الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن مسعود ربما يفهم منها الطعن في زيد من ناحية أن أباه كان كافرا ولكن هذا ليس بمطعن فكثير من أكابر الصحابة كانوا في مبدأ أمرهم كفارا وخرجوا من أصلاب آباء كافرين. والله تعالى يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ويقول: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} .
ثانيا: أننا إذا سلمنا صحة ما نقل عن ابن مسعود وسلمنا أنه أراد الطعن في صحة جمع القرآن لا نسلم أنه دام على هذا الطعن والإنكار بدليل ما صح عنه أنه رجع إلى ما في مصحف عثمان وحرق مصحفه في آخرة الأمر حين تبين له أن هذا هو الحق وبدليل ما صح عنه من قراءة عاصم عن زرعة وقد تقدم.
ثالثا: أن كلام ابن مسعود هذا على تسليم صحته وأنه أراد به الطعن في صحة الجمع وأنه دام عليه ولم يرجع عنه لا نسلم أنه يدل على إبطال تواتر القرآن فإن التواتر كما أسلفنا يكفي في القطع بصحة مرويه أن ينقل عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب بشروطه وليس من شروطه ألا يخالف فيه مخالف حتى يقدح في تواتر القرآن أن يخالف فيه ابن مسعود أو غير ابن مسعود ما دام جم غفير من الصحابة قد أقروا جمع القرآن على هذا النحو في عهد أبي بكر مرة وفي عهد عثمان مرة أخرى.
الشبهة الخامسة
يقولون: كيف يكون القرآن متواترا. مع ما يروى عن زيد بن ثابت أنه قال في الجمع على عهد أبي بكر ما نصه: فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع غيره وهما {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} إلى آخر السورة.
ثم كيف يكون القرآن متواترا مع ما يروى أيضا عن زيد بن ثابت أنه قال في الجمع على عهد عثمان ما نصه: فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ؟.
والجواب على هذه الشبهة: أولا: أن كلام زيد بن ثابت هذا لا يبطل التواتر. وبيان ذلك أن الآيتين ختام سورة التوبة لم تثبت قرآنيتهما بقول أبي خزيمة وحده. بل ثبتت بأخبار كثرة غامرة من الصحابة عن حفظهم في صدورهم وإن لم يكونوا كتبوه في أوراقهم. ومعنى قول زيد: حتى وجدت من سورة التوبة آيتين لم أجدهما عند غيره أنه لم يجد الآيتين اللتين هما ختام سورة التوبة مكتوبتين عند أحد إلا عند أبي خزيمة فالذي انفرد به أبو خزيمة هو كتابتهما لا حفظهما وليس الكتابة شرطا في المتواتر بل المشروط فيه أن يرويه جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب ولو لم يكتبه واحد منهم فكتابة أبي خزيمة الأنصاري كانت توثقا واحتياطا فوق ما يطلبه التواتر ويقتضيه فكيف نقدح في التواتر بانفراده بها.
ثانيا: يقال مثل ذلك فيما روي عن زيد في آية سورة الأحزاب: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} فإن معناه أن زيدا لم يجدها مكتوبة عند أحد إلا عند خزيمة بن ثابت الأنصاري. ويدل على أن هذا هو المعنى الذي أراده زيد بعبارته تلك قول زيد نفسه فقدت آية من سورة الأحزاب الخ فإن تعبيره بلفظ فقدت يشعر بأنه كان يحفظ هذه الآية وأنها كانت معروفة له غير أنه فقد مكتوبها فلم يجده إلا مع خزيمة وإلا فمن الذي أنبأ زيدا أنه فقد آية؟
ثالثا: أن كلام زيد فيما مضى من ختام التوبة وآية الأحزاب لا يدل على