الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي أَقْرَبِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ مَعَ بُعْدِ خُرُوجِ الْمِلْكِ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْقَرِيبِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي أَبْعَدِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَهَذَا الشَّرْطُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الشَّهَادَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِيهَا مِنْ تَمَامِ شَهَادَتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا مَا عَلِمْنَاهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ كَانَتْ زُورًا وَبِهَذَا الظَّاهِرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقُولُوا مَا عَلِمُوهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ وَظَاهِرُ مَا فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. قَالَ: وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ الدَّارَ لَهُ لَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ وَيُقْضَى لَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّيُوخُ هَلْ كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُتَنَاقِضٌ أَمْ لَا وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْبَتِّ مَعَ إطْلَاقِهَا عَلَيْهَا بِالزُّورِ أَوْ يُفَصَّلُ فِيهِمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا تُقْبَلُ أَوْ يَكُونُوا مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ فَتُقْبَلُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو عِمْرَانَ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ: إنَّ مَا فِي الشَّهَادَةِ شَرْطُ كَمَالٍ. أَبُو الْحَسَنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَذَلِكَ شَرْطُ صِحَّةٍ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كَانَتْ زُورًا أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ مَا يَلْزَمُ شُهُودَ الزُّورِ.
[فَرْعٌ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَقَضَى لَهُ بِهِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى]
(فَرْعٌ) مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى فَإِنَّهُ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَيُنْظَرُ فِي أَعْدَلِهِمَا. وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ شَخْصٌ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَأَقَامَ بَيِّنَةَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِمَا. قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الَّذِي يَدَّعِي الشَّيْءَ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ ثُمَّ يَدَّعِيه آخَرُ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْأَوَّلِ إعَادَةُ بَيِّنَةٍ وَلَا يُرَدُّ الشَّيْءُ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَلَكِنْ يُقْضَى بِهِ لِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا قَبْلَهَا. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ نَحْوُ ذَلِكَ فَانْظُرْهُ. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْهُ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ نَحْوَ ذَلِكَ وَنَصُّهُ إذَا ثَبَتَ حُكْمُ الْقَاضِي بِقَطْعِ جَرْيِ الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ لَا مَدْفَعَ فِيهَا بَطَلَ حَقُّ أَصْحَابِ الْجَنَّاتِ إلَّا أَنْ يَقْدِرُوا عَلَى قَطْعِ ضَرَرِ الطَّرِيقِ أَوْ يَثْبُتُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِضَرَرٍ عَلَى الطَّرِيقِ بِبَيِّنَةٍ أَعْدِلَ مِنْ الْأُولَى أَوْ تَجْرِيحِ شُهُودِ الْعَقْدِ الَّذِينَ حَكَمَ بِهِمْ الْحَاكِمُ فَهُمْ حِينَئِذٍ أَحَقُّ بِالْمَاءِ انْتَهَى. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْوَصَايَا مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِرُشْدِ شَخْصٍ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِتَرْشِيدِهِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَعْدَلُ مِنْهَا بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِلَ السَّفَهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِسَفَهِهِ، وَذُكِرَ فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مِنْ يَوْمِ حُكْمِ الْقَاضِي بِتَرْشِيدِهِ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ بِتَسْفِيهِهِ جَائِزَةٌ مَاضِيَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ قَالَ: أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ. اُنْتُظِرَ)
ش: هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَيَعْنِي بِهِ إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي: قَدْ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي تَدَّعِي بِهِ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْظُرُ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُوَكِّلُ الْغَائِبُ أَنَّهُ مَا أَبْرَأَهُ. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ غِيبَتُهُ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً. وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ بِلَفْظِ قِيلَ وَلَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ أَنَّهُ الْأَصْلُ.
وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ ذَكَرَهُ بِقِيلِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَفِي رَسْمٍ. حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فِيمَنْ وُكِّلَ عَلَى طَلَبِ عَبْدٍ بِمِصْرَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لِمُوَكِّلِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُوَكَّلُ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ سَوَاءً كَانَ الْمُوَكِّلُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا وَالْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْمَطْلُوبِ: الْقَضَاءُ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْحَقِّ وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى لُقِيِّ صَاحِبِ الْحَقِّ وَمِثْلُهُ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ، لَكِنْ نَقَلَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالسِّلْعَةِ هَلْ يَحْلِفُ؟ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي وَكِيلِ الْغَائِبِ يَطْلُبُ دِينًا بِبَيِّنَةٍ لَهُ فَقَالَ: الْمَطْلُوبُ بَقِيَ مِنْ حَقِّي أَنْ يَحْلِفَ لِي الْمَحْكُومُ لَهُ أَنَّهُ مَا قَبَضَهُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ غِيبَتُهُ قَرِيبَةً اُنْتُظِرَ حَتَّى يَقْدُمَ وَكَتَبَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْحَقَّ السَّاعَةَ وَيُقَالُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ: إذَا اجْتَمَعْت مَعَ الطَّالِبِ فَحَلَّفَهُ وَكَتَبَ لَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ كِتَابًا يَكُونُ بِيَدِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمَقْضِيُّ لَهُ حَلَفَ أَكَابِرُ وَرَثَتِهِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَحْلِفُ الصِّغَارُ وَإِنْ كَبِرُوا بَعْدَ مَوْتِهِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ فَقَالَ: إنَّهُ يُؤَخِّرُ فِي الْقَرِيبَةِ حَتَّى يَكْتُبَ لِلْمُوَكِّلِ فَيَحْلِفُ وَلَا يُؤَخِّرُ فِي الْبَعِيدَةِ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالْحَقِّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُهُ عِنْدِي تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ زَادَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِ الْمُوَكَّلِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إنْ كَانَتْ الْغِيبَةُ قَرِيبَةً كَالْيَوْمَيْنِ اُنْتُظِرَ الْمُوَكِّلُ حَتَّى يَحْلِفَ وَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةً حَلَفَ الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ مُوَكِّلُهُ قَبَضَ مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَيُقْضَى لَهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي أَنَّ صَاحِبَ مُعِينِ الْحُكَّامِ حَكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ وَتُرْجَى لَهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُوَكَّلِ فَإِذَا لَقِيَهُ حَلَّفَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ وَذَكَرَ هَذَا الْقَوْل أَيْضًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ: فَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي
نَقَلْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى ابْنُ رُشْدٍ قَيَّدَهُ بِالْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِهِ مِنْ تَحْلِيفِهِ لِلْمُوَكِّلِ إذَا لَقِيَهُ فَلَا يُخَالِفُ فِيهِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلِابْنِ كِنَانَةَ أَيْضًا فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ يُنْظَرُ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُوَكِّلُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا الْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ فَالْمَنْصُوصُ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْحَقِّ وَلَا يُؤَخَّرُ لَكِنَّ ابْنَ كِنَانَةَ يَقُولُ: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْوَكِيلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَمُقَابِلُ الْمَنْصُوصِ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ بِقِيلَ وَخَرَّجَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (انْتَظِرْ) كَمَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَالِبِ النُّسَخِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَزْوِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَبُولِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى مَا فِي نَوَازِلِ عِيسَى لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّخْمِيَّ حَكَاهُ بِقِيلَ فَكَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنَّفِ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ أَوْ قَضَيْته، لَمْ يُنْتَظَرْ فِي الْبَعِيدَةِ بِخِلَافِ الْقَرِيبَةِ فَيُؤَخَّرُ كَيَمِينِ الْقَضَاءِ.
وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَيْهَا تَكَلَّمَ ابْنُ غَازِيٍّ مَا صُورَتُهُ: وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ. اُنْظُرْ فِي الْقَرِيبَةِ وَفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ وَيُقْضَى لَهُ فَإِنْ حَلَفَ وَاسْتَمَرَّ الْقَبْضُ وَإِلَّا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا أُخِذَ مِنْهُ فَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ أَمَّا حَلِفُ الْوَكِيلِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّهُ يَحْلِفُ لِيَنْتَفِعَ غَيْرُهُ وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ مِنْ الْكَلَامِ فَإِنَّمَا سَاقَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلًا آخَرَ وَلَمْ يَزِدْ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى نِسْبَتِهِ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَأَنْتَ تَرَاهُ هُنَا رَكَّبَ هَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى.
(قُلْت) أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَلِفِ الْوَكِيلِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ كَمَا ذَكَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ وَابْنَ الْقَاسِمِ وَابْنَ الْمَوَّازِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ، وَلَا يُؤَخَّرُ لَا يُخَالِفُونَ فِي أَنَّهُ إذَا لَقِيَ الْمُوَكِّلَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفُهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَكِيلُهُ فَإِنْ حَلَفَ مَضَى وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا كَانَ غَرِمَهُ وَهَذَا بَيِّنٌ فَتَأَمَّلْهُ فَهَذِهِ النُّسْخَةُ حَسَنَةٌ مُوَافَقَةٌ لِلرَّاجِحِ مِنْ الْأَقْوَالِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي حَلِفِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ الثَّانِي لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْمَطْلُوبُ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك كَمَا فَرَضَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا أَوْ يَقُولَ قَضَيْته الْحَقَّ الَّذِي تَدَّعِي بِهِ أَوْ بَعْضَهُ كَمَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ (الثَّالِثُ) إذَا قَضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْحَقِّ ثُمَّ لَقِيَ الْمُوَكِّلَ فَاعْتَرَفَ بِمَا ادَّعَاهُ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْحَقِّ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيْهِ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ قَالَ: فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةَ
(قُلْت) وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ فَلَا كَلَامَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ لِمُوَكِّلِهِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعُ) أَمَّا يَمِينُ الِاسْتِحْقَاقِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لِلْوَكِيلِ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ مُوَكِّلِهِ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً فَاَلَّذِي فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لِلْوَكِيلِ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ مُوَكِّلِهِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَقْضِي لِلْوَكِيلِ إذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةً كَمَا فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: يَحْلِفُ الْوَكِيلُ عَلَى الْعِلْمِ وَيُقْضَى لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لِلْوَكِيلِ فِي