الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمتكلمون يعنون أيضا بتقرير وجوب الإيمان بكتب الله المنزلة ومنها القرآن وبإثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعجزة القرآن. وبدهي أن ذلك كله مناطه الألفاظ فلا بدع أن ساهموا في هذا الإطلاق الثالث.
القرآن عند المتكلمين
ثم إن المتكلمين حين يطلقونه على الكلام النفسي يلاحظون أمرين:
أحدهما: أن القرآن علم أي كلام ممتاز عن كل ما عداه من الكلام الإلهي.
ثانيهما: أنه كلام الله وكلام الله قديم غير مخلوق فيجب تنزهه عن الحوادث وأعراض الحوادث.
وقد علمت أن الكلام النفسي البشري يطلق بإطلاقين أحدهما: على المعنى المصدري وثانيهما على المعنى الحاصل بالمصدر. فكذلك كلام الله النفسي. يطلق بإطلاقين أحدهما على نظير المعنى المصدري للبشر
وثانيهما على نظير المعنى الحاصل بالمصدر للبشر. وإنما قلنا على نظير لما هو مقرر من وجوب تنزه الكلام الإلهي النفسي عن الخلق وأشباه الخلق. فعرفوه بالمعنى الأول الشبيه بالمعنى المصدري البشري. وقالوا: إنه الصفة القديمة المتعلقة بالكلمات الحكمية. من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس.
وهذه الكلمات أزلية مجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية. وهي مترتبة غير متعاقبة. كالصورة تنطبع في المرآة مترتبة غير متعاقبة. وقالوا: في تعريفهم هذا: إنها حكمية لأنها ليست ألفاظا حقيقية مصورة بصورة الحروف والأصوات. وقالوا: إنها أزلية ليثبتوا لها معنى القدم. وقالوا: إنها مجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية لينفوا عنها أنها مخلوقة. وكذلك قالوا: إنها غير متعاقبة لأن التعاقب يستلزم الزمان والزمان حادث. وأثبتوا لها الترتب ضرورة أن القرآن حقيقة مترتبة بل ممتازة بكمال ترتبها وانسجامها.
إذا عرفت هذا الإطلاق الأول عند المتكلمين سهل عليك أن تعرف إطلاقهم الثاني للقرآن الكريم: وهو أنه تلك الكلمات الحكمية الأزلية المترتبة في غير تعاقب المجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية. وهو تعريف للقرآن كلام الله بما يشبه المعنى الحاصل بالمصدر لكلام البشر النفسي. ذانك إطلاقان اختص بهما المتكلمون كما رأيت.
وهناك إطلاق ثالث للقرآن يقول به المتكلمون أيضا لكن يشاركهم فيه الأصوليون والفقهاء وعلماء العربية.
ذلك أنه هو:
اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس الممتاز بخصائصه التي سنذكرها بعد قليل.
فهو مظاهر وصور لتلك الكلمات الحكمية الأزلية التي أشرنا إليها آنفا.
ويطلق القرآن إطلاقا رابعا على النقوش المرقومة بين دفتي المصحف باعتبار أن النقوش دالة على الصفة القديمة والكلمات الغيبية واللفظ المنزل. وهذا إطلاق شرعي عام. ولنضرب لك مثلا يوضح ذلك المقام الذي ضلت فيه الأفهام وزلت فيه الأقدام.
رجل شاعر كشرف الدين البوصيري رحمه الله لا ريب أنه كان يحمل في نفسه قوة شاعرة يستطيع أن يصوغ بها ما شاء من غرر القصائد وعندما اتجهت شاعريته فعلا أن يمتدح أفضل الخليقة صلوات الله سلامه عليه بقصيدته المعروفة بالهمزية لا شك أنه عالج النظم في نفسه واستحضر المعاني والألفاظ والأوزان حتى تمثل له ذلك القصيد في نفسه وتأثرت نفسه به على وجه إذا تكلم به بصوت حسي كان عين نظمه المقفى الموزون. ثم لا شك أنه نطق بقصيده بعد ثم كتبه بعد أن أنشده فهذا الاسم الشهير بالهمزية في مدح خير البرية يمكن أن نقرب