المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

لم يكتف شيخ الإسلام بالمناقشات المجملة حول الصفات الاختيارية القائمة بالله تعالى، وإنما ناقشها صفة، صفة، ويمكن الإشارة إلى بعض هذه الصفات

وأهم هذه الصفات:

أولا: صفة الاستواء:

هذه الصفة يرد بحثها في موضعين:

أ- في هذا الموضع، وهو الصفات الاختيارية القائمة بالله تعالى، لأنه تعالى استوى على العرش بعد خلقه، فهو متعلق بمشيئته وإرادته. ب- وفي موضوع "العلو"، لأن من أهم أدلة العلو الاستواء على العرش. ويلاحظ أن العلو من الصفات العقلية المعلومة بالعقل السمع. أما الاستواء فهو من الصفات المعلومة بالسمع فقط (1). وبهذا يكون الاستواء جزءا من أدلة العلو السمعية.

ولذلك فإن الأشاعرة تأولوا الاستواء بأحد تأويلين:

أ- بالاستيلاء، وهذا تأويل نفاة العلو من متأخري الأشاعرة. ب- أو بأنه فعل فعله الله في العرش سماه استواء، وهذا قول الأشعري وكثير من أصحابه الذين يثبتون العلو كأن ينفون قيام الصفات الفعلية به. وقولهم هذا ليس خاصا بالاستواء، بل يشمل جميع الصفات الدالة على هذا المعنى كالنزول والمجيء والإتيان. ومعنى الاستواء عند هؤلاء أن الله "يحدث في العرش قربا فيصير مستويا عليه من غير أن يقوم به نفسه فعل اختياري، سواء قالوا: الفعل هو المفعول أو لم يقولوا، وكذلك النزول

" (2). وهذا بسبب أصلهم في منع حلول الحوادث، ومعنى هذا القول أن الاستواء أو النزول أو المجيء ليس إلا نسبة وإضافة بين المخلوق والخالق من غير صفة فعل تقوم بالخالق نفسه (3).

ومذهب السلف وأئمة السنة أن هذه الصفات الفعلية تقوم بذات الله تعالى كما دلت عليها النصوص. فمتقدمو الأشاعرة أثبتوا الاستواء دالا على العلو فقط ولذا جعلوه من صفات الذات. ولم يثبتوه صفة فعل تقوم بالله. أما متأخروهم فقد نفوا دلالته على الأمرين (4).

ومنهج شيخ الإسلام في تقرير هذه الصفة – الاستواء – والرد على متأوليها، هو كما يلي – باختصار -:

(1) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/ 121 - 122)، و ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (5/ 523)، و ((نقض التأسيس)) – مخطوط (1/ 39، 3/ 271).

(2)

((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (5/ 437).

(3)

انظر في مذهب الأشاعرة ومخالفتهم لمذهب المسلف في ذلك: ((التبيان في نزول القرآن –مجموع الفتاوى)) (12/ 250 - 251)، و ((درء التعارض)) (6/ 321 - 322)، و ((مجموع الفتاوى)) (16/ 393 - 395)، و ((منهاج السنة)) (2/ 513) - ط دار العروبة المحققة. و ((الاستقامة)) (1/ 162)، و ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (5/ 386)، و ((نقض التأسيس)) – مطبوع ((1/ 565، 2/ 206، 216).

(4)

انظر: ((مجموع الفتاوى)) (16/ 395 - 397).

ص: 421

1 -

بين أدلة إثبات صفة الاستواء لله وأقوال السلف في معناه، وأنه مخالف لأقوال هؤلاء المتأولين. وقد أكثر شيخ الإسلام من النقول عن الأئمة – على اختلاف طبقاتهم وبلدانهم – التي يثبتون فيها صفة الاستواء لله تعالى ويردون على من تأوله بالاستيلاء أو غيره. وغالب هذه النقول ذكرها شيخ الإسلام في إثبات صفة العلو لله تعالى ولعل الإشارة إليها هنا – مع ذكر مصادرها – يغني عن إعادتها هناك (1).2 - الرد على من أول استوى بمعنى استولى من عدة وجوه (2).3 - الرد على متأخري الأشعرية بأقوال متقدميهم الذين أثبتوا الاستواء وردوا على من تأوله بالاستيلاء (3).

4 -

بقي مما يتعلق بالاستواء مسألتان:

أحداهما: هل يلزم من إثبات الاستواء على العرش أن يكون الله جسما؟ وقد أجاب شيخ الإسلام عن ذلك بأن مثبتي الاستواء اختلفوا:

- فمنهم من يقول: هو فوق العرش وليس بجسم، وهذا قول ابن كلاب والأشعرية القدماء.

- ومنهم من يقول: هو فوق العرش وهو جسم.- ومنهم من يقول: هو فوق العرش ولا أقول هو جسم ولا ليس بجسم، ثم من هؤلاء من يسكت عن هذا النفي والإثبات، ومنهم من يستفصل عن المراد بالجسم، فإن فسر بما ينزه الرب عنه نفاه، وإن فسر بما يتصف الرب به أثبته (4).

وشيخ الإسلام يرجح هذا القول الأخير الذي هو الاستفصال كما هو منهجه عموما في مثل هذه المسائل.

والمسألة الثانية: مسألة "الحد"، وهل يقال إن استواء الله تعالى على العرش بحد، أو بغير حد، وهذه مرتبطة بالمسألة السابقة، وقد أورد شيخ الإسلام الخلاف في ذلك بين مثبتي الاستواء؛ وأن منهم من قال بالحد، ومنهم من منع إطلاقه. وإن كان الذي ورد في عامة كتب السلف إطلاق الحد لبيان بينونة الله عن خلقه والرد على الجهمية والحلولية وغيرهم.

(1) أهم هذه النقول ما ذكره في ((نقض التأسيس)) – مخطوط (1/ 15، 102 - 121)، و ((درء التعارض)) (6/ 191 - 297)، وانظر أيضا:((الدرء)) (2/ 20 - 21، 6/ 115 - 119)، ((مجموع الفتاوى)) (5/ 310 - 314، 6/ 398 - 399)، و ((التسعينية)) (ص: 122، 127 - 131)، ((شرح حديث النزول)) (5/ 518 - 522).

(2)

انظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/ 144 - 149) حيث أبطل تأويله من اثني عشر وجها، وانظر أيضا:((التدمرية)) (ص: 81 - 84) – المحققة، و ((درء التعارض)) (1/ 278 - 279)، و ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (2/ 238 - 240)، و ((الفتوى الحموية – مجموع الفتاوى)) (5/ 29 - 41)، و ((مجموع الفتاوى)) (16/ 395 - 403)، و ((تفسير سورة الإخلاص – مجموع الفتاوى)) (17/ 347 - 349).

(3)

انظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/ 317 - 320، 16 - 91)، و ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (1/ 82 - 84، 2/ 102 - 103، 182 - 184)، و ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (2/ 9 - 10)، و ((درء التعارض)) (6/ 193 - 207).

(4)

انظر: ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (5/ 418 - 419)، و ((نقض التأسيس – مطبوع –)) (1/ 396 - 397، 2/ 63، 106 - 111)، و ((درء التعارض)) (4/ 209 - 211، 6/ 289 - 290).

ص: 422

وقد ذكر شيخ الإسلام في معرض رده على الرازي لما اعترض بأنه يلزم من إثبات العلو والاستواء لله إثبات الحد والنهاية وأن هذا تجسيم – ذكر أن الكلام في هذه الحجة في مقامين: المقام الأول: "قول من يقول: هو فوق العرش وليس له حد ولا مقدار ولا هو جسم، كما يقول ذلك كثير من الصفاتية، من الكلابية، وأئمة الأشعرية وقدمائهم، ومن وافقهم من الفقهاء والطوائف الأربعة غيرهم، وأهل الحديث، والصوفية، وغير هؤلاء. وهم أمم لا يحصيهم إلا الله، ومن هؤلاء أبو حاتم ابن حبان، وأبو سفيان الخطابي، البستاني

" (1) والقاضي أبو يعلى كان ينكر الحد ثم رجع إلى الإقرار به (2). وممن نفي الحد أبو نصر السجزي (3).فهؤلاء الذين ينفون الحد والمقدار والجسم ونحو ذلك من الصفاتية الذين يثبتون الاستواء على العرش يقولون إذا كان هو نفسه فوق العرش لا يلزم أن يوصف بالحد أو تناهي المقدار (4).والمقام الثاني: "كلام من لا ينفي هذه الأمور التي يحتج بها عليه نفاة العلو على العرش

بل قد يثبتها أو يثبت بعضها لفظا أو معنى، أو لا يتعرض لها بنفي ولا إثبات، وهذا المقام هو الذي يتكلم فيه سلف الأمة وأئمتها، وجماهير أهل الحديث، وطوائف من أهل الكلام والصوفية وغيرهم. وكلام هؤلاء أسد في العقل والدين، حيث ائتموا بما في الكتاب والسنة، وأقروا بفطرة الله التي فطر عليها عباده، فلم يغيروا، وجعلوا كتب الله التي بعث بها رسله هي الأصل في الكلام، وأما الكلام في المجمل والمتشابه الذي يتكلم فيه النفاة، ففصلوا مجمله، ولم يوافقوهم على لفظ مجمل قد يتضمن نفي معنى حق، ولا وافقوهم أيضا على نفي المعاني التي دل عليها القرآن والعقل، وإن شنع النفاة على من يثبت ذلك، أو زعموا أن ذلك يقدح في أدلتهم وأصولهم" (5).وقد أثبت الحد الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة كما ذكر ذلك الدارمي في نقضه على المريسي، والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات، والخلال في كتاب السنة، والهروي في ذم الكلام. وغيرهم (6).وهم لما أثبتوا "الحد" قالوا: له حد لا يعلمه إلا هو، كما بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه، وهذا الذي قصده الإمام أحمد لما قال: "نحن نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء، وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد

" (7). وإلا فهو قد قال في رواية أخرى عنه: لله تعالى حد لا يعلمه إلا هو (8). فما نفاه الإمام أحمد قصد به الصفة التي يعلمها الخلق، وما أثبته قصد به ما يتميز به عن عباده، ويبين به عنهم، وهذا هو الذي قصده بقوله: له حد لا يعلمه إلا الله وهو الذي قصده من أطلق هذا من السلف. وقد أخطأ من ظن من الحنابلة أو غيرهم أن للإمام أحمد في ذلك روايتين، بل كلامه متسق غير متناقض وكل رواية موافقة للأخرى (9).

(1)((نقض التأسيس)) – مطبوع – (2/ 169).

(2)

انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (2/ 171 وما بعدها) وقارن بـ ((إبطال التأويلات)) للقاضي أبي يعلى – مخطوط – (ص: 315 وما بعدها).

(3)

انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (1/ 446)، وكلام السجزي في كتابه ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) – (ص: 157 - 1589 – ط على الآلة الكاتبة.

(4)

انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (2/ 174 - 175).

(5)

((نقض التأسيس)) – مطبوع – (2/ 180).

(6)

انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (1/ 426 - 440)، حيث نقل نصوص كلامهم، وقارن بـ ((النقض على المريسي)) للدارمي (ص: 381 وما بعدها) – ضمن ((عقائد السلف))، و ((إبطال التأويلات)) (316 - 317).

(7)

((نقض التأسيس)) – مخطوط – (2/ 163).

(8)

انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (1/ 430) وما بعدها.

(9)

انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (1/ 433 - 438، 2/ 163 - 174).

ص: 423

وقد اعترض "الخطابي" على إثبات "الحد" بأن صفة "الحد" لم ترد في الكتاب والسنة، ولكن شيخ الإسلام رد عليه من وجوه وبين أن السلف لم يقصدوا بذلك الصفة مطلقا، ولم يقولوا: له صفة هي "الحد"، والحد إنما هو ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره، والسلف قصدوه بذلك الرد على الجهمية الذين قالوا: ليس له حد، وقصدوا بذلك أنه لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك مستلزما للحد، فلم استفصل الأمر على أئمة السلف بذكر هذا اللازم وقيل لهم: بحد قالوا: بحد. ومقصودهم بذلك واضح جدا (1).

هذه ملامح من منهج شيخ الإسلام في تقرير هذه الصفة والرد على من تأولها.

ثانيا: صفة "النزول":القول في هذه الصفة كالقول في صفة الاستواء وغيرها من الصفات الفعلية، ومذهب الأشاعرة فيها واحد، ومعنى النزول عندهم: أن الله يخلق أعراضا في بعض المخلوقات يسميها نزولا، وهذا بناء على أصلهم في نفي قيام الحوادث به (2)، وبعضهم يقول في النزول إنه من صفات الذات وإنه أزلي كما يقولون أيضا مثل ذلك في الاستواء والمجيء والغضب والفرح والضحك ونحوها (3). فالقول في صفة النزول كالقول في صفة الاستواء. والسلف رحمهم الله تعالى أثبتوا هذه الصفة كما وردت، وردوا على من تأولها بنزول أمره أو رحمته أو ملك أو غير ذلك. وأقوالهم في ذلك مشهورة متواترة (4).

ومن الأمور المتعلقة بصفة النزول:1 - بطلان قول من تأوله بنزول رحمته وأمره أو ملك أو غير ذلك، وقد ذكر شيخ الإسلام في إبطال هذه التأويلات وجوها عديدة (5).

2 -

ومما يتعلق بالنزول والمجيء والإتيان وغيرها مسألة "الحركة" وهل يوصف الله بها أم لا؟، وقد ساق شيخ الإسلام الخلاف في ذلك فقال: "واختلف أصحاب أحمد وغيرهم من المنتسبين إلى السنة والحديث في النزول والإتيان والمجيء وغير ذلك، هل يقال: إنه بحركة وانتقال، أم يقال: بغير حركة وانتقال، أم يمسك عن الإثبات والنفي؟ على ثلاثة أقوال ذكرها القاضي أبو يعلى في كتاب:(اختلاف الروايتين والوجهين):

فالأول: قول أبي عبدالله بن حامد وغيره.

والثاني: قول أبي الحسن التميمي وأهل بيته.

والثالث: قول أبي عبدالله بن بطة وغيره.

ثم هؤلاء فيهم من يقف عن إثبات اللفظ مع الموافقة على المعنى وهو قول كثير منهم كما ذكر ذلك أبو عمر بن (عبدالبر) وغيره. ومنهم من يمسك عن إثبات المعنى مع اللفظ، وهم في المعنى منهم من يتصوره مجملا، ومنهم من يتصوره مفصلا إما مع الإصابة أو مع الخطأ

" (6).

وخلاصة مذهب أئمة السلف في إطلاق لفظ "الحركة"، مع اتفاق الجميع على إثبات المعنى الذي دلت عليه هذه النصوص – أنهم على ثلاثة أقوال:

(1) انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (1/ 441 - 446).

(2)

انظر: ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (5/ 386).

(3)

انظر: ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) 5/ 410 - 411.

(4)

انظر: ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (5/ 322، 374 - 375، 387 - 395)، و ((منهاج السنة)) (2/ 511 - 513)) – ط دار العروبة – المحققة.

(5)

انظر: ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (5/ 369 - 373، 415 - 418).

(6)

((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (5/ 402).

ص: 424

- منهم من يصرح بلفظ الحركة. وممن نقل مذهب الأئمة المتقدمين والمتأخرين حرب الكرماني، والدارمي الذي قال: إن الحركة من لوازم الحياة، وذكر حرب أنه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وعبدالله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور.- وطائفة أخرى من أئمة السلف كنعيم بن حماد، والبخاري، وأبي بكر ابن خزيمة، وابن عبدالبر، وغيرهم، يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء، ويسمون ذلك فعلا، ولكن من هؤلاء من يمنع إطلاق لفظ الحركة لكونه لم يؤثر (1).وقد رجح شيخ الإسلام أن المأثور عن الإمام أحمد "إنكار نفي ذلك ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة، وإن أثبت أنواعا قد يدرجها المثبت من جنس الحركة، فإنه لما سمع شخصا يروي حديث النزول، ويقول: ينزل بغير حركة ولا انتقال، ولا بغير حال، أنكر أحمد ذلك، وقال: قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كان أغير على ربه منك"(2).أما العقيدة التي كتبها حرب بن إسماعيل – وفيها تصريحه بالحركة – فقد قال عنها شيخ الإسلام: "ليست هذه العقيدة ثابتة عن الإمام أحمد بألفاظها، فإني تأملت لها ثلاثة أسانيد مظلمة برجال مجاهيل، والألفاظ هي ألفاظ حرب ابن إسماعيل، لا ألفاظ الإمام أحمد

" (3).ولعل ما يرجحه شيخ الإسلام في ذلك ما قاله في مثل هذه الألفاظ: "والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص" (4).

3 -

ومن المسائل المتعلقة بالنزول: هل يخلو منه العرش أم لا؟ وقد ذكر شيخ الإسلام أن في ذلك ثلاثة أقوال:

- طائفة ممن يدعي السنة يظن خلو العرش منه، وقد صنف أبو القاسم عبدالرحمن ابن أبي عبدالله بن محمد ابن منده في ذلك كتابا.

- وطائفة تقف، لا تقول يخلو، ولا لا يخلو، وتنكر على من يقول ذلك.

وهذا قول الحافظ عبدالغني المقدسي.- والصواب: قول جمهور السلف إنه ينزل ولا يخلو منه العرش (5). وقد رد شيخ الإسلام على قول عبدالرحمن ابن منده وأطال في ذلك (6). كما أبطل قول من زعم أنه يكون تحت العرش (7).4 - كما أجاب شيخ الإسلام على اعتراض من اعترض على النزول باختلاف الليل والنهار والبلدان والفصول في التقدم والتأخر والطول والقصر، وبين أن الكلام في ذلك وفي غيره – مثل مسألة خلو العرش منه – مبنية على قياس خاطئ وهو تشبيه الله بخلقه، وهذا باطل لأن القول في الصفات كالقول في الذات فكما أن لله ذاتا لا تشبه ذوات المخلوقين فكذلك له صفات لا تشبه صفات المخلوقين (8).

‌المصدر:

موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – 3/ 1213

(1) انظر: ((درء التعارض)) (2/ 7 - 8).

(2)

((الاستقامة)) (1/ 72 - 83).

(3)

((الاستقامة)) (1/ 73).

(4)

((مجموع الفتاوى)) (16/ 423)، وانظر في موضوع "الحركة" والأقوال فيه – ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (5/ 426، 565 – 575)، و ((مجموع الفتاوى)) (6/ 11، 8/ 21 - 29)، و ((الدرء)) (4/ 25).

(5)

((مجموع الفتاوى)) (5/ 31 - 132).

(6)

انظر: ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (5/ 380 - 396)، وانظر أيضا (5/ 366 - 368، 375 - 385، 414 - 415، 459 - 460).

(7)

انظر: ((درء التعارض)) (7/ 7)، و ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (5/ 475 - 476).

(8)

انظر: ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (5/ 418 وما بعدها، 467 - 480)، و ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (2/ 228 - 230).

ص: 425