المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) بلاد فارس - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الخسائر فى الأرواح

- ‌(4) الإمبراطورية العثمانية

- ‌المصادر:

- ‌(5) بلاد فارس

- ‌المصادر:

- ‌(6) الهند

- ‌(7) الحيل والمكائد

- ‌المصادر:

- ‌مصادر مخطوطة:

- ‌الحر بن عبد الرحمن الثقفى

- ‌المصادر:

- ‌ المصادر

- ‌الحر بن يزيد

- ‌المصادر:

- ‌حرية

- ‌المصادر:

- ‌ العصر الحديث:

- ‌المصادر:

- ‌حرفوش

- ‌المصادر:

- ‌حرقوص بن زهير السعدى

- ‌المصادر

- ‌الحروف

- ‌المصادر:

- ‌حروف الهجاء

- ‌المصادر:

- ‌مصادر الكتاب الأوروبيين:

- ‌الحريرى

- ‌المصادر:

- ‌حزب

- ‌المصادر:

- ‌الحسا

- ‌المصادر:

- ‌حساب

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌ حساب الجُمَّل

- ‌المصادر:

- ‌ المصادر

- ‌المصادر:

- ‌حسام الدين جلبى

- ‌المصادر:

- ‌الحسام

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حسب ونسب

- ‌المصادر:

- ‌الحسبة

- ‌المصادر:

- ‌حس

- ‌المصادر:

- ‌حسان بن ثابت

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حسان بن النعمان الغساني

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحسن البصرى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الدراسات الحديثة:

- ‌حسن الأطروش

- ‌المصادر:

- ‌الحسن الأعصم

- ‌المصادر:

- ‌حسن بابا

- ‌حسن جلبى

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن الخصيب

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن زيد

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن سهل

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن صالح بن حى الكوفى

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن الصباح

- ‌المصادر:

- ‌حسن العسكرى

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن على بن أبى طالب

- ‌صفات الحسن الجسمانية والخلقية:

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن على

- ‌المصادر:

- ‌الحسن، مولاى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحسن بن يوسف

- ‌المصادر:

- ‌حسنى

- ‌المصادر:

- ‌الحسين بن الحسين

- ‌المصادر:

- ‌الحسين بن حمدان

- ‌المصادر:

- ‌حسين رحمى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حسين بن سليمان الصفوى

- ‌المصادر:

- ‌الحسين بن على بن أبى طالب

- ‌موقف الحسين من معاوية:

- ‌مصادر ثورة الحسين ونهايته الفاجعة:

- ‌وقعة كربلاء ومراحلها الكبرى:

- ‌قصة الحسين:

- ‌المصادر:

- ‌مصادر شيعية متقدمة:

- ‌مصادر شيعية حديثة:

- ‌مصادر لعلماء غربيين:

الفصل: ‌(5) بلاد فارس

(69)

zur: F. Stoeller Neue Quellen = 1683 Tuerken-jahres Geschichte de - Oesterreich Instittuts f. Ges .Mitt. d) chichtsforschung) Ergaenzungs Band 1933 XIll-I، Innsbruck) ص 15.

(70)

Avvisi di Rakusa: I. Dujchev (10 Orientalia Christiana = Anatolecta no) رومة سنة 1935، ص 21، 43، 69، 203، 212، ، 215، 244 - 245، 264.

(71)

Toeroek Emle-: Jozef Molinar kek Eszek- Dardai Hid A XVII. Szazadban Nueveszattoer teneti Ertesito، جـ 7/ 4، سنة 1958، ص 259 وما بعدها.

(72)

Impots ex-: B.A. Cvetkova traordinaires et redevances a l'etat dans -les territoires Bulgares sous la domina tion Ottomane (بالبلغارية صوفيا سنة 1958.

(73)

Le Marechal de Muen-: F. Ley nich et la Russie au XVllle siecle، باريس سنة 1959 ص 62 - 63.

خورشيد [بارى V.J. Parry]

(5) بلاد فارس

كان تسيير دفة الحرب فى القرون الأولى لبلاد فارس الإسلامية يعتمد فى جوهره على التراث العسكرى للإمبراطوريات الفارسية الأولى، ولكنه كان يشتمل أيضًا - فيما يشتمل - على عناصر من مأثور القتال عند عرب الصحراء ومأثور الفيافى التركية فى الإغارة.

ونحن نسمع أولا بالطرائق العسكرية الفارسية فى العصر الإسلامى من أخبار الغزو العربى للعراق وفارس فى عهدى أبى بكر وعمر. فقد كان الفرسان المدرعون المسلحون بالسيف والرمح والأقواس من خصائص الجيش الساسانى كما كان انتشار هؤلاء الفرسان وحركاتهم الحربية شبيهة بلا شك بالقتال البطولى الذى صورته الشاهنامه (انظر عن ذلك Das iranische Nationalepos: Noeldeke، الطبعة الثانية، برلين وليبسك سنة 1920، ص 53 وما بعدها). وكانت الفيلة المحاربة تستخدم أيضًا فى القتال وقد انتقل استخدامها من بعد إلى عدة

ص: 3591

دول إسلامية فى فارس وفى معركة البُويَبْ على ضفاف الفرات سنة 13 هـ (634 م) تقدم الفرس للقاء عرب المثنى فى ثلاثة صفوف من الفرسان يتقدم كل صف فيل تحميه جماعة من المشاة. وحدث فى القادسية فى العام التالى أن تقدمت جنود رستم (زعم أن عددهم بلغ 120،000 مقاتل كان فريق كبير منهم بلا شك من المشاة المجندين ومن جنود المعسكرات)، فى اليوم الأول للمعركة فى ثلاثين صفًا كل صف وراء الآخر وأمطروا العرب بالسهام. ونزلت بالعرب خسائر كبيرة لأنهم لم يكونوا يتخذون لباسًا أو خوذات لحماية أنفسهم، ومع ذلك فقد ثبتوا لعدوهم واستطاعوا التقدم واستخدموا رماحهم وسيوفهم فى التحامهم بالفرس (الطبرى فى The Cali-: Sir W. Muir phate، its rise، decline and fall، الطبعة الرابعة، إدنبرة سنة 1915، ص 104 وما بعدها؛ The Social struc-: R. Levy ture of Islam، كمبريدج سنة 1957، ص 431 - 432).

وباضمحلال سلطة الخلافة المباشرة فى بلاد فارس وقيام الدول التى كادت أن تستقل بأمر نفسها (مثل ما حدث فى القرن الثالث الهجرى الموافق التاسع الميلادى وبعد ذلك) نلاحظ وجود اتجاهين عسكريين لهما دلالة ومغزى، الأول: الاهتمام بسلاح الفرسان الذى زاد بشيوع المماليك من العسكر فى الجيوش التركية ذلك أن هؤلاء الغلمان كانوا من الفرسان الذين يستخدمون سلاح الفيافى وهو القوس؛ والثانى هو أن الجيوش المرتزقة المتعددة الجنسيات أصبحت هى الأمر الشائع، ومن ثم كان القائد الأعلى أو الحاكم يواجه مشكلة سياسة تلك العناصر المتفرقة فى جيشه وتوجيهها فى القتال. ويقول نظام الملك إن محمودا الغزنوى أفاد من هذا الاختلاف فى جنسية الجنود. فقد احتفظ بالقوميات المختلفة من أتراك وجنود وخراسانيين وعرب طوائف جنسية وكان يعسكر بهم على هذا النحو حين كان جيشه يتقدم إلى المعركة. وكانت روح التنافس تحفزهم جميعًا فى ميدان المعركة لبذل أقصى ما يستطيعون من شجاعة وإقدام (سياستنامه، فصل 24). على أنه حدث

ص: 3592

فى أكثر من مناسبة أن السلاجقة العظام وجدوا صعوبة فى لم شمل قواتهم فى ميدان المعركة. مثال ذلك أنه وقع سنة 465 هـ (1073 م) أن اضطر ملكشاة إلى الدفاع عن عرشه حيال عمه قاورد الذى كان يمثل مشاعر التركمان المحافظة، ذلك أنه حدث فى الواقعة التى قامت خارج همذان أن انقلبت الجنود التركية لملكشاه على المجندين الأكراد والعرب من جيشه، لأن هؤلاء كان لهم الدور الحاسم فى تحطيم الجناح الأيمن لقاورد والإطاحة به فأثاروا بذلك مشاعر الوحدة التركية بين أتراك السلطان (البندارى: زبدة النصرة، ص 48). على أن الأمر جرى بأنه حيثما كان يتوفر للقائد أو الحاكم قوة يعتمد عليها من الغلمان فإنه كان يستطيع أن يحركها على طول جبهة القتال إلى أى جانب يريد أن يدعمه أو يراقب أحواله (البيهقى تاريخ مسعودى الذى استشهد به Ghazneid military chaznevid . organisation: C. E فى Isl جـ 36، 1 - 2، سنة 1960 ص 47).

وكان المغيرون العرب، مثل المغيرين التركمان من أهل الفيافى فى القرون المتأخرة، يرحلون حاملين أخف ما يمكن من متاع، على أن الأمر كان على خلاف ذلك فى بلاد مستقرة كفارس فإن الحركة على نطاق واسع بالنسبة للجنود كانت بالضرورة أمرًا معقدًا. ذلك أن إخضاع القلاع والمدن المسورة كان يتطلب آلات للحصار. فإذا أريد للزراعة أن تنتعش ولجباية الخراج على الأرض أن تتدعم، فإن الجيش لا يستطيع أن ينتظر العيش بعيدا عن الريف فيتطلب منه ذلك حمل مؤونته فى سيره. ثم إن الهيئات غير المحاربة مثل رجال البلاط والحريم ودوائر الإدارة كانت فى الكثير تصحب الجيش فى حملاته.

وحين سار محمود الغزنوى سنة 420 هـ (1029 م) لقتال بويهى الرى والجبال فإن حملته بأسرها كانت تشمل، علاوة على المقاتلين، 12،000 جمل تحمل السلاح، و 4000 جمل لحمل الخزائن واللباس والحاجات المنزلية، و 300 فيل لنقل الخيام، و 2000 جواد لحمل الحريم ورجال

ص: 3593

البلاط (شبانقارئى: مجمع الأنساب فى التواريخ، مخطوط يكى جامع رقم 909، الأوراق 178 ب - 179 أ). وفى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) وفى عهد السلطان محمد بن محمد، حمل الجيش السلوقى معه أيضًا فى مسيرة مستشفى (بيمارستان متنقلا محمولا على 40 جملا (البندارى، ص 136 - 137؛ ابن القفطى: تاريخ الحكماء، طبعة Lippert، ص 404 - 405؛ ابن خلكان، ترجمة de Slane، جـ 2، ص 82 - 83). وطبيعى أن سرعة مثل هذه الجيوش لا يمكن إلا أن تكون بطيئة، وكانت انتصارات المغيرين السلاجقة فى خراسان الذين لم يعنوا بسلاحهم وإن كانوا قد بلغوا من خفة الحركة قدرا عظيمًا، يفسرها إلى حد كبير ما كانوا عليه من مزايا تفوق الجيوش الغزنوية المرتزقة التى كانت ثقيلة لا تقدر على المناورة عليها.

وبالإضافة إلى مثل هذه المعوقات، فإن الجيش فى سيره قد يكون فى حاجة إلى أن يحمل معه عدّة يستطيع أن يواجه بها الأنواع المختلفة من الأرض والظروف المتباينة للجو. ففى سنة 430 هـ (1039 م) طلب مسعود الأول الغزنوى من قصبة ملكه عدة تناسب القتال فى الفيافى والصحراء (آلت جنك بيابان) حتى تستطيع قواته فى خراسان أن تلاقى التركمان على قدم المساواة (البيهقى، طبعة غنى وفياض، طهران سنة 1324 هـ = 1945 م، ص 588). وكانت دواب الحمل تستخدم لتمهيد الطرق فى الثلج أو يستخدم فى ذلك الفلاحون سخرة للقيام بهذا العمل. وللحماية من المطر ذكر أن الجنود الغزنويين كانوا يرتدون معاطف من القطن المزيّت (بارانيهاى كرباسان؛ البيهقى، ص 134، 534). ومن ثم فإنه إذا كان الجيش يغير فى خارج ما تعود عليه فى بلاده، وجب أن توفر له الظروف المحلية حتى يستطيع أن يقاتل بأعلى درجة من الكفاية. وتلاحظ المصادر فى كثير من الأحيان أثر الجو الرطب لساحل بحر الخزر الذى جعل الأسلحة تصدأ، كما أن النبالة الأتراك لبجكم قائد ابن رائق نزلت بهم سنة 326 هـ (938 م) هزيمة منكرة فى خراسان على يد معز الدولة البويهى، ذلك أن المطر المستمر قد أتلف

ص: 3594

أوتار أقواسهم (ابن الأثير، جـ 8، ص 254 - 255). وكان سلب الأرياف على يد الجيش المار بها عادة متأصلة فى بلاد فارس (انظر L'Iran sous les Sas-: Christensen sanides -: الطبعة الثانية، ص 213، عن الحركات الحربية للجنود الساسانيين فى الأرض ذات الحر اللافح). وقد اكتسب بعض الجنود والقواد بصفة خاصة صيتًا قبيحًا لإمعانهم فى نهب السكان المدنيين واشتطاطهم فى ذلك مثل ديلم مرداويج بن زيار (المسعودى: مروج الذهب، جـ 9، ص 22 - 24) وتركمان خوارزمشاه علاء الدين محمد (وكثير منهم كانوا قد أقبلوا لتوهم من فيافى القفجاق وكانوا بعد على الوثنية). وقد قطع قائد غزنوى فى خراسان جميع أشجار الفستق فى واحة بيهق وبعث ببعض جذوع هذه الأشجار لغزنة ليوقدوا بها (تاريخ بيهق، ص 273). واشتهر قواد آخرون بسمعة حسنة فى النظام الذى فرضوه على جنودهم فى مسيرهم مثل يعقوب ابن الليث (مروج الذهب، جـ 8، ص 46 وما بعدها). قد اعترف بأن المسلك العنيف كان من حيث الأخلاق لا يمكن الدفاع عنه كما كان ينافى ما أمرت به الشريعة، ولكنه كان فى بعض الأحيان يلتمس له العذر حين تقتضيه الضرورة (انظر العذر الذى أبداه سليمان بن قتلمش لتخريبه إقليم حلب سنة 477 هـ = 1084 - 1085 م، فى ابن الأثير، جـ 10، ص 90). وقد حدث مرارًا، أن السكان المدنيين لإقليم بأسره كانوا يسحبون منه فى حالة جيش متقدم كما فعل علاء الدين محمد فى وادى سيحون عندما كان المغول يقتربون (انظر المصدر نفسه، جـ 12، ص 179).

وكان قائد الجيش المتقدم لا مناص له من أن يضع خطته مدخلا فى حسابه اعتبارات من قبيل توفر المؤن، وتدعيم مواصلاته، وطبيعة الأرض، والظروف الطبيعية التى قد يواجهها حين يخوض المعركة. وكثيرًا ما كان فى الإمكان ببلاد فيها منشآت مائية كفارس، أن تحول الأنهار وقنوات الرى بحيث تغمر الأرض فى وجه عدو يقترب، مثال ذلك

ص: 3595

أنه حدث سنة 459 هـ (1064 م) أن قتلمش بن أرسلان إسرائيل انتقض على ألب أرسلان، فاعتكف فى الرى وجعل الطرق الموصلة إليها لا يمكن المرور فيها بتحويل الماء بحيث يغمر البطائح السبخة حتى يصب فى الوديان (ابن الأثير، جـ 10، ص 23 - 24). ولكن الأرض المأثورة الصالحة لهذا الفن من الحركات الحربية كانت هى خوارزم، ذلك أن الجيش الذى يتقدم شمالا بغرب على طول نهر جيحون يمكن إيقافه بفيضان شبكة الرى البالغة التعقيد فى هذا الإقليم (انظر عن الشواهد المستقاة من القرن السادس الهجرى الموافق الثانى عشر الميلادى: Barthold: Turkestan ص 154، 325، 337، 339، 349). ومهما يكن من شئ فإن مثل هذا القرار بغمر الأرض بالمياه قد يؤثر على الجانبين المتحاربين جميعًا. فحين واجه علاء الدين حسين الغورى سنجر عند ناب فى وادى هرى رود سنة 547 هـ - (1152 م) قرر علاء الدين أن يغمر مؤخرته بالمياه حتى يمنع جنوده من الاستسلام، وقد انقلبت هذه المناورة عليه انقلابًا سيئًا نكبه، ذلك أن الجنود الأتراك فى الجيش الغورى تخلوا عن السلاجقة، وردّ الغورية إلى الأراضى المغمورة بالمياه والبطائح (الجوزجانى: طبقات ناصرى، ترجمة Raverty، ص 358 - 360).

وكان الجيش حين يتوقف وتهيأ للمعركة يقيم حراسًا ويبعث بكشافة تستكشف له الأرض ومواقع العدو (فخر مدبّر آداب الملوك، فصل 20؛ وانظر عن هذا المرجع المصادر). ويقول فخر إن "العارض" أى رأس الفرع العسكرى من الحكومة، يفتش حينئذ الجيش كله، من الضباط إلى من دونهم، كما يفتش أسلحتهم وركائبهم، ثم يرى إن كانوا صالحين لخوض المعركة. وكان القواد يوجهون النصح إلى الجنود، ويعدونهم فى كثير من الأحيان بالعطايا الخاصة لكل من يبدى ضروبًا من الشجاعة الفائقة (انظر Bosworth فى IsI.، جـ 36/ 1 - 2. ص 69 - 70، 74). وإذا كان العدو من الكفار أمكن إثارة الحماسة الدينية، وقد أفرد فخر مدبر فصلا عن "لشكر صالح" أى

ص: 3596

أولئك الذين يؤيدون الجنود بدعواتهم وشفاعتهم) (انظر فصل 34)، وفى أثناء حملة ألب أرسلان فى الأناضول سنة 463 هـ (1071 م) وضع الخليفة القائم دعوات خاصة من أجل الجنود المسلمين، وأرسلت نسخ منها إلى "الخطباء" الملحقين بالجيش السلجوقى، وقد تليت الدعوات قبل معركة ملازكرد (حسينى: أخبار الدولة السلجوقية، ص 47 - 48، La Campagne de: Cahen -Mantzikert d'apres les Sources musul manes فى Byzantion، جـ 9، سنة 1934، ص 633). وكانت الجيوش التى شنت الحملة على الروم والكرج فى شرقى الأناضول وعلى القوقاس تضم فى العادة عناصر دينية للتسوية بينها فى هذا المقام وبين "الغزاة" الذين لم يكتفوا بحث الجنود على القتال بل كانوا أيضًا يشتركون فى الممعمعة. وفى حلف سنة 570 هـ (1174 - 1175 م) الذى أقامه الحكام المسلمون لشمالى آسية ضد الكرج خصصت أم السلطان السلجوقى أرسلان بن طغرل جماعة من عشرة من رجال الدين لهذا الغرض برئاسة إمام همذان، ولما تراخى الجنود المسلمون قاد الإمام جماعته ودخل بها القتال فى هجوم عنيف حين نجى الإسلام فى هذا اليوم (الراوندى: راحة الصدور، ص 299 - 300).

وفى عصر ساده الاعتقاد بسلطان النجوم على شئون البشر سيادة تامة، أصبح القرار بالدخول فى المعركة يقوم على مثل هذه الأسس غير العقلية مثل تنبؤ منجم القائد الشخصى، وهو شخص مهم فى حاشيته (ابن الأثير، جـ 29، ص 328). وكانت السنة العربية القديمة التى تقتضى قيام مبارزات شخصية بين أبطال كل جيش قبل أن تعطى الإشارة بالاشتباك فى القتال شائعة لم تزل، وقد أفرد مدبّر فصلا بعنوان "المبارزات"(فصل 27). وكانت نتيجة هذه المبارزات خليقة بأن تؤثر فى الروح المعنوية للجيشين المترقبين للقتال، ومن ثم تؤثر فى القتال الذى يتلو ذلك. والذى حدث فى المعركة الثالثة التى دارت بين المتنافسين السلجوقيين بركيارق ومحمد عند روذروار سنة 495 هـ (1102 م) أن المبارزات الشخصية التى

ص: 3597

دارت لم تسفر عن نتيجة حاسمة، ومن ثم انفض الاشتباك بين الجيشين ودبر أمر الصلح (ابن الأثير جـ 10، ص 224 - 227).

ونحن ننتقل الآن إلى ترتيب الجنود فى ميدان المعركة نفسه. لقد كان قواد الفرس فى الجاهلية ينشرون جنودهم صفوفًا طويلة متراصة، وهنالك يتقدمون لملاقاة العدو (كما وقع فى معركة القادسية، انظر ما سبق بيانه)، ولكن ذلك قد عدّل عادة بتقسيم الجنود إلى جماعات مقاتلة. ونشأ عن هذا التشكيل القديم "تعبئة" من خمسة أقسام، سماها فخر مدبّر "الطريقة الفارسية" التى جرى عليها الساسانيون تمييزا لها من الطريقة التركية. وقد استخدمت الطريقة الفارسية بالنسبة للجيش فى سيره وفى ترتيبه للمعركة ما دامت الأرض مستوية إلى حد معقول أو مكشوفة فى حالة الترتيب للمعركة. وكانت هذه الطريقة تشمل "مقدمة" و"ميسرة" و "قلبا" و"ميمنة" و"ساقة" أو "خليفة" وتشمل الاحتياطى، وكان قوام الجيش كله تسبقه مسيرة ستار من الكشافة (الطلائع).، يقول فخر مدبّر إن القائد المتولى المعركة يجب أن يضع نبّالته على ميسرته، وحملة الحراب على ميمنته، وحملة الأقواس والهراوات والسيوف والبلط فى القلب، ويجب أن يبدأ القتال بتحرك الميسرة إلى الأمام يتبعها القلب والميمنة (فصل 24).

وتزودنا المصادر التاريخية بشواهد وافرة على استخدام التشكيل الخماسى، ولو أن "المقدمة" حين تشتبك الجيوش بالفعل، ترتد لتندمج فى الكتل الثلاث المكونة للصف الأمامى. وحين هزم محمود الغزنوى سنة 389 هـ (969 م) الأمير الساسانى أبا الفوارس عبد الملك وأمراءه عند مرو، تولى السلطان محمود نفسه قلب جيشه فى عشرة آلاف فارس و 70 فيلا، وتولى أخوه أبو المظفر نصر ميمنة الجيش فى عشرة آلاف فارس و 30 فيلا، وتولى القواد السابقون لأبيه سبكتكين الميسرة فى اثنى عشر ألف فارس وأربعين فيلا (هلال الصابى فى - of the Abbas Eclipse id Caliphate، جـ 3، ص 342 - 343؛

ص: 3598

الترجمة، جـ 6، ص 367 - 368). وفى سنة 526 هـ (1131 م) واجه مسعود بن محمود السلجوقى وأخوه سلجوق شاه سنجرَ وتابعه تغرل بن محمد فى دينور. وقد استخدم الطرفان هذا التشكيل وسار سنجر على منوال محمود الغزنوى فأقام ستارًا، من الفيلة أمام صفوفه. وتولى مسعود بن محمد بشخصه قلب الجيش ووضع على مسيرته الأميرين قراجه ساقى وقزل، وعلى ميمنته الأميرين يُرُنْقُش بازدار ويوسف جاووش. وواجه سنجر محمودا فتولى قيادة قلب جيشه فى عشرة آلاف من جنوده، وتولى ميسرته ابن أخيه تغرل والأمير قماج وقائد آخر هو أمير أميران. وتولى ميمنته خوارزمشاه أتسز والقواد الآخرون. وهُزم جيش مسعود بحركة كثيرًا، ما مورست فى مثل هذه الظروف وهى تذكرنا بحركة التطويق القديمة التى استخدمها بمثل هذا النجاح هانيبال فى قتاله الرومان عند كاناى. واخترق قراجه ساقى قلب سنجر، ولكن تغرل وأتسز ارتدا من الجناحين وطوقا قوات قراجه وأباداها (ابن الأثير، جـ 10 ص 476). على أنه كان من المستحيل فى المعركة أن يرد جناح جيش من الجيشين الجناح الذى يلاقيه حتى ينتهى الأمر بتشكيل دائرى. وقد حدث هذا فى الاشتباك الأول بين خوارزمشاه علاء الدين محمد وابنه جلال الدين وبين جوجى المغولى. وكان المنفذ الوحيد من هذا الأزق بالنسبة للمغول هو أن يقوموا بهجوم على قلب الجيش، ولكن جلال الدين ثبت فى القتال، وانفض اشتباك الجيشين حين حل الليل (الجوزجانى، الترجمة ص 268 - 270؛ وانظر نماذج أخرى من هذا النمط من المعارك فى - Djuwayni Boyle، ص 351 - 352، 360)

وكان استخدام الفيلة فى إقامة ستار أمام الصفوف الأمامية من التعبئة محببا بصفة خاصة لدى دول من قبيل الغزنويين والسلاجقة والغورية. على أنه كانت وسائل أخرى تستخدم فى حماية الخط الأمامى. وفى معركة باجِمْزَى بالقرب من بغداد التى دارت سنة 549 هـ (1154 م) بين الخليفة المتوكل وبين جيش تركى يقوده أمير

ص: 3599

مسعود بلالى، كان فى جيش أمير مسعود عدد كبير من التركمان بخيامهم وقطعانهم وعائلاتهم وغير ذلك من المتاع. وكان الأمراء الترك يضعون هذه الآلاف من الجياد والأغنام أمام صفوفهم الأمامية متخذين إياها حاجزًا ويصفّون الجنود المسلحين خلفها. ومع ذلك فقد اخترقت جنود الخلافة هذه الصفوف (البندارى، ص 236 - 239).

وفى القتال المضطرب، حين تكون الجنود محتشدة ملتحمة، كان علم الجيش مهما من حيث هو محور لمّ الشعث. وفى عهد الغزنويين والسلاجقة كان منصب حامل العلم (علم دار) يسند عادة إلى "غلام" مؤتمن. وكان الاستيلاء على علم جيش أثر فى الجنود يثبط عزائمهم، وقد يقرر ذلك نتيجة المعركة. ولما كان الأمير الخوارزمى قطب الدين بن تكش (عرف من بعد بعلاء الدين محمد) يشن حملة على الإسماعيلية فى قوهستان تدلى علمه على نحو غامض واختطف، وقد عد هذا فألا سيئا وعقد الأمير صلحًا وسحب قواته (Djuwayni-Boyle، ص 315). وكان التلويح بالعلم ثم استخدام الطبول والأبواق من أهم الوسائل التى يستطيع بها القائد أن ينقل تعليماته إلى جزء قاص من ميدان المعركة (انظر آداب الملوك، فصل 28) وكان قواد الغزنويين يعانون على توجيه القتال بتزويدهم فى كثير من الأحيان بفيلة يستخدمونها ميزة على عدوهم (البيهقى، ص 483).

ويرى فخر مدبّر أن استخدام الكمائن والهجمات السرية تشن فى أوقات تنعدم فيها الحراسة مثل قيلولة الظهيرة وباكورة الصباح حين يكون الحراس يتبادلون الخدمة، من أهم وجوه فن الحرب (الفصل 22). وكانت الحركات البدوية القديمة التى تقوم على الإغارة المأثورة عن عرب الصحراء والبدو والأتراك، فى هجمة عنيفة، أو التظاهر بالارتداد والعودة إلى الهجوم مما جرت الحال بتسميته بالكر والفر، كانت هذه الحركات مما يستطاع استخدامه فى بعض الظروف. وقد استخدمه الزعماء المحليون بطبرستان بنجاح فى غزو الغزنويين سنة 426

ص: 3600

هـ (1035 م؛ انظر البيهقى، ص 458). وقد نجح ألب أرسلان فى معركة ملازجرد فى أن يستدرج الروم إلى كمين بتظاهره بالارتداد (Cahen فى Byzantion، جـ 9 ص 634 - 635). ووجد جلال خوارزمشاه فى معركة خارج بغداد خاضها سنة 621 هـ (1224 م) أن عدد جنوده قليل، فأقام سرية من الرجال فى كمين وشن هجمتين أو ثلاثا على قشتمر قائد الخليفة، ثم تظاهر بالارتداد ثم عاود الهجوم (Djuwayni-Boyle، ص 422 - 423).

ويقال إن سبكتكين، فى الحملات الهندية، استخدم طريقة الهجمات المتلاحقة، فقد قسم غلمانه، الذين كانوا مسلحين بالهراوات والأقواس، جماعات من 500 مقاتل، وكانت كل جماعة تقاتل بدورها، ثم ترتد لتسمح لجماعة أخرى بالتقدم (عتبى - منينى: يمينى، جـ 1، ص 85 - 86).

وعلى حين أفادت مرونة الفرسان إفادة كبيرة فى الميادين المكشوفة حيث تنتشر القوات المتعادية فى جبهة عريضة، فإن المشادة تعود فى كثير من الأحوال إلى طبيعتها فى الأرض الوعرة المخددة أو حين يتلاحم الجيشان وتضطرب الصفوف. وقد اشتهر الديلم بأنهم مشاة أشداء، وكانوا فى بعض الأحيان يمتطون الجمال أو البغال ويندفعون إلى ساحة المعركة. وفى معركة وقعت سنة 322 هـ (934 م). حين كان ياقوت واليا على فارس، ترجل ديلم على بن بويه وتقدموا لملاقاة العدو يحميهم من خلفهم سور من الدروع المتينة واستخدموا من ثم أسلحتهم المأثورة "الروبين"، وهو حربة ذات شعبة كان من الممكن استخدامها فى الاختراق أو فى الرمى، وبلطة الميدان (مسكويه وهلال الصابئ فى of the `Abbasid Caliphate Eclipse، جـ 1، ص 297 - 298؛ جـ 3، ص 423؛ الترجمة، جـ 4، ص 336 - 337؛ 449). وكذلك كان للغزنويين قوة ثابتة من مشاة القصر البارعين (بياده كان در كاهى) تحملهم جمال سريعة إلى ميادين الحرب البعيدة ثم يترجلون للقتال (البيهقى، ص 603 - 604). وقد حدث سنة 501 هـ

ص: 3601

(1107 - 1108 م) أن التقى السلطان السلجوقى محمد ابن ملكشاه بـ "ملك العرب" المزيدى سيف الدولة صدقة، فوجد أن الأرض عند النعمانية بين بغداد وواسط كانت من التبطح بحيث تحول دون المناورة بالجياد، ولذلك ترجل أتراك السلطان محمد وقاتلوا على أقدامهم (حسينى، ص 80). وكان غورية أواسط أفغانستان مثل الديلم، جنسا من أهل الجبال اشتهروا بأنهم مشاة مهرة. وقد ذكر الجوزجانى حركة حربية اختصوا بها، وهى استعمال الـ "كارْوَه" - وهو ستار حام من جلد البقر مبطن بالقطن - وكان هذا الستار يوضع فوق الأكتاف ويصبح وقاء للجنود المتقدمين (طبقات ناصرى، الترجمة، ص 352 - 353؛ ويقول رافرتى Raverty إن الكاروه كانت تستعمل فى أفغانستان حتى إدخال الأسلحة النارية).

ولما كانت بلاد فارس أرضًا تسودها الأنهار المنعزلة، فقد قل من هذه الأنهار ما كان يجرى ماؤه طوال السنة، ومن ثم قلما تذكر المصادر عمليات حربية برمائية. وكان نهر جيحون غير صالح للملاحة على نطاق واسع، ولهذا كانت الجيوش التى تهاجم خوارزم تسير بمحاذاة ضفافه أكثر مما تركب متنه. وإنما نسمع عن حرب نهرية واسعة على حافة العالم الفارسى فى وادى السند. ففى سنة 418 هـ (1027 م) قاد محمود الغزنوى حملة على الجاط الوثنيين فى إقليم الوادى الأسفل للسند مستخدما ألفًا وأربعمائة سفينة مسلحة بالدواسر والمسامير وتحمل المشاة. ولما نشبت المعركة نطح الجنود المسلمون سفن الجاط ورموهم بالنفط، وأجهز الجنود المنتظرون على ضفاف النهر على كل من نجا منهم من الغرق (الكرديزى: زين الأخبار طبعة ناظم، برلين سنة 1928، 88 - 89؛ M. The life and times of Sultan: Nazim Ghazna Mahmud of، كمبريدج، سنة 1931، ص 121 - 122).

وتقاليد الحرب تشمل سكان الديار إذ يجب أن يؤمنوا بلا مقابل وألا يقتل أسرى الحرب أو تساء معاملتهم (آداب الملوك، الفصل 34) ولذلك فقد جرت المصادر على ذكر المخالفات لهذه

ص: 3602

التقاليد، كما حدث فى كرمان أيام أرسلان شاه ابن تغرل شاه السلجوقى المتوفى سنة 572 هـ (1176 - 1177 م) حين قتل جنوده وغلمانه غير ذوى الخبرة، أسرى من جيش غاز (محمد بن إبراهيم: تاريخ سلجوقيان كرمان، ص 46). على أنه لم يكن يعد خروجًا على الأخلاق التخفى فى الزى المأثور للعدو، فقد ورد أن الخوارزمشاه علاء الدين محمد كان مغرمًا بالحركة الحربية التى تقضى بأن يكتسى فى المعركة باللباس الذى يتميز به العدو ليشيع الاضطراب فى صفوفه (Djuwayni-Boyle، ص 352).

وبعد المعركة يوزع الجيش المنتصر الغنيمة وفى غياب الحاكم نفسه، يشرف "العارض" على هذا الأمر فى كثير من الأحيان، ويخرج الخمس الذى يستحقه الحاكم هو وبقية الأشياء التى يحتفظ بها له مثل المعادن الثمينة والأسلحة والفيلة. ثم يقسم الباقى بين المقاتلين، وليس بين المعسكر التابع كما يقول كتاب آداب الملوك (الفصل 32)؛ وانظر Bosworth فى. IsI، جـ 36/ 1 - 2، ص 2 - 74).

وقد استحدث المغول والتيمورية فى العالم الفارسى طرائق حربية جديدة. وفى أيام عزهم وسيادتهم (أى ما بين القرنين السابع والتاسع الهجريين الموافقين لما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر الميلاديين) خملت إلى حين الأصول الفنية القديمة للحرب التى كانت تعتمد فى الجوهر على بطء الحركة والجيوش المرتزقة الثقيلة التسليح. وعادت هذه الأصول إلى الظهور فى عهد الصفويين وأخلافهم ولكنها آنئذ قد طورت بإدخال الأسلحة النارية. وكانت الجيوش المغولية فى الأغلب الأعم من الفرسان مع القوس سلاحًا أساسيًا. ومن ثم فإن هذه الجيوش قد ذكرها المؤرخون العسكريون مظهرين أن الفرسان لا يحتاجون إلى الاعتماد على قاعدة ثابتة من المشاة كما كان الأمر يجرى فى الأزمنة الأقدم فى العالم القديم وعالم الشرق الأدنى (انظر The: D. Martin Journal of the Roy. As في Mongol Army Soc.، سنة 1943، ص 49).

ص: 3603

وكان القواد من قبيل جنكيز خان وتيمور يخططون بعناية لعملياتهم الحربية قبل أن يشنوا حملة من الحملات، وهذه العناية بالتخطيط وبالتفصيلات تعطى المرء انطباعًا بارزًا بالحداثة بالقياس إلى طرائق الغزاة والقواد القدامى التى هى أدخل فى التجربة والعشوائية، ذلك أنهم كانوا يبعثون بالجواسيس، وقد حصل جنكيز خان فى الحملة المنشورية سنة 1211 والحملة الخوارزمية سنة 616 هـ (1219 م) على معلومات عن الأحوال المحلية لهذين القطرين من التجار وغيرهم ممن خبروا هذه البلاد. ويقول سيفى هروى إن جنكيز خان كان لديه خرائط لأفغانستان أعدت له، وكذلك يذكر ابن عربشاه أن تيمور كان يهتم بالخرائط. وبمثل هذه الوسائل استطاع جنكيز أن يعرف طبيعة أرض سجستان وبلوجستان وأن ينفذ إليهما أقل قوة كافية تحت إمرة ابنه جغتاى ليبلو جلال الدين خوارزمشاه فى عودته من الهند ويقطع عليه الطريق (ا. ز، وطوغان: أممى. تورك تاريخنه كيريش، إستانبول سنة 1946. ص 109 - 110، 425). وكذلك أشاع المغول الشائعات حول ضخامة قواتهم وبعثوا بعملاء سريين لنشر الفرقة والخيانة. وكانوا فى ميدان المعركة يستعملون الأسرى لتضخيم العدد الظاهر لجنودهم، بل لقد استخدموا دمى على متون الخيل (Martin: الكتاب المذكور، ص 59). ولا شك أن هذه الحيل قد أسهمت فى التضخيم الظاهرى لأعداد الجيوش المغولية فيما ذكرته عنها المصادر.

وكان التشكيل الأساسى للجيش المغولى ثلاثيًا يشمل قلبا (حيث يكون فى العادة الحرس الخاص للخان من صفوة المقاتلين "بأتُر" وجناحين يمكن للمقاتلة فى كل منهما أن يكونوا وحدات عسكرية مستقلة. وكان المغول يدخلون أرضًا جديدة فى طوابير يفصل بعضها عن بعض مسافة طويلة مع ستر من الكشافة والرسل لحفظ الاتصال بالطوابير الأخرى. وقد جرى جنكيز خان على محاولة إنزال الهزيمة بالعدو فى معركة شاملة قبل التوغل قدمًا فى أرض يجهلها، وكان عدوه خوارزمشاه

ص: 3604

علاء الدين محمد يحاول بكل الوسائل الممكنة أن يتجنب الاشتباك فى مثل هذه المعركة مجبرا المغول على الاستيلاء على ريف ما وراء النهر، وبذلك تعزل بخارى وسمرقند. وكانت خيالة المغول الخفيفة فى ميدان المعركة تركض قدما ممطرة عدوها بالسهام على حين يبدأ جناح أو جناحان فى تطويق أجناب الجيش المعادى أو مؤخرته. وكان الخيالة فى بعض الأحيان يترجلون حتى يستطيعوا أن يرموا بسهامهم فى إحكام وتركيز كما فعلت جنود غازان خان فى معركة سنة 699 هـ (1299 م) مع المماليك فى مجمع المروج قرب سَلَمْيَة فى الشام. ومع كل فإن المفاجأة كانت سمة كبرى فى استراتيجية المغول وتكتيكهم. وكانوا يؤثرون كل الإيثار الحيل التى من قبيل التظاهر بالانسحاب. وقد أثبتت هذه الخطة نجاحًا فى كثير من المناسبات المشهورة، وكان المغول أيضًا يطاردون الفارين بلا رحمة ولا شفقة، ليحولوا دون معاودة القوات المنهزمة جمع شتاتها ولما هزم المغول المماليك الهزيمة التى أسلفنا ذكرها ظهر المغول موغلين فى الجنوب حتى بيت المقدس وغزّة (Martin: الكتاب المذكور، ص 59 - 76).

وفى الميدان العسكرى كما فى غيره من الميادين، ترك المغول والتيمورية أثرًا باقيًا فى العالم الفارسى، وليس بعجيب إذن أن نجد الجيش الأوزبكى لشيبانى خان الذى كان بابر فى الأصل من بين صفوفه، ظل يتبع الطريقة المغولية فى التعبئة للمعركة مع الإبقاء على ما ورثه من مواقع فى المعركة، ووضع أكثر الجنود ثقة وأمانة فى طرفى الجناحين (بابر نامه، ترجمة Beveridge، ص 154 - 155). وكان جيش دولة الآق قويونلى التركمانية مقسما على النمط التركى المغولى أقسامًا ثلاثة هى القلب (عند المغول "منقلاى" أى الجبهة) وميسرة (صول) وميمنة (صاغ؛ انظر A Civil and military Review in: Minorsky 1476 - 881 Fars in فى Bulletin of the School of Oriental Studies جـ 10، سنة 1939 - 1942، ص 154 وما بعدها).

فلما ظهر الصفويون برزت المدفعية والأسلحة النارية وأحدثت تغييرًا جوهريا فى فن الحرب.

ص: 3605