المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

من شدة عناية الإسلام بتحقيق وحدة الجماعة المسلمة وتماسكها والتحذير من تفرقها حرص على تميز هذه الجماعة واستقلاليتها عن باقي الجماعات الإنسانية لتظل بأفرادها متماسكة متحدة متميزة لذلك نهينا عن التشبه بالكفرة من المشركين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى خاصة فنهينا عن مشابهتهم في أمورهم الدينية والدنيوية جملة وخص بعض الأمور بالنهي عنها كالنهي عن مشابهتهم في أعيادهم أو في طريقة صومهم أو مشابهتهم في أخلاقهم وسلوكياتهم كالحسد والبغي وكتم العلم أو الغلو في الدين وغير ذلك كثير. كل ذلك ليضمن تميز الشخصية المسلمة ويحول دون ذوبانها في شخصيات غيرها وانصهارها بهم مما يورث ضعفها ودخول الفرقة بين صفوفها (1).

ودل على هذا النهي نصوص الكتاب والسنة وما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم.

يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَاّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:16ـ 18].فنهى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وأهواؤهم: هو ما يهوونه وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه، ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسرون به (2).ولقد دلت السنة المطهرة على النهي عن مشابهة الكافرين والإخبار أيضا أن هذا سيقع، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن)) (3).وهذا كله خرج منه عليه الصلاة والسلام مخرج الخبر عن وقوع ذلك والذم لمن يفعله كما كان يخبرعما يفعله الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمات فعلم أن مشابهتها: اليهود والنصارى وفارس والروم مما ذمه الله ورسوله (4).ولقد أكد النهي عن مشابهة الكافرين والتحذير منه الصحابة الكرام رضي الله عنهم بما أخبروا من وقوعه: فيقول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا كائن فيكم (5)

(1) انظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 92ـ 94).

(2)

انظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 97ـ 99).

(3)

رواه البخاري (3456)، ومسلم (2669). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(4)

انظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 169)(1/ 102)((فتح الباري)) (13/ 301).

(5)

رواه محمد بن نصر المروزي في ((السنة)) (86).

ص: 33

بل إن حذيفة رضي الله عنه يؤكد عدم خصوصية بني إسرائيل بما وقع منهم وأن ما وقع منهم سيقع مثله في هذه الأمة

فعن الهمام بن الحارث قال: كنا عند حذيفة فذكروا: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44]. وقال رجل من القوم: إنما هذه في بني إسرائيل فقال حذيفة: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لكم الحلو ولهم المر! كلا والذي نفسي بيده حتى تحذى السنة بالسنة حذو القذة بالقذة (1) ويقول عبدالله بن عمرو بن العاص: "لتركبن سنة من قبلكم حلوها ومرها (2).ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: " إن أشبه الناس سمتا وهيئة ببني إسرائيل أنتم تتبعون آثارهم حذو القذة بالقذة لا يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله (3)

كل هذه النصوص وغيرها جاءت تخبر عن وقوع ذلك ليحذر.

ومما خص بالنهي عن مشابهتهم فيه النهي عن الفرقة وقد جاءت النصوص تنهي عن مشابهة الكافرين في الفرقة بطرق ثلاث:

1ـ بيان أن التفرق والاختلاف من أمور الكافرين من المشركين وأهل الكتابين والذين نهينا عن مشابهتهم جملة في أمورهم الدينية والدنيوية.

يقول الله عز وجل: وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 105].

فالله عز وجل ينهى المؤمنون من أن يشابهوا اليهود والنصارى ويتابعوهم في تفرقهم واختلافهم.

وهذا النهي ليس هو نهي عن المشابهة فقط بل حقيقته نهي عن التفرق والاختلاف في الدين. يقول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: قوله: وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ ونحو هذا القرآن: أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة فنهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله (4).ويقول الإمام إسماعيل بن كثير رحمه الله عن الآية: ينهى تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليه (5).وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إذا كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي)) (6).ومن النصوص الواردة في النهي عن مشابهة الكافرين في تفرقهم قوله سبحانه وتعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:31 - 32]. فنهى الله عز وجل في هذه الآية عن مشابهة أهل الشرك بالله سبحانه الذين بدلوا دينهم وخالفوه ففارقوه وكانوا أحزابا وفرقا كاليهود والنصارى وغيرهم (7).

(1) رواه محمد بن نصر المروزي في ((السنة)) (85).

(2)

رواه محمد بن نصر المروزي في ((السنة)) (85).

(3)

رواه محمد بن نصر المروزي في ((السنة)) (84).

(4)

انظر ((تفسير الطبري)) (4/ 26).

(5)

((تفسير ابن كثير)) (1/ 368).

(6)

رواه الترمذي (2641)، والحاكم (1/ 218). من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. قال الترمذي: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن.

(7)

انظر ((تفسير الطبري)) (21/ 28) بتصرف.

ص: 34

2ـ الطريق الثاني في النهي عن الفرقة هنا: بيان سبب تفرق أهل الكتاب ليحذر المسلم ولا يسلك سبيلهم. فلقد وردت النصوص الكثيرة التي تذكر اختلاف أهل الكتاب في الدين وتفرقهم عن الحق وأن هذا الاختلاف والتفرق لم يكن عن جهل منهم للحق ولم يكن قصور في التبليغ بل بلغوا وبين لهم أتم البيان وجاءتهم الحجج الواضحات وقامت عليهم البراهين الساطعات بالحق المبين من رب العالمين ولكنهم استكبروا وأعرضوا عن الحق بغيا وعدوانا وظلما، ولقد أعمتهم الدنيا عن رؤية الحق وأطغاهم طلب الملك وحب الرياسة عن العدل واتباع دين الله عز وجل فكان حالهم أن تنكبوا الطريق وحادوا عن الصراط المستقيم ووقعوا في الفرقة والاختلاف (1).

يقول المولى الكريم سبحانه: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَاّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [البقرة: 213] ونصب بغيا على معنى المفعول له فالمعنى: لم يوقعوا الاختلاف إلا للبغي لأنهم عالمون بحقيقة الأمر في كتبهم (2).

ويخبرنا الله تعالى بما أعطى بني إسرائيل من الدلائل والحجج الواضحات والنعم السابغات فيقول: وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَاّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون [الجاثية:16 - 17]. فانظر رعاك الله ما أنعم الله على بني إسرائيل وما أعطاهم من الدلائل التي تهديهم إلى الحق وتجمعهم وتعليهم وتوصلهم إلى رضوان الله ومع ذلك أعرضوا وأقبلوا على الدنيا فتنافسوها فأهلكتهم وبغى بعضهم على بعض فاختلفوا وتفرقوا (3)

والآيات في هذا الباب كثيرة، وعلى المسلم أن يعتبر بمن كان قبلنا ولا يجعل الدنيا تصده عن دين الله ولا حب الرياسة وإتباع الهوى يلهيه عن ذكر الله، وليعلم أن النجاة في العمل بما أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وأن الضلال في الإعراض عن اتبعاهما والخروج عن طاعتهما.

(1) انظر ((تفسير الطبري)) (2/ 196).

(2)

انظر: ((زاد المسير)) لابن الجوزي (1/ 230).

(3)

انظر ((تفسير السعدي)) (1/ 261).

ص: 35

3ـ الطريق الثالث في التحذير من الفرقة: بيان أن الفرقة والاختلاف كانت سبب هلاك الأمم الماضية ولقد جاءت نصوص كثيرة تحذر من الفرقة بالتنبيه على هذا الأمر المهم والتأكيد عليه ليحذر المسلم من ذلك ويعتبر بمن سبق ويلزم الجماعة ففيها العصمة. ففي الحديث عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سمعت رجلا قرأ آية وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية وقال: " كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)) (1).فانظر كيف كره رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلافهم مع أن كلا القِرَاءتين صحيحة حيث قال: كلاكما محسن " فهو مصيب إذ قرأ ما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فقد كره اختلافهما ونهاهما عن ذلك فقال: ولا تختلفوا، وعلل سبب النهي بقوله: فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا فما كان الاختلاف يؤدي إلى الفرقة المؤدية إلى الهلكة كرهه صلى الله عليه وسلم ونهى عنه (2) ولقد فقه الصحابة رضي الله عنهم هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلموا أن الفرقة تؤدي إلى الهلكة معتبرين بحال أهل الكتاب السابقين فلقد قدم حذيفة بن اليمان على عثمان رضي الله عنهما وكان حذيفة يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان "يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى (3).يقول شيخ الإسلام أحمد بن تيمية معلقاً على حديث ابن مسعود السابق وأثر حذيفة بعد سوقهما: " فأفاد ذلك بشيئين: أحدهما: تحريم الاختلاف في مثل هذا. والثاني: الاعتبار بمن كان قبلنا والحذر من مشابهتهم. (4)

ولقد وردت نصوص كثيرة من السنة النبوية ووقائع متعددة في اختلاف بعض الصحابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من أمور الدين فيخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم غاضبا مستنكرا لاختلافهم محذرا إياهم مبينا لهم أن هذا الاختلاف كان سبب هلاك الأمم السابقة. فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ((هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال: إنما هلك من كان من الأمم باختلافهم في الكتاب)) (5). وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ((أن نفرا كانوا جلوسا بباب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان! " أبهذا أمرتم؟ أو بهذا بعثتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا؛ إنكم لستم مما ههنا في شيء انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به والذي نهيتم عنه فانتهوا عنه)) (6) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان فقال: أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر؛ عزمت عليكم عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه)) (7)

ولقد ذكرت روايات عدة ليتبين للقارئ مقدار إنكاره عليه الصلاة والسلام للاختلاف في دين الله؛ لأنه من موجبات الفرقة التي هي من أسباب الهلكة ولأن هذا الاختلاف هو سبب هلاك من قبلنا وسبب ضلالهم.

فهل يعتبر سفهاء زماننا الذين يبحثون عن زلات العلماء ويعلنونها ويبحثون عن اختلافات الفقهاء ليبرزوها؟ دون فقه وفهم لأسباب الاختلاف ولا حتى لأنواعه فضلا عن أدبه. وهل يعتبر المسلمون وينظرون إلى أن سبب انحطاطهم وتخلفهم وتسلط الأعداء عليهم هو بسبب تفرقهم إذ الفرقة هي الهلكة والعصمة والنجاة لا تكون إلا بالجماعة والاجتماع على الحق: على طاعة الله ورسوله.

وما فتئ أعداء الدين يحيكون الخطط ويدسون الدسائس لإضعاف المسلمين بتفريق جماعتهم وتشتيت كلمتهم كما سيتضح في الآتي إن شاء الله.

‌المصدر:

موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص163 - 171

(1)([161]) رواه البخاري (3476).

(2)

((فتح الباري)(13/ 101).

(3)

رواه البخاري (4987)

(4)

((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 65).

(5)

رواه مسلم (2666).

(6)

رواه ابن ماجه (85)، وأحمد (2/ 195)(6845)، والطبراني في ((الأوسط)) (2/ 79)، وقال صاحب ((الزوائد)) عنه هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن صحيح. وقال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): صحيح وهذا إسناد حسن.

(7)

رواه الترمذي (2133)، وأبو يعلى (10/ 433). وقال: وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث صالح المري، وصالح المري له غرائب ينفرد بها لا يتابع عليها. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (1/ 98) – كا أشار لذلك في مقدمته -، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).

ص: 36