الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مأزق كاد أن يموت فيه، وفيها وصف لما شاهده "إيتانا" عند طيرانه من معالم الأرض، ومع أن بقية الأسطورة مفقودة؛ إلا أنه يبدو أنه نال بغيته وعاد إلى الأرض سالِمًا.
القضاء
اشتهرت بلاد النهرين بما عثر عليه فيها من قوانين تعد أقدم ما عرف حتى الآن؛ إذ لم تصلنا أية مجموعة قانونية تسبقها في التاريخ، ومع أن بعض الإشارات والمواد القانونية وردت إلينا في بعض النصوص المصرية وهي توحي بوجود قوانين كانت متبعة؛ إلا أن هذه القوانين لم تصلنا نصوصها في أي مجموعة تشريعية حتى الآن، وتدل الدلائل الأثرية على أن بلاد النهرين ظهرت بها شرائع مدونة منذ أقدم عصورها، وربما يرجع بعضها إلى أصول كانت موجودة في عصور ما قبل الأُسَرِ، ويتبين ذلك من الأصول القانونية التي كانت متبعة منذ النصف الثاني لعصر الوركاء على الأرجح؛ حيث نجد أن بعض الألواح الطينية التي تنتمي لتلك الفترة تحتوي على كثير من المعاملات التجارية والإدارية، كما أن من بينها ما يدل على سجلات الأراضي الزراعية وتثبيت ملكية الأراضي ومنها ما يتعلق بمستندات تجارية وغيرها.
ومن الجائز -حسب ما وصلنا حتى الآن- أن نعتبر "أوركاجينا" ملك "لجش" أول مشرِّع في تاريخ البشر حيث وردت بعض الإشارات من عصر فجر الأُسَرِ ومن العهد الأكدي تشير إلى إصلاحاته الاجتماعية وتنظيمه للإدارة وإزالته للظلم عن الطبقات الفقيرة، كما وجدت بعض النماذج لوثائقه القانونية.
وفي عهد الأكديين بالذات يمكننا أن نتتبع وجود طبقة خاصة من القضاة المدنيين وكان هؤلاء يتمتعون بمكانة سامية، كما نتبين أن "سرجون" الأكدي أدخل نظام القسم باسم الملك بين المتعاقدين عند تثبيت نصوص العقود.
ومن عهد أسرة "أور" الثالثة وجدت وثائق قانونية متنوعة كما عثر على مجموعة قانونية من عهد مؤسسها "أورنمو" وهي وإن كانت غير كاملة من الناحية التشريعية؛ إذ لم يرد منها إلا المقدمة وبعض المواد القانونية إلا أنها تسبق شريعة "حمورابي" بنحو "300" سنة كما أنها تختلف عنها من حيث إنها تأخذ بمبدأ التعويض لا بمبدأ القصاص أو الجزاء الذي يتبين في شريعة حمورابي، وهي تنقسم كأي شريعة أخرى إلى مقدمة ومواد تنص على الأحكام وخاتمة، وتتلخص المقدمة في أنها تفويض من الآلهة بمزاولة السلطة ونشر الشريعة.
ومن العهد البابلي القديم عثر على لوحين من الطين كتبًا باللغة البابلية وتدل نصوصهما على أنهما جزء من مجموعة لم يعثر على بقيتها، وهذه النصوص تحوي "61" مادة وتبدأ بمقدمة قصيرة غير واضحة تليها "12" مادة عن الأسعار والأجور، وبالإضافة إلى ذلك نجد بعض المواد التي تنص على الأحكام المختلفة المتعلقة بالسرقات والاعتداءات والأضرار والديون والبيع والشراء والأحوال الشخصية وغيرها.
وإلى "لبت عشتار" خامس ملوك "أيسين" ينسب قانون يشبه قانون حمواربي في تأليفه وفي بعض مواده وقد عثر عليه مدونًا على كسر من الألواح الطينية فيها من الإشارات ما يدل على أن هذا القانون
كان منقوشًا على نصب أو مسلة من الحجر مثل مسلة قانون حمورابي، ومع أن هذا القانون كان يشمل أكثر من مائة مادة على الأرجح؛ إلا أن وصلنا منه ما يبلغ نحو "35" مادة فقط.
وقانون حمورابي الشهير يبدو أن مواده جمعت في السنوات الأخيرة من حكم هذا الملك وقد رتب ترتيبًا فنيًّا ونقش على مسلة من الديوريت الأسود يبلغ ارتفاعها نحو ثمانية أقدام نقشت في أعلاها بنحت بارز يمثل الإله شمش إله العدل على عرشه وأمامه حمورابي يتسلم منه مجموعة من القوانين، وقد عثر على هذه المسلة سنة 1901م في مدينة سوسة، ويحتمل أنها نقلت هناك في أواخر عهد الكاشيين؛ إذ ربما كان العيلاميون قد نقلوها إلى هناك ضمن ما استولوا عليه من غنائم كثيرة بعد قضائهم على الكاشيين، ونقوش القانون تتمثل في "44" عمودًا من الكتابة تبدأ بمقدمة دينية كتبت بلغة شعرية ثم تليها المواد القانونية وعددها "282" مادة ربما كانت في الأصل "300" مادة، وتنتهي بخاتمة يبين فيها حمورابي أنه أصدر هذه الأحكام العادلة؛ فازدهر العدل والحكم الصالح في البلاد، ويختتم ذلك بسرد ألقابه وحب الآلهة له، ويحض من أصابه ظلم على المثول أمام صورته وقراءة قانونه، كما أنه يصب اللعنة على كل من يحرف في هذا القانون، ويمكن تبويب موضوعات هذا القانون في:
1-
القضاء والتقاضي: أي أصول المرافعات، وهو يشمل المواد من "1" إلى "5".
2-
قانون الأموال، أي المعاملات، ويشمل المواد من "6" إلى "126"
3-
الأحوال الشخصية "قانون الأسرة": ويشمل المواد من "127" إلي "282".
أما عن القوانين الأشورية فلم ترد منها مجموعة كاملة؛ فمن العهد الأشوري القديم وجدت بعض المواد التي ربما كانت تمثل أجزاء من قانون لا يتعلق بأشور نفسها؛ بل بمستعمرة أشورية تجارية تكونت في آسيا الصغرى، ومع أن ترجمتها لم تستقر تمامًا حتى الآن إلا أنه من الواضح أن أكثرها يتعلق بنظام المحاكم وأصول المرافعات وتنظيم المعاملات التجارية.
ومن العصر الأشوري الوسيط عثر على مجموعة قانونية مدونة على جملة ألواح طينية؛ ولكنها لا تؤلف تشريعًا كاملًا ولا تظهر فيها الوحدة القانونية ويختص جزء كبير منها بالأحوال الشخصية وبالجنايات وعقوباتها، ويبدو منها أن القوانين الأشورية عمومًا امتازت بقسوة عقوباتها.
أما عن نظام التقاضي فإن المحاكم الابتدائية كانت إما مدنية أو كهنوتية؛ إذ كان من حق المعبد أن يكون مقرًا للعدالة وبالتالي كان الكهنة يستطيعون إصدار الأحكام، وكان القضاة في المحاكم المدنية لا يقلون عادة عن ستة أعضاء يحمل كل منهم لقب قاض، وكان من المعتاد تدوين الأحكام القضائية بمعرفة كاتب مختص بصورة موجزة تتلخص في إثبات وقائع القضية باختصار والشهود والتاريخ كما يضاف عادة اسم الكاتب وبعدئذ تختم وتودع النسخة الأصلية داخل غلاف تكتب عليه تفصيلات الوثيقة، وكان من حق المتقاضين الحصول علي نسخ منها.
وفي عصر الكلدانيين كانت القضية تبدأ بشكوى تقدم إلى المحكمة
ويستدعى المدعى عليه للإدلاء بأقواله ثم ينطق بالحكم وإذا تعذر وجود نسخة منه كان يكتفى عند الضرورة بالقسم الذي يقسمه محرر القضية أو أحد الشهود فيها.
ومنذ أقدم العصور كان شيوخ المدينة يمثلون محكمة لا تعرف اختصاصاتها؛ ولكن من الواضح أن اختيار أعضائها يتم بإرادة ملكية وقد تكون بعض النساء وخاصة الكاهنات من بين أعضائها ولكن هذه المحاكم لم تكن دائمة؛ بل كانت لفترات معينة فقط.
وكان الشهود ضروريين عند تحرير عقود غير رسمية؛ وإلا يسقط حق المتخاصمين في الاحتكام إلى القضاء، وإذا لم يمكن فض النزاع بطريق ودِّي فإن أحد الطرفين يقدم شكواه فيستدعى المشكو في حقه أمام المحكمة وتفحص المستندات المقدمة وتسمع شهادة الشهود، وإذا لم تكن المستندات وافية أو لم توجد على الإطلاق؛ كان القاضي يطلب إلى الطرفين وإلى الشهود أحيانًا أداء اليمين، وكان اليمين يتم في المعبد عادة حتى وإن كانت القضية منظورة أمام محكمة مدنية؛ لأن القسم في أقدم العصور كان يؤدى باسم الآلهة، ثم أصبح فيما بعد يؤدى باسم الملك باعتباره أصبح مؤلهًا هو الآخر؛ كذلك كان القسم ضروريًّا بعد النطق بالحكم حيث يتعهد الخصوم أمام الآلهة باحترام الحكم واعتباره أمرًا نهائيًّا لا يقبل التعديل وقد تضاف فقرة إلى الحكم تنص على عدم استئناف الدعوى من جديد وعلى عقاب من يخالف هذا الحكم.
ولم يكن هناك اختصاص معين لمثل هذه المحاكم بل كانت تحكم في كل شيء ويعتبر بعض أعضائها شهودًا وإن كانوا في واقع الأمر من
المحلفين فأسماؤهم تتردد في الأحكام المختلفة، ولكنهم مع ذلك هم الذين يحضرون تنفيذ العقوبات ويصدقون عليها.
ولم تصلنا حتى الآن من آثار الأشوريين مجموعة من القوانين يمكن مقارنتها بقانون حمورابي من حيث التنوع في الموضوعات والأحكام؛ ولكن عثر على لوحات تتصل كل منها بقوانين تتعلق بموضوعات معينة ومن بين الوثائق التي عثر عليها وثيقة تنص على نحو "50" مادة تتعلق بالعقوبات التي تطبق في بعض الجرائم، كما وجدت وثيقة أخرى تختص بالقانون الذي يطبق في الريف؛ ولكنها لم تصل سليمة لسوء الحظ، كذلك وجدت وثيقة في حالة سيئة أيضًا؛ ولكن يفهم منها أنها كانت تتعلق بالمعاملات التجارية، هذا إلى جانب عدد من الوثائق الأخرى التي تعطينا فكرة عن التقاضي في عهد الأشوريين، ويتبين من هذه أن الحكم كان يصدره قاضٍ واحدٌ يقيم في المحكمة وفي بعض الحالات كان صاحب الحق يتولى تطبيق القانون بنفسه أو يتجاوز عنه أو يخففه دون الحاجة إلى الالتجاء إلى القضاء، وكان القانون الجنائي يتطلب إثبات الذنب ويحدد العقوبة؛ ولكن بعض الحالات الأخرى لم ترد فيها أحكام قضائية، مثال ذلك أن وثيقة تشير إلى أن الجاني قد منح مهلة لاستحضار شهود لتبرئة نفسه؛ وإلا يعد مذنبًا، كما أن وثيقة أخرى تدل على أن المختصمين قد وصلوا إلى اتفاق فلم يعد هناك مجال للنزاع.