الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الزَّوْجَةِ أَنَّهَا خَالَعَتْهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا فَهَذِهِ دَعْوَى بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ وَنَصُّهُ: وَإِنْ صَالَحَتْهُ عَلَى شَيْءٍ هُوَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَتَى بِالْبَيِّنَةِ لِتَشْهَدَ جَحَدَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ أَعْطَتْهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا فَالْخُلْعُ ثَابِتٌ وَلَا يَلْزَمُهَا غَيْرُ الْيَمِينِ فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ هُوَ وَاسْتَحَقَّ، وَإِنْ أَتَى الزَّوْجُ بِشَاهِدٍ عَلَى مَا يَدَّعِي حَلَفَ مَعَهُ وَاسْتَحَقَّ انْتَهَى.
ص (وَإِلَّا فَعَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ.
[فَرْعٌ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْأَحْبَاسِ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ رضي الله عنه وَأَصْحَابِهِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْأَحْبَاسِ عَامِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْبَاسَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْأَمْوَالِ جَائِزَةٌ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِيمَا جَرَّ إلَى الْأَمْوَالِ كَالْوَكَالَةِ وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ عَامِلَةٍ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ فِي أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ إلَّا حَيْثُ يَجُوزُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَبْسَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَفِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ اخْتِلَافٌ انْتَهَى. وَقَدْ عَدَّ ابْنُ فَرْحُونٍ فِيمَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الْحَبْسَ.
ص (وَإِيصَاءٌ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ)
ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، وَامْرَأَتَانِ وَيَمِينٌ، وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، وَلَكِنَّ الشَّارِحَ بَهْرَامَ وَالْبِسَاطِيَّ لَمْ يَذْكُرَا الْخِلَافَ فِيهِ إلَّا فِي الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَمِثْلُ الْإِيصَاءِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الشَّهَادَةُ بِالْوَكَالَةِ عَلَيْهِ كَذَا جَمَعَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله لَمَا ذَكَرَ مَرَاتِبَ الشَّهَادَةِ قَالَ مَا نَصُّهُ: الثَّالِثَةُ الْأَمْوَالُ وَمَا يَئُولُ إلَيْهَا كَالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَقَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ مُطْلَقًا وَجِرَاحُ الْمَالِ مُطْلَقًا وَفَسْخُ الْعُقُودِ وَنُجُومُ الْكِتَابَةِ وَإِنْ عَتَقَ بِهَا فَيَجُوزُ لِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ أَيْ وَكَّلَهُ فِي حَيَاتِهِ لِيَتَصَرَّفَ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ أَيْ أَوْصَاهُ بِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي أَمْوَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ انْتَهَى.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ وَلَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ يَجُوزَانِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَا فِيمَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ ثُمَّ إنَّ ابْنَ عَرَفَةَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَة ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ فِي الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَلَمَّا تَكَلَّمَ فِي فَصْلِ الشَّاهِد وَالْيَمِينِ ذَكَرَ عَنْ
ابْنِ رُشْدٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ، ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ خِلَافُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيُّ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ إذَا شَهِدَ عَلَى وَكَالَةٍ مِنْ غَائِبٍ هَلْ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ أَحْسَنُ إنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِحَقٍّ لِغَائِبٍ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ دَيْنًا أَوْ لِيَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِهِ قِرَاضًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ إنْ أَقَرَّ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لِلْغَائِبِ وَإِنْ وُكِّلَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ بِشَاهِدٍ فَجَحَدَهُ الْقَابِضُ حَلَفَ الْوَكِيلُ وَبَرِئَ الْغَرِيمُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ وَغَرِمَ الْوَكِيلُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ وَكَانَتْ تَبَاعَةُ الطَّالِبِ عَلَى الْوَكِيلِ مَتَى أَيْسَرَ قُلْت فَظَاهِرُ لَفْظِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْوَكَالَةِ.
، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ لَا يُقْضَى بِهِ فِي الْوَكَالَةِ لَكِنَّ مَنْعَ الْقَضَاءِ بِهَا لَيْسَ مِنْ نَاحِيَةِ تَصَوُّرِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَضَاءِ بِهَا فِي الْوَكَالَةِ بَلْ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ فِيهَا مُتَعَذِّرَةٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَحْلِفُهَا إلَّا مَنْ لَهُ نَفْعٌ وَالْوَكِيلُ لَا نَفْعَ لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ بِالْوَكَالَةِ وَقَبْضِ الْحَقِّ فَتَأَوَّلَ الْأَشْيَاخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا وَكَالَةٌ بِأُجْرَةٍ يَأْخُذُهَا الْوَكِيلُ أَوْ يَقْبِضُ الْمَالَ لِمَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهَا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّة قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ أَشْهَبُ: لَا يُقْضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي وَكَالَةٍ فِي مَالٍ، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرَاهُ الْإِمَامُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَيُوَلِّيَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَحْنُونٌ الْوَصَايَا وَالْوَكَالَةُ لَيْسَتَا بِمَالٍ إذْ لَا يَحْلِفُ وَصِيٌّ وَلَا وَكِيلٌ مَعَ شَاهِدِ رَبِّ الْمَالِ، إذْ الْمَالُ لِغَيْرِهِمَا انْتَهَى.
ص (وَقِصَاصٌ فِي جُرْحٍ) ش:
يَعْنِي أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْجِرَاحِ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ قَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جُرْحٍ عَمْدًا فَيَحْلِفُ وَيُقْتَصُّ، فَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْجَارِحِ احْلِفْ وَابْرَأْ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ ثُمَّ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ فَقَالَ كَلَّمْت مَالِكًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ لِشَيْءٍ اسْتَحْسَنَّاهُ وَمَا سَمِعْنَا فِيهِ شَيْئًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: وَكُلُّ جُرْحٍ فِيهِ قِصَاصٌ يُقْتَصُّ فِيهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَكُلُّ جُرْحٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ مِمَّا هُوَ مُتْلِفٌ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَشِبْهِهِمَا فَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِيهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ مَالٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَيْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ لَا قَسَامَةَ فِيهَا بِذَلِكَ مَضَتْ السُّنَّةُ وَإِنَّمَا الْقَسَامَةُ فِي النَّفْسِ فَلَمَّا كَانَتْ النَّفْسُ تُقْتَلُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ مَعَ الْقَسَامَةِ فَلِذَلِكَ اُقْتُصَّ بِشَاهِدٍ مَعَ يَمِينِ الْمَجْرُوحِ وَقَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيُقْضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ صَغِيرِهَا وَعَظِيمِهَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَلَا شَكَّ فِي الْخَطَأِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا أَرَى ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ إلَّا فِي الْيَسِيرِ مِنْ الْجِرَاحِ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْتَصُّ بِذَلِكَ رِوَايَةٌ مُبْهَمَةٌ لَمْ يَذْكُرْ مَا صَغُرَ أَوْ كَبُرَ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَا خَوْفَ فِيهِ مِنْ مُوضِحَةٍ وَدَامِيَةٍ وَجِرَاحِ الْجَسَدِ وَأَمَّا الْيَدُ وَالْعَيْنُ وَشِبْهُ ذَلِكَ فَلَا يُقْتَصُّ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ قَوْلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْهُ أَنَّهُ يُقْتَصُّ بِذَلِكَ فِيمَا عَظُمَ أَوْ صَغُرَ مِنْهَا مِنْ قَطْعِ الْيَدِ وَغَيْرِهَا يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيُقْتَصُّ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْقَاطِعُ وَبَرِئَ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ وَقِيلَ يُقْطَعُ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ غَيْرُ عَدْلٍ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَلَيْسَ كَالْقَسَامَةِ وَمَا قَالَ أَحَدٌ غَيْرَ هَذَا إلَّا بَعْضُ مَنْ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِيهَا أَيْضًا: فَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ وَقَالَ أَنْتَ جَرَحْتنِي فَلَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ أُدِّبَ، وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ إذَا تَنَازَعَا ثُمَّ أَتَى أَحَدُهُمَا بِأُصْبُعِهِ مَجْرُوحَةً تَدْمَى يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ عَضَّهَا، قَالَ: يَحْلِفُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ أُدِّبَ، قَالَ فِي الْكِتَابَيْنِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ: فَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي جُرْحٍ ادَّعَاهُ أَوْ ضَرْبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَقَالَ أَصْبَغُ: فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ وَلَمْ يَحْلِفْ عُوقِبَ وَأُطْلِقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَرِّدًا فَيَخْلُدُ فِي السِّجْنِ ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ إذَا قَامَ عَلَى جُرْحِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَرَاجِعْهُ إنْ أَرَدْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَبَيْعُ مَا يَفْسُدُ وَوَقْفُ ثَمَنِهِ مَعَهُمَا بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا يَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ كَاللَّحْمِ وَرُطَبِ الْفَوَاكِهِ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَاحْتِيجَ إلَى تَزْكِيَتِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ عَدْلًا وَاحِدًا فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ أَنَّ الْمُدَّعِي لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا وَيُتْرَكُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِيَدِهِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ مُتَبَرِّئًا مِنْهُ بِقَوْلِهِ قَالَهُ، وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ تَبَرَّأَ مِنْهُ لِإِشْكَالِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّاهِدِ الثَّانِي كَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَالَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ وَيُوقَفَ ثَمَنُهُ فِيهِمَا أَوْ يُخَلَّى بِيَدِهِ فِيهِمَا وَأَجَابَ صَاحِبُ النُّكَتِ بِأَنَّ مُقِيمَ الْعَدْلِ قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِيَمِينِهِ فَلَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا صَارَ كَأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَوَقَفَ ذَلِكَ الْقَاضِي لِيَنْظُرَ فِي تَعْدِيلِهِمْ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِغَيْرِ عَدَالَتِهِمْ، وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ إلَى فَرْقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْمَجْهُولَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُعْلَمُ الْآنَ قَطْعًا أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ، وَالشَّاهِدَانِ الْمَجْهُولَانِ إذَا عُدِّلَا فَإِنَّمَا أَفَادَ تَعْدِيلُهُمَا بَعْدَ الْكَشْفِ عَنْ وَصْفٍ كَانَ عَلَيْهِ حِينَ الشَّهَادَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْإِشْكَالِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ مَكَّنُوا مِنْ الطَّعَامِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ بَعْدَ قِيَامِ شَاهِدٍ، وَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِنْهُ إنْ قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بَلْ قَالُوا يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ وَالشَّاهِدُ أَضْعَفُ.
قَالَ: قُلْت: وَلِأَجْلِ أَنَّ الشَّاهِدَ أَضْعَفُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أُبْقِيَ الطَّعَامُ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَعُفَتْ الدَّعْوَى لِضَعْفِ الْحُجَّةِ ضَعُفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَثَرُهَا فَإِبْقَاءُ الطَّعَامِ بِيَدِهِ لَيْسَ هُوَ لِمَا تُوُهِّمَ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَضْعَفِ عَلَى الْأَقْوَى بَلْ هُوَ عَيْنُ تَرْجِيحِ الْأَقْوَى فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَلَزِمَ مِثْلُهُ فِيمَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ يَفْعَلُ فِيهِ مَا أَحَبَّ، قَالَ: وَيُجَابُ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ قَدْ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي لِمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى فَلَمْ يَبْقَ إلَّا النِّزَاعُ فِي ثَمَنِهِ فَهُوَ كَدَيْنٍ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ فَمُكِّنَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُنَازَعِ فِي تَعْجِيلِهِ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُدَّعِي فِيهِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. قُلْت وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يَفْسُدُ مِنْ اللَّحْمِ وَرَطْبِ الْفَوَاكِهِ وَقَدْ أَقَامَ لَطْخًا أَوْ شَاهِدًا عَلَى الْحَقِّ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً عَلَى الْحَقِّ أَجَّلَهُ الْقَاضِي بِإِحْضَارِ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ إنْ أَتَى بِشَاهِدٍ قَبْلَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ مَا لَمْ يَخَفْ فَسَادَ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَإِنْ جَاءَ بِمَا
يُنْتَفَعُ بِهِ وَإِلَّا أُسْلِمَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَنُهِيَ الْمُدَّعِي عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ قَدْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَأَوْقَفَ الْقَاضِي ذَلِكَ الشَّيْءَ إلَى الْكَشْفِ عَنْهُمَا فَإِنْ خَافَ عَلَى فَسَادِهِ بَاعَهُ وَأَوْقَفَ ثَمَنَهُ فَإِنْ زُكِّيَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَهُوَ مُبْتَاعٌ أَخَذَهُ وَأَدَّى الثَّمَنَ الَّذِي قَالَتْ بَيِّنَتُهُ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْمَوْقُوفِ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالتَّحَرُّجِ عَنْ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يُزَكَّوْا أَخَذَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الثَّمَنَ الْمَوْقُوفَ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ بَيْعٌ نَظَرًا، وَلَوْ ضَاعَ الثَّمَنُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ كَانَ لِمَنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ انْتَهَى.
قَالَ فِي النُّكَتِ: إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَأَوْقَفَ الْقَاضِي الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ لِيَنْظُرَ فِي تَعْدِيلِهِمَا فَخَافَ فَسَادَهُ أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا فَكَانَ الْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِي تَعْدِيلِهِ. الْجَوَابُ سَوَاءٌ يُبَاعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِخِلَافِ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ، وَقَالَ: آتِي بِآخَرَ، فَخَافَ الْحَاكِمُ فَسَادَ ذَلِكَ الشَّيْءِ هَهُنَا يُسَلِّمُهُ إلَى الْمَطْلُوبِ، يُرِيدُ لِأَنَّ هَذَا قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِيَمِينِهِ مَعَ شَاهِدِهِ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ فَتَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا مِنْهُ وَاَلَّذِي يُنْظَرُ فِي تَعْدِيلِ شَاهِدَيْهِ أَوْ شَاهِدِهِ الَّذِي أَقَامَهُ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ انْتَهَى. فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْلَافَ الْمَطْلُوبِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَنَصُّهُ: وَمَنْ ادَّعَى مَالًا يَبْقَى وَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّحْمِ وَرَطْبِ الْفَوَاكِهِ وَأَتَى بِلَطْخٍ أَوْ بَيِّنَةٍ لَا يَعْرِفُهَا الْقَاضِي فَقَالَ الْجَاحِدُ وَهُوَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُدَّعِي وَهُوَ الْمُشْتَرِي: نَخَافُ فَسَادَهُ أَوْ لَمْ يَقُولَاهُ فَإِنْ أَثْبَتَ لَطْخًا وَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَقَالَ: عِنْدِي شَاهِدٌ آخَرُ وَلَا أَحْلِفُ فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَخَشِيَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ خُلِّيَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ وَأَمَّا الشَّاهِدَانِ فَيُنْظَرُ فِي عَدَالَتِهِمَا فَإِنْ خَشِيَ الْفَسَادَ بِيعَ وَأُوقِفَ الثَّمَنُ انْتَهَى. فَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْلَافَ الْمَطْلُوبِ أَيْضًا وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قَوْلُهُ فِي تَوْقِيفِ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي عِنْدِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَلَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَنَّهُ يُؤَجِّلُهُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الْفَسَادَ وَإِلَّا خُلِّيَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ.
مَعْنَى قَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَيْ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ لَا يَحْلِفَ مَعَهُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا آخَرَ فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت مَعَ شَاهِدِي بِيعَ حِينَئِذٍ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ إنْ خَشِيَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ، وَلَيْسَ هَذَا بِأَضْعَفَ مِنْ شَاهِدَيْنِ يُطْلَبُ تَعْدِيلُهُمَا فَقَدْ جَعَلَهُ يَبِيعُهُ هُنَا، وَنَحْنُ عَلَى شَكٍّ مِنْ تَعْدِيلِهِمَا، وَهُوَ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمَا بَطَلَ الْحَقُّ، وَشَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي الْأَوَّلِ ثَابِتٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْحَلِفُ مَعَهُ مُمْكِنٌ إنْ لَمْ يَجِدْ آخَرَ وَيَثْبُتُ الْحَقُّ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ التَّنْبِيهَاتِ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: فَحَاصِلُهَا إنْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي إلَّا لَطْخًا قَاصِرًا عَنْ شَاهِدِ عَدْلٍ وَعَنْ شَاهِدَيْنِ يُمْكِنُ تَعْدِيلُهُمَا وُقِفَ الْمُدَّعَى فِيهِ مَا لَمْ يَخْشَ فَسَادَهُ فَإِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا وَقَالَ: لَا أَحْلِفُ مَعَهُ بِوَجْهٍ، وَإِنْ قَالَ: أَحْلِفُ مَعَهُ، أَوْ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ يُنْظَرُ فِي تَعْدِيلِهِمَا بِيعَ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ، وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ الْمَذْهَبِ ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَزَادَ: إنْ كَانَ أَتَى الطَّالِبُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يُزَكِّهِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّزْكِيَةِ فَهُوَ كَقِيَامِ شَاهِدَيْنِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا يُبَاعُ الْمُدَّعَى فِيهِ لِخَوْفِ فَسَادِهِ وَنَقَلَ أَبُو إبْرَاهِيمَ قَوْلُ عِيَاضٍ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَلَيْسَ فِيهِ وَلَا فِي كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ اسْتِحْلَافُ الْمَطْلُوبِ لَكِنْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا سُلِّمَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَى الْمَطْلُوبِ: ظَاهِرُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الشَّيْخِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ فَمَعْنَاهُ بِيَمِينٍ اُنْظُرْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ النَّوَادِرِ: وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يَفْسُدُ مِنْ اللَّحْمِ وَالْفَاكِهَةِ الطَّرِيَّةِ وَأَقَامَ لَطْخًا أَوْ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ فَإِنَّهُ يُوقَفُ إلَى مَجِيءِ شَاهِدِهِ الْآخَرِ أَوْ يَمِينِهِ إلَى مِثْلِ مَا لَا يُخْشَى فِيهِ فَسَادُ الَّذِي فِيهِ الدَّعْوَى فَإِنْ خَافَ فَسَادَهُ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَرَكَ لَهُ مَا أُوقِفَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَفِي كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ تَقْيِيدُ عَدَمِ بَيْعِ الْمُدَّعَى فِيهِ مَعَ قِيَامِ الشَّاهِدِ الْعَدْلِ بِمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَلْبَتَّةَ، وَأَمَّا إذَا قَالَ: لَا أَحْلِفُ
الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا آخَرَ فَإِنْ وَجَدْتُهُ وَإِلَّا حَلَفْت مَعَ شَاهِدَيَّ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ الْمَذْهَبِ ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ: حَاصِلُ كَلَامِهِ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ - أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ هُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَشَارَ إلَى التَّبَرِّي مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ عِيَاضٍ وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْعَطَّارِ مُرَاعِيًا أُصُولَ الْمَذْهَبِ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَفَسَّرَ بِهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ التَّبَرِّي غَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى.
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ يَزُولُ بِهِ الْإِشْكَالُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَرِّرَ وَجْهَ التَّبَرِّي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ كَيْفَ قَالُوا إنَّهُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ وَمَعَ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُرِيدُ أَنْ يُزَكَّيَا لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ وَيُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ أَقْرَبُ إلَى الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ سَوَاءٌ وَجَدَ شَاهِدًا ثَانِيًا أَوْ لَمْ يَجِدْهُ بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُزَكَّيَانِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُزَكِّيهِمَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ فَقِيَامُ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُزَكَّيَانِ، فَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعَى فِيهِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا أَطْلُبُ شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته أَثْبَتَ حَقِّي وَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ لَمْ أَحْلِفْ، فَحِينَئِذٍ يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعَى فِيهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ حِينَئِذٍ أَضْعَفُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْحَقِّ مَعَهُ حَاصِلٌ وَالْوَاحِدُ أَضْعَفُ مِنْ الِاثْنَيْنِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ مُخْتَارٌ لِعَدَمِ إثْبَاتِ حَقِّهِ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النُّكَتِ
وَأَمَّا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا لَا أَحْلِفُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت فَهَذَا يُبَاعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ حِينَئِذٍ أَقْوَى مِنْ الشَّاهِدَيْنِ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ لَمْ يُفَصِّلُوا فِيمَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ فِي قِيَامِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بَلْ قَالُوا: إنَّهُ يُحَالُ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ مَعَ قِيَامِ الشَّاهِدِ الْعَدْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ؟ .
(فَالْجَوَابُ) إنَّ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي لِمَا يُخْشَى مِنْ فَسَادِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِثَمَنِهِ وَقَوِيَ حَقُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ وَضْعِ الْيَدِ مَعَ تَرْكِ الْمُدَّعِي إثْبَاتَ حَقِّهِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ اخْتِيَارًا أُبْقِيَ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى فِيهِ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي مُمْكِنٌ وَلَا كَبِيرَ ضَرَرٍ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي إيقَافِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ، يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا لَا أَحْلِفُ أَلْبَتَّةَ مَعَ شَاهِدَيْ الْعَدْلِ وَإِنَّمَا أَطْلُبُ شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا تَرَكْت، وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَنَا لَا أَحْلِفُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت فَإِنَّ الْمُدَّعَى فِيهِ يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ كَمَا يُوقَفُ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَأَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنَّ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ إلَخْ) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ ادَّعَى عَبْدًا بِيَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا يَشْهَدُ عَلَى الْقَطْعِ أَنَّهُ عِنْدَهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّ عَبْدًا سُرِقَ لَهُ مِثْلُ مَا يَدَّعِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُ قَاطِعَةً وَلَهُ بَيِّنَةٌ بِبَلَدٍ آخَرَ فَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ لِتَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ عِنْدَ قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ شَاهِدًا وَلَا بَيِّنَةَ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ وَادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً بِمَنْزِلَةِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ أَوْقِفُوا الْعَبْدَ حَتَّى آتِيَ بِبَيِّنَتِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِي بِبَيِّنَةٍ حَاضِرَةٍ عَلَى الْحَقِّ أَوْ سَمَاعًا يَثْبُتُ لَهُ بِهِ دَعْوَاهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوقِفُ الْعَبْدَ وَيُوَكَّلُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِبَيِّنَةٍ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ جَاءَ