المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخسائر فى الأرواح - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الخسائر فى الأرواح

- ‌(4) الإمبراطورية العثمانية

- ‌المصادر:

- ‌(5) بلاد فارس

- ‌المصادر:

- ‌(6) الهند

- ‌(7) الحيل والمكائد

- ‌المصادر:

- ‌مصادر مخطوطة:

- ‌الحر بن عبد الرحمن الثقفى

- ‌المصادر:

- ‌ المصادر

- ‌الحر بن يزيد

- ‌المصادر:

- ‌حرية

- ‌المصادر:

- ‌ العصر الحديث:

- ‌المصادر:

- ‌حرفوش

- ‌المصادر:

- ‌حرقوص بن زهير السعدى

- ‌المصادر

- ‌الحروف

- ‌المصادر:

- ‌حروف الهجاء

- ‌المصادر:

- ‌مصادر الكتاب الأوروبيين:

- ‌الحريرى

- ‌المصادر:

- ‌حزب

- ‌المصادر:

- ‌الحسا

- ‌المصادر:

- ‌حساب

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌ حساب الجُمَّل

- ‌المصادر:

- ‌ المصادر

- ‌المصادر:

- ‌حسام الدين جلبى

- ‌المصادر:

- ‌الحسام

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حسب ونسب

- ‌المصادر:

- ‌الحسبة

- ‌المصادر:

- ‌حس

- ‌المصادر:

- ‌حسان بن ثابت

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حسان بن النعمان الغساني

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحسن البصرى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الدراسات الحديثة:

- ‌حسن الأطروش

- ‌المصادر:

- ‌الحسن الأعصم

- ‌المصادر:

- ‌حسن بابا

- ‌حسن جلبى

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن الخصيب

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن زيد

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن سهل

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن صالح بن حى الكوفى

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن الصباح

- ‌المصادر:

- ‌حسن العسكرى

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن على بن أبى طالب

- ‌صفات الحسن الجسمانية والخلقية:

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن على

- ‌المصادر:

- ‌الحسن، مولاى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن يوسف

- ‌المصادر:

- ‌حسنى

- ‌المصادر:

- ‌الحسين بن الحسين

- ‌المصادر:

- ‌الحسين بن حمدان

- ‌المصادر:

- ‌حسين رحمى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حسين بن سليمان الصفوى

- ‌المصادر:

- ‌الحسين بن على بن أبى طالب

- ‌موقف الحسين من معاوية:

- ‌مصادر ثورة الحسين ونهايته الفاجعة:

- ‌وقعة كربلاء ومراحلها الكبرى:

- ‌قصة الحسين:

- ‌المصادر:

- ‌مصادر شيعية متقدمة:

- ‌مصادر شيعية حديثة:

- ‌مصادر لعلماء غربيين:

الفصل: ‌الخسائر فى الأرواح

‌الخسائر فى الأرواح

إن الخسائر التى ذكرتها مصادر المماليك عما فقده المماليك أو أعداؤهم معتدلة جدًا على وجه الإجمال، وإن لم تخل بحال من المبالغات. ومن الأمور الهادية فى هذا الصدد ما ذكره المؤرخ المملوكى ابن تغرى بردى. فهو ينتسب هو ومعاصره القريب ابن خلدون (المقدمة، طبعة كاترمير، جـ 1، ص 9 = ترجمة روزنتال، جـ 1 ص 7) الذى قضى عدة سنوات فى سلطنة المماليك، إلى تلك القلة النادرة من المؤرخين المسلمين الذين يناقشون صحة الأرقام التى ذكرتها المصادر التاريخية عن الخسائر. وعلى حين ينتقد كلاهما الأرقام الخاصة بأحجام الجيوش، فإن ابن تغرى بردى وحده هو الذى يدخل فى نقده أرقام الذين قتلوا فى المعارك. وابن تغرى بردى نفسه، الذى يذكر فى عدة أحيان أن الأعداد التى ذكرتها المصادر لأولئك الذين أهلكهم الطاعون مبالغ فيها كل المبالغة، يضيف فى مناسبة من هذه المناسبات أن هذا يصدق أيضًا على أولئك الذين قتلوا فى "الوقائع المتقدمة"، وذلك حين تتحدث المصادر عن أن عدد من قتلوا فى معركة واحدة بلغ مائه ألف مقاتل أو أقل أو تهبط بهذا الرقم إلى ألف بل مائة. ويمضى .. مؤرخنا فى الإدلاء بحجته فيقول إنه حتى حين لا يزيد عدد القتلى على ألف فإن جثثهم تكون مبعثرة فى منطقة واسعة، وإحصاءهم يتطلب من المرء أن يستخدم عدة آلاف ممن بقوا على قيد الحياة، ولو تحقق ذلك لاستغرق مدة طويلة للتثبت من عدد القتلى على وجه الدقة. ثم يضيف قائلا إننا لم نر ولم نسمع بأن سلطانًا قد أقام قط أحدًا لإحصاء أعداد القتلى فى أية معركة إلا إذا كان عددهم ألفًا أو أقل. أما من قتلوا فى المعارك مع هولاكو وغازان وتيمور فإن تقرير عددهم بالدقة جنون مطبق، ولا يمكن أن يصدّق هذه الأعداد إلا مجنون. ويخلص مؤرخنا الإخبارى من ذلك بأنه إنما ذكر المعارك مع هؤلاء الخانات بخاصة لأنهم كانوا يعيشون قرب زمانه، ومع ذلك فهو يعنى أية معركة وقعت فى العصر الإسلامى أو قبله (الحوادث، ص 337: س 14 - ص

ص: 3565

338، س 12، أما عن رأى الكاتب عن مبالغات المؤرخ فيما يختص بالتجريدات وما إليها فانظر: النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 603: س 14 - 16. وانظر أيضًا النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 8، ص 131، س 6 - 8، جـ 9، ص 20، س 9 - 14، وأما عن عنايته بذكر عدد المماليك فانظر المصدر نفسه، جـ 6، ص 687، س 7 - 10).

وبالرغم من المعارك الكبرى الكثيرة التى دارت فى عصر المماليك البحرية والتجريدات المستمرة التى أنفذت إلى البدو فى عصر المماليك الجراكسة، فإن المصادر المملوكية لا تزودنا بمعلومات وافرة عن عدد من قتلوا فى المعارك. وأما المعلومات عن عدد من جرحوا فشحيحة، وكذلك فإن المعلومات شحيحة جدًا عن أسرى الحرب.

وخسائر المماليك فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) قليلة فى أغلب الأحيان، إذا استثنينا قتالهم مع تيمور فى مستهل هذا القرن ومع شاه سوار التركمانى والعثمانيين فى العقود الأخيرة منه. والسبب فى قلة عدد الخسائر فى الأرواح، هو انعدام القتال الفعلى فى هذه الفترة. وهذا السبب - ضمن أسباب أخرى - هو الذى أدى إلى حد كبير إلى اضمحلال جيش المماليك. وثمة قولان ذكرهما ابن تغرى بردى - أعظم حجة يرجع إليها بخصوص المجتمع العسكرى للمماليك الجراكسة - وذلك عن الصلة الوثيقة بين ندرة القتال وقلة الخسائر واضمحلال الجيش، وهما قولان على أعظم جانب من الأهمية (لم يكن ابن تغرى بردى الذى توفى سنة 874 هـ = 1470 م يعرف إلا المعارك الأولى التى خاضها المماليك مع شاه سُوار): القول الأول أن مماليك زمانه قوم يأكلون من خبز لم يكتسبوه، ذلك أنهم يدينون بالفضل فى كل شئ لصنائع مماليك الأجيال السابقة. ولم تكن هناك حرب حقيقية فى القرن التاسع الهجرى بعد الحرب مع تيمور، فالمعارك التى نشبت فى عهود الناصر فرج والمؤيد شيخ والعزيز يوسف لم تكن إلا بدائل للحرب. وأكبر معركة دارت فى هذا القرن كانت معركة شقحب) 792 هـ = 1390) ومع ذلك فإن عدد من قتل من

ص: 3566

الجانبين كان أقل من خمسين قتيلا. وقد وقعت معارك بعد شقحب لم يفقد فيها أى جندى حياته (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 688). ويذكر ابن تغرى بردى فى القول الثانى الذى يدلى به وهو يحمل الحديث عن عهد السلطان قلاوون أنه لو لم يفعل قلاوون سوى تنشئة جنوده التنشئة الحسنة لكفى بذلك دليلا على عظمته. ذلك أن سلوكهم الحسن ونظامهم الجيد كانا على طرفى نقيض من سلوك مماليك زمانه ونظامهم، ويجب أن نقرن هذا بأنه لم تدر حرب حقيقية فى القرن التاسع الهجرى سوى الحرب مع تيمور. وكانت أكبر عملية عسكرية جرت فى هذا القرن هى غزو قبرس، على أن هذه العملية نفسها لم تكن حربًا بالمعنى المفهوم، ذلك أن القبارسة سلموا لكتيبة صغيرة قبل أن يصل مجموع الجيش إلى ميدان المعركة. أما بقية الحملات البحرية فلم تكن تعدو "سفرًا فى البحر ذهابًا وإيابًا". وفى قول تغرى بردى إن هذا يباين مباينة جلية ملفتة المعارك الكبيرة المتصلة والحمية فى القتال وهى ما اتسمت به الفترة ما بين عهدى صلاح الدين والأشرف خليل. وهو يضيف أن من العجيب أن جنود المماليك فى الأجيال السالفة كانوا متواضعين يتسمون بالخجل بالرغم مما حققوه من انتصارات وما أتوه من فعال باهرة: كانوا ينسون أنفسهم فى حضرة العظماء والدهاة المحنكين ولا يحتقرون أولئك الذين يشغلون مناصب أدنى من مناصبهم. بل لقد كان المماليك فى زمنه على عكس غيرهم. ما من واحد منهم كان قادرًا على الأخذ بعنان فرسه كما ينبغى. وكانوا خبراء فى التغلب على الضعيف ومن لا حول له ولا قوة. وكانت غزواتهم سلبا للتبن والدريس (النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 7، ص 328، س 3 - ص 39، س 15) وانظر عن انهيار نظام المماليك فى عهد الجراكسة (Bulletin of the School of Oriental and African Studies جـ 15، ص 206 - 213). وكان ثمة ميل ظاهر أيام الجراكسة لتقديس عصر المماليك البحرية، على أن هذا الميل لم يكن بحال خاليا من سند قوى.

ص: 3567

ميراث الجندى القتيل: وكان موت جندى أثناء حملة من الحملات كثيرًا ما ينتهى بتعقيدات خطيرة. ومن أكبر العقبات فى هذا السبيل الحصول على شهادة موثوق بها عن وصية القتيل قبل موته. ولم تكن شهادة زملائه الجنود تعد كافية. ثم إن مال المتوفى كان خليقًا بأن يتبدد فى الوقت نفسه. وأراد السلطان بيبرس الأول أن يؤمّن مصالح ورثة القتيل الشرعيين فأصدر مرسومًا فى شعبان سنة 663 (مايو سنة 1265) بموافقة قاضى القضاة يقضى بأن يقيم كل قائد فى الميدان عددًا من الأشخاص ذوى الاستقامة والإخلاص يخولون الحق فى التثبت من وصية الجندى القتيل الأخيرة، وقد قوبل هذا المرسوم بالترحاب من الجيش، وكذلك أصدر بيبرس الأول، قبل ذلك، مرسومًا آخر يؤمن مصالح يتامى الجندى القتيل. والظاهر أن هذا المرسوم لم يكن مقصورًا على الجنود المشتركين فى حملة من الحملات (السلوك، جـ 1 ص 512، س 1 - 7؛ ص 536، س 10 - 18؛ الخطط، جـ 2، ص 206، س 11 - 16، 19 - 23).

عودة الجيش الظافر إلى قصبة البلاد: كان إعلان الانتصار فى قصبة البلاد يقترن بعزف الفرق الموسيقية عامة وقرع الطبول خاصة فى حلقة القاهرة وعلى أبواب دور أمراء الألف. وكان هذا الأسلوب فى إعلان الانتصار يسمى "دقّة البشائر"(أو "الكوسات"). وكانت الطبول فى بعض الأحيان لا تكف عن القرع سبعة أيام سويًا، وتزين المدينة عدة أيام. وكانت هذه الزينة تشمل عادة إقامة "قلاع" من الخشب فى الطرقات، وإعادة طلاء أبواب القصبة ورسم "الرنوك"(والمفردرَنْك") عليها. وقد جرت الحال بأن يسير الجيش العائد فيشق القاهرة فى موكب ضخم. وكان هذا الموكب يضم الأسرى مصفدين، ورؤوسًا مقطوعة، وأعلامًا ممزقة أو مكسورة أو معكوسة، وطبولا مشقوقة أو مقلوبة فى بعض الأحيان. ويتلقى القائد الأكبر للتجريدة الخلع وغيرها من العطايا.

مسلك الجيش المملوكى فى الهزيمة: وسلوك الجيش فى حالة

ص: 3568

الهزيمة أو فى حالة التقهقر من خير الدلائل التى تقاس بها كفايته وروحه المعنوية. والحكم بمقتضى هذا المقياس وحده قد لا يبرر الصيت الكبير الذى لجيش المماليك. وكان من المنتظر أن أية نكسة يصاب بها تنال فى يسر من روحه المعنوية فى السنوات التى اضمحل فيها. والأمر العجيب أن المرء، بقدر ما يستطيع أن يحكم من شاهد واحد هام، يجد أن مسلكه لم يكن فى جوهره يختلف عن ذلك حين يكون فى أوج سلطانه أو قريبا من أوج هذا السلطان. وقد كانت الهزيمة الكبرى الوحيدة التى منى بها هذا الجيش فى أيام المماليك البحرية هى معركته الأولى مع الإيلخان غازان سنة 699 هـ (1299 م)، إذ سرعان ما انتهى تقهقره إلى فرار يسوده الفزع والذعر، بل إن الأمراء الكبار تخلوا عن الجنود الذين تحت إمرتهم ونجوا بحياتهم فرارًا. وأراد الجنود أن ييسروا الفرار على أنفسهم فتركوا خوذاتهم ولبسوا بدلها المناديل، وتخلى كثير منهم عن ملابس الميدان وراحوا يختبئون فى دمشق خشية غضب العامة وثورتهم. وحاول آخرون التنكر بحلق لحاهم. وانسحب الجيش المصرى والجيش الشآمى إلى مصر، وبلغ جنود الجيشين القاهرة فى جماعات صغيرة، بل "متفرقين فُرَداء" ومعظمهم شبه عرايا بلا جياد. ويقول واحد من المؤرخين إن عدد من هلكوا فى القتال الفعلى كان قليلا جدًا، وقد لقى كثير منهم حتفه أثناء الفرار. واقتضى الأمر عدة أشهر لإعادة تنظيم الجيش وتزويده بالعدة، ولكن السلطان الناصر محمدًا نهض لمجابهة الموقف على الرغم من حداثة سنه. وكان يستطاع فى مصر النهوض بمثل هذه الجيوش الضخمة وإعادة تنظيمها بالنظر إلى الازدهار الكبير الذى كانت تنعم به هذه البلاد فى ذلك الوقت، كما ذكرت المصادر صراحة (النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 8، ص 122، س 15 - 19، ص 124، س 1 - 8، 12 - 14، ص 128، س 13 - ص 129، س 3؛ النهج السديد [فى Patrologia Orientalis] جـ 14، ص 637، س 8 - ص 638، س 2، ص 670، س 8 - ص 671، س 3؛ - Zetter Beitraege: steen، ص 60، 23 -

ص: 3569

ص 61، س 2، ص 80، س 1 - 5؛ ابن الدوادارى، جـ 9، ص 17 - 18، 37 - 40).

وفى المعركة مع تيمورلنك التى وقعت فى جمادى الأولى سنة 803 (يناير سنة 1401) لم تكن هزيمة المماليك شديدة، ولذلك تم تقهقرهم فى غاية من النظام فى أول الأمر، على أنه ما إن علم الأمراء برحيل السلطان فرج حتى رحلوا هم الآخرون وبلغ كل منهم مصر يصحبه ما لا يزيد على مملوك أو مملوكين (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 61، س 14 - 17).

وثمة شاهد عظيم الدلالة على اضمحلال النظام فى جيش المماليك فى مستهل القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) تجلى من موقفه بعد أن رفع السلطان برسباى الحصار عن قلعة آمد سنة 836 هـ (1433 م). ذلك أن برسباى عجز عن الاستيلاء عليها فاستقر عزمه على أن يعقد معاهدة مع حاميها قَرَايُلك ثم يعود إلى مصر. وظل الجيش المحاصر لها أثناء الحصار الطويل، ولم يخسر إلا قليلا، ولم يكن هناك، بطبيعة الحال، أى مجال لنزول أية هزيمة به. على أنه ما إن انتشر فى معسكر الجيش خبر عقد معاهدة، حتى لم يكلف الجيش نفسه عناء انتظار الأمر بالانسحاب، بل ولى ظهره للقلعة وبدأ يعود جافلا إلى مصر لا يلوى على شئ. وفى فراره المضطرب هذا كان كل يسير على هواه، وسرعان ما تفكك الجيش الضخم فغدا جماعات صغيرة اندفعت إلى مصر من طرق مختلفة، لا تعلم الجماعة من الجيش بأمر الجماعة الأخرى؛ وفر الأمراء فى اتجاه واحد، على حين فر مماليكهم هم "وطلباتهم" فى اتجاه آخر. وترك السلطان نفسه فى نفر من أتباعه وتعرض أثناء الليل بأسره للخطر الداهم. ويرى المؤرخ المعاصر أن قرايلك كان يستطيع أن ينزل بالجيش خسائر فادحة فى تقهقره لو كان عنده الشجاعة الكافية لمطاردته (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 206 - 209).

ونجد فى الهزائم المتعددة التى منى بها جيش المماليك فيما بعد ذلك من أوقات أن تقهقره فيها كان يتسم بالفوضى الشاملة، فيعود الجنود إلى الوطن جوعى يسيرون حفاة بلا نعال.

ص: 3570

وكان بعضهم يعودون على الأقدام، وبعضهم يركبون الحمير بل كان منهم من يركب البعير (انظر على سبيل المثال: البدائع، جـ 2، ص 112، س 6 - 8؛ جـ 3، ص 12، س 5 - 6، ص 34، س 12 - 16؛ جـ 5، ص 72، س 6 - 8، ص 128، س 8 - 11).

المعارك داخل المجتمع العسكرى المملوكى: كان المماليك يقاتلون أعداءهم الخارجين فى حماسة وتصميم كبير، حتى العقود الأولى من حكم المماليك الجراكسة على الأقل، فى حين كانت معاركهم الداخلية فى معظم الأحوال لا تتسم إلا بالتصميم اليسير والضراوة القليلة وعلى نحو يجنح إلى التراخى وعدم التحمس. وكان عدد خسائرهم فى الغالب قليلا جدًا. وكان القول "قتال هيّن" شائعًا جدًا فى هذا النوع من الحرب. وقد كان من المستحيل أو يكاد التنبؤ بنتائج هذه المعارك، ذلك أن المعسكرين المتنابذين كانا دائمًا فى حالة متأرجحة، ينضم المماليك إلى معسكر منهما تارة وينحازون إلى المعسكر الآخر تارة أخرى. فإذا رجحت كفة جانب على نحو حاسم فإن معظم المماليك الذين كانوا فى الجانب الخاسر ينضمون بحملتهم إلى الجانب الرابح (انظر مثلا: النهج السديد، جـ 14، ص 579، س 5 - ص 580، س 3؛ المنهل الصافى، جـ 4، ورقة 216 أ، س 18 - 26؛ النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 35 - 36). وفى المعارك التى نشبت بين برقوق ومنافسيه، وهى المعارك التى كانت أشرس بكثير من المناوشات المملوكية المألوفة، وفى المعارك التى نشبت بعد ذلك وخاضها هؤلاء المتنافسون بينهم وبين أنفسهم، نجد أن المماليك كانوا يهرعون فى فيض لا ينقطع منضمين من معسكر إلى آخر. وبحكم هذا الفيض وما جرى عليه مقاتلو الجانبين من ارتداء زى واحد على تفاوت فى ذلك، اضطر مؤيدو المنافس من المتنافسين أن يحملوا فى بعض الأحيان شارات خاصة تميزهم (انظر على سبيل المثال: ابن الفرات، جـ 7، ص 170، س 22 - 23). وإنما امتازت المعارك بين السلطان فرج وجراكسته دون سواها

ص: 3571

بضراوتها بصفة خاصة (انظر Journ. of .the Roy. As. Soc، جـ 69، سنة 1949. ص 141 - 142).

وقد لعبت قلعة القاهرة (قلعة الجبل) دورًا رئيسيًا فى الفتن الداخلية لدى المماليك. وبالرغم من أنها كانت قد حصنت تحصينًا منيعًا، فإن الحصارات التى ضربت عليها كانت فى معظم الأحوال قصيرة الأمد، ذلك أنها كانت تنتقل من يد إلى يد دون قتال. وكانت الحصارات التى تستمر سبعة أيام نادرة جدًا (السلوك، جـ 1، ص 80، س 20؛ الحوادث، ص 179، س 13 - 21، ص 233، س 8 - 9، ابن الفرات، جـ 7، ص 147، س 3، ص 181، س 18؛ البدائع، جـ 3، ص 455، س 3). وقد استمر أطول حصار لهذه القلعة أيام المماليك 31 يوما (البدائع، جـ 3، ص 362 - 363، س 2).

وقد كان لمدرسة السلطان حسن التى تقوم تجاه القلعة، شأن هام فى هذه الحصارات.

وسبّب القتال بين المماليك خسائر جسيمة نزلت بالسكان المدنيين، وكان هؤلاء تنزل بهم خسائر أفدح من خسائر المماليك أنفسهم (الحوادث، ص 171، س 21 - 23؛ النجوم الزاهرة، جـ 7، ص 405، 417، س 14 - ص 418، س 4).

وقلما كانت الأحزاب المملوكية المتنافسة تستنجد بالبدو ليعينوا حزبا على الآخر. ولما استنجدوا بهم سنة 902 هـ (1497 م) راح المماليك يحاربون المماليك وراح البدو يقاتلون البدو) البدائع، جـ 3، ص 356، س 7 - 9، ص 357، س 19 - ص 358، س 2). وحدث بعد ذلك بسنوات قلائل، أى سنة 906 هـ (1501 م) أن فكرت الأحزاب المملوكية مرة أخرى فى الاستنجاد بالبدو، ولكنهم نبذوا هذه الفكرة على اعتبار أن اتخاذ هذه الخطوة فيه مهانة كبيرة (البدائع، جـ 3، ص 450، س 8 - 10). أما من ناحية البدو فإنهم لم يظهروا إلا حماسة قليلة للمساهمة فى قتال مع المماليك طالما أن هؤلاء لا يهاجمونهم. وقد استنجد بوقوق مرة بالبدو ليعينوه على منافسيه، ولكنهم اعتذروا قائلين

ص: 3572