الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية
وهذه الأدلة العقلية أقيسة ..
القياس الأول: وهو قياس الميت على الحي في الطلب منه والاستغاثة!:
القياس الثاني: قياس الواسطة في العبادة على الواسطة في الرسالة!
القياس الأول: وهو قياس الميت على الحي في الطلب منه والاستغاثة!:عقد النبهاني في كتابه (شواهد الحق) عدة فصول لإثبات دعوته في جواز الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم – مطلقاً حياً وميتاً وفي أي أمر من الأمور! – فعقد الفصل الأول، وسرد أدلةً فيه طلب الصحابة منه أن يدعو الله لهم بالسقيا (1) وسماه هو استغاثة (2)، ثم إنه في الفصل الثاني سرد أحاديث الشفاعة ليثبت جواز الاستغاثة به في الآخرة (3)، ثم قال مستدلاً على جوازها مطلقاً:"
…
ودلالة ذلك على جواز الاستغاثة به وحسنها ونفعها بعد مماته أيضاً لوقوعها في حياته الدنيوية والأخروية" (4)، ثم أكد هو وغيره هذه المسألة بذكر حياة الأنبياء في قبورهم (5).
والجواب:
1 -
قد تقدم سابقاً أن الميت لا يسأل مطلقاً ولا يستغاث به، وأما الحي فيستغاث به فيما يقدر عليه، وعليه فلو سلم لهم قياسهم هذا لما صح لهم الاستدلال به على سؤال الموتى كل شيء – فإن كان المخلوق حياً لا يستطيعه فقياسهم يقتضي ألا يستطيعه ميتاً.2 - ثم إن الصواب هو عدم صحة قياس حياة البرازخ على الحياة الدنيا لاختلافهما، ولو استقام ذلك فليتخذوا الرسول صلى الله عليه وسلم إماماً يقتدي به في الصلاة! أوليستفتوه في المسائل وهكذا
…
(6)! 3 - ثم إن كون الأنبياء أحياءً في قبورهم: لا يسوغ للناس أن يستغيثوا بهم حتى على فرض سماعهم كل شيء، - مع أنه لا سبيل إلى إثباته -. وإن سمى القائمون بهذا الفعل عملهم توسلاً، أي أنهم يدعونهم ليشفعوا لهم عند الله ويتوسلوا لهم – فيجعلون عملهم نوعاً من الأسباب التي يقبل بها الدعاء، فهذا خطأ لإنه لا يوجد دليل في الشرع لإثبات أن هذا النوع من العمل سبب في إجابة الدعاء (7)، ثم على فرض أن ما ذكره هؤلاء هو مقصود عباد القبور فإنهم يطالبون الفرق بينهم وبين شرك الأوائل تقدم نقل صور شركهم عن الرازي والتفتازاني وغيرهما من الأئمة، ولن يجدوا فرقاً.
القياس الثاني: وهو قياس الواسطة في العبادة على الواسطة في تبليغ الرسالة: قالوا: "إن مراعاة جانب الله تعالى والمحافظة على توحيده إنما تكون بتعظيم من عظمه الله تعالى وتحقير من حقره الله تعالى، وقد جعلهم الله سبحانه وتعالى وسائط لنا في تبليغ شرائع دينه، فوسطناهم له عز وجل لقضاء حوائجنا تبعاً له في توسيطهم لنا في تبليغ شرائعه، والاحتفاظ لأنفسنا عن أن تكون أهلاً لطلب حوائجنا منه سبحانه وتعالى بلا وساطة لكثرة ذنوبنا ووفرة عيوبنا"(8).
(1) انظر ((شواهد الحق)) من (ص: 112 - 126).
(2)
وهذه من أخطاء القوم فإن الصحابة رضوان الله عليهم لم يستغيثوا بالرسول صلى الله عليه وسلم لينزل لهم الغيث وإنما طلبوا منه أن يدعو الله لهم ليغيثهم.
(3)
انظر ((شواهد الحق)) من (ص: 126 إلى 135).
(4)
((شواهد الحق)) (ص: 126).
(5)
انظر ((الدرر السنية)) (ص: 14) و ((مفاهيم يجب أن تصحح)) (ص: 159 - 176).
(6)
انظر ((صيانة الإنسان)) (ص: 26).
(7)
انظر ((قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة)) (ص: 99، 274)، و ((القول الفصل النفيس في الرد على المفتري داود بن جرجيس)) للشيخ عبدالرحمن بن حسن (ص: 66).
(8)
((شواهد الحق)) (ص: 52) ونقله محمد عثمان عبده البرهاني في كتابه: ((انتصار أولياء الرحمن على أولياء الشيطان)) (ص: 191).
والجواب: إن هذا القياس هو قياس عباد الأصنام والأوثان وغيرها نفسه الذين زعموا أن ذنوبهم كثيرة وأنهم لا يصلون إلى مرادهم إلا بتوسط الأكابر والأعلى منزلة عند الله (1) قال تعالى: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: 3].
وقياسهم هذا فاسد الاعتبار إذ هو قياس في مقابلة نصوص كثيرة حرمت هذا العمل وبينت أنه فعل المشركين كقوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس: 18]، فدلت الآية على أن اتخاذ وسطاء في الدعاء والعبادة قدحٌ في علم الله تعالى وأنه شرك يتنزه الله عنه. وقال تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ
…
[الرعد: 33] فدلت الآية على أن هذا العمل فيه قدح في الربوبية إذ فيه إثبات لقيام غير الله بشئون الخلق، وفيها بيان أنه قدح في علم الله.
وقد حسم الله تعالى مادة هذا الشرك بقوله: قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء: 56 - 57]. وقال قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ: 22 - 23].
ولاشك أن واسطة المرسل بين الله وخلقه هي في تبليغ الرسالة من الله لخلقه ليقوموا لله رب العالمين بالعبادة ويتركوا عبادة غيره، لا أن يعبد الرسل أنفسهم، قال الله تعالى مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران: 79].وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كل ما يؤدي إلى تشريكه بالله كقوله لمن قال له: ((ما شاء الله وشئت فقال: أجعلتني لله نداً، قل: ما شاء الله وحده)) (2)، وكذلك كان ينهى عن اتخاذ قبره عيداً أو وثناً يعبد. فكل ذلك وغيره يدل على الفرق بين الواسطة في الرسالة والواسطة في العبادة (3).
هذا وقد أعرضت عن أدلة أخرى يحتج بها من غرق في التصوف كالاحتجاج بالأحاديث الموضوعة والمنامات والإلهامات – إذ يكفي أن يقال عنها كلها: إنها مردودة – فأما الأحاديث الموضوعة فمردودة مطلقاً، وأما المنامات والإلهامات فإنه لا يثبت بها شرع مطلقاً، ولا تقبل إلا إذا جاءت موافقة للشرع، والأمر فيها كما قال في مراقي السعود:
وينبذ الإلهام بالعراء
…
أعني به إلهام الأولياء (4)
قال شارحه عن الإلهام: "وليس بحجة لعدم ثقة من ليس معصوماً بخواطره لأنه لا يأمن دسيسة الشيطان فيها"(5) اهـ. وقال: "وكذا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يأمره وينهاه لا يجوز اعتماده
…
لعدم ضبط الرائي" (6) اهـ.
المصدر:
منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبداللطيف – 1/ 202
(1) انظر ذلك في ((أصل الشرك في بني آدم)) (ص: 95).
(2)
رواه أحمد (1/ 283)(2561) ، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6/ 245) من حديث ابن عباس رضي الله عنه، بلفظ:(عدلاً) بدلاً من (نداً) والبخاري في ((الأدب المفرد)) (1/ 290)، قال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/ 200): إسناده حسن، وقال أحمد شاكر في تحقيقه لـ ((مسند أحمد) (5/ 85): إسناده صحيح، وصححه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)).
(3)
وانظر ((الواسطة بين الحق والخلق)) لشيخ الإسلام ((ضمن مجموعة التوحيد)) (1/ 116 - 121) و ((القول الفصل النفيس)) للشيخ عبدالرحمن بن حسن (ص: 91 - 184) و ((صيانة الإنسان)) (ص: 177 - 179) و ((الصواعق المرسلة الشهابية)) لابن سحمان (ص: 124 - 154).
(4)
((مراقي السعود – مع شرحها نشر البنود – في أصول الفقه)) (2/ 261).
(5)
((نشر البنود شرح مراقي السعود)) (2/ 262).
(6)
((نشر البنود شرح مراقي السعود)) (2/ 262).