الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
دفع الاعتراضات الواردة على هذا المذهب
اعترض على هذا المذهب وما قاربه من مذهب ابن قتيبة وابن الجزري وابن الطيب بجملة اعتراضات نقدمها إليك ثم نفندها بين يديك فيما يأتي:
الاعتراض الأول يقولون: إن هذا القول مع اختلاف قائليه في بيانه لم يذكر واحد منهم دليلا إلا أنه تتبع وجوه الاختلاف في القراءة فوجدها لا تخرج عن سبعة. وهذا لا ينهض دليلا لأي واحد منهم على أن المراد بالأحرف السبعة الأوجه التي تختلف فيها القراءة.
ونجيب أولا: بأن هذا المذهب الذي اخترناه لم نختلف ولم نتردد في بيانه. ثانيا: أنا أيدناه بعدة أدلة لا بدليل واحد. ثالثا: أنا لا نسلم كون تتبع وجوه الاختلاف في القراءة لا يصلح دليلا لبيان الأحرف السبعة بهذه الوجوه السبعة. كيف؟ والاستقراء التام دليل من جملة الأدلة التي يحترمها المنطق القديم والمنطق الحديث ما دام مستوفيا لشروطه الثلاثة التي أولها أن تكون القضية الاستقرائية متضمنة حكما حقيقيا وثانيها أن تكون كلية حقيقية أي موضوعها كليا حقيقيا صادقا على ما وجد من أفراده فيما مضى وما هو موجود في الحال وما يمكن أن يوجد في المستقبل. وثالثها أن يكون الوصول إلى القضية الاستقرائية بواسطة الملاحظة والتجربة.
ولا ريب أن الوجوه السبعة التي ذكرها أبو الفضل الرازي تحقق في استقرائها الشروط الثلاثة لأن الرازي لاحظ كل وجوه الاختلاف فوجدها لا تخرج عن هذه السبعة ثم أصدر بعد هذا الاستقراء التام حكما حقيقيا بأنه لا معنى لهذه الأحرف السبعة في الحديث الشريف سوى تلك الأوجه السبعة. وهو حكم يقوم على قضية كلية سالبة كما ترى.
الاعتراض الثاني يقولون: إن طريق تتبع أبي الفضل الرازي وابن قتيبة وابن الجزري وابن الطيب يخالف بعضها بعضا. وهذا يدل على أنه يمكن الزيادة على سبعة وجوه.
ونجيب: بأن مجرد الاختلاف في طرق استقراء هؤلاء الأئمة لا يلزم منه إمكان الزيادة على سبعة في مذهب كل منهم. إنما يلزم ذلك من كان استقراؤه ناقصا دون من كان استقراؤه تاما. وقد أثبتنا أمامك أن استقراء الرازي تام مستوف لجميع شروط الإنتاج. ولا يضيره أن يسلك في طريقة استقرائه سبيلا لم يسلكها مخالفوه فلكل إنسان أن يختار في استقرائه ما شاء من الطرق التي يراها أصوب وأقرب ما دام ملتزما لشرائط إنتاجه. وإذا كان غيره قد وقع في نقص من تتبعه واستقصائه فلا يضير ذلك مذهب الرازي القائم على الاستقراء التام في قليل ولا كثير. {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
الإعتراض الثالث يقولون: إنك قد علمت أن الزيادة إلى سبعة أحرف كان الغرض منها الرخصة وأكثر الأمة يومئذ أمي لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف ومخارجها فحسب والرخصة ليست ظاهرة في قراءة الفعل المبني للمجهول أو للمعلوم أو في إبدال حركة بأخرى أو حرف بآخر أو تقديم وتأخير فإن القراءة بأحدها لا توجب مشقة يسأل النبي صلى الله عليه وسلم المعافاة منها ويقول: "إن الأمة لا تطيق ذلك" ويطلب التيسير على الأمة بإبدال حرف أو تغيير فعل من المضي إلى الأمر أو من البناء للمعلوم إلى البناء للمجهول هذا لا تفيده الروايات السابقة ولا تدل عليه.
ونجيب: بأنا لا نسلم خفاء الرخصة في قراءة الفعل المبني للمجهول أو للمعلوم أو في إبدال حركة بأخرى أو حرف بآخر أو تقديم وتأخير. كيف؟ والرخصة في ذلك ظاهرة أيضا. بل هي ظاهرة فيما كان دونها وهو اختلاف اللهجات مع بقاء الكلمة والحرف،
والحركة والترتيب بين الكلمات والحروف. وهذا نشاهده نحن ونحسه في تيسر أو تعسر بعض صفات الحروف على بعض الناس في النطق دون صفات أخرى. فالبعض يسهل عليه التفخيم دون الترقيق أو الفتحة دون الإمالة أو الإظهار دون الإدغام والبعض يصعب عليه ذلك ويسهل عكسه. فكيف إذا تغيرت الكلمات أو الحروف أو الحركات أو الترتيب.
الاعتراض الرابع يقولون: إنه لا يتصور وجود أوجه الخلاف في القراءات المذكورة في كلمة واحدة حتى يكون ذلك تيسيرا وتخييرا كما تقدم. وإن أرادوا أن ذلك متفرق في القرآن جميعه كالقائل باللغات السبع المتفرقة في القرآن لم يكن ثمة رخصة ولا اختلاف بين الصحابة.
ونجيب: بأن هذا الإعتراض مبني من أساسه على غفلة عن حقيقة هذا المذهب المختار وأشباهه لأنه عبارة عن وجود سبعة إليها ترجع جميع الاختلافات في القراءة دون أن تلتزم هذه الوجوه السبعة في الكلمة الواحدة ودون أن يقال: إنها موزعة أشتاتا على أبعاض القرآن. وإذا فالرخصة متحققة بل لا تتحقق على الوجه الأكمل إلا بهذا القول. وماذا عسى أن يبقى من التيسير والتخفيف وقد جمعت هذه الوجوه كل اختلاف في القراءات متواترها وصحيحها وضعيفها وشاذها بكل طريق من طرق الإختلاف حتى ولو كان في اللهجات ولو وصلت لغات الكلمة إلى سبع وثلاثين كما أسلفنا في كلمة {أُفٍّ} حكاية عن الرماني.
الاعتراض الخامس يقولون: إن الرخصة قد وقعت وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف ومخارجها.
وأجيب باحتمال أن يكون الانحصار المذكور وقع اتفاقا وإنما اطلع عليه بالاستقراء.
والأقعد من هذا في الجواب أن يقال: إن الانحصار المذكور عرف بطريق الاستقراء التام وهو دليل من الأدلة القاطعة كما تقدم الكلام عليه جوابا عن اعتراض سابق. وكون الرخصة وقعت وأكثرهم أميون لا يقدح في بيان الحروف السبعة المذكورة لأن الحاجة لم تكن ماسة إلى تحديد معنى الأحرف السبعة بهذا الوصف العنواني الذي اعتبرت به تلك الوجوه سبعة فحسبهم أن يعلموا أن وجوه الاختلاف بينهم سبعة وجوه ولا يضيرهم ألا يستطيعوا العنونة عنها بما نعنون نحن ما داموا يعرفون السبعة تطبيقا في جميع مفردات القرآن وما داموا يعولون في القراءة على تلقيهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يؤمنون بأنه لا يغادر في إبلاغ القرآن وجها من وجوهه السبعة. ونظير ذلك أنهم كانوا لا يعرفون تلك العناوين والأسماء والقوانين التي تتصل بالإعراب والبناء ولكنهم كانوا يعرفون أكثر منا كيف ينطقون نطقا صحيحا فصيحا منطبقا عليه ما عرفنا نحن بعد من تلك الأسماء والقواعد المتصلة بالإعراب والبناء.