الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَاهِدًا عَدْلًا عَلَى جُرْحِ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ فَلْيَحْلِفْ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُ الْعَقْلَ فِي الْخَطَإِ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ فَقَالَ كَلَّمْت مَالِكًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ لَشَيْءٌ اسْتَحْسَنَّاهُ مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا. هَذَا لَفْظُهَا عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ نَكَلَ مَنْ قَامَ بِالشَّاهِدِ حَلَفَ الْجَارِحُ فَإِنْ نَكَلَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْكَافِرِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي نَصْرَانِيٍّ قَامَ عَلَى قَتْلِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ مُسْلِمٌ يَحْلِفُ وُلَاتُهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى قَاتِلِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ نَصْرَانِيًّا هَذَا لَفْظُهَا أَيْضًا بِاخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ وَانْظُرْ هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وُلَاتِهِ يَمِينًا أَوْ تُجْزِئُهُمْ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ؟ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وُلَاتِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ يَحْلِفُ سَيِّدُهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَأْخُذُ قِيمَةَ عَبْدِهِ سَوَاءً كَانَ قَاتِلُهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا.
[فَرْعٌ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ عَبْدَ فُلَانٍ قَتَلَ عَبْدَهُ]
(فَرْعٌ) فَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ عَبْدَ فُلَانٍ قَتَلَ عَبْدَهُ حَلَفَ مَعَهُ وَخُيِّرَ سَيِّدُ الْقَاتِلِ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ قِيمَةَ الْمَقْتُولِ أَوْ يُسْلِمَ عَبْدَهُ فَإِنْ أَسْلَمَهُ لَمْ يُقْتَلْ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَانْظُرْ هَلْ يُضْرَبُ الْقَاتِلُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْجَنِينِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ. وَفِيهَا إنْ ضُرِبَتْ امْرَأَةٌ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَقَالَتْ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. فَفِي الْمَرْأَةِ الْقَسَامَةُ وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ثَبَتَتْ كَأَنَّهُ جُرْحٌ مِنْ جِرَاحِهَا وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجُرْحِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ شَاهِدِ عَدْلٍ فَتَحْلِفُ وُلَاتُهُ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ دِيَتَهُ. الصَّقَلِّيُّ يُرِيدُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَرِثُ الْغُرَّةَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَفِيهَا إنْ قَالَتْ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. فَخَرَجَ جَنِينُهَا حَيًّا فَاسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ فَفِي الْأُمِّ الْقَسَامَةُ وَلَا قَسَامَةَ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ قَتَلَنِي وَقَتَلَ فُلَانًا مَعِي لَمْ يَكُنْ فِي فُلَانٍ قَسَامَةٌ انْتَهَى. بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ مَوْتُهَا وَخُرُوجُ الْوَلَدِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ وَرَثَتَهُ يَحْلِفُونَ مَعَهُ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّونَ الْغُرَّةَ وَإِنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا فَفِيهِ الْقَسَامَةُ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَوِثَ وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ لَوْثًا فِي حَقِّ وَلَدِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (فَلَوْ قَالَتْ دَمِي وَجَنِينِي) ش لَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا قَوْلُ الْمَرْأَةِ فَقَطْ فَلَيْسَتْ بِمُعَارَضَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابٌ الْبَاغِيَةُ]
ص (بَابٌ الْبَاغِيَةُ فِرْقَةٌ خَالَفَتْ الْإِمَامَ لِمَنْعِ حَقٍّ أَوْ لِخَلْعِهِ)
ش: لَمَّا فَرَغَ رحمه الله مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْقَتْلِ وَالْجُرْحِ اللَّذَيْنِ يَكُونُ عَنْهُمَا إذْهَابُ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّينَ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْجِنَايَاتِ الَّتِي تُوجِبُ سَفْكَ الدِّمَاءِ أَوْ مَا
دُونَهُ مِنْ الْعُقُوبَاتِ وَالْجِنَايَةِ هُوَ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَضُرُّ حَالًا أَوْ مَالًا.
وَالْجِنَايَاتُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُقُوبَاتِ سَبْعٌ: الْبَغْيُ وَالرِّدَّةُ وَالزِّنَا وَالْقَذْفُ وَالسَّرِقَةُ وَالْحِرَابَةُ وَالشُّرْبُ. وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْبَغْيِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُهَا مَفْسَدَةً إذْ فِيهِ إذْهَابُ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ غَالِبًا فَقَالَ: بَابٌ. أَيْ هَذَا بَابٌ أَذْكُرُ
فِيهِ أَحْكَامَ الْبَغْيِ وَالْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ التَّعَدِّي وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: إنَّ مَادَّةَ (ب غ ي) لِلطَّلَبِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مَقْصُورٌ عَلَى طَلَبٍ خَاصٍّ وَهُوَ ابْتِغَاءُ مَا لَا يَنْبَغِي ابْتِغَاؤُهُ انْتَهَى. وَفِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْبَغْيُ هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ بِمُغَالَبَةٍ وَلَوْ تَأَوَّلَا انْتَهَى.
وَعَرَّفَهَا الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ الْبَاغِيَةُ أَيْ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ هِيَ فِرْقَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَالَفَتْ الْإِمَامَ لِشَيْئَيْنِ إمَّا لِمَنْعِ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهَا مِنْ زَكَاةٍ أَوْ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ أَوْ لِدُخُولٍ فِي طَاعَتِهِ فَإِنَّهُ حَقٌّ أَوْ خَالَفَتْهُ لِخَلْعِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُنَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَخَرَجَ. الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ غَيْرِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى بَغْيًا اهـ. يُرِيدُ أَوْ نَائِبُهُ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَتْ لَا لِمَنْعِ حَقٍّ بَلْ لِمَنْعِ ظُلْمٍ كَأَمْرِهِ بِمَعْصِيَةٍ لَيْسَتْ بِبَاغِيَةٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَيْدًا آخَرَ وَهُوَ كَوْنُ الْخُرُوجِ مُغَالَبَةً وَلَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَفْظَةُ مُغَالَبَةً كَالْفَصْلِ أَوْ كَالْخَاصَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَصَى الْإِمَامَ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ لَا يَكُونُ مِنْ الْبُغَاةِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ وَإِخْرَاجُ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ مُغَالَبَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى بَغْيًا اهـ. وَكَأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِالْمُغَالَبَةِ الْمُقَاتَلَةِ فَمَنْ خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ مُغَالَبَةٍ لَا يَكُونُ بَاغِيًا. وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَأَمَاتَنَا عَلَى مَحَبَّتِهِمْ وَسُنَّتِهِمْ أَنَّهُ مَكَثَ أَشْهُرًا لَمْ يُبَايِعْ الْخَلِيفَةَ ثُمَّ بَايَعَهُ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ وَلِابْنِ عَرَفَةَ فِي آخِرِ الْجِهَادِ كَلَامٌ حَسَنٌ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ وَقَتْلِ الْخَوَارِجِ وَكَذَا لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ كَلَامٌ حَسَنٌ فِي الْجِهَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْبَيْعَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَيْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُبَايِعَ لِلْإِمَامِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَكَأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ بِالْجَنَّةِ فَكَأَنَّهُ حَصَلَتْ مُعَاوَضَةٌ، ثُمَّ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»