الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب -
القراء
القراء جمع قارئ وهو في اللغة اسم فاعل من قرأ. ويطلق في الاصطلاح على أمام من الأئمة المعروفين الذين تنسب إليهم القراءات السابقة. وقد سردنا عليك أسماءهم. ونتحفك هنا بنبذة قصيرة عن كل واحد من مشهوريهم وعن بعض من اشتهر بالرواية عنه لتطلع على لمحة من فضلهم ولتتصل اتصالا علميا بهذه الفئة الكريمة التي لها هذا الأثر الرائع في المحافظة على أداء القرآن الكريم بتلك الطرق المدوية في جميع أنحاء العالم الإسلامي مدى تلك القرون الطويلة.
ونحن لا نريد بهذه الكلمات استقصاء تاريخهم ولا الأدوار التي مرت قراءاتهم. فذلك شوط واسع. أفرده بالتأليف جماعة منهم الذهبي وابن الجزري في طبقات القراء1.
القراء السبعة رحمهم الله:
1-
ابن عامر
اسمه عبد الله اليحصبي نسبة إلى يحصب وهو فخذ من حمير ويكنى أبا نعيم وأبا عمران. وهو تابعي جليل لقى وائلة بن الأسقع والنعمان بن بشير وقد أخذ القراءة عن المغيرة بن أبي شهاب المخزومي عن عثمان بن عفان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل إنه
1 طبقات القراء لابن الجزري عولت عليها في تراجم القراء خصوصا عند الاختلاف بين المراجع، لأنه هو المعروف بالمحقق. وبهذه المناسبة أريد أن تقضى العجب أو الأسف معي على أن الذي عنى بطبع هذا الكتاب ونشره هو المستشرق الألماني ج. برجستراسر كما سمعت أنه طبع كتابا بمصر أيضا في القراءات لابن خالويه، ثم نقله إلى بلاده، ومصر كلها محرومة منه.
قرأ على عثمان نفسه وقد توفي بدمشق سنة 118 ثماني عشرة ومائة وقد اشتهر برواية قراءته هشام وابن ذكوان ولكن بواسطة أصحابه.
فأما هشام فقد أخذ القراءة عن عراك بن خالد المزي عن يحيى بن الحارث الذماري عن ابن عامر. وكان هشام قاضيا فقيها محدثا ثقة ضابطا توفي بدمشق سنة خمس وأربعين ومائتين.
وأما ابن ذكوان فهو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشي الدمشقي. أخذ القراءة عن أيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث الذماري عن ابن عامر يقول أبو زرعة فيه: إنه الحافظ الدمشقي لم يكن بالعراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولا بمصر ولا بخراسان في زمن ابن ذكوان عندي أقرأ منه توفي سنة 242 اثنتين وأربعين ومائتين.
وفي ابن عامر وراوييه يقول صاحب الشاطبية:-
وأما دمشق الشام دار ابن عامر
…
فتلك بعبد الله طابت محللا
هشام وعبد الله وهو انتسابه
…
لذكوان بالإسناد عنه تنقلا
2-
ابن كثير
هو أبو محمد أو أبو معبد عبد الله بن كثير الداري. كان إمام الناس في القراءة بمكة تحفه السكينة ويحوطه الوقار. لقى من الصحابة عبد الله بن الزبير وأبا أيوب الأنصاري وأنس بن مالك.
وروي عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرأ على عبد الله بن السائب المخزومي. وقرأ عبد الله هذا على أبي بن كعب وعمر بن الخطاب. وكلاهما قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي سنة 120 عشرين ومائة بمكة المكرمة. وقد اشتهر بالرواية عنه ولكن بواسطة أصحابه البزي وقنبل.
أما البزي فهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة. فالبزي نسبة إلى بزة هذا وهو جده الأعلى. كان إماما ضابطا ثقة انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة روي عن عكرمة بن سليمان عن شبل بن عباد وإسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين عن ابن كثير. وكان إمام المسجد الحرام ومقرئه ومؤذنه توفي سنة 250 خمسين ومائتين.
وأما قنبل فهو محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن محمد المخزومي المكي يكنى أبا عمر ويلقب بقنبل لشدته1. كان إماما في القراءة ضابطا ثقة يؤمه الناس من أقطار الأرض. أخذ القراءة عن أبي الحسن أحمد القواس عن وهب عن القسط عن شبل ومعروف وكلاهما قرأ على ابن كثير. توفي سنة 291 إحدى وتسعين ومائتين. وفي ابن كثير وراوييه يقول صاحب الشاطبية:
ومكة عبد الله فيها مقامه
…
هو ابن كثير كاثر القوم معتلا
روى أحمد البزي له ومحمد
…
على سند وهو الملقب قنبلا
3-
عاصم
هو أبو بكر عاصم بن أبي النجود الأسدي والنجود بفتح النون وضم الجيم مأخوذ من نجدت الثياب إذا سويت بعضها ببعض.
كان قارئا متقنا آية في التحرير والإتقان والفصاحة وحسن الصوت بقراءة القرآن قرأ على زر بن حبيش على عبد الله بن مسعود على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرأ أيضا على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي معلم الحسن والحسين.
وقرأ عبد الرحمن هذا على الإمام علي وأخذ الإمام علي قراءته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي بالكوفة أو بالسماوة سنة 127 سبع وعشرين ومائة.
روى عنه شعبة وحفص كلاهما بدون واسطة.
1 قنبل كقنفذ: الغلام الحاد الرأس الخفيف الروح. ذلك أصل معناه، ثم سمى به محمد بن عبدا لرحمن القارئ. انظر القاموس إن شئت.
أما شعبة فهو المشهور بابن عياش بن سالم الأسدي وقيل اسمه محمد وقيل مطرق ويكنى أبا بكر لأن شعبة اسم مشترك بينه وبين أبي بسطاط شعبة بن الحجاج البصري. كان إماما عالما كبيرا. توفي بالكوفة سنة 193 ثلاث وتسعين ومائة.
وأما حفص فهو أبو عمرو حفص بن سليمان بن المغيرة البزاز كان ربيب عاصم: تربى في حجره وقرأ عليه وتعلم منه كما يتعلم الصبي من معلمه فلا جرم كان أدق إتقانا من شعبة. توفي سنة 180 ثمانين ومائة.
وفي عاصم وراوييه يقول صاحب الشاطبية:
وبالكوفة الغراء منهم ثلاثة
…
أذاعوا فقد ضاعت شذى وقرنفلا
فأما أبو بكر وعاصم اسمه
…
فشعبة راويه المبرز أفضلا
وذاك ابن عياش أبو بكر الرضا
…
وحفص وبالإتقان كان مفضلا
4-
أبو عمرو
هو أبو عمرو زبان بن العلا عمار البصري. كان من أعلم الناس بالقراءة مع صدق وأمانة وثقة في الدين. روى عن مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأقرأ على جماعة منهم أبو جعفر وزيد بن القعقاع والحسن البصري. وقرأ الحسن على حطان وأبي العالية. وقرأ أبو العالية على عمر بن الخطاب. توفي سنة 154 أربع وخمسين ومائة.
وممن اشتهر بالرواية عنه الدوري والسوسي ولكن بواسطة اليزيدي أبي محمد يحيى بن المبارك العدوي المتوفى سنة 202 اثنتين ومائتين. وسمي باليزيدي نسبة إلى يزيد بن منصور خال الخليفة المهدي لأنه كان يؤدب ولده.
أما الدوري فهو أبو عمر حفص بن عمر المقري الضرير ولقب بالدوري نسبة إلى الدور وهو موضع بالجانب الشرقي من بغداد كان ثقة ضابطا أول من جمع القراءات. روي عن اليزيدي عن أبي عمرو وتوفي سنة 246 ست وأربعين ومائتين.
وأما السوسي فهو أبو شعيب صالح بن زياد روي عن اليزيدي عن أبي عمرو. وكان ثقة ضابطا. توفي سنة 261 إحدى وستين ومائتين.
وفي أبي عمرو وراوييه يقول صاحب الشاطبية:
وأما الإمام المازني صريحهم
…
أبو عمرو البصري فوالده العلا
أفاض على يحيى اليزيدي سيبه
…
فأصبح بالعذب الفرات معللا
أبو عمر الدوري وصالحهم أبو
…
شعيب هو السوسي عنه تقبلا
5-
حمزة
هو أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي مولى عكرمة بن ربيع التيمي. قرأ على أبي محمد سليمان بن مهران الأعمش على يحيى بن وثاب على زر بن حبيش على عثمان وعلي وابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم. كان ورعا بكتاب الله مجودا له عارفا بالفرائض والعربية حافظا للحديث. توفي بحلوان سنة 156 ست وخمسين ومائة.
وممن اشتهر بالرواية عنه خلف وخلاد لكن بواسطة أبي عيس سليم بن عيسى الحنفي الكوفي المتوفى سنة 188 ثمان وثمانين ومائة.
أما خلف فهو أبو محمد خلف بن هشام بن طالب بن البزار. كان زاهدا عابدا. روى عن سليم بن عيسى الحنفي عن حمزة. وتوفي سنة 229 تسع وعشرين ومائتين.
وأما خلاد فهو أبو عيسى خلاد بن خالد الأحول الصيرفي. روى عن سليم بن
عيسى عن حمزة. وكان أضبط أصحاب سليم وأجلهم عرفانا وتحقيقا. توفي بالكوفة سنة 220 عشرين ومائتين.
وفي ذلك يقول صاحب الشاطبية:
وحمزة ما أزكاه من متورع
…
إماما صبورا للقرآن مرتلا
روى خلف عنه وخلاد الذي
…
رواه سليم متقنا ومحصلا
6-
نافع
هو أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني. أخذ القراءة عن أبي جعفر القاري وعن سبعين من التابعين وهم أخذوا عن عبد الله بن عباس وأبي هريرة عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وانتهت إليه رياسة الإقراء بالمدينة المنورة. توفي سنة 169 تسع وستين ومائة.
وممن اشتهر بالرواية عنه قالون وورش:
أما قالون فهو أبو موسى عيسى بن مينا النحوي. ولقب بقالون لجودة قراءته لأن قالون معناه الجيد في أصل وضعها. قرأ على نافع واختص به كثيرا وقال: قرأت على نافع غير مرة وكتبت عنه. توفي سنة 220 عشرين ومائتين.
وأما ورش فهو عثمان بن سعيد المصري يكنى أبا سعيد ويلقب بورش لشدة بياضه1. رحل إلى المدينة فقرأ على نافع ختمات سنة 155 خمس وخمسين ومائة ثم رجع إلى مصر فانتهت إليه رياسة الإقراء بها وكان حسن الصوت جيد القراءة. توفي سنة سبع وتسعين ومائة.
وفي ذلك يقول صاحب الشاطبية:
1 الورش في أصل اللغة: يطلق على شيء يصنع من اللبن. فيصح أن يضرب به المثل في البياض. انظر القاموس.
فأما الكريم السر في الطيب1 نافع
…
فذاك الذي أختار المدينة منزلا
وقالون عيسى ثم عثمان ورشهم
…
بصحبته المجد الرفيع تأثلا
7-
الكسائي
هو أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي. لقب بالكسائي لأنه كان في الإحرام لابسا كساء قال أبو بكر الأنباري: اجتمعت في الكسائي أمور: كان أعلم الناس بالنحو وأوحدهم بالغريب وكان أوحد الناس بالقرآن فكانوا يكثرون عليه حتى يضطر أن يجلس على الكرسي ويتلوا القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون منه ويضبطون عنه. توفي سنة 189 تسع وثمانين ومائة.
وقد اشتهر بالرواية عنه أبو الحارث والدوري.
أما أبو الحارث فهو الليث بن خالد المروزي. كان من أجلاء أصحاب الكسائي ثقة وضبطا. توفي سنة 240 أربعين ومائتين.
وأما الدوري فهو أبو عمر حفص بن عمر الدوري الذي ألمعنا إليه في الرواية عن أبي عمرو.
وفي الكسائي وراوييه يقول صاحب الشاطبية:
وأما علي فالكسائي نعته
…
لما كان في الإحرام فيه تسربلا
روى ليثهم عنه أبو الحارث الرضا
…
وحفص هو الدوري وفي الذكر قد خلا
1 يشير بهذه الكلمة إلى ما روى عنه أنه كان إذا تكلم يشم من فيه ريح المسك بسبب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في فيه مناما؛ كما أخبر نافع بذلك.
تمام القراء العشرة:
وهاك كلمة عن الثلاثة الذين إذا أضيفوا إلى السبعة السابقين تكمل بهم عدة القراء العشرة أصحاب القراءات العشر المعروفة والتي سبق الكلام عليها قريبا.
8-
أبو جعفر
هو يزيد بن القعقاع القاري نسبة إلى موضع بالمدينة يسمى قارا. وقد سبق أنه أخذ عن عبد الله بن عباس وأبي هريرة عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي أبو جعفر سنة 130 ثلاثين ومائة وكان تابعيا جليل القدر رفيع المنزلة.
وقد اشتهر بالرواية عنه أبو موسى عيسى بن وردان الحذاء وأبو الربيع سليمان بن مسلم بن جماز.
أما ابن وردان فهو أبو موسى عيسى بن وردان المدني الحذاء من أصحاب نافع في القراءة على أبي جعفر. كان مقرئا ضابطا ثقة. وتوفي سنة 160 ستين ومائة.
وأما ابن جماز فهو أبو الربيع سليمان بن مسلم بن جماز. قرأ على أبي جعفر وشيبة بن نصاحة ونافع. وتوفي بعد سنة 170 سبعين ومائة بالمدينة المنورة.
9-
يعقوب
هو أبو محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمي. قرأ على أبي المنذر سلام بن سليمان الطويل. وقرأ سلام على عاصم وعلى أبي عمرو. توفي يعقوب سنة 205 خمس ومائتين.
وممن اشتهر بالرواية عنه روح بن عبد المؤمن ومحمد بن المتوكل اللؤلؤي الملقب برويس وغيرهما.
أما روح فهو أبو الحسن روح بن عبد المؤمن بن عبدة بن مسلم الهذلي النحوي قرأ على إمام البصرة أبي محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وكان إماما جليلا ثقة روى عنه البخاري. وتوفي سنة 234 أربع أو خمس وثلاثين ومائتين.
وأما رويس فهو أبو عبد الله محمد بن المتوكل اللؤلؤي البصري المعروف برويس. كان من أحذق أصحاب يعقوب. وتوفي بالبصرة سنة 238 ثمان وثلاثين ومائتين.
10-
خلف
هو أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب بن خلف بن ثعلب قرأ على سليم عن حمزة وعلى يعقوب بن خليفة الأعشى وعلى أبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري صاحب المفضل الضبي وعلى أبان العطار وهم عن عاصم. وتوفي خلف سنة 229 تسع وعشرين ومائتين كما سبق في ترجمة حمزة.
وممن اشتهر بالرواية عنه أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله المروزي ثم البغدادي الوراق المتوفى سنة 286 ست وثمانين ومائتين.
وممن اشتهر بالرواية عنه أيضا أبو الحسن إدريس بن عبد الكريم الحداد البغدادي المتوفى سنة 292 اثنتين أو ثلاث وتسعين ومائتين.
تمام القراء الأربعة عشر:
وهاك كلمة مختصرة عن الأربعة الذين إذا أضيفوا إلى العشرة السابقين كملت عدة القراء الأربعة عشر الذين تنسب إليهم القراءات المعروفة بالقراءات الأربع عشرة.
11-
الحسن البصري
هو السيد الإمام الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد البصري الغني بشهرته عن تعريفه. المتوفى سنة 110 عشر ومائة.
12-
ابن محيصن
هو محمد بن عبد الرحمن السهمي المكي مقرئ أهل مكة مع ابن كثير. المتوفى سنة 123 ثلاث وعشرين ومائة.
13-
يحيى اليزيدي
هو يحيى بن المبارك بن المغيرة الإمام أبو محمد العدوي البصري المعروف باليزيدي. المتوفى سنة 202 اثنتين ومائتين.
-14 الشنبوذي
هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن العباس بن ميمون أبو الفرج الشنبوذي الشطوي البغدادي. المتوفى سنة 388 ثمان وثمانين وثلاثمائة.
هؤلاء الأئمة وأضرابهم هم الذين خدموا الأمة والملة وحافظوا على الكتاب والسنة وفيهم يقول السيوطي بإتقانه: ثم لما اتسع الخرق وكاد الباطل يلتبس بالحق قام جهابذة الأمة وبالغوا في الاجتهاد وجمعوا الحروف والقراءات وعزوا الوجوه والروايات وميزوا الصحيح والمشهور والشاذ بأصول أصلوها وأركان فصلوها.
فأول من صنف في القراءات أبو عبيد القاسم بن سلام ثم أحمد بن جبير الكوفي ثم إسماعيل
ابن إسحاق المالكي صاحب قالون ثم أبو جعفر بن جرير الطبري ثم أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الدجوني ثم أبو بكر مجاهد ثم قام الناس في عصره وبعده بالتأليف في أنواعها جامعا ومفردا موجزا ومسهبا. وأئمة القراءات لا تحصى. وقد صنف طبقاتهم حافظ الإسلام أبو عبد الله الذهبي ثم حافظ القرآن أبو الخير بن الجزري اهـ.
أسأل الله تعالى أن يغمر الجميع بواسع رحماته وأن يجزيهم أفضل الجزاء على خدمتهم لكتابه. آمين.
حكم ما وراء العشر:
وقع الخلاف أيضا في القراءات الأربع التي تزيد على العشر وتكمل الأربع عشرة: فقيل بتواتر بعضها. وقيل بصحتها. وقيل: بشذوذها إطلاقا في الكل. وقيل: إن المسألة ليست مسألة أشخاص ولا أعداد بل هي قواعد ومبادئ. فأيما قراءة تحققت فيها الأركان الثلاثة لذلك الضابط المشهور فهي مقبولة وإلا فهي مردودة. لا فرق بين قراءات القراء السبع والقراء العشر والقراء الأربعة عشر وغيرهم فالميزان واحد في الكل والحق أحق أن يتبع.
قال صاحب الشافي: التمسك بقراء سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشروا. ووهم من قال: إنه لا تجوز الزيادة على ذلك. وذلك لم يقل به أحد اهـ بشيء من التصرف.
وقال الكواشي: كل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوصة. يريد السبعة الأحرف في الحديث النبوي المعروف ثم قال: وقد اشتد إنكار أئمة هذا الشأن على من ظن انحصار القراءات المشهورة في مثل ما في التيسير والشاطبية اهـ.
وهذا رأي قريب من الصواب لولا أنه لم يقصر نظره على ما هو الواقع القائم بيننا اليوم من القراءات ولم يطبق الحكم ولم يفصله فيه بل ساق الكلام عاما كما ترى.
والتحقيق هو ما ذهب إليه أبو الخير بن الجزري من أن القراءات العشر التي بين أيدينا اليوم متواترة دون غيرها. قال في منجد المقرئين ما يفيد أن الذي جمع في زمننا هذه الأركان الثلاثة أي في ذلك الضابط المشهور مع ملاحظة إبدال شرط صحة الإسناد بتواتره هو قراءة الأئمة العشرة التي أجمع الناس على تلقيها بالقبول. أخذها الخلف عن السلف إلى أن وصلت إلى زماننا. فقراءة أحدهم كقراءة الباقين في كونها مقطوعا بها. أما قول من قال: إن القراءات المتواترة لا حد لها فإن أراد القراءات المعروفة في زماننا فغير صحيح لأنه لا يوجد اليوم قراءة متواترة وراء القراءات العشر. وإن أراد ما يشمل قراءات الصدر الأول فمحتمل.
ثم إن غير المتواتر من القراء على قسمين:
القسم الأول ما صح سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه ووافق العربية والرسم. وهذا ضربان ضرب استفاض نقله وتلقته الأمة بالقبول كما انفرد به الرواة وبعض الكتب المعتبرة أو كمراتب القراء في المد ونحو ذلك فهذا صحيح مقطوع به وبأنه منزل من عند الله على النبي صلى الله عليه وسلم من الأحرف السبعة. وهذا الضرب يلحق بالقراءة المتواترة وإن لم يبلغ مبلغها لأنه من قبيل أخبار الآحاد التي احتفت بها قرائن تفيد العلم. والضرب الثاني لم تتلقه الأمة بالقبول ولم يستفض. وهذا فيه خلاف العلماء: منهم من يجوز القراءات والصلاة به ومنهم من يمنع القراءة بما وراء العشر منع تحريم لا كراهة. قال ابن السبكي في جمع الجوامع: ولا تجوز القراءة بالشاذ: والصحيح أن ما وراء العشر فهو شاذ وفاقا للبغوي والشيخ الإمام. ويريد بالشيخ الإمام والده مجتهد العصر أبا الحسن علي بن عبد الكافي السبكي.
القسم الثاني من القراءة الصحيحة ما وافق العربية وصح سنده وخالف الرسم كالذي يرد عن طريق صحيح من زيادة ونقص وإبدال كلمة بأخرى مما جاء عن أبي الدرداء وعمر وابن مسعود وغيرهم فهذه القراءة تسمى اليوم شاذة لكونها شذت عن رسم المصحف المجمع عليه وإن كان إسنادها صحيحا. فلا تجوز القراءة بها لا في الصلاة ولا في غيرها. قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد: وقال مالك إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصل وراءه. وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك إلا قوما شذوا لا يعرج عليهم.
وحكى ابن عبد البر الإجماع أيضا على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ.
وقال ابن الجزري: قال أصحابنا من الشافعية وغيره: لو قرأ بالشاء في صلاته بطلت صلاته إن كان عالما. وإن كان جاهلا لم تبطل ولكن لا تحسب له تلك القراءة.
واتفق علماء بغداد على تأديب الإمام ابن شنبوذ واستتابته على قراءته وإقرائه بالشاذ. ذلك كله فيما صح فيه النقل والعربية ولكنه خالف الرسم.
أما ما لم يصح فيه نقل فهو أقل من أن يسمى شاذا ولو وافق العربية والرسم. بل هو قراءة مكذوبة يكفر متعمدها.
حكى المحقق ابن الجزري ان استفتاء رفع من العجم إلى دمشق في حدود الأربعين والستمائة صورته: هل تجوز القراءة بالشاذ؟ وهل يجوز أن يقرأ القارئ عشرا كل آية بقراءة ورواية؟. فأجاب عليه الإمامان: أبو عمرو بن الصلاح وأبو عمرو بن الحاجب.
أما ابن الصلاح فقال: يشترط أن يكون المقروء به تواتر نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا واستفاض نقله كذلك. وتلقته الأمة بالقبول كهذه القراءات السبع لأن المعتبر
في ذلك اليقين والقطع على ما تقرر وتمهد في الأصول. فما لم يوجد فيه ذلك كما عدا السبع أو كما عدا العشر فممنوع من القراءة به منع تحريم لا منع كراهة في الصلاة وخارج الصلاة وممنوع من عرف المصادر والمعاني ومن لم يعرف ذلك وواجب على من قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقوم بواجب ذلك. وإنما نقلها من نقلها من العلماء لفوائد فيها تتعلق بعلم العربية لا للقراءة بها. هذا طريق من استقام سبيله. -ثم قال- والقراءة الشاذ ما نقل قرآنا من غير تواتر ولا استفاضة متلقاة بالقبول من الأمة كما اشتمل عليه المحتسب لابن جنى وغيره. وأما القراءة بالمعنى من غير أن ينقل قرآنا فليس ذلك من القراءات الشاذة أصلا. والمجترئ على ذلك مجترئ على عظيم وضال ضلالا بعيدا فيعزر ويمنع بالحبس ونحوه ولا يخلى ذو ضلالة ولا يحل ذلك للمتمكن من ذلك إمهاله. ويجب منع القارئ بالشاذ وتأثيمه بعد تعريفه وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه.
وإذا شرع القارئ بقراءة ينبغي ألا يزال يقرأ بها ما بقي للكلام تعلق بما ابتدأ به. وما خالف هذا فمنه جائز وممتنع. وعذر المرض مانع من بيانه بحقه. والعلم عند الله تعالى. اهـ.
وأما ابن الحاجب فقال: لا يجوز أن يقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة ولا غيرها عالما كان بالعربية أو جاهلا. وإذا قرأ بها قارئ فإن كان جاهلا بالتحريم عرف به وأمر بتركها وإن كان عالما أدب بشرطه وإن أصر على ذلك أدب على إصراره وحبس إلى أن يرتدع عن ذلك. وأما تبديل آتنا بأعطنا وسولت بزينت ونحوه فليس هذا من الشواذ وهو أشد تحريما والتأديب عليه أبلغ والمنع منه أوجب اهـ.
فذلكة البحث.
يخلص لنا من هذا البحث بعد تحقيق وجوه الخلاف فيه أمور مهمة يجدر بنا أن نوليها الالتفات والانتباه الخاص:
أولها - أن القراءة لا تكون قرآنا إلا إن كانت متواترة لأن التواتر شرط في القرآنية.
ثانيها - أن القراءات العشر الذائعة في هذه العصور متواترة على التحقيق الآنف. وإذن هي قرآن. وكل واحدة منها يطلق عليها أنها قرآن.
ثالثها - أن ما وراء القراءات العشر مما صحت روايته آحادا ولم يستفض ولم تتلقه الأمة بالقبول شاذ وليس بقرآن وإن وافق رسم المصحف وقواعد العربية.
رابعها - أن ركن صحة الإسناد المذكور في ضابط القرآن المشهور لا يراد بالصحة فيه مطلق صحة بل المراد صحة ممتازة تصل بالقراءة إلى حد الاستفاضة والشهرة وتلقي الأمة لها بالقبول حتى يكون هذا الركن بقرينة الركنين الآخرين في قوة التواتر الذي لا بد منه في تحقق القرآنية. كما فصلنا ذلك من قبل.
خامسها - أن القراءة قد تكون متواترة عند قوم غير متواترة عند آخرين. والمأمور به ألا يقرأ المسلم إلا بما تواتر عنده ولا يكتفي بما روي له آحادا وإن كان متواترا عند الراوي له كما رد الشافعي رواية مالك مع صحتها لمخالفتها ما تواتر عنده. ولا تنس ما قاله ابن الجزري في ذلك آنفا.
سادسها - أن هذا الذي روي من طريق الآحاد المحضة ولم يصل إلى حد الاستفادة والشهرة هو أصل الداء ومثار كثير من الشبهات والخلاف. أما الشبهات فقد مر عليك منها نماذج وأما الخلافات فقد شاهدت منها في هذا البحث ما شاهدت وستشاهد ما تشاهد وإني أسترعي نظرك إلى أمرين: