الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلوم والآداب
عُرِف المصري بحبه للعلوم وتقديره لها، وكان ينظر إلى مركز العالم أو الكاتب نظرته إلى الشخص المحترم الذي يحكم بنفسه، أما من عداه من الطبقات الأخرى فكان يحكمه غيره، وربما كان هذا التقدير راجعًا إلى عظم شأن الكتاب حيث كانوا يرتفعون سريعًا ويتقلدون أعظم المناصب وأرفعها، ويقول أحد الكتاب في ذلك: إن الرجل المحظوظ هو الذي يضع العلم في قلبه، وعند مناقشته لمهنة الكتابة فضلها عن كل ما عداها من المهن، وذكر بأن الكاتب قد يصبح أميرًا حكيمًا، وكان المصري يعتقد بأن الكاتب يصل إلى الإله تحوت الذي يهبه العلم وينير له السبيل، ولذا كان الكاتب إذا ما وصل إلى مرحلة حاسمة في حياته يقوم بعمل تمثال لنفسه وهو يكتب أمام تمثال لهذا الإله.
وإذا ما أردنا أن نتعرف السبيل الذي كان يسلكه المصري في التعلم؛ فإننا نلاحظ أن بيوت التعليم أو المدارس كانت في أول الأمر تلحق بالبلاط، وكان يتعلم فيها الأمراء والنبلاء ويندمج معهم بعض أفراد عامة الشعب أيضًا، أما في الدولة الحديثة؛ فكانت المدارس تلحق بمختلف أقسام الحكومة، وعلى ذلك كان التلاميذ في هذه الأقسام يتمثلون في طائفتين: طائفة الصبية وطائفة المرءوسين، وقد يغير التلميذ اتجاهه بعد أداء الخدمة العسكرية؛ فمثلًا كان "باك أن خنسو" رئيسًا للإسطبلات الملكية قبل أن يصبح كبيرًا للكهنة؛ أي أنه في سن الخامسة عشر أو السادسة عشر كان رئيسًا للإسطبلات ثم تحول بعد ذلك لدراسة اللاهوت.
وكان النظام المدرسي عنيفًا قاسيًا ينتهي في منتصف النهار تقريبًا وكان من المعتاد أن تذهب الأم بطعام ولدها إلى المدرسة، وهو يتألف غالبًا من إنائين من الجعة تحضرها الأم من المنزل، ومن مبادئ التربية في ذلك العهد أن "أذني الطفل على ظهره لا يسمع إلا إذا قرع عليهما"، ومن هذه المبادئ أيضًا أن "الإنسان استطاع أن يستأنس الحيوان ويخضعه فحيوان "كاروى" الذي استقدم من النوبة تعلم فهم اللغة والأسود أمكن تعليمها وترويضها، والخيول استؤنست وذللت والصقور تعلمت؛ فلماذا لا يتعلم الكاتب الشاب بنفس هذه الطريقة؟ أي أن العنف والشدة كانا يستخدمان في التعليم. وكثيرًا ما نجد في البرديات المختلفة تكرارًا للتنبيهات التي يجب على الشباب مراعاتها في مهنته ككاتب، وفي الكراسات التي عثر عليها والتي كان يكتب فيها التلاميذ نسخت قواعد الحكمة والسلوك من نماذج قديمة وهي في صورة توجيهات من حكيم قديم أو خطابات من أستاذ إلى تلميذه.
أما الأدوات المستعملة في الكتابة؛ فكانت عبارة عن أقلام من البوص تبرى أطرافها، وكان لا بد للكاتب من أقلام احتياطية يضعها خلف أذنه، أما الألواح فكانت عبارة عن ألواح من الخشب تغطى بطبقة رقيقة مصقولة من الجص يسهل محو الكتابة منها، ولم يستعمل البردي إلا الكتبة المتمرنين، هذا وكان الكتاب يستعملون لوحة بها قدحان صغيران للحبر الأسود والأحمر وبقية اللوحة عبارة عن صندوق أنبوبي لوضع الأقلام ويضاف إلى ذلك قدح للماء، وكان الكاتب المتدين يصب بعض هذا الماء كقربان للإله تحوت قبل البدء في الكتابة
وكان التلاميذ يهتمون اهتمامًا بالغًا بكراساتهم، وكانت تدفن معهم، وقد احترم المصري الكتابة وقدسها واعتبرها أساس كل تعليم وثقافة وأنها من اختراع الإله تحوت الذي علمها للمصريين.
وكانت الكتابة في بداية أمرها تصويرية بحتة؛ أي أن المصري كان يعبر عن الأشياء المرئية بصورتها؛ ولهذا كان من الصعب التعبير عن الأشياء غير المرئية أو عن الأفعال أو الحروف والظروف، ثم أمكن التعبير عن المعنى المراد برسم الرمز الذي يتفق في النطق مع المعنى المقصود مع إضافة مخصص يبين نوع المعنى المراد، وتلى ذلك تطور آخر وهو استعمال الرمز كجزء من الكلمة؛ وبذلك ظهرت الكتابة المقطعية، وهذا يدل على أن الكتابة بدأت تتخذ شكلًا يقرب الكمال؛ حيث توصلوا من هذه الخطوة إلى اختراع الهجائية، ومع ذلك لم يستعمل المصريون الهجائية وحدها؛ بل كانوا يكتبون بالرموز في كل وظائفها السابقة؛ بل وكان شكل الكتابة نفسها يختلف على حسب الحاجة وعلى حسب المادة التي كتبت عليها؛ فكانت الهيروغليفية وهي أول صورة للكتابة تكتب على جدران المعابد والمقابر وفي اللوحات أي أنها كانت كتابة زخرفية وتتفق مع طابع الفن المصري القديم الذي ظل مرتبطًا بها حتى نهاية العصور الفرعونية؛ فكانت أشكال الأشخاص والمخلوقات الأخرى يعبر عنها في النقوش والتماثيل بصورة مماثلة لما تظهر به في هذه الكتابة.
ومنذ الدولة القديمة وجد المصري أن كتابة الهيروغليفية تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين، كما أنها تشغل حيزًا لا يستهان به فلجأ إلى استعمال كتابة مختصرة، أي أنه اختصر الرموز الهيروغليفية إلى أشكال أكثر بساطة ليوفر
الجهد والمساحة اللازمين. واستعملت هذه الكتابة الجديدة المختصرة في كتابة الأدبيات وفي الدواوين وفي المعاملات وما أشبه ذلك، وتعرف هذه باسم الهيراطيقية، ولما تعقدت مطالب الحياة وانتشرت المعاملات التجارية وغيرها وازدهرت الحضارة وتطورت في عهد الدولة الحديثة وما بعدها؛ ظهرت كتابة أخرى مختصرة عن الهيراطيقية وهي شديدة الاختزال، استعملها العامة في معاملاتهم وكتبت بها بعض البرديات القانونية والأدبية، وهذه هي الكتابة الديموطيقية التي ظهرت على الأرجح في بداية العصر المتأخر من مصر الفرعونية، وفي نفس الوقت تقريبًا أو بعده بقليل استعمل المصري كتابة جديدة أخرى هي الكتابة القبطية؛ وربما كان ذلك للرغبة في التيسير على الجنود المرتزقة اليونانيين الذين وفدوا بكثرة على البلاد؛ فقد كتبت هذه الكتابة بحروف يونانية مع إضافة سبعة أحرف لاستكمال الهجائية اليونانية بما يفي بنطق سائر الأصوات السامية، وبالطبع يعتبر إطلاق لفظ اللغة القبطية على هذه الكتابة تجاوزًا، فهي لغة مصرية كتبت بحروف يونانية وحروف أخرى أضيفت إليها مع إدخال بعض ألفاظ قليلة من اليونانية.
وعلى إثر ظهور الكتابة تقدمت العلوم والفنون -بالطبع- وظهرت النظريات الفلسفية العميقة في اللاهوت وفي الديانة، كما أن من المرجح أن الكتابة ساعدت أيضًا على اختراع التقويم وإن كان من المحتمل جدًّا بأن المصري قد توصل إلى تقسيم السنة إلى فصول قبل معرفته بالكتابة؛ ولكنه لم يضع الأسس الثابتة لهذا التقسيم إلا بعد أن عرفها، وكانت السنة المصرية تبدأ في التاسع عشر من شهر يوليو أي أن هذا اليوم
كان يمثل رأس السنة بالنسبة للمصريين، وقد عرف هذا بحلول الفيضان في مثل هذا الموعد من كل عام وهو ما كان يتفق كثيرًا مع ظهور نجم الشعرى اليمانية الذي يعاود ظهوره كل "365" يومًا؛ فقسم المصري السنة إلى اثني عشر شهرًا كل منها ثلاثون يومًا، وأضاف إليها خمسة أيام أطلق عليها اسم الشهر الصغير، كما قسم السنة إلى ثلاثة فصول هي: فصل الفيضان وفصل الزرع وفصل الحصاد أو الجفاف، وقسم اليوم إلى ساعات الليل وساعات النهار، وتوصل إلى معرفة ساعات النهار بقياس الظل على أسطح مستوية أي عرف ما يشبه المزولة، كما وجدت لديه ساعات مائية لقياس الزمن في الليل غالبًا، وهذه كانت عبارة عن أواني مملوءة بالماء الذي ينظم تصريفه منها بحيث تفرغ محتويات الإناء في اثنتي عشرة ساعة؛ كذلك قسم الليل إلى اثنتي عشرة ساعة، ورصد الكواكب التي تظهر في تلك الساعات وسمى بعض النجوم بأسمائها أو على العكس سمى الساعات بأسماء النجوم التي تظهر فيها. وقد اعتقد المصري بوجود أيام سعيدة وأخرى منحوسة وأشار إلى ذلك كثيرا من النصوص، كما أنه كان يعتقد بأن من يولد في أيام معينه يصاب بأمراض معينة؛ وهكذا لجأ إلى السحر واعتقد في قوته ونفعه، وكان من أثر هذا أيضًا أن اختلط السحر بالطب؛ فلم يخل الطب من السحر في معظم الأحيان حتى أصبح في واقع الأمر مزيجًا من التعاويذ والطب العملي.
وقد وردت لنا أسماء بعض مشاهير الأطباء؛ ولكن إذا ما تأملنا وظائف هؤلاء نجد أنهم كانوا يجمعون بين البيطريين والبشريين والسحرة في نفس الوقت، ومع كل كان الطب يسير على أساس سليم لأن المصري اهتم كل الاهتمام بتشخيص المرض حيث كان يرى أن العلاج الناجح لا يمكن وصفه إلا بمعرفة الداء تمامًا، وقد وصل إلى درجة رفيعة في علم التشريح وربما كانت معرفته للتحنيط
السبب في نجاحه الذي أحرزه في هذا المضمار، أما العقاقير فكانت غالبيتها نباتية والقليل منها من أصل حيواني، وكثيرًا ما نجد من بين هذه العقاقير ما تعافه النفس وتشمئز منه. ولا ندري سببًا لاختيار المواد التي كانت تركب منها العقاقير وربما كان معظم هذا الاختيار مبني على أصل خرافي إذ كثيرًا ما نجد أن من بين هذه المواد ما لا يمكن أن نتخيل استعماله لبشاعته.
أما في الرياضيات؛ فقد وصل المصري إلى نتائج عظيمة في المقاييس والمساحة والحساب وإن كان قد توصل إلى هذه النتائج بطريقة ساذجة فمثلًا في عمليات الضرب والقسمة كان يسير خطوة خطوة بطريقة بدائية؛ فمثلًا عند ضرب "5×8" يصل إلى النتيجة باحتساب تكرار العدد ثمانية من مرة واحدة إلى خمس مرات.
أما في حالة القسمة؛ فإنه كان يتساءل عن المقدار الذي إذا ضرب في المقسوم عليه ينتج العدد المقسوم، أي أنهم يصلون إلى خارج القسمة بضرب المقسوم عليه في أعداد صغيرة محاولين الوصول إلى خارج القسمة من جمع الأرقام الصغيرة التي تقابل في المجموع العدد المقسوم.
أما في الأدب فإن من الممكن القول بأن الكثير من أدبنا الشعبي الحديث يرجع في أصله إلى الأدب المصري القديم. وكثيرًا ما نجد أن التشابه شديد بين قصصنا الشعبي الحديث وبين القصص في الدولة الوسطى؛ فمثلًا قصة الملاح الغريق التي تذكر بأن ملاحًا كان راحلًا في بعثة تجارية، كسر قاربه وتعلق بقطعة من الخشب ووصل إلى جزيرة خالية من السكان كانت تسكنها حية ضخمة حملته إلى المكان الذي تعيش فيه، وقد ذكر بأن
هذه الحية كانت إلهة الجزيرة وقد أخبرته بأنها هي الأخرى قد نجت وحدها من شهاب سقط على الجزيرة فأغرق كل أقاربها وإخوتها، ويسترسل في قصته فيذكر بأنه عاش فترة على هذه الجزيرة إلى أن جاء قارب حمله إلى مصر وهو محمل بهدايا كثيرة من الجزيرة، وبعد أن صعد إلى القارب الذي أخذه إلى مصر اختفت الجزيرة؛ فهذه القصة إذن تشبه إحدى قصص السندباد البحري. ومن القصص في الأدب المصري القديم ما يشير إلى سوء الحالة السياسية في بعض الأوقات أو إلى حدوث بعض أحداث تاريخية هامة مثل قصة الفلاح الفصيح التي تبين كيف أن بعض الحكام كانوا طغاة مستبدين وأن بعض الأمراء والملك نفسه كانوا يميلون إلى الأدب الجيد؛ حتى إنهم تعمدوا إهمال هذا الفلاح ليكثر من شكواه فيتمتعوا بسماع الجيد من الكلام، وبعد هذا جازاه الملك وأكرمه ورد إليه حقوقه. وتشير قصة سنوحي إلى فراره من مصر لكنها لا تبين السبب الذي من أجله ترك البلاد، إلا أنه يبدو من سياق القصة بأنه من عصر مناوئ لسنوسرت الأول حينما كان وليًّا للعهد فلما تولى هذا على العرش خشي سنوحي على نفسه وفر إلى فلسطين، ويبين ذلك مقدار ما كان يحدث في البلاط من مؤامرات ودسائس، كما أن إكرام بدو فلسطين لسنوحي يدل على أن البدو كانوا يكنون الاحترام للمصريين، وفي الدولة الحديثة نجد بعض القصص التي يظهر فيها الخيال بشكل واضح ويعكس صورة من أحداث التاريخ في العصور القديمة؛ فمثلًا قصة خوفو والساحر ددي التي تشير إلى أن ملوكًا من سلالة رع سيعتلون العرش بعد أن يحكم خوفو وولده وحفيده، وهذه القصة تدل على أن الملك قد انتقل من الأسرة الرابعة إلى ملوك الأسرة الخامسة الذين كانوا من أصل ينتمي إلى الإله رع أو من الكهنة، ومن بين القصص المشهورة