الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيضًا قصة الأمير ذو المصير المحتوم التي تذكر بأن ملكًا كان لا ينجب أبناء فطلب إلى الآلهة أن تمنحه ولدًا فاستجابت هذه لدعائه؛ ولكن كان مقدرًا لهذا الأمير أن يموت بلدغة ثعبان أو يأكله تمساح أو يقضي عليه كلب وتبين القصة كيف أنه نجا من التمساح؛ ولكن القصة مع الأسف لم تكمل فلا ندري هل لدغه ثعبان أو قضى عليه كلب، وفي قصة أخرى يتمثل إخلاص شقيق لشقيقه وإفساد زوجة الشقيق الأكبر للعلاقة بين الشقيقين؛ وهذه القصة المعروفة بقصة الأخوين وهي قصة من النوع الخرافي العميق ربما كانت قد تأثرت بقصة أوزوريس.
ولم يتناول الأدب المصري القصص والأساطير فحسب؛ وإنما نجد فيه الكثير من المتنوعات ففيه النقد وفيه الحكم وفيه الأغاني والأناشيد الدينية وغير الدينية وأناشيد النصر والملاحم وأغاني الشراب والحب وغير ذلك.
الفنون
وإذا ما تحدثنا عن الفن عند المصري القديم فإن أبرز الفنون التي أبدعها تتمثل في الرسم والنقش والتصوير والنحت. وهذه كلها خضعت لقانون الاتجاهات المستقيمة التي سبقت الإشارة إليه عند الحديث في المقدمة عن أثر البيئة المصرية.
هذا وقد خضع الفن المصري في هذه الأمور إلى أصول وقواعد لم يحد عنها إلا قليلًا طوال عصوره الفرعونية، ومهما قيل عن اختلاف المدارس الفنية في مصر؛ فإننا نلاحظ أنها جميعا خضعت لتلك القواعد والتقاليد المرعية، ففي النقش والرسم والتصوير نجد أن صور الإنسان
تتميز بأنها تجعل الرأس ينظر من الجانب والكتفين من الأمام أما بقية أجزاء الجسم فتنظر من الجانب كذلك "انظر أشكال الأشخاص التي وردت في هذا الكتاب".
وفي المناظر التي تركها الفنان المصري أخطاء كثيرة يبدو أنه تعمدها محافظة منه على التقاليد الموروثة أو لغرض ديني خاص؛ إذ نجد أن الوجه وإن كان يرسم من الجانب فإن العين ترسم من الأمام؛ كذلك كان الكتفان يرسمان من الأمام بينما يرسم الصدر من الجانب، أما الأيدي فترسم بعرضها الكامل من سطحها الخارجي فتبدو في أمثلة كثيرة وكأن الكفين يمثلان كف اليد اليمنى أو اليسرى فقط. كذلك نجد أن الأقدام ترسم من الجانب بحيث يظهر إبهام أصابع القدم في كل منهما دون بقية الأصابع؛ فكأن للشخص قدمين يسريين أو يمنيين مع أن الفنان كثيرًا ما كان ينجح في بيان اختلاف الساقين. ومن القواعد التي اتبعها الفنان المصري كذلك أنه كان يرسم الشخص الذي يمد ساقه اليسرى إلى الأمام مثلًا؛ بحيث تظهر ذراعه اليسرى ممتدة كذلك، وعلى العكس إذا ما أريد تمثيل شخص مادًّا ساقه اليمنى؛ فإنه يمد الذراع اليمنى معها أيضًا انظر "شكل 11" وهذا الوضع غير الطبيعي الذي يتنافى مع الحركة الإنسانية قصد منه الفنان بالطبع أن يبرز أعضاء الجسم واضحة، وقد اعتاد المصري كذلك أن يمثل الأشخاص وهم يتجهون إلى اليمين أي أن القدم اليسرى والذراع اليسرى إلى الأمام فإذا ما اضطرته الظروف إلى رسم شخص يتجه إلى اليسار؛ فإنه يقع في بعض الارتباكات الفنية كأن يقلب جانب الإزار الذي يلبسه الشخص أو أن يجعل اليد اليمنى تقبض على العصا الطويلة بينما تقبض اليد اليسرى على العصا القصيرة "شكل 22". كذلك كان
"شكل 22": يبين خطأ الفنان "إلى اليمين" عند خروجه على الوضع التقليدي للرسم
الفنان يحرص على إبراز الأشكال من أخص مظاهرها المميزة، وبذلك كان الشكل الواحد في الصورة يرسم بحيث يبدو وكأنه أخذ من جهات نظر مختلفة لا كما تقتضي قواعد الرسم المنظور، فرائد الفنان في هذا أن تكون الصورة واضحة تعطي فكرة تامة عن الشكل المراد رسمه، أي يرسم الشخص -كما قلنا- ورأسه من الجانب والكتفان من الأمام وهكذا، وإذا أريد رسم سمكة فإنها ترسم وكأنها واقفة على جانبها، كما أن الفنان كان يعتني بتنظيم أجزاء مناظره ومفرداتها بحيث يرى كل شكل من الأشكال وكأنه مستقل عن غيره فلا يخفي أحد تلك الأشكال شكلًا آخر أو جزءًا كبيرًا منه. وإذا ما أريد ترتيب عدد من المناظر؛ فإنها كانت تنظم في صفوف متتالية بعضها فوق بعض وتفصلها خطوط مستقيمة سميكة يمثل كل منها مستوى الأرض، ورغم أن المصري لم يتقيد في صوره ونقوشه بقواعد المنظور؛ إلا أنه بلغ الذروة في طريقته الخاصة وأن الفنان رغم إدراكه بوضع الأشياء معًا يجعل بعضها يخفي ما وراءه
كما أن الأشياء البعيدة تبدو أصغر حجمًا؛ إلا أنه راعى في نقوشه وصوره أن يمثل الأشياء على حقيقتها وعلى أوضح ما تكون دون اعتبار لما يظهر أو يختفي منها لعين الرائي، وربما كان مرجع هذا إلى اهتمام المصري بعقيدة البعث وبأن تلك الأشياء المرسومة تتحول إلى أشياء حقيقية عند تلاوة التعاويذ أو عند البعث؛ ولذلك حتمت التقاليد أن تكون هذه الصور أقرب إلى أصلها الحقيقي؛ فإذا أراد المصري أن يرسم مثلًا مائدة قرابين وعليها بعض المأكولات؛ فإنه كان يمثل تلك المأكولات كاملة على المائدة، وإذا ما كانت مما يوضع في أواني؛ فإن الآنية كانت ترسم بحيث تظهر محتوياتها فوقها أو في داخلها دون مراعاة لعدم شفافية الإناء ودون مراعاة لقواعد الرسم؛ كذلك كان من الأصول المرعية أن يكون أهم الأشكال في المنظر أكبرها حجمًا ويتمثل هذا بصفة خاصة في رسوم الأفراد؛ إذ كان الشخص المهم يبين في حجم أكبر ممن عداه من أشخاص آخرين في نفس المنظر كصورة الملك أو النبيل مع أفراد عائلته أو بعض رجال حاشيته "شكل 23".
وقد تنوعت موضوعات النقوش والرسوم، وتناولت أغراضًا شتى؛ فرسم المصري كل ما تمثله في حياته وكان لكل عصر طراز فني خاص رغم أن الفنانين التزموا قواعد الفن التي سبقت الإشارة إليها في كل العصور. وكانت طريقة العمل في النقش تماثل ذلك إلى حد كبير ففي الرسوم كانوا يبدءون برسم الأشكال بتفاصيلها ثم يلونونها بالألوان المختلفة ولكن النقش كان يتميز عن الرسم بمرحلة متوسطة إذ كانت الأشكال المرسومة تحفر غائرة أو بارزة قبل تلوينها أي أن النقش كان
"شكل 23": منظر يمثل أحد النبلاء وحوله أشخاص أصغر حجمًا
على نوعين، النقش البارز: وهو الذي تزال فيه الأجزاء الخلفية أو المحيطة بالرسم بحيث تبرز الأشكال عن السطح الخلفي بضعة مليمترات، والنقش الغائر: الذي كان يكتفى فيه بحفر السطح الداخلي للشكل ونحته بتفاصيله.
ولا يختلف الغرض الذي توخاه المصري من التماثيل عن الغرض من الصور والنقوش فكلاهما كان يهدف إلى أن تنقلب هذه التماثيل وتلك الصور إلى أشكال حقيقية عند البعث، وعلى ذلك حرص الفنان على أن يجعل منها صورًا صادقة لما تمثلها؛ حتى إنه لجأ إلى توضيح عيون التماثيل والنقوش بحيث تحاكي الطبيعة، فبياض العين كان من حجر أبيض "مرو أو مرمر"والقرنية من حجر البلور الشفاف وفي وسطه تحفر
بؤرة صغيرة تملأ بمادة سوداء لتمثيل إنسان العين ولم تختلف التماثيل عن النقوش في خضوعها لقانون الاتجاهات المستقيمة؛ أي أن التماثيل والنقوش المصرية كانت تعوزها الحركة؛ بينما كانت التماثيل اليونانية كأنها صورة أخذت من فيلم سينمائي، ورغم هذا فإن المتأمل في كلا الفنين المصري واليوناني يجد أن الأول يشعر بالوقار والعظمة والخلود، أما الثاني فيشعر الإنسان بالحياة كما هي، ويمكن تلخيص هذا في أن الفنان المصري أراد تمثيل الحياة كما ينبغي أن تكون بينما أراد الفنان اليوناني أن يصور الحياة الطبيعية كما هي.
ولا شك أن الفنان في مصر لم يصل إلى غاية فنه دفعة واحدة أي أن صناعة التماثيل مثلًا لم تكتمل منذ بداية العصور؛ فالمحاولات الأولى تبين أن الفنان حتى عصر الأسرة الأولى لم يستطع أن يصور إنسانًا خاصًّا؛ بل صور مجرد إنسان يمكن تمييزه عن الكائنات الأخرى، وفي عصر الأسرة الثانية تقدمت صناعة التماثيل؛ ولكن إذا ما نظرنا إلى أي تمثال فإننا نجد أن المادة المصنوع منها التمثال تسترعي انتباهنا أكثر من الانتباه الذي نوجهه إلى الإنسان المصنوع له التمثال، أي أن المادة نفسها التي صنع منها التمثال كانت تتغلب على الفكرة، وفي آخر عهد هذه الأسرة قربت الفكرة أكثر من ذي قبل أي: بدأ التمثال يسترعي انتباهنا كممثل لشخص معين، ومنذ ذلك الحين ارتقت صناعة التماثيل واكتملت الأصول الفنية؛ ولكن كان لكل عصر مميزاته الخاصة كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإذا ما أخذنا تماثيل الملوك فإننا نجدها في الدولة القديمة تتميز بالوقار والعظمة وتشعر الرائي بأنه أمام قطعة تمثل شخصية لها
مجدها، أما تماثيل الدولة الوسطى فنتبين فيها دلائل الصرامة والقوة ومضاء العزيمة، وكان الجزء الأسفل منها لا يعتنى به عناية تامة وخاصة في أوائل ذلك العهد، أما تماثيل الدولة الحديثة فتمتاز بالرشاقة وإبراز تقاطيع الجسم في شيء من الليونة كما تمتاز باستطالة الوجه، ومما تجدر ملاحظته كذلك أن نسبة الرأس إلى الجسم كانت تختلف فهي في الدولة القديمة "1- 9" وفي الوسطى "1- 8" وفي الحديثة "1- 7" تقريبًا؛ كذلك من الممكن الإشارة إلى بعض المميزات العامة التي تبين الاختلافات بين تماثيل كل عصر عن تماثيل العصور الأخرى، ففي الدولة القديمة: امتازت التماثيل باستقامة الخطوط وكان التمثال الواقف تمثل يداه مستقرة على الجانبين، أما في التماثيل الجالسة فكانت إحدى اليدين تستقر على الصدر والأخرى على الركبة ثم أصبحت اليدان تستقران على الركبة منذ عهد خفرع، أما تماثيل الدولة الوسطى فأهم ما يميزها ضخامة الجزء الأسفل وعدم مطابقته للواقع وخشونة المظهر وعدم تناسق الأعضاء تناسقًا تامًّا، أما تماثيل الدولة الحديثة فقد امتازت برشاقتها -كما سبقت الإشارة- ورقبة التمثال في الدولة الوسطى عادة أكبر منها في تماثيل الدولة القديمة والرأس أكبر وقمتها أقل تسطحًا؛ كذلك يمكن ملاحظة بعض مميزات خاصة في زي التماثيل وطريقة تصفيف الشعر وغير ذلك مما يلاحظ المتخصصون.
وإذا ما تحدثنا عن الفن يجب ألا يفوتنا ذكر ما وصل إليه المصري في فن المعمار حيث ارتبطت به الفنون السابقة ارتباطًا وثيقًا، ومن المعروف أن المادة الطبيعية كانت في أول الأمر تتمثل في سيقان البردي وطمي النيل، وقد بدأ البناء أولًا بشكل دورة بسيطة من البردي أو البوص
أو ما شاكلهما من المواد الخفيفة ثم استعمل الطمي في هيئة كتل غير منتظمة، وكان مما يساعد على تدعيم هذه الكتل واستقامتها حزمًا من البردي تثبت إلى الجدران وتحدد أشكالها، وكان المصري في أول عهده بالبناء يضطر إلى جعل قواعد الجدران التي يبنيها بالطمي أضخم وأسمك من أطرافها العليا ويدعم أركانها بحزم البردي أو بقوائم خشبية مستديرة، وكذلك يقوي الأطراف العليا للجدران بمثل هذه القوائم لتتحمل ثقل السقف؛ وعلى ذلك يمكن أن نتصور بأن الجدران كانت تميل إلى الداخل وقد ظل هذا الشكل يحافظ عليه حتى بعد اختراع اللَّبِن الذي كان يصنع عادة من الطمي المخلوط ببعض التبن، وأحجامه في معظم الأحيان "38× 18× 12" سنتيمترات، ولما بدأ الإنسان يستعمل الحجر لم يتخل عن محاكاة المباني القديمة في الشكل والهيئة العامة؛ إذ كثيرًا ما كانت جدران المقابر والمعابد تميل إلى الداخل كما مثل شكل حزم البردي في أركان هذه المباني ومثل أسطوانات الخشب كذلك في السقف. ولم يستعمل الإنسان الحجر في بناء المنازل فيما عدا الأجزاء المحيطة بالأبواب والنوافذ أي أن إطارات هذه صنعت من الحجر؛ بينما كانت بقية المنزل من اللبن.
وقد استعمل الحجر في المباني الجنزية وفي المعابد لأنها كانت هي المباني الخالدة في نظر المصري القديم. فإذا ما أخذنا المقابر؛ فإننا نجد أنها كانت في أول الأمر عبارة عن حفرة يوضع فيها الميت ثم تهال عليه الرمال، ثم أمكن تسقيف المقبرة بالبوص وبعدئذٍ استعمل الخشب في هذا التسقيف؛ وكنتيجة لذلك ولاختراع اللبن أصبحت المقبرة مستطيلة الشكل، وابتداء من أواخر عصر ما قبل الأُسَر عمق الجزء المحفور في باطن الأرض وقسم إلى عدة
حجرات بني فوقها بناء مستطيل مائل الجوانب من اللَّبِن يشبه المصطبة؛ جدرانه تشبه جدران الحصون ذات المداخل والمخارج ثم في عهد الأسرة الثانية خلت الجدران إلا من فجوتين في الناحية الشرقية والجنوبية من هاتين الفجوتين كانت أكبرهما، وفيها كانت توضع لوحة جنزية.
ومع أن الحجر استعمل في بناء بعض أجزاء أو تبليط بعض الحجرات من المقابر في نطاق ضيق جدًّا في عهد الأسرتين الأولى والثانية؛ إلا أن بناء مقبرة بأكملها من الحجر لم يتم إلا في عهد الأسرة الثالثة، وأول المقابر الملكية التي بنيت من الحجر هي هرم زوسر المدرج، ثم أصبح من المعتاد أن يتخذ الملوك أهرامًا كمقابر لهم، أما الأفراد؛ فقد بنوا مصاطب حجرية ونحت أمراء الأقاليم في عهد الإقطاع الأول مقابرهم في الصخور، وبنوا بعض أجزاء منها بالحجر في عهد الدولة الوسطى بنى الملوك أهرامًا صغيرة الحجم من اللَّبِن، أما في الدولة الحديثة؛ فقد نحتت المقابر في الصخور لإخفائها عن العيون خشية السرقة.
ولما كان من المعتاد في الدولة القديمة أن تلحق بالأهرام معابد جنزية "شكل 24"، وكذلك كان الحال في الدولة الوسطى فإن ملوك الدولة الحديثة استعاضوا عن ذلك ببناء معابدهم الجنزية في أماكن منفصلة بعيدة عن مقابرهم.
أما معابد الآلهة؛ فكانت في أول الأمر عبارة عن تعريشة أو دروة من البوص أمامها العلم الخاص بالمعبد، ولا نعرف على وجه التحديد شكل هذه المعابد في الأسرتين الأولى والثانية وأغلب الظن أنها بنيت من اللبن كذلك، وأقدم ما وصلنا من المعابد المعروفة باسم معابد الشمس
"شكل 24": منظر هرمي خفرع ومنقرع أمامهما معابدهما الجنزية.
وتتمثل في بناء على حافة النيل أشبه بمكان للاستقبال يخرج منه طريق صاعد إلى الهضبة، وهذا الطريق مسقوف إلا من فتحة ضيقة تمتد بطول السقف وفي وسطه، وهذا الطريق ينتهي إلى المعبد بالمعنى الصحيح ويبدأ بمدخل ثم حجرة للبواب أو حجرتين وبَهْوٍ صغير يتفرع منه فرعان أحدهما يتجه إلى اليمين حيث المخازن والحجرات الخاصة بالكهنة، والآخر يتجه إلى اليسار وهو عبارة عن دهليز طويل مظلم ينتهي إلى سلَّم يصعد داخل قاعدة ضخمة تقوم عليها المسلة التي تقع في فناء مكشوف، وأمام المسلة مائدة ضخمة للقرابين ومجارٍ طويلة تنتهي إلى أواني تتجمع فيها دماء
"شكل 25 أ": معبد الشمس
القرابين التي تقدم لإله الشمس؛ كذلك توجد مجموعة أخرى من المجاري أصغر عددًا من السابقة في الجانب الآخر من قاعدة المسلة المقابل للجانب الذي به بداية السلم، وهذه المجموعة تنتهي بدورها إلى مجموعة من الأواني "شكل 25أ". أما معابد الدولة الوسطى فكانت تشبه الشرفة المرتفعة أو المنصة التي تحيطها جدران قليلة الارتفاع؛ بينما تتخلل هذه الجدران أعمدة مربعة مرتفعة يقوم عليها السقف، ويؤدي إلى المنصة سُلَّمَان في جانبين متقابلين كما يتوسطها مذبح كبير الحجم "شكل 25ب"، أما معابد الدولة الحديثة فكانت لا تخرج في تصميمها عن بوابة ضخمة تؤدي إلى فناء مكشوف إلا من جوانبه حيث توجد بوائك مسقوفة، وهذا الفناء يؤدي إلى صالة للأعمدة تنتهي إلى قدس الأقداس أو الهيكل، ويلاحظ أن البوابة والفناء وسائر أجزاء المعبد كلها تقع على محور مستقيم، كما أن
"شكل 25ب": معبد من الدولة الوسطى.
البوابة يحيط بجانبيها برجان عظيمان بواجهتهما تجاويف أعدت لوضع ساريات الأعلام وتثبيتها، وقد يسبق البوابة أحيانًا طريق للكباش، كما أن بعض المسلات توضع أمام المعبد وفي بعض أفنيته. ومما تجدر ملاحظته هنا أن التأثير على المتعبدين في معابد الدولة القديمة يأتي على أثر المسير في الطريق الصاعد شبه المظلم ثم الدخول في الممر الطويل المظلم وبعد ذلك يفاجأ المتعبد بسطوع الشمس على قمة المسلة أو بالخروج إلى النور التام في وضح النهار، أما في معابد الدولة الحديثة؛ فإننا نلاحظ أن التأثير يتم بدخول المتعبد من البوابة إلى الفناء المكشوف ثم صالة الأعمدة ثم قدس الأقداس الذي يكاد يكون مظلمًا إظلامًا تامًّا مما يوحي بالرهبة في النفس.
وإذا ما تحدثنا عن المسلات فإننا نجد أنها عبارة عن كتلة ضخمة
من الحجر تميل جوانبها تدريجيًّا إلى قرب نهايتها؛ حيث نجد قمة مدببة تميل بزاوية "60" درجة مئوية تقريبًا، وكانت المسلة عادة توضع على قواعد مكعبة من درجة أو درجتين والشائع أنها كانت توضع في أزواج أمام مداخل المعابد؛ ولكن وجدت كذلك مسلات صغيرة في مقابر الدولة القديمة وأقدم مسلة لمعبد مازالت قائمة في موضعها هي تلك التي أقامها سنوسرت الأول في هليوبوليس وارتفاعها "68" قدمًا، وكانت أمام معبد الأقصر مسلتان إحداهما ما زالت في مكانها، والأخرى نقلت إلى باريس سنة: 1831، وتوجد بعض المسلات الأخرى في مصر ومن أمثلة ذلك مسلة لتحتمس الأول ومسلة لحتشبسوت وكلاهما بالكرنك، وقد أعجب الرومان بالمسلات المصرية ونقلوا كثيرًا منها حتى إن روما وحدها بها "12" مسلة، وواحدة بالقسطنطينية، ومن المسلات التي أقامها تحتمس الثالث مسلتان كانتا في هليوبوليس نقلهما الإمبراطور أغسطس إلى الإسكندرية ثم نقلت إحداهما سنة: 1877 إلى لندن والأخرى نقلت سنة 1879 إلى نيويورك، وأكبر مسلة معروفة كانت هي الأخرى من عمل تحتمس الثالث وكان قد أقامها في هليوبوليس أيضًا وهي الآن موجودة في ميدان القديس جون لاتيران في روما، وقد أقامها هناك البابا سكستوس الخامس.
ولا شك في أن نحت المسلات وإقامتها كان يتطلب عملًا ووقتًا كبيرين كما يتبين ذلك من النص الموجود على قاعدة مسلة حتشبسوت في الكرنك والذي يفخر فيه مهندسها بأنه أتم قطع هذه المسلة في سبعة شهور فقط وأن هذه كانت أقصر مدة عمل فيها مثل هذا العمل.
ويحتمل أن أصل المسلات هو الأحجار المقدسة أو الشواهد
التي كانت تقام تمجيدًا للموتى والآلهة؛ لأننا نعرف بأن لوحات منقوشة بأسماء الملوك كانت توضع في أزواج في مقابرهم بأبيدوس، ويقال بأن أزواجًا من المسلات الصغيرة كانت توجد في مقابر الأشراف من الأسرة الرابعة.
ولم تكن هذه المسلات لمجرد الزينة أو لتسجيل بعض ذكريات الملوك وأعمالهم فحسب؛ بل كانت بعض المسلات تغطى في قمتها بمعدن الألكترون -مزيج من الذهب والفضة- لتعكس أشعة الشمس؛ إذ إن المسلة كانت ترمز لإله الشمس؛ ولذلك نجد أنها كانت كثيرة في هليوبوليس مقر عبادة هذا الإله، وقد رمز في الكتابة الهيروغليفية لبعض معابد الشمس بقرص الشمس فوق قمة المسلة.