الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للتجارة؛ بل واستعملت كلغة رسمية في الإمبراطورية الفارسية وكان انتشارها سببًا في انتشار الأبجدية الفينيقية التي استخدموها؛ فكانت هي لغة المسيح وأتباعه وكتبت بها بعض الصلوات ثم تفرعت إلى مجموعتين: شرقية: في وادي الفرات ومنها السريانية، وغربية: ومنها التورائية والتدمرية وغيرها.
أما عن ديانتهم؛ فقد كان الإله "حدد" أهم معبوداتهم وهو إله الزوابع والرعد وكان محبوبًا بصفة خاصة بين المزارعين؛ لأنه كان يرسل المطر، وقد امتزجت عبادته بعد ذلك بعبادة الشمس وكانت رفيقته الإلهة "أتارجاتس" تعد الإلهة الأم وكان يرمز لها بالهلال وقرص الشمس وانتشرت عبادتها في فلسطين ثم انتقلت إلى الرومان بعد ذلك، وإلى جانب هؤلاء كان هناك عدد من الآلهة الثانوية بعضها محلي والبعض الآخر انتقلت عبادته من الأقطار المجاورة مثل الإله "شمش" وهو من أشور والإله "رشف" وهو من فينيقيا، وغيرهما.
العبرائيون
…
د- العبرانيون:
هم الجماعات السامية التي جاءت مع الآراميين في نفس الوقت تقريبًا وقد وصلوا إلى فلسطين بعد أن ذهبوا إلى جنوب بلاد النهرين ثم إلى وسطها، وقد هاجرت جماعة منهم إلى مصر ثم خرجت منها بقيادة موسى، وبعدئذٍ أخذ كيانهم يبدو في فلسطين بوضوح، وعند قدومهم كان سكان فلسطين عبارة عن جماعات كنعانية وجماعات غير سامية إلى جانب قدامى العبرانيين الذين لم يكونوا قد هاجروا إلى مصر وقد اندمج هؤلاء الأخيرون معهم، وأصبح القادمون الجدد يكيفون حياتهم حسب مقتضيات ظروف بيئتهم الجديدة وأرادوا
محاكاة جيرانهم الذين كانوا يعيشون في ممالك خاصة، -وأتيحت لهم فرصة ذلك عند اشتداد الحرب بينهم وبين الفلسطينيين فأنشئوا ملكية لهم يمكن اعتبار تأسيسها بداية تاريخ الأمة العبرية، وإن كنا نعتقد بأنهم لم يحرصوا على قوميتهم؛ بل ولم يخلصوا تمامًا لملكيتهم؛ فقد تركوا لغتهم السامية القديمة واتخذوا لغة الشعب الذي عاشوا بين ظهرانيه؛ فاستعملوا لغة الكنعانيين وأبجديتهم، ولم يكن لهم أدب؛ إلا بعد أن تعلموا فن الكتابة من جيرانهم، كما أنهم ظلوا محتفظين بنظامهم القبلي فيما يختص بالشئون الإدارية ولم يحكم الملك بينهم إلا حسب أوامر يهوا "الرب" كما يعلنها الصالحون منهم، ومهما كان الأمر؛ فإنهم كانوا أصلًا من البدو ولم يحترفوا الزراعة إلا بعد استقرارهم في الأراضي الخصيبة، ومع هذا ظل سكان المناطق المرتفعة منهم يعتمدون على الرعي كمورد أساسي لهم، وقد ارتبطت حياتهم الزراعية بكثير من الأفكار والقصائد التي لم يكن لهم بها عهد، ومارسوا الأعمال والطقوس التي اعتبرت ضرورية للخصب وضمان محصول طيب؛ فكانوا يضحون بأحد الحيوانات ويقدمون قرابين للمعبد من المحاصيل والماشية ويرقص ملكهم أمام تابوت العهد، واعترفوا بالآلهة المحلية التي تتعلق بالخصب والنماء بصفة خاصة إلى جانب معبودهم يهوا؛ ولذا كانت بعض العبادات والطقوس الكنعانية القديمة منتشرة بينهم؛ بل وأصبح الإله الكنعاني بعل في بعض الفترات منافسًا قويًّا للمعبود يهوا، وكانت فكرتهم عن الحياة الأخرى شبيهة بالفكرة لدى الكنعانيين ومعظم الأمم القديمة في المنطقة؛ إذ كانوا يدفنون مع موتاهم بعض الأدوات التي كانوا يستخدمونها في حياتهم اليومية.
ولم يقتصر تأثر العبرانيين بالكنعانيين على المظاهر الدينية فحسب؛ بل تأثروا كذلك بالكثير من المظاهر الحضارية الأخرى؛ ففي العمارة نجد أن أقدم أثر ديني لهم هو هيكل سليمان قد خطط على نمط معبد كنعاني وزخرف بزخارف كنعانية ولم يشيده معماريون من العبرانيين أنفسهم بل من الصوريين، وكان القصر الملكي في أورشليم من عمل صناع فينيقيين أيضًا وزخرف بزخارف تمثل رموز الحماية المأخوذة فكرتها مما وجد لدى الأشوريين والسوريين القدماء؛ فهي تمثل حيوانات لها رءوس بشرية تحرس شجرة الحياة.
وقد تعددت آلات الموسيقى التي استخدموها في طقوسهم الدينية وفي حياتهم العادية ومعظمها من آلات كانت مستعملة في سوريا قبل وصولهم إليها، كما يرجح أن التوازي والمطابقة في الشعر العبري كان معروفًا عند الكنعانيين أيضًا؛ ونظرًا لما عرف عنهم من حرص بصفة عامة؛ فإنهم برعوا في قطع الأحجار الكريمة، ومع هذا فإن من المرجح أنهم اتبعوا في حليهم؛ بل وفي ثيابهم وخزفهم النماذج والأساليب الكنعانية، ومن صفاتهم المأثورة حبهم للإفادة وجمع الثروة ولذا عملوا على رقي الزراعة والصناعات المتعلقة بها؛ بغية ازدياد التبادل التجاري بينهم وبين جيرانهم.
ويعد الدين المظهر الوحيد الذي أسهموا به في مضمار الحضارة، ومع هذا يمكن أن يدرس العهد القديم على أنه مؤلف أدبي ويمكن مقارنة الشريعة الموسوية بقانون حمورابي في كثير من المواد غير أنها تمتاز بما فيها من عناصر أخلاقية لم يرد مثلها في الشرائع السابقة، وكان كهنتهم
يقومون بالطقوس الدينية ويعدون وسطاء بين الإنسان وربه، ومن هؤلاء من امتازوا بالحكمة وبلغوا مرتبة عالية في التفكير وقد عرفوا باسم الأنبياء، وكانوا يهدفون إلى رقي الفرد وسلامة المجتمع؛ فربطوا بين الدين والأخلاق ونادوا بعبادة إله واحد، واعتبروا قواعد السلوك كأوامر إلهية، وقد مرت التوراة بمراحل متعددة بدأت بالرواية التي يتناقلها الخلف عن السلف، ثم انتقلت إلى مرحلة التدوين وفيها جمعت من مدونات تاريخية قبل السبي وبعده، وقد تعرضت للتنقيح وحذفت منها بعض الأمور كما ضاعت أثناء الجمع بعض الأسفار التي اكتفي بالإشارة إليها أثناء النسخ، وإلى جانب التوراة وجدت مجموعة من القواعد والأحكام والوصايا والشروح والتعاليم ظلت تنتقل مشافهة عن طريق الرواية ثم دونها علماؤهم لتكون دستورًا لهم، وقد عرفت هذه باسم التلمود، وقد انقسم العبرانيون تجاه التلمود فمنهم من لم يعترف بغير التوراة وأنكروه وهؤلاء هم القراءون، ومنهم من اعترف بالتلمود واعتبر أنه موحى به إلى من كتبوه وهؤلاء هم الربانيون.
وينبغي أن نلاحظ بأن هناك تلمودين: أورشليمي وبابلي، والأورشليمي هو ما وضعه أحبار أورشليم ويحتوي على "39" بحثًا بالعبرانية، وقد كتب ابتداء من القرن الثاني إلى القرن الرابع الميلادي، أما التلمود البابلي؛ فقد بدئ في بغداد في أواخر القرن الخامس ويشمل "36" بحثًا بالآرامية وبه بعض الشروح العبرانية؛ ولكنه أربعة أضعاف الأورشليمي وهو المتداول بين اليهود، ويتألف التلمود من "المشنة" أي المتن أو الشريعة وهي التي تشتمل على الأحكام الدينية المكملة لشريعة موسى وتفسر ما يلتبس فهمه منه "والجمارا" وهي الشرح والتعليق.