المعالم المهمة لتاريخ وحضارات الشرق الأدنى القديم.
ولا يسعني فى هذا المجال؛ إلا أن أقدم واجب الشكر إلى كل من عاونني على إخراج هذا الكتاب الذي أرجو أن يحقق الغرض المطلوب، والله ولي التوفيق.
محمد أبو المحاسن عُصْفُور
مقدمة الطبعة الثانية
ما كنت أظن أنني سأعيد طبع هذا الكتاب بعد مرور نحو من عشرة أعوام على ظهور طبعته الأولى؛ إذ اعتقدت أن موضوعه سيكتب فيه خلال تلك الفترة غير أن ما ظهر من مؤلفات لا يتناول إلا حضارة قطر أو قطرين فحسب من أقطار الشرق الأدنى وهي في جملتها تسهب في ذلك وتتعرض للكثير من التفصيلات التي تجعل من العسير الإلمام بالمعالم الرئيسية لحضارات إقليم الشرق الأدنى أو تكوين فكرة شاملة عنها.
ومن خلال تجربتي في التدريس؛ وجدت أن كتابي هذا يناسب طلبة أقسام التاريخ في الجامعات العربية كمًّا وكيفًا؛ كما أنني لا أشك في أن الذين تبهرهم رؤية آثار أسلافنا يودون لو أن هذه الآثار تفصح لهم عن أسلوب الحياة الذي اتبعه أولئك الذين خلفوها وأن توضح لهم مظاهر حياتهم؛ فعسى أن يكون في هذا الكتاب ما يفي -قدر الإمكان- بهذا الغرض وتوخيت فيه البساطة بحيث يستطيع القارئ العادي أن يستوعبه وأن يكوِّن فكرة عامة لا بأس بها عن أصحاب تلك الحضارات التي كانت أقدم ما ظهر من حضارات في العالم والله ولي التوفيق
…
المؤلف
محتوى الكتاب
الموضوع صفحة
مقدمة هـ
قائمة بالأشكال م
تمهيد 1
أولًا: حضارة مصر 5- 144
الأسرة: 16، الملك: 27، المسكن: 36،
الملابس والزينة: 43، الإدارة: 58،
الديانة: 64، القضاء: 94، العسكرية: 97،
الحياة الاقتصادية: 100، العلوم والآداب: 124،
الفنون: 131.
ثانيًا: بلاد العرب 145- 154
ثالثًا: الإقليم السورى 155-171
"أ" الأموريون: 155.
"ب" الكنعانيون والفينيقيون: 158.
الموضوع صفحة
"ج" الآراميون:166.
"د" العبرانيون:168.
رابعًا: آسيا الصغرى 172- 193
الأسرة: 173، الملك: 175، الإدارة: 176،
العسكرية: 178، الديانة: 180،
الحياة الاقتصادية: 187، العلوم والفنون:188.
خامسًا: بلاد النهرين 94- 264
الأسرة: 196، الملك: 199، المنازل: 202،
الملابس والزينة: 205، الإدارة: 210،
العسكرية: 212، الديانة: 216،
القضاء: 223، الحياة الاقتصادية: 229،
العلوم والآداب: 242، الفنون: 255
سادسًا: إيران 65- 288
الحياة الاجتماعية: 268، الدولة: 272،
العسكرية: 276، الديانة: 278، الفنون:283
الموضوع صفحة
خاتمة 289
المراجع العربية 295
المراجع الأجنبية 296
فهرس الأعلام 299
الخراطيش المكتوبة به إلى نفس النتيجة التي وصل إليها "ينج" كما توصل إلى القيمة الصوتية لبعض الرموز وبدأ يضع معجمًا للحروف والعلامات الهيروغليفية.
وتتابعت جهود العلماء بعد ذلك؛ فأمكن تفسير اللغة المصرية وفهم كل ما أمكن العثور عليه من آثار مكتوبة، ومع أن الآثار المصرية مليئة بآلاف النصوص والوثائق؛ إلا أنها ليست كافية للتعرف على كل نواحي الحياة المصرية؛ لأن كل ما كتب على الآثار المختلفة لا يخرج عن كونه شرح لبعض المناظر الدينية المتكررة مع الإشارة إلى الآلهة والقرابين المختلفة بالإضافة إلى أسماء الملوك وبعض الأحداث التاريخية المهمة التي حدثت في عهدهم أو عهد أسلافهم. أي أن المحصول من هذا الإنتاج الضخم كان محصولًا ضئيلًا للغاية لا يتناسب إطلاقًا مع وفرة الوثائق المكتوبة؛ فالاعتماد إذن على هذه المدونات وحدها لا يكفي لإعطاء فكرة كاملة عن الحضارة المصرية في أشكالها المختلفة.
مقومات الحضارة المصرية:
وكانت العقيدة التي يدين بها المصري خير ما أمدنا بفكرة واضحة عن الحضارة المصرية إذ إن المصري اعتقد في البعث وأنه سيحيا حياة أخرى أبدية -من جهة- ولأنه أحب حياته الدنيا وطمع في أن يجعل من حياته الأخرى صورة مطابقة لها -من جهة أخرى- صور مناظر حياته على جدران مقبرته أملًا في أن تتحول هذه المناظر إلى حقيقة واقعة عند البعث، ومع أننا نعتقد بأن هذه المناظر قد صورت على شاكلة ما كان يقوم به في حياته الدنيا؛ إلا أننا مع هذا نلاحظ
بأنه حرص على أن يجعل من تلك الحياة حياة مثالية، وتغالى في إظهارها بمظهر الحياة دائمة السعادة والرفاهية. وقد وصل في ذلك أحيانًا إلى درجة السَّفَهِ حيث حرص على أن يأخذ معه إلى العالم الآخر كل ما ظن أنه سيحتاج إليه من آلات وأدوات وحيوانات أليفة.
ومع أن كثيرًا من حضارات العالم القديم قد درست عن طريق دراسة آثار المنازل ومخلفات مناطق السكن في تلك الحضارات؛ إلا أننا في مصر نجد أن هذه المنازل قد اختفى معظمها ولم يبقَ منها إلا النادر فقط؛ حيث كان المصري يعتقد بأن حياته في الدنيا حياة زائلة وأن الحياة الآخرة هي الحياة الأبدية فكان يقيم مساكنة من موادَّ خفيفة سريعة البلى واستعمل لذلك اللَّبِن والأخشاب ولم يستعمل الحجر؛ إلا نادرًا وعلى الأخص حول الأبواب والنوافذ فقط ولم يبقَ من المدن المصرية التي كانت آهلة بالسكان؛ إلا أمثلة شاذة مثل: كاهون وتل العمارنة، والسبب في بقائهما هو أنهما قد بُنِيَتَا لغرض خاص ثم أهملتا بعد بنائهما والإقامة فيهما قليلًا وهجرهما السكان بعد ذلك. ويشبه ذلك أيضًا بعض القرى التي أقيمت من أجل عمال الجبانات مثل: مساكن عمال جبانتي الجيزة وسقارة؛ ولذا كان من الصعب استنتاج صورة واضحة للمساكن المصرية في عصورها المختلفة؛ ولكن أمكن التوصل إلى ذلك عن طريق البقايا المتخلفة من تلك المدن ومن مساكن العمال ومن بعض النماذج التي وضعت في المقابر لغرض من الأغراض السحريه أو لمجرد اللهو والتسلية. وكذلك من النقوش التي تمثل تلك المنازل.
أما الفن المصري فهو جدير بالإعجاب وقد وصل إلى درجة عالية من
الرقي في كل نواحيه المختلفة من عمارة ونقش ونحت وأدب وموسيقى، وقد بنيت هذه على أصول مستقلة فاقت في معظمها كل فنون الشعوب الأخرى ومما يميز الحضارة المصرية في هذا السبيل أننا نجد آثارها ممثلة في عصورها المختلفة، أي أن مظاهر تلك الحضارة ممثلة بصورة مستمرة من عصور ما قبل التاريخ في سلسلة متتابعة لا نكاد نجد فيها فجوة، فهي تمتاز عن سائر الأقطار الأخرى في هذه الناحية، وقد مكنتنا دراسة آثارها من التعرف على المصري في آلاف السنين ومنها يتضح أن اللغة المصرية لم تتغير إلا مرة واحدة وتغيرت الديانة مرتين كما تغيرت الطبقة الحاكمة عدة مرات، أما المصري نفسه فقد ظل دون تغيير يذكر؛ لأن ظروف الحياة الطبيعية ظلت كما هي ثابتة لا تتغير ولم يحدث مثل ذلك للشعوب الأخرى؛ ولهذا الأمر أهميته البالغة؛ لأنه يرينا كيف تطورت الآراء والأفكار خلال الخمسين قرنًا التي مضت وكيف تطورت العادات وإلى أي مدى أثرت الحضارة المصرية وتأثرت بالحضارات الأخرى وليس من المبالغة في شيء أن نذكر بأن الحضارة المصرية كان لها أثر كبير في الحضارتين اليونانية والرمانية اللتين نقل عنهما العرب. وهؤلاء بدورهم كان لهم أثرهم في الحضارات الأوروبية المعاصرة بل ويمكن أن نتبع أصل بعض الألفاظ في اللغة الإنجليزية وفي اللغات الأوروبية الأخرى ونرجعها إلى أصول مصرية قديمة.
وما دامت الحضارة تنتج عن النشاط الإنساني وأن هذا النشاط يتأثر بالبيئة أي أنها تفاعل بين الإنسان وبيئته فمن الممكن القول: بأن البيئة المصرية بمميزاتها المختلفة هي التي حددت نوع تلك الحضارة وأثرت في تفكير المصري وإنتاجه، وإذا ما تأملنا هذه البيئة محاولين أن ندرس بصفة عامة
جغرافية مصر فى معناها الضيق لوجدنا أن نهر النيل يمتد فيها من صخور الشلال الأول إلى البحر المتوسط وهو يتفرع فى الدلتا إلى أن يصب فى البحر؛ وعلى ذلك شملت مصر قسمين مختلفين: الأول يمتد فيه وادى طويل ضيق مساحته المنزرعة ضئيلة للغاية وتحف به الصحارى من الجانبين ويمكن لأى إنسان إذا ما وصل إلى حافة الوادى أن يقف باحدى قدميه على الأرض المنزرعة ويرتكز بقدمه الأخرى على الصحراء، أى أن الانتقال من الأرض المنزرعة إلى الصحراء انتقال فجائى، وتلى الصحراء شرقا وغربا سلاسل من التلال القليلة الارتفاع تمتد بطول الوادى تقريبا أما فى الدلتا فالوادى متسع والأراضى الزراعية شاسعة فهى فى معظم العصور أغنى وأكثر إزدحاما من الوجة القبلى وما زالت كذلك حتى الآن ولكنها فى أقدم العصور التاريخية كانت أقل سكانا لكثرة مستنقعاتها.
ولما كان الانسان القديم فى مصر يخشى خطر الفيضان ويتجنبه فإنه كان يسكن على جانبى الوادى على الهضاب المرتفعة وكان النهر فى بداية الأمر قليل العمق متسع المجرى، وكلما عمق مجراه كلما انحسرت المياة من الجانبين وتبعه السكان هابطين من الهضاب إلى حافة الوادى وعلى هذه نجد أقدم البقايا الأثرية من عصور ما قبل الأسرات موغلة فى الصحراء بعيدة عن الوادى وأكثر ارتفاعا من تلك التى تليها فى الزمن فتكونت بذ المدرجات النهرية المعروفة التى تعد شاذة فى تتابعها الزمنى لأن المعتاد فى الطيقات الأثرية أن تكون أقدامها هى السفلى وأحداثها هى العليا أما فى المدرجاتالنهرية فإن العكس هو الذى حدث.
وتتميز البيئة المصرية بأن الظاهرة الغالبه فيها تتمثل فى خطوط متوازية أو متعامدة فالوادى شريط ضيق يحيط بالنهر من الجانبين تبعد عنه قليلا الصحراوين الشرقية والغربية وهذه وتلك تخف بها سلاسل قليلة الارتفاع تظهر كأنها خطوط عمودية على طبقات الوادى التى تسير فى خطوط مستقيمة وكان لهذا أثره فى التفكير المصرى فقد رأى المصرى أن تلك الوديان والصحارى تمتد إلى مسافات شاسعة دون عائق وتمثل فضاء لا نهائيا كما أنه رأى بعض مظاهر الطبيعة فى إستمرار دائم فالشمس تشرق كل يوم فى المشرق وتغرب فى المغرب فاعتقد بأن هناك حياة خالدة يعيش فيها المرء حياة أبدية وأن الحياة الدنيا فترة اتنقال إلى عالم الخلود -وقد أثرت هذه البيئة كذلك فى نشاطه الفنى إذ خضع الفن إلى قواعد لا تحيد كثيرا عما تمثله المرء فى بيئته، فرسومه ونقوشه بل وتماثيله أيضا تخضع لقانون الاتجاهات المستقيمة حتى ليمكننا القول باننا إذا ما أخذنا صورة إنسان أو تمثالا من تلك التى قام بعملها المصري القديم وقطعنا الرأس والأطراف لوجدنا صعوبة فى تفسير الجزء الباقى كذلك إذا ما تأملنا هذه الصورة أو ذلك التمثال لوجدنا أن الراس يتعامد على الكتفين وأن هذين يمثلان خطا مستقينا يوازى الخطوط الأفقية الأخرى فى الجسم كذلك يتوازى الذراعان والساقان والخطوط الرأسية الأخرى ولذا قال أحد فلاسفة اليونان عن التماثيل المصرية بأنها كلها جميلة ولكن ينقصها المدرب الرياضى وذلك لأن الحركة فيها غير واضحة.
وإذا ما خرجنا عن دائرة الأفكار الفلسفية والدينية والفن إلى الحياة العملية المصرية لوجدنا أن الجماعات التى عاشت فى مصر فى أجزائها المختلفة كان يسهل عليها الاتصال فيما بينها وأهم ظاهرة قامت بتسيير هذا الاتصال هى نهر النيل
الذي كان له أكبر الأثر فى نشأة الحضارة المصرية وتطورها؛ فمن المعروف أن اتجاه التيار فى النهر "من الجنوب إلى الشمال" واتجاه الرياح السائدة "الرياح التجارية الشمالية الشرقية""من الشمال إلى الجنوب" وعدم وجود العوائق على طول النهر من البحر المتوسط إلى أسوان مما يجعل الملاحة ميسورة في كل أوقات السنة وفي الاتجاهات المختلفة؛ وعلى ذلك كان من الطبيعي أن تنشط الملاحة فتمكنت الجماعات المنتشرة على طول الوادي من الاتصال بعضها بالبعض بسهولة ويسر وتبادلت مظاهر ثقافاتها وحضاراتها المختلفة -وكان للنيل كذلك أكبر الفضل في توحيد تلك الجماعات إذ أن خطر الفيضان المشترك والرغبة فى التحكم فى مياه النهر للحصول على منافع مشتركة حتمت إيجاد مجتمع موحد متعاون فى ذلك الجزء من العالم.
ولا شك فى أن وادى النيل كان فى أول الأمر مسرحا لتنافس تلك الجماعات الصغيرة المتفرقة التى كانت تعيش على جانبيه والتى كانت تكون أقاليم مستقلة يغير أقواها على ما جاوره من أقاليم أضعف ويبسط سلطانه عليها حتى انقسم وادى النيل فى جزئه الأدنى إل قسمين كبيرين: مملكة الوجه القبلى وممكلة الوجه البحرى- ومملكة الوجه القبلى كانت تضم أصلا أثنين وعشرين إقليما من تلك الأقاليم الصغيرة أما مملكة الوجه البحرى فكانت تضم عشرين إقليما وقد ظل هذا التقسيم يراعى فى معظم العصور الفرعونية، كذلك ظل انقسام البلاد إلى مملكتين عالقا فى الأذهان حتى نهاية تلك العصور ويتمثل ذلك فى الألقاب الملكية وفى الكثير من الإدارات الحكومية فكان الملك يلقب الملكية وفى كثير من الإدارات الحكومية فكان الملك يلقب بملك الوجهين القبلى والبحرى وأطلق على بيت المال مثلا إسم "بيتى الذهب والفضة" والمقصود هو بيت