الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر
لقد نهى الله عز وجل عن الفرقة أشد النهي وبين سبحانه أنها عذاب وعقوبة تحل بالأمة المسلمة إذا اكتسبت من المعاصي ما تستحق به السخط والعقاب من الله عز وجل ومع التحذير الشديد من الفرقة والأمر اللازم بالجماعة والتمسك بها أخبر المولى الخبير سبحانه أن هذه الفرقة لا بد وأن تدب وأن هذه الأمة ستفترق لا محالة وأن هذا واقع كونا وقدرا وإن كنا نهينا عن الفرقة شرعا ودينا.
والإخبار عن وقوع الفرقة في الأمة وأن الله عز وجل شاء ذلك وقدره علينا لا يعني الاستسلام للفرقة والتخبط في سبلها، بل إن الله عز وجل نبه على ذلك وأخبر به ليحذر المسلم منها ولا يسلك مسلكها وينجو من كتب الله له النجاة منها.
يقول الله عز وجل: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 118ـ 119].يقول الإمام إسماعيل بن كثير رحمه الله في تفسيرها: " وقوله: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ أي: لا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم (1).ويقول سبحانه: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [يونس: 99] أي: لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم بحيث لا يخرج عنهم أحد مجتمعين على الإيمان لا يتفرقون فيه ويختلفون ولكنه لم يشأ ذلك لكونه مخالفا للمصلحة التي أرادها الله سبحانه ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمان جميع الناس أخبره الله بأن ذلك لا يكون لأن مشيئته الجارية على الحكمة البالغة والمصالح الراجحة لا تقتضي ذلك (2) ومثله قول تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [الرعد: 31].فإيمان الناس جميعا وهدايتهم غير مرادة لله عز وجل كونا والفرقة واقعة بينهم لا محالة فمن شاء الله عز وجل له الهداية هداه، ومن شاء له الضلال أضله سبحانه، فهو الملك الحكيم العليم الله عز وجل شأنه (3) ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوقوع الفرقة في هذه الأمة فقال: ((والذي نفسي بيده لتفترقن على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعين في النار" قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: هم الجماعة)) (4).
(1)([121])((تفسير ابن كثير)) (2/ 446).
(2)
([122])((فتح القدير)) للشوكاني)) (2/ 474).
(3)
([123]) انظر ((تفسير ابن كثير)) (2/ 425) وانظر ((شرح العقيدة الطحاوية)) (2/ 775)((فتح الباري)) (13/ 296).
(4)
رواه ابن ماجه (3992)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (63). من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه. قال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/ 27): إسناده لا بأس به. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح. والحديث روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ: ((إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)). رواه ابن ماجه (3993)، وأحمد (3/ 120)(12229)، وأبو يعلى (7/ 32)، كلهم بلفظ:(ثنتين وسبعين فرقة)، والطبراني في ((الأوسط)) (8/ 22) واللفظ له. من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قال العراقي في ((الباعث على الخلاص)) (16): إسناده صحيح، وقال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/ 27): إسناده جيد قوي على شرط الصحيح. وقال السخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (2/ 569): رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: ((افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)) رواه أبو داود (4596)، والترمذي (2640) وابن ماجه (3991)، وأحمد (2/ 332) (8377) .. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن صحيح. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه بلفظ: ((وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي)) رواه الترمذي (2641) وقال: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه. وقال البغوي في ((شرح السنة)) (1/ 185): ثابت. وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)). ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بلفظ: ((وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)). رواه أبو داود (4597)، أحمد (4/ 102)(16979)، والطبراني (19/ 376)، والحاكم (1/ 218). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الحاكم: هذه أسانيد تقام به الحجة في تصحيح هذا الحديث. وصححه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 400) – كما أشار لذلك في المقدمة -. وقال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): إسناده حسن وحديث افتراق الأمة منه صحيح بشواهده. وحسنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
فمما تقدم من نصوص تبين أن الافتراق واقع في الأمة وحال المسلمين الآن خير شاهد على وقوع هذه الفرقة من رفع رايات الحزبية والعصبية للرأي أو الاختلاف في أمور الدين أو بسبب التهالك على أمور الدنيا وما أكثرها.
ولقد جاءت هذه النصوص ليس فقط لتخبر وتعلم المسلم بوقوع الفرقة ولكن تخبره ليحتاط فلا يقع فيها وتعلمه بها ليلزم الجماعة ويتمسك بالسنة ويحذر الفرقة. يقول الإمام أبو بكر محمد الآجري رحمه الله: اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الله تعالى قد أعلمنا وإياكم في كتابه أنه لا بد من أن يكون الاختلاف بين خلقه ليضل من يشاء ويهدي من يشاء جعل ذلك الله عز وجل موعظة يتذكر بها المؤمنون فيحذرون الفرقة ويلزمون الجماعة ويدعون المراء والخصومات في الدين ويتبعون ولا يبتدعون. (1) ويقول شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بعد أن ذكر نصوصا كثيرة تخبر بوقوع الافتراق في هذه الأمة قال: وهذا المعنى محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه يشير إلى أن التفرقة والاختلاف لا بد من وقوعهما في الأمة وكان يحذر أمته لينجو منه من شاء الله له السلامة (2).لذلك يخطئ من يتعامل بسلبية وانهزامية مع الأحداث الواقعة في الأمة والفرقة التي تفتك بها منظرا أقدار الله لتقع محتجا أنها واقعة لا محالة فلم العمل؟!! مع أن المصطفى المختار أرشدنا ودفع هذه الشبهة عنا فعن عمران بن حصين قال: ((قال رجل: يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم. قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: كل يعمل لما خلق له أو لما يسر له)) (3).وعن علي رضي الله عنه قال: ((كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عود ينكث به في الأرض فنكس وقال: ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة فقال رجل من القوم: ألا نتكل يا رسول الله؟ قال: لا اعملوا فكل ميسر ثم قرأ: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5 - 10] (4).
فانظر حينما سألوه: فيم يعمل العاملون؟ وظنوا أن التقدير يدفع إلى الاتكال وترك العمل رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإيجاب العمل فقال: (اعملوا) نعم يجب على المؤمن أن يعمل بما أمر الله به ويجتهد بأخذ الأسباب الموصلة إلى السلامة في الدنيا والآخرة وهو مع ذلك مؤمن بقدر الله وأنه (كل ميسر لما خلق).
المصدر:
موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص152 - 156
(1)([125])((كتاب الشريعة)) (1/ 280).
(2)
((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 143).
(3)
رواه البخاري (6596)، ومسلم (2649). من حديث عمران بن حصين.
(4)
رواه البخاري (6605)، ومسلم (2647).