المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الديانة ليس من السهل أن نحدد العناصر الأصلية في ديانات بلاد - معالم حضارات الشرق الأدني القديم

[محمد أبو المحاسن عصفور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌أولًا: حضارة مصر

- ‌التعرف على الحضارة المصرية:

- ‌مقومات الحضارة المصرية:

- ‌نشأة الحضارة المصرية

- ‌الأسرة

- ‌الملك

- ‌مدخل

- ‌حاشية الملك

- ‌المسكن

- ‌الملابس والزينه

- ‌مدخل

- ‌ملابس النساء

- ‌مدخل

- ‌النعال:

- ‌ الزينة:

- ‌ الشعر:

- ‌ اللحية:

- ‌ الحلي:

- ‌الإدارة

- ‌الديانة

- ‌مدخل

- ‌تطور التفكير الديني:

- ‌نشأة الأساطير

- ‌مدخل

- ‌مدرسة هليوبوليس:

- ‌مدرسة منف:

- ‌مدرسة الأشمولين:

- ‌طبيعة الآلهة:

- ‌الحوادث التاريخية وأثرها:

- ‌العقائد الجنزية:

- ‌القضاء

- ‌العسكرية

- ‌الحياة الاقتصادية:

- ‌الزراعة وتربية الحيوان:

- ‌الصناعة

- ‌مدخل

- ‌ البردي

- ‌ الكتان:

- ‌ الجلود:

- ‌ الأخشاب:

- ‌ الفخار:

- ‌ صهر المعادن:

- ‌ الأحجار:

- ‌المواصلات والتجارة:

- ‌التجارة والتجار:

- ‌العلوم والآداب

- ‌الفنون

- ‌ثانيًا: بلاد العرب

- ‌ثالثا: الاقليم السورى

- ‌‌‌‌‌مدخل

- ‌‌‌مدخل

- ‌مدخل

- ‌ الأموريون: أقدم العناصر السامية

- ‌ الكنعانيون والفينيقيون:

- ‌ الآراميون:

- ‌العبرائيون

- ‌رابعا: آسيا الصغرى

- ‌مدخل

- ‌الأسرة

- ‌الملك

- ‌الإدارة

- ‌العسكرية

- ‌الديانة

- ‌الحياة الاقتصادية

- ‌العلوم والفنون

- ‌خامسا: بلاد النهرين

- ‌مدخل

- ‌الأسرة

- ‌الملك

- ‌المنازل

- ‌الْمَلْبَس والزينة

- ‌الإدارة

- ‌العَسْكَرِيَّةُ

- ‌الديانة

- ‌القضاء

- ‌الحياة الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌الصناعة

- ‌المواصلات والتجارة

- ‌العلوم والآداب

- ‌الفنون

- ‌سادسا: ايران

- ‌مدخل

- ‌الحياة الاجتماعية

- ‌الدولة

- ‌العسكرية

- ‌الديانة

- ‌الفنون

- ‌خاتمة

- ‌المختار من المراجع العامة

- ‌باللغة العربية

- ‌باللغات الأوروبية

- ‌فهرس الأعلام

الفصل: ‌ ‌الديانة ليس من السهل أن نحدد العناصر الأصلية في ديانات بلاد

‌الديانة

ليس من السهل أن نحدد العناصر الأصلية في ديانات بلاد النهرين القديمة؛ إلا أنه لا شك في أن عناصر الكون كانت تشكل معبودات رئيسية في اللاهوت، وقد نسب أهل بلاد النهرين القدامى إلى معبوداتهم بعض الصفات والعواطف الإنسانية؛ ولكنهم ميزوهم عن البشر بالخلود وبأنهم كانوا خيرين دائمًا، ولم يكن الشر من عملهم بل من أرواح خبيثة تفوق البشر ولكنها دون الآلهة.

وقد تخيل هؤلاء القوم أن العالم قبل نشأته يمثل فراغًا تميز بعنصرين مختلفين من الرطوبة: أحدهما الماء العذب والآخر يمثل الماء الملح وقد ولدت منهما كل الكائنات التي بدأت بمعبودين لم يلعبا دورًا ملحوظًا، ثم بعد فترة أنجبا كذلك معبودين آخرين يمثلان السماء والأرض ومن هذين الأخيرين جاء ثلاثة آلهة آخرين هم الثالوث الأعظم لمجموعة الآلهة البابلية "أنو- إنليل- إيا" وقد اعتبر الإله "أنو" الإله الأعظم من أقدم العصور، وكان يحكم في السماء؛ ولكنه لم يحتفظ بسلطته العليا كأسمى الآلهة حينما انتقلت السيادة من سومر إلى بابل؛ إذ أصبح إله هذه الأخيرة "مردوك" على رأس الآلهة فحل محل الإله أنو، وقد اعتبر الإله "أنليل" سيد الأرض إذ استطاع أن يصل إلى مكانة "أنو" بل وأصبح أيضًا أبًا للآلهة، وهو مستشارها الذي أحدث الطوفان كما كان يعد سيد الكائنات الإنسانية الذي عهد بهم إلى أمراء يقودنهم ويحكمونهم، أما الإله الثالث وهو "إيا" فكان يعد سيد الأرض يحكم في مسكن المعرفة أي المياه التي تحمل الأرض وتحيط

ص: 216

بها، كما كان إلهًا للحكمة، خلق الإنسان من كتلة من الطمي نفخ فيها نسمة الحياة، وهو الذي أنقذ البشر من الفناء في زمن الطوفان وعلمهم مختلف الصناعات ومنح الذكاء للملوك.

ويلي هذا الثالوث ثالوث آخر يتألف من إله القمر وإله الشمس وإلهة هي الزهرة عشتار، وكان إله القمر يقيس الزمن ويعاقب المذنبين من الملوك بقضاء حياتهم في التأوهات والدموع، وكان إله الشمس هو القاضي الأعظم الذي أملى قوانين العدالة على الملوك، أما عشتار فكانت إلهة الحرب وإلهة اللذة تسعى لغواية البشر، كما أنها تعد أخت إله الشمس وفي نفس الوقت أخت إلهة العالم السفلي.

وإلى جانب هؤلاء جميعًا كانت كل قوى الطبيعة وكل قوى الخير تؤله عند السومريين والبابليين كما كان لكل مدينة معبودها حتى أصبح عدد المعبودات كبيرًا جدًّا، وبالطبع كان تفوق معبود على الآخرين يجعل من هذه المعبودات الأخرى معبودات مظاهر له، وينسبون إليه قدرة لا توجد لدى الآخرين كما أنه يصبح المتحكم في تقرير المصير؛ كذلك عبد السومريون والبابليون عددًا من الأبطال الخرافيين تظهر أسماء بعضهم في القوائم الملكية كملوك في العصور السابقة للتاريخ، كما أن بعض الأمراء انتحلوا الصفات الإلهية أثناء حياتهم، ولم يختلف الدين الأشوري عن البابلي في روحه ولكنه تأثر بعض الشيء بالمظاهر الحربية التي سادت عهد الآشوريين، وبالطبع احتل إلههم أشور "شكل 46" مكانة أعظم إله في بلاد النهرين ونسب إليه الخلق، وهو من جهة أخرى كان يعد إلهًا حربيًّا أخضع الناس جميعًا لسلطانه وكانت زوجته عشتار الأشورية تحتل المكانة التالية لمكانته كما أنها كانت تعد بطلة المعارك وحامية أشور.

ص: 217

"شكل 46": الإله أشور.

ومن الجدير بالذكر أن بعض الطقوس كانت تحوي أناشيد تنص على الاعتراف بكثرة الذنوب كما تنص على أن هذه الذنوب ربما كانت غير مقصودة بالنسبة لآلهة قد لا يعرفها من يتلو هذه الأناشيد وكانت التقوى الدينية تكافأ بالعمر الطويل في الحياة الدنيا، ومن الغريب أن الجزاء في الآخرة لم يكن واضحًا؛ بل كان يظهر في النصوص الدينية ما يشير إلى أن المرء يلقى جزاءه من ثواب وعقاب في حياته الدنيا، ومع هذا فقد كان الاعتقاد سائدًا بأن ظل الميت يفترق عن جسده عقب الموت مباشرة ويتحول إلى روح شريرة ما لم تدفن الجثة، وعلى هذا فإن الحرمان من الدفن كان يعد عقوبة قاسية، وبالرغم من ذلك فإن مصير الموتى لم يكن واحدًا وكان أقصى ما يطمعون فيه أن يستريحوا في العالم السفلي فوق أَسِرةٍ ويشربون ماءً نقيًّا أو أن ينالوا عون آبائهم وأزواجهم إن كانوا ممن سقطوا في المعارك، أما ما عداهم فإن مصيرهم

ص: 218

كان محزنًا تأكلهم الديدان ويملؤهم الغبار، وهذا بخلاف ما اعتقده المصريون من أن الأبرار كانوا ينعمون بصحبة الآلهة ويعيشون في حقول "يارو" أما سواهم فإنهم يلقون جزاءهم من العذاب "انظر أعلاه ص: 85، 86".

وقد أدى التفكير في نشأة الوجود إلى ظهور أساطير مختلفة وصلت إلينا منها بعض النماذج، وتعد الأسطورة البابلية أقدم نموذج وصل إلينا كأسطورة طويلة، وهى مدونة على سبعة ألواح طينية تعرف لدى علماء الأشوريات باسم ألواح الخليقة السبعة، وهي تحتوى على نحو ألف بيت تقريبًا وتشير إلى أنه لم يكن في البدء سوى الماء العذب الإله "أبسو" والماء الملح "الإلهة تيامة" وكانا مختلطين ثم ولدت منهما الآلهة الأخرى متعاقبين، وفى ذلك ما يشير إلى أن المادة "المياه" أزلية، وهي في نفس الوقت الإلهين اللذين جاءت منهما الآلهة ومن أعقابهما أعظم الآلهة لدى البابليين وهو مردوخ، وقد أشرنا إلى ما تضمنته هذه الأسطورة عند الكلام على ما تخيله القوم عن نشأة الآلهة "انظر أعلاه ص216".

ويرى بعض المؤرخين أن هناك تشابه واضح بين هذه الأسطورة وبين ما جاء في سفر التكوين من أنه في البداية لم يكن سوى هيولي مظلم من الماء؛ ولكن الأسطورة تختلف عن الكتب السماوية عمومًا في أنها جعلت المادة أزلية سبقت أي شيء آخر، ومع كل فإن الأسطورة تعكس صورة لما يدور في بيئة بلاد النهرين من صراع بين عناصر الطبيعة وبين الإنسان وبيئته.

ص: 219

ومن الأساطير التي اشتهرت في تاريخ العراق القديم الأسطورة المعروفة باسم "ملحمة جلجامش أو الطوفان، ومع أن جلجامش قد ورد ذكره كأحد ملوك الأسرة الأولى في الوركاء؛ إلا أنه صار موضوعًا لعدة ملاحم وقصص كلها تصف أعماله ومغامراته وبطولته الخارقة. وأشهر هذه القصص تلك التي تتصل بالطوفان وهي أطول ملحمة في الشعر البابلي حيث كتبت على "12" لوحًا من الطين تحوي نحوًا من "3500" سطرًا وهي تتلخص في وصف جلجامش بالحكمة ومعرفة أخبار الأزمنة السابقة للطوفان وأنه سافر أسفارًا بعيدة، وهو بطل الآلهة الذي خلقته في أحسن صورة وقوة، ثلثاه إله والثلث الباقي بشر، وقد تعسف مع أهل الوركاء الذين استغاثوا بالآلهة، وهذه خلقت بطلًا قويًّا هو "أنكيدو" ليكون منافسًا لجلجامش، وتحدث بين الاثنين معركة ينتصر فيها جلجامش ثم يصبحان بعد ذلك صديقين، ثم يذهبان معًا في سفر طويل للحصول على الشهرة والمجد وينجحان في ذلك أولًا ثم يعودان إلى الوركاء، وهنا تحاول الإلهة عشتار إغواء جلجامش؛ ولكنه يحيد عنها فطلبت إلى والدها "آنو" إله السماء عقاب جلجامش فخلق هذا "ثور السماء" الذي أخذ يفتك بأهل الوركاء، وانبرى له الصديقان "جلجامش وأنكيدو" يصارعانه حتى قضيا عليه واحتفلا بنصرهما.

ثم تدور الدوائر عليهما وقد غضبت عليهما الآلهة فيمرض "أنكيدو" ويموت وهو في ريعان الشباب ويحزن عليه جلجامش ثم يمتلكه الخوف من الموت ويفكر في التخلص منه لكي ينال حياة خالدة، وهنا يذكر جده الخالد "أوتو نبشتم" فيذهب إليه ليسأله عن سر الخلود، ويصل

ص: 220

إليه بعد أهوال وبعد أن تنصحه إحدى الإلهات بالانصراف عن فكرة الخلود لأنه من البشر وأن نصيبه الموت، وما أن يصل إلى جده حتى يسرد هذا الأخير قصة الطوفان ويشير فيها إلى أن الآلهة عزمت على إحداث الطوفان، وقد حاباه الإله "إيا" فأخبره بذلك قبل حدوثه ونصحه بعمل سفينة من سبع طبقات قسم كلا منها إلى تسعة أقسام وجهزها بما تحتاجها من مؤن

إلخ وبعد أن نجا من الطوفان قدم قربانًا إلى الآلهة، وصعد الإله "أنليل" إلى السفينة وأخذ بيد "أوتو- نبشتم" وأخرجه من السفينة هو وزوجته ثم أمر بأن يصبحا إلهين، وبعد أن يصل "أوتو- نبشتم" إلى هذا الحد من قصته يوجه كلامه إلى جلجامش قائلًا: من ذا الذي سيجمع الآلهة من أجلك حتى تحصل على نعمة الخلود، وبعد أن يفشل جلجامش في الاختبار الذي أختبره به "أوتو- نبشتم" تشفق زوجة هذا الأخير على جلجامش وتشفع له فيصف له زوجها نبات الخلود ومكان وجوده، وبعد أن يحصل جلجامش فعلًا على هذا النبات ويسر به يتخذ طريق للعودة به إلى مدينته "لينميه" ويستفيد به الناس؛ إلا أنه يصادف في طريق عودته بركة ماء نزل إليها للاستحمام وإزالة عناء السفر، وفي أثناء ذلك اجتذبت رائحة النبات الحية فاختطفته وبذلك حصلت على قوة تجديد الشباب؛ لأنها كلما شاخت تنزع جلدها فيعود إليها الشباب.

وتذكر رواية أخرى من هذه الأسطورة أن جلجامش قام بأسفار بعيدة ليخلد له اسمًا مع أسماء الآلهة في أرض الحياة، كما أن جزءًا من نصوص هذه الأسطورة يبدو أن لا علاقة له بسياق المغامرة التي قام بها

ص: 221

جلجامش حيث إنه يأمر "أنكيدو" بأن ينزل إلى العالم السفلي كي يحضر له آلتين من الخشب كان قد صنعهما وسقطتا منه فيه، وبعد أن ينزل أنكيدو يتضرع جلجامش إلى الآلهة كي تبعثه من عالم الأرواح لينبئه عن أحوال العالم السفلي، فتصعد روح أنكيدو وتعطيه صورة قاتمة عن حالة أرواح الموتى؛ إذ إن غالبيتها سجينة، طعامها التراب والطين بينما تتمتع القلة منها وخاصة من مات أصحابها في الحرب ميتة الأبطال ومن تركوا ذرية لهم، بمعاملة خاصة حيث يجدون الماء والقوت.

ومن الأساطير ما يعكس صورة عن أفكار القوم فيما يتعلق بأصل الشر وطبيعة الإنسان وعجزه عن إدراك الخلود، ومن هذه أسطورة "آدابا" يرى بعض المؤرخين أنه يشبه آدم1 وإن كان لا يبدو من هذا التشابه إلا مخالفة آدابا لأمر الإله "آنو" بأن يأكل من الطعام طعام الخلود الذي قدمه إليه بناء على نصيحة الإله "إيا" له، أما فيما عدا هذا فهي تبين ميل الإنسان إلي الانتقام وأن نصيبه الموت.

وهناك أسطورة أخرى تعرف باسم أسطورة "إيتانا"، وهي تتلخص في أن الملكية نزلت من السماء وبعد أن استقرت فيها لم يكن لأحد الملوك ولد فتضرع إلى الآلهة كي تهبه ولدًا يرثه، وتمضي الأسطورة في وصف تكليفه بعمل خير، لقاء حصوله على بغيته وكيف أنه طار إلى السماء للحصول على نبات الولادة بمساعدة نسر كان قد سبق أن أنقذه

1 طه باقر، المرجع السابق، ص472.

ص: 222