الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: بلاد العرب
من المعروف أن بلاد العرب ظلت بيئة مقفلة أمام العالم المتحضر؛ فلم تقم بها بحوث أثرية ولم يصل إليها من الرحالة الذين تركوا وصفًا لمشاهدتهم فيها إلا في القليل النادر.
وكان اهتمام أقدم من عرفناهم من هؤلاء منصبًّا بصفة خاصة على التعرف على ما يجري في داخل الحجاز وخاصة فيما يتعلق بمراسيم الحج، ومما زاد في إثارة الرغبة عند هؤلاء تحريم دخول غير المسلمين إلى مدينتي مكة والمدينة.
وأقدم الرحلات التي سمعنا بها كانت في أوائل القرن السادس عشر؛ ولكن الرحلات التي جاءت عنها تفاصيل أكثر إسهابًا ودقة هي تلك التي بدأت منذ أوائل القرن التاسع عشر.
ورغم أن مثل هذه الرحلات لم يكن الغرض منها وصف المعالم الأثرية؛ إلا أن هناك رحلات أخرى تهدف إلى مشاهدة بقايا ما كتب في التوراة عن مملكة سبأ وغيرها من أماكن متعددة من بلاد العرب وما حوته من كنوز ونفائس. كما أن بعض المؤرخين اليونانيين والرومانيين وبعض كتاب العرب ذكروا قصصًا عن بلاد اليمن وما فيها من قصور وحصون ألهبت خيال بعض الرحالة وحملتهم على التفكير في السفر إليها.
وبالفعل قامت بعثة دنمركية أوفدها ملكها سنة 1761 مكونة من خمسة أعضاء مات رئيسها عند وصوله إلى المخا ميناء اليمن ومات أخصائي النبات بين المخا وصنعاء، واستمر الثلاثة الباقون حتى عادوا إلى المخا متجهين إلى الهند؛ فمات اثنان منهم، ولم يرجع بعد إتمام الرحلة سوى واحد هو نبؤور الذي كان مكلفًا بعمل الخرائط فقط؛ ولكنه أعد جميع الأبحاث والرسوم للنشر.
وكانت نتائج هذه البعثة من أحسن النتائج العلمية التي أمكن الوصول إليها.
وفي سنة 1843 قام شاب فرنسي برحلة إلى مأرب ونقل كثيرًا من النقوش السبئية، نشرها القنصل الفرنسي في جدة في سنة 1845.
ثم قامت رحلات أخرى بعد ذلك في فترات متباعدة؛ ولكنها جميعًا لا تلقى ضوءًا كافيًا على ما كان في هذه المناطق من حضارة.
ومهما كان الأمر فإن شبه جزيرة العرب لم يكن فيها من التيسيرات التي تسمح للرحالة والعلماء بالتجوال فيها أو الكتابة عنها، واقتصرت الجهود على مناطق محدودة منها، وإذا ما نظرنا إلى الظروف المناخية وما نشاهده من أحوال الطبيعة في الوقت الحاضر يمكننا أن نستنتج أن أهل شبه الجزيرة وإن اتحدوا في صفاتهم الجنسية؛ فإنهم كانوا يختلفون في ظروف معيشتهم بين بقعة وأخرى، ويمكن القول إجمالًا بأن المناطق التي سبقت إلى ميدان الحضارة هي تلك التي جعلت الاستقرار فيها ممكنًا، وبعبارة أخرى؛ فإن مناطق الحضارات القديمة يمكن تتبعها في الأطراف الجنوبية والشمالية لشبه الجزيرة.
ومع كل فإن مخلفات هذه الحضارات التي ظلت قائمة والتي أمكن الكشف عنها قليلة للغاية ولا تكفي لأن تكون فكرة كاملة عن مظاهر الحضارة المختلفة التي سادت في تلك البقاع.
ومما يلاحظ على حضارات شبه الجزيرة بصفة عامة عدم وجود سلسلة متكاملة من المظاهر الحضارية؛ فهناك فجوات كثيرة في هذه السلسلة؛ فالآثار التي كشف عنها في مناطق محدودة من جنوب شبه الجزيرة والتي تمثل حضارات العصور قبل التاريخية لا تخرج عن كونها بعض آلات الصوان التي تشبه ما وجد في شرق أفريقيا من العصر الحجري القديم؛ مما أدى إلى افتراض نظريتين: إحداهما تشير إلى أن الحضارة انتقلت من شبه الجزيرة إلى الساحل الأفريقي؛ بينما تشير النظرية الأخرى إلى العكس من ذلك حيث تفترض وجود مركز إشعاع حضاري في شرق أفريقيا انتقلت منه ثقافة صناعة الصوان إلى جنوب شبه الجزيرة وغيرها. ولا نكاد نجد من المخلفات الأثرية ما يبين مظاهر حضارات تالية للعصر الحجري القديم؛ بل إن كل ما عثر عليه من مخلفات غير صناعات هذا العصر تشير إلى حضارات عصور تاريخية متأخرة.
وربما كانت أعظم المناطق الأثرية في جنوب شبه الجزيرة هي مأرب التي ذكرت في الكتب المقدسة؛ ففيها بقايا مباني ما زالت جدرانها قائمة وإن كان الكثير ما زال مطمورًا تحت الأكوام الأثرية، وهذه الجدران تدل على مبانٍ مختلفة، وإلى جوار تلك الجدران توجد أحجار كثيرة منقوشة ببعض الكتابات وبعض التماثيل وبقاياها. ويمكن أن يتتبع المرء في أطلال هذه المدينة مكان السوق القديم والسور، ويتضح منها
حسب رأي بعض الرحالة أن المدينة كانت مستديرة وأن سورها كانت به ثمانية أبواب، ومن هذه البقايا أيضًا يمكننا أن نستنتج أن أهل سبأ الذين اتخذوا مأرب عاصمة لهم1 وصلوا إلى مرحلة متقدمة في فن المعمار، وفي فن نحت التماثيل؛ كما أن من بين النصوص ما يشير إلى أن أحد الملوك بنى حائطًا حول مأرب بناءً على أمر ومعونة الإله عشتر2.
ومن المخلفات الأثرية في هذه المناطق وما جاورها من مناطق أثرية أخرى بعض اللوحات المزخرفة المنقوشة وبعض التوابيت الحجرية مما يدل على أن أهل سبأ استخدموا التوابيت في دفن موتاهم، ولا بد أنهم اعتقدوا بالبعث؛ لأن بعض المقابر التي كشفت بفعل السيول وغيرها كانت تحتوي على كثير من الأثاث الجنزي إلى درجة أن أهل المنطقة اعتقدوا بأن الموتى كانوا من التجار الذين دفنوا ومعهم بضائعهم؛ ولذا يطلقون على هذه القبور اسم مقابر البياعين3.
ومن الواضح في فنون البناء والنقش في تلك المنطقة أن هناك تأثيرات توحي بوجود اتصالات بينها وبين بلاد النهرين وسوريا واليونان
1 كانت العاصمة أولًا صرواح، انظر كتاب المؤلف:"معالم تاريخ الشرق الأدنى القديم""الإسكندرية، سنة: 1968""ص258".
2 كانت الديانة الرئيسية لدى شعوب جنوب بلاد العرب تعتمد أساسًا على ثالوث من الكواكب يتمثل في الإله الأب وهو القمر "الموقاه" والإلهة الأم وهي تسمى "ذات حميم أو ذات بعدان" والإله الابن وهو نجم الزهراء "عشتر"، انظر:
أحمد فخري: اليمن ماضيها وحاضرها "القاهرة: 1957"، "ص56".
3 المرجع السابق "ص122".
كما أن هناك ما يوحي بتأثيرات من الفن المصري وخاصة في التماثيل وزخارف بعض النصب.
والظاهر أن بعض النقوش تشير إلى تصريح بقطعة من الأرض منحها الملك إلى قبيلة في نظير الخدمة العسكرية، كما أن هناك نقوشًا أخرى تحرم نهب الأراضي المزروعة أو تركها وقت الحصاد، ونقوشًا غيرها تحدد امتلاك بعض القبائل لبعض الأراضي وتحدد الضرائب الواجب دفعها عنها.
وهكذا يمكن أن نستنتج بأن استقرار بعض القبائل البدوية كان يتم بشروط معينة، وربما كان الكيان السياسي للدولة غير كامل أو أنه كان عرضة للتغير بسبب دخول بعض العناصر الجديدة بين حين وآخر.
ويتمثل فن السبئيين في سد مأرب الذي بلغ من شهرته أن ذكر في القرآن الكريم، وقد نسب إلى ملكة سبأ كما نسب إلى غيرها من الملوك الذين سبقوها، وهو يعد أعظم عمل هندسي قديم في الجزيرة العربية. وتروي الأساطير أوصافه بشيء من الخيال كما تنسب تحطمه إلى أسباب مختلفة منها ما هو خيالي، وقد أقيم هذا السد في حوالي منتصف القرن السابع قبل الميلاد، وتهدم في حوالي أواخر القرن السادس الميلادي، وكان الغرض من بنائه ينحصر في السيطرة على مياه السيول وتخزينها والصرف منها بالمقدار اللازم فتتوفر المياه اللازمة للري إلى أن يحين موعد قدوم السيول التالية وهكذا.
ونظرًا لما تمتعت به بلقيس من شهرة في التاريخ فإن كثيرًا من الأماكن الأثرية تنسب إليها ولا يقتصر وجودها على منطقة مأرب
وحدها؛ بل يطلق اسم بلقيس على مناطق أثرية في أماكن مختلفة أخرى من اليمن. ومن أهم الآثار التي تنسب إليها في منطقة مأرب محرم بلقيس وهو أهم المعابد وأشهرها ويقع على بعد نحو أربعة كيلو مترات جنوب شرق مأرب الحالية، وأقدم النقوش على جداره الخارجي يدل على أن ثاني ملك حكم سبأ هو الذي بنى سور هذا المعبد وأنه شيده لإله القمر، وقد عاش هذا الملك في القرن الثامن قبل الميلاد، وهو نفسه الذي شيد المعبد الكبير في صرواح، وقد وجدت نقوش من تواريخ تالية تصل إلى القرنين الثالث والرابع الميلاديين، أي أن هذا المعبد ظل قائمًا وعبادة القمر ظلت تقام في هذا المكان ألف سنة على الأقل.
ومن كتابات المؤرخين القدامى نعلم بأن مأرب كانت بها ثلاثة قصور على الأقل، قرن أحدها بقصر الملكة بلقيس، وقد ورد في كثير من أقوال الشعراء وكتاب العرب؛ ولكن من العسير تحديد مكان هذا القصر أو التعرف عليه.
أما في منطقة صرواح وهي تتمثل في وادٍ مستدير محاط بالجبال؛ فقد وجد بها آثار تدل على وجود سد قديم ما زالت عليها بعض الكتابات القديمة، كما وجدت آثار تدل على وجود معابد قديمة أحدها يطلق عليه الآن "دار بلقيس"، ويبدو أنه ما زال سليمًا لأن سقفه الحجري ما زال في مكانه؛ ولكنه مطمور بالرديم. وأهم الآثار جميعًا في تلك المنطقة معبد إله القمر أو المعبد الكبير الذي يبدو كأنه بناء نصف بيضي لاستدارة إحدى نواحيه مما جعله يبدو بهذا الشكل، وقد بنى هذا المعبد أيضًا الملك الثاني من ملوك سبأ الذي سبقت الإشارة إليه
على أنه باني سور المعبد في مأرب، وربما كان هو الذي وحَّد جنوب شبه الجزيرة بأكملها بما في ذلك حضر موت ونجران والمحميات، ومن الجدير بالذكر أن هذا الملك يشير في نقوشه إلى خزانات المياه والجسور والقنوات التي أمر بإنشائها.
وليس من اليسير تتبع الآثار المختلفة في مناطق جنوب شبه الجزيرة، وكل ما يمكن قوله في هذا الصدد: إن هذه الآثار؛ وإن كانت قليلة ولم تدرس دراسة وافية بعد؛ إلا أنها تعطي فكرة واضحة بعض الشيء عن الديانة في هذه المنطقة وعن توصل أهلها إلى أعمال هندسية رائعة سواء في المعمار أو في التحكم في مياه السيول، وبلوغهم درجة لا بأس بها في القوانين والعلاقات العامة؛ وخاصة فيما يتعلق بتحديد الملكية وتحديد الحدود بين الأملاك المختلفة كما يبدو من هذه الآثار أيضًا أنهم نعموا بالرفاهية وأن الرقص والموسيقى كان لهما نصيب في حياتهم؛ إذ توجد على بعض الأحجار مناظر تمثل راقصات تحيطها زخارف مختلفة.
ولا شك في أن موقع جنوب شبه الجزيرة كان له أثره في اتصال بعض الأقطار ذات الحضارات القديمة بسكانه. ومن المرجح أن وجود هؤلاء السكان عند مخرج البحر الأحمر جعلهم يغامرون بالخروج إلى البحر وأصبحوا من الملاحين الممتازين؛ بل ويتغالى بعض المؤرخين فيذكر أنهم وصلوا بسفنهم إلى بلاد الهند وبلاد النهرين ومصر، كما أن إقبال بعض القبائل على الاستقرار في بعض أماكن شبه الجزيرة لم يجعلهم يتخلون نهائيًا عن صفاتهم البدوية بما فيها من حب التجوال والترحال؛ ولذا نجد أن سكان هذه المناطق إلى جانب مهارتهم في الملاحة قاموا
بنقل المتاجر عبر شبه الجزيرة، ووصلوا بتجارتهم إلى الشام، كما أنهم كانوا أحيانًا يجمعون في الانتقال بالمتاجر بين اتخاذ طريق بحري وآخر بري؛ إذ كانوا يعبرون البحر إلى الشاطئ الأفريقي ثم يسيرون بحذاء الشاطئ تتبعهم سفنهم من مكان إلى آخر. ويبدو أن ملوك "أكد" ببلاد النهرين اتصلوا بالمناطق الواقعة في جنوب شرق الجزيرة، كما يبدو ذلك من نصوص "نارام سن" و"جوديا" كبير كهنة "لجش"، والظاهر أن بعض القبائل الجنوبية وقفت إلى جانب ملك دمشق في حربه ضد الملك الأشوري "شلنصر الثالث"، وبعد ذلك نجد في النصوص الآشورية ما يشير إلى وصول جزية وهدايا من السبئين إلى ملوك آشور؛ إلا أنه من المستبعد أن يكون الأشوريون قد وصلوا إلى جنوب شبه الجزيرة وفرضوا الجزية على سبأ، والأرجح أن بعض الجاليات السبئية كانت مستقرة على طول الطريق التجاري بين شمال الجزيرة وسوريا وهذه هي التي تعرضت لإغارات الأشوريين، كما أنه من الجائز أيضًا أن يكون ما ذكره الأشوريون عن جزية السبئين لا يدل إلا على هدايا أرسلها السبئيون لتوطيد صلات الصداقة معهم والمحافظة على نشاطهم التجاري في شمال شبه الجزيرة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى ما تذكره الأساطير المصرية من أن المصريين كانوا ينتمون إلى أتباع حور، وأن هؤلاء هم الذين جاءوا من الجنوب والشرق وعلموا المصريين الحضارة وأخضعوا البلاد لسلطانهم. ويرى كثير من الباحثين بأن في هذا إشارة إلى أن أتباع حور قد جاءوا من شبه الجزيرة وعبروا البحر الأحمر وتجولوا على طول الساحل الأفريقي ثم تقدموا شمالًا حتى وصلوا إلى مصر؛ كما أن الاتصال المستمر بين مصر
وبلاد بونت، وهذه الأخيرة قد دعا كثير من المؤرخين إلى الربط بينها وبين جنوب شبه الجزيرة؛ بل ويرجحون أن بونت هي نفسها بلاد اليمن الجنوبية وليس كما يقول بعض المؤرخين بأنها هي شاطئ أفريقيا في منطقتي إرتريا والصومال1.
أما على الحدود الشمالية لشبه الجزيرة فقد استقرت بعض القبائل وتكونت بعض الدويلات كانت أهمها: البتراء وتدمر. ولا نكاد نعرف من أمر هذه الدويلات شيئًا سوى ما ذكرته بعض النصوص التي جاءت من الأقطار المجاورة. وشأن الدويلات الشمالية شأن الدول الجنوبية لشبه الجزيرة من حيث إن تاريخها المعروف به فجوات كثيرة، فخطابات "ماري" تدل على أن منطقة تدمر كانت آهلة بالسكان حوالي سنة:170. ق. م. ولا نجد وثائق مستمرة عنها بعد ذلك التاريخ؛ غير أن تدمر تأخذ في الظهور حوالي القرن الأول قبل الميلاد؛ أما البتراء فقد أخذت في الظهور منذ القرن الثاني قبل الميلاد، وإذا كان أهل البتراء هم الأنباط فإن أقدم ذكر لهؤلاء يرجع إلى القرن السابع قبل الميلاد؛ حيث حارب ملكهم "آشور بانيبال"، وقد اعتبرهم هذا الملك ثوارًا، وتذكر حولياته بأن جيوشه تقدمت في الصحراء وهزمتهم، ويبدو أن التضارب في وصف هؤلاء الأنباط بين الكتاب القدامى؛ فمنهم من يرى بأنهم كانوا يعيشون في منطقة صحراوية تقوم حياتهم على الغزو ويحرمون الزراعة وشرب الخمر وبناء المنازل؛ بينما يصفهم آخرون بأنهم
1 أحمد فخري، المرجع السابق "ص: 66- 68".
يشتغلون بنقل التجارة الآتية من الجنوب. أما التدمريون؛ فكانت عاصمتهم تدمر، ويبدو أن سكانها كانوا من القبائل التي استقرت في هذه المنطقة على طول الطريق التجاري الرئيسي بين شبه الجزيرة وشرق البحر المتوسط، ويبدو اختلاف أصول السكان وإرجاعهم إلى قبائل مختلفة- من النقوش التي خلفوها؛ إذ نجد نقشًا على تمثال يسجل الصلح بين قبيلتين متنازعتين، كما أن بعض النقوش وإن كانت تسجل اشتراك السكان في بعض الطقوس الدينية؛ إلا أن هذه النقوش تسجل أسماء تلك القبائل، وقد أقاموا تماثيل لآلهتهم المختلفة. ومهما كان الأمر فإنه نظرًا إلى أن هذه الدويلات الشمالية تقع في الطريق بين بلاد النهرين والشام؛ فقد تعرضت لهجمات الأشوريين والكلدانيين كما تعرضت الدويلات الأخرى المتاخمة لها من الجنوب، ومن ذلك مثلًا ما نعلمه من أن "تجلات بلسر الثالث" يتقبل خضوع أميرتين عربيتين إحداهما تدعى زبيبة والثانية تدعى سمسى، كما أن "سنحريب" يذكر بأنه توغل في الصحراء متعقبًا العرب الذين كانوا قد تقدموا إلى بابل واضطرهم إلى الاعتصام في مكان ما في قلب الصحراء، وعلى أي حال فإن خصائص ومميزات حضارات تلك الدويلات الشمالية ينبغي أن تكون موضوع الحضارات المعاصرة لليونان والرومان؛ لأن التواريخ المؤكدة لظهورها هي القرنين الثاني والأول قبل الميلاد كما سبق أن أشرنا، وقد سقطت البتراء سنة" 16م، وتدمر سنة: 273م.