الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السادسة
يقولون: إن القرآن في قسمه المكي قد خلا من الأدلة والبراهين بخلاف قسمه المدني فإنه مليء بالأدلة مدعم بالحجة وهذا برهان جديد على تأثر القرآن بالوسط الذي كان فيه محمد.
وننقض شبهتهم: أولا: بما أسلفنا من أن القرآن لو كان نتيجة تأثر محمد بالوسط الذي يعيش فيه لكان الوسط أولى بتوجيه هذا المطعن عليه ولكان أعرف بهذا النقض فيه فيظفر عليه ويدخل إلى إبطال دعوته من هذا الباب الواسع لا سيما أن الرسول في مكة والمدينة كان له أعداء ألداء ليس لعداوتهم دواء.
ثانيا: أنه لو صح هذا لبطلت نبوته ولصح أن تكون النبوة لهم باعتبار أنهم مصدرها وأنهم أساتذته فيها. وهذا النقض يقال في رد شبهاتهم الماضية الساقطة التي تدل على فساد فطرتهم وعلى مقدار تبجحهم وتجنبهم على الحقيقة والتاريخ والاستخفاف بعقول الناس.
ثالثا: أن كذبهم في هذه الشبهة صريح مكشوف لأن القسم المكي حافل بأقوى الأدلة وأعظم الحجج على عقيدة الإسلام في الإلهيات والنبوات والسمعيات. استمع إليه في سورة المؤمنون المكية وهو يرفع قواعد التوحيد ويزلزل بنيان الشرك إذ يقول: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} .
وإذ يقول في سورة الأنبياء المكية: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ. لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ. هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} .
وأنصت إليه في سورة العنكبوت المكية وهو يدلل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إذ يقول: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ. بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ. وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . وتدبر حجته التي أقامها لتقرير اقتداره على البعث بعد الموت في قوله سبحانه من سورة ق المكية: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ، وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ، رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} وقوله فيها أيضا: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} .
وانظر إليه يقيم الدليل العقلي على البعث والجزاء في سورة المؤمنون المكية إذ يقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} وفي سورة السجدة إذ يقول: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ. أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} الخ. وفي سورة الجاثية المكية إذ يقول: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ. وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} .
وتأمل مناقشته ونقضه بالحجة أوهام المشركين في احتجاجهم لأباطيلهم بالمشيئة الإلهية إذ يقول في سورة الأنعام المكية: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ