الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا إلى الظن بأن الحيثيين جاءوا غزاة إلى شبه الجزيرة واستقروا بها؛ وخاصة لأن النصوص الحيثية المسمارية كانت تختلف في لغتها عن النصوص المسمارية التي سبقتها والتي أدخلها التجار الآشوريون؛ كذلك يبدو واضحًا أن مظاهر حضارية متشابهة بصفة عامة سادت في أنحاء شبه الجزيرة منذ أن سيطر عليها الحيثيون، وعلى هذا فإن مظاهر الحضارة الحيثية تمثل بشيء من التجاوز المظاهرَ التي سادت في شبه الجزيرة، وبما أن الحيثيين ينتمون إلى عناصر هندو أوروبية؛ فإن حضارتهم وإن تأثرت بحضارات جيرانهم يغلب عليها طابع يختلف عن طابع حضارات الشعوب السامية المجاورة، ومن دراسة مخلفاتهم الحضارية يتضح لنا أن الحيثيين كانوا من أكثر الشعوب القديمة تقدمًا في النواحي التي تتميز بها الطبقات الحاكمة؛ فقد امتازوا في الشئون الحربية والسياسية والقانونية؛ ولكنهم لم يصلوا إلى مرتبة عالية في النواحي الدينية والأدبية، أما فنونهم فقد بلغت مرحلة متقدمة وإن كانت لم تصل إلى حد التفوق والعبقرية.
ومع أن هناك بعض الصعوبات التي تعترض الباحثين في دراسة الحضارة الحيثية كنشأة الهيروغليفية الحيثية وتفسيرها؛ فإن من الممكن تتبع المظاهر العامة لتلك الحضارة.
الأسرة
يبدو أن عادات الزواج عند الحيثيين لا تختلف عن عادات الزواج في بلاد النهرين؛ فمع أن الخطبة المصحوبة بهدية من الزوج المنتظر كانت خطوة أولية للزواج؛ إلا أنها لم تكن إلزامية فكانت للفتاة حرية الزواج
من رجل آخر بموافقة والديها أو بدونها بشرط أن يعوض الخطيب الأول.
وكان الزواج يتم بعد حصول الفتاة على هدية من رجلها كما كانت تأخذ صداقًا من والدها، وإذا حدث عدم إتمام الزواج بعد ذلك كان الطرف المذنب يعاقب بدفع تعويض مناسب، وفي حالة الوفاة كان يتحتم زواج الأرملة بأقرب المقربين للزوج المتوفى، وربما كان الغرض من ذلك هو تخليد عائلة المتوفى، وقد انتقلت هذه العادة إلى العبرانيين. ولم يكن الزواج من الرقيق غريبًا بل معترف بشرعيته، وكانت القوانين الحيثية تجعل من رب الأسرة سيدها وراعيها وسلطته على زوجته واضحة وله حق تقرير مصيرها إذا ارتكبت خيانة زوجية.
ومع هذا فإن المرأة في بعض أجزاء آسيا الصغرى كانت تتمتع ببعض الامتيازات الخاصة التي كانت على الأرجح من بقايا نظام أموي -لم تكن التبعية فيه للأب- ساد تلك الأنحاء في أقدم العصور.
ويبدو أن هذا النظام الأخير كان أكثر وضوحًا في البيت المالك؛ إذ إن الملكة كانت تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال، وكانت الملكة الوالدة بالذات ذات مكانة خاصة ولها من الألقاب ما تحتفظ به طوال حياتها ولا ينتقل إلى زوجة الملك الحاكم؛ إلا بعد وفاتها، وكثيرًا ما كانت بشخصيتها القوية تسبب متاعب لابنها الحاكم؛ أما في حالة وجود زوجها على قيد الحياة؛ فإنها تلعب دورًا كبيرًا في شئون الدولة، فتذكر مع زوجها في كل الوثائق الرسمية، وقد تشترك في القيام بالطقوس الدينية الرسمية أيضًا.