الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإدارة
كان الحيثيون في أول الأمر يعتمدون في إدارة مجتمعاتهم الأولى التي نشأت في بقاع مختلفة على مجالس تتألف من الشيوخ التي تتولى الإشراف على كافة الشئون الإدارية المحلية. أما في المراكز المقدسة فإن المعبد هو الذي يشرف على تلك الإدارة فكان الكاهن الأعظم يعد الحاكم المدني في نفس الوقت.
وقد احتفظ ملوك الحيثيين بهذا الحق فكانوا يشرفون على الأقاليم التي يستولون عليها وبعدئذ عهدوا بإدارتها لأبنائهم، ولما ازدادت رقعة المملكة أنعموا بمثل هذه المناصب على بعض القواد الذين كانوا عادة من أقربائهم؛ غير أن هذا التعيين كان مؤقتًا في الغالب لأن أمثال هؤلاء كانوا لا يستطيعون النهوض بكافة الأعباء الملقاة عليهم، وأخيرًا دعت الضرورة إلى تعيين حكام دائمين يقيمون في الأماكن التي يعهد لهم بها ويدينون بالولاء للسلطة الملكية، والظاهر أن هذا النظام قد استهوى بعض الدويلات الصغيرة المجاورة فأخذت تنضم إلى الإمبراطورية الحيثية رغبة منها في المحافظة على كيانها من جهة، ومن ناحية أخرى كان حكامها يتمتعون بالكثير من الاستقلال في ظل الإمبراطورية؛ فالملك التابع لها هو الحاكم ذو السيادة داخل إقليمه، ولم يكن مفروضًا عليه أن يمد الجيش الحيثي بجنود في كل وقت يخرج فيه للحرب؛ ولكنه كان ملزمًا برد اللاجئين من الحيثيين إلى وطنهم كما كان عليه أن يقدم إتاوة سنوية وفي نظير ذلك كان الملك الحيثي يضمن تولية الوارث الشرعي للحاكم على عرش البلد التي يحكمها ذلك الحاكم.
ولم تكن القوانين في المملكة الحيثية ثابتة دائمًا؛ بل كانت عرضة للتعديل والإضافات مما يدل على أن الحيثيين لم يترددوا في إصلاح قوانينهم كلما دعت الحاجة لذلك؛ كذلك يبدو أنها كانت تختلف باختلاف أنحاء الإمبراطورية، فما كان يطبق في جهة من الجهات لا يؤخذ به في جهة أخرى. ومما يلاحظ على النصوص القانونية التي عثر عليها أنها كانت في غالبيتها ترد على هيئة قضايا افتراضية يتبعها الحكم المناسب مما يدعو إلى الظن بأنها كانت مأخوذة من أحكام المحاكم.
والظاهر أن هذه القوانين كانت في بداية الأمر تأخذ بمبدأ "العين بالعين والسن بالسن"؛ ولكن كانت الأحكام في كثير من القضايا تقتصر في حالة الأحرار المذنبين على تكليفهم برد الشيء إلى أصله أو بالتعويض، أما إذا كان الجاني من العبيد؛ فقد تشمل الأحكام عقوبات جسدية تصل أحيانًا إلى الإعدام؛ كذلك كانت القوانين الحيثية تفرق بين حدوث الذنب عن عمد وبين حدوثه عن غير عمد؛ ولكنها كانت تعتبر حدوث جريمة في مكان ما، واختفاء المجرم به أمر يعاقب عليه أهل المكان الذين يعتبرون مسئولين عن حدوث الجرم في مكانهم، ويعتبر القانون الحيثي صارمًا في الأخذ بمبدأ المسئولية الجماعية في حالات عصيان أمر الملك؛ لأن العقوبة تنفذ على بيت الجاني، أي على أهل بيته وكل من فيه.
أما المحاكمات فكانت بسيطة الإجراءات؛ إذ إن المنازعات كانت تنظر أمام الشيوخ الذين كانوا يشرفون على الإدارة المحلية، وفي هذه الحالة كانوا يمثلون محكمة شعبية، وإلى جانب هؤلاء يمثل الدولة أحد ضباط