الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحتمل أن كلمة مفسرة حرفا حرفا في الحديث الآنف يراد بها الترتيل وإخراج الحروف من مخارجها فلا تعارض الحديث الأول.
الفائدة الثالثة: اعتبار الآيات في الصلاة والخطبة قال السيوطي ما نصه: يترتب على معرفة الآي وعددها وفواصلها أحكام فقهية منها اعتبارها فيمن جهل الفاتحة فإنه يجب عليه بدلها سبع آيات. ومنها اعتبارها في الخطبة فإنه يجب فيها قراءة آية كاملة ولا يكفي شطرها إن لم تكن طويلة وكذا الطويلة على ما حققه الجمهور. ثم قال: ومنها اعتبارها في السورة التي تقرأ في الصلاة أو ما يقوم مقامها وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة. ومنها اعتبارها في قراءة قيام الليل إلى آخر ما قال. أ. هـ.
ما أردنا نقله. بيد أنه نقل عن الهذلي في كامله ما نصه: اعلم أن قوما جهلوا العدد وما فيه من الفوائد حتى قال الزعفراني: إن العدد ليس بعلم وإنما اشتغل به بعضهم ليروج به سوقه. قال: وليس كذلك ففيه من الفوائد معرفة الوقف ولأن الإجماع انعقد على أن الصلاة لا تصح بنصف آية. وقال جمع من العلماء: تجزيء بآية وآخرون بثلاث آيات وآخرون لا بد من سبع. والإعجاز لا يقع بدون آية. فللعدد فائدة عظيمة في ذلك اهـ غير أنا لا ندري ما الذي أراده الهذلي على التعيين من كلامه هذا؟ ولا عن أي مذهب يتحدث؟.
ترتيب آيات القرآن
انعقد إجماع الأمة على أن ترتيب آيات القرآن الكريم على هذا النمط الذي نراه اليوم بالمصاحف كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى وأنه لا مجال للرأي والاجتهاد فيه. بل كان جبريل ينزل بالآيات على الرسول صلى الله عليه وسلم ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها. ثم يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه،
ويأمر كتاب الوحي بكتابتها معينا لهم السورة التي تكون فيها الآية وموضع الآية من هذه السورة. وكان يتلوه عليهم مرارا وتكرارا في صلاته وعظاته وفي حكمه وأحكامه. وكان يعارض به جبريل كل عام مرة وعارضه به في العام الأخير مرتين. كل ذلك كان على الترتيب المعروف لنا في المصاحف. وكذلك كان كل من حفظ القرآن أو شيئا منه من الصحابة حفظه مرتب الآيات على هذا النمط. وشاع ذلك وذاع وملأ البقاع والأسماع يتدارسونه فيما بينهم ويقرؤونه في صلاتهم ويأخذه بعضهم عن بعض ويسمعه بعضهم من بعض بالترتيب القائم الآن فليس لواحد من الصحابة والخلفاء الراشدين يد ولا تصرف في ترتيب شيء من آيات القرآن الكريم. بل الجمع الذي كان على عهد أبي بكر لم يتجاوز نقل القرآن من العسب واللخاف وغيرها في صحف والجمع الذي كان على عهد عثمان لم يتجاوز نقله من الصحف في مصاحف. وكلا هذين كان وفق الترتيب المحفوظ المستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى. أجل: انعقد الإجماع على ذلك تاما لا ريب فيه. وممن حكى هذا الإجماع جماعة منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر في المناسبات إذ يقول ما نصه: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين.
واستند هذا الإجماع إلى نصوص كثيرة منها ما سبق لك قريبا ومنها ما رواه الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: "أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من السورة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} " إلى آخرها.
ومنها ما ثبت في السنن الصحيحة من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بسور عديدة كسورة البقرة وآل عمران والنساء ومن قراءته لسورة الأعراف في صلاة المغرب وسورة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} وسورة الروم في صلاة الصبح وقراءة سورة السجدة وسورة {هَلْ أَتَى عَلَى
الْأِنْسَانِ} في صبح يوم الجمعة وقراءته سورة الجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة وقراءته سورة ق في الخطبة وسورة اقتربت وق في صلاة العيد كان يقرأ ذلك كله مرتب الآيات على النحو الذي في المصحف على مرأى ومسمع من الصحابة.
ومنها ما أخرجه البخاري عن ابن الزبير قال قلت لعثمان بن عفان: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها أو تدعها والمعنى لماذا تكتبها؟ أو قال لماذا تتركها مكتوبة؟ مع أنها منسوخة قال يا بن أخي لا أغير شيئا من مكانه.
فهذا حديث أبلج من الصبح في أن إثبات هذه الآية في مكانها مع نسخها توقيفي لا يستطيع عثمان باعترافه أن يتصرف فيه لأنه لا مجال للرأي في مثله.
ومنها: ما رواه مسلم عن عمر قال: ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري وقال: "تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء".
فأنت ترى أنه صلى الله عليه وسلم دله على موضع تلك الآية من سورة النساء وهي قوله سبحانه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} الخ.
ملاحظة:
ذكر بعضهم أن كلمات القرآن 77934 أربع وثلاثون وتسعمائة وسبعة وسبعون ألف كلمة وذكر بعضهم غير ذلك. قيل وسبب الاختلاف في عدد الكلمات أن الكلمة لها حقيقة ومجاز ولفظ ورسم واعتبار كل منها جائز وكل من العلماء اعتبر أحد ما هو جائز قال السخاوي: لا أعلم لعدد الكلمات والحروف من فائدة لأن ذلك إن أفاد فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه الزيادة والنقصان. والقرآن لا يمكن فيه ذلك اهـ ولكن
ورد من الأحاديث في اعتبار الحروف ما أخرجه الترمذي عن ابن مسعود مرفوعا: " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة. والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعا: "القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأه صابرا محتسبا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين". قال السيوطي بعد أن أورده: رجاله ثقات إلا شيخ الطبراني محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس تكلم فيه الذهبي ثم قال: وقد حمل ذلك أي العدد المذكور في هذا الحديث على ما نسخ رسمه من القرآن إذ الموجود الآن لا يبلغ هذا العدد وهو يريد أن هذا الرقم الكبير الذي روي في هذا الحديث ملحوظ فيه جميع الحروف النازلة من القرآن ما نسخ منها وما لم ينسخ والله تعالى أعلم.
شبهة وتفنيدها
يقولون: إن ابن أبي داود أخرج بسنده عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين في آخر سورة براءة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله ووعيتهما. فقال عمر: أنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال: لو كانتا ثلاث آيات لجعلتها على حدة فانظروا آخر سورة من القرآن فألحقوهما في آخرها يقولون: هذا الحديث يدل على أن ترتيب الآيات لم يكن في القرآن كله بتوقيف إنما كان عن هوى من الصحابة وعن تصرف منهم ولو في البعض.
ونجيب: أولا: بأن هذا الخبر معارض للقاطع وهو ما أجمعت عليه الأمة. ومعارض القاطع ساقط عن درجة الاعتبار فهذا خبر ساقط مردود على قائله.
ثانيا: أنه معارض لما لا يحصى من الأخبار الدالة على خلافه وقد تقدم كثير منها. بل لابن أبي داود مخرجه خبر يعارضه ذلك أنه أخرج أيضا عن أبي أنهم