المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

ويمكن تقسيمها إلى شبهتين رئيستين: الشبهة الأولى: محاولة تغيير بعض الحقائق الشرعية، وهذه تظهر في أمرين: الأول: تسميتهم الاستغاثة بغير الله توسلاً به! الثاني: تفسيرهم للآيات الواردة بالدعاء في القرآن بالعبادة لا الطلب، وفرق بين دعاء المسألة ودعاء العبادة. الأمر الأول: مما فيه قلب الحقائق الشرعية: قال دحلان: "فالتوسل والتشفع والاستغاثة كلها بمعنى واحد"(1) - ونقل عن ابن حجر الهيتمي قوله: "ولا فرق في التوسل بين أن يكون بلفظ التوسل أو التشفع أو الاستغاثة أو التوجه!. (2) " اهـ. الجواب: لا شك في وجود فرق بين التوسل والاستغاثة لغة وشرعاً - فالتوسل من الوسيلة، وهي تتضمن: التوصل، والرغبة، والقربة (3). وهي في الشرع لابد من تقييدها بالكتاب والسنة - شأن كل الحقائق الشرعية - وفي مسألتنا هذه: وهي التوسل إلى الله بالأشخاص: يجب أن يكون وفق الشرع، وهو أن يتوسل إلى الله تعالى بدعاء الشخص فيكون شفيعاً له في مسألته، ويدل له حديث الأعمى الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:((يا رسول الله ادع الله أن يعافيني، فقال: إن شئت دعوتُ وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال لا: بل ادع الله لي، فأمره أن يتوضأ وأن يصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى، اللهم فشفعني فيه وشفعه فيَّ)) (4).وهو ظاهر في الدعاء لأمور: (5) 1 - إنه لو لم يكن توسلاً بالدعاء لما احتاج الرجل أن يأتيه ويطلب منه الدعاء، بل كان يمكنه أن يفعل ذلك دون أن يأتيه. 2 - إن الحديث من أوله إلى آخره في الدعاء، فالرجل جاء طالباً الدعاء وخيره الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصبر وبين أن يدعو له فاختار الدعاء، والراوي وإن اختصر الحديث فلم يذكر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له إلا أنه هو المفهوم من الحديث لأمرين: الأول: وعده صلى الله عليه وسلم بالدعاء له إن اختاره وهو أوفى الناس بوعده. الثاني: آخر الحديث وفيه: ((اللهم فشفعني فيه وشفعه فيَّ)) فقوله: ((فشفعه فيَّ)) أي بدعائه صلى الله عليه وسلم لي، وقوله:((فشفعني فيه)) أي: أسألك اللهم أن تستجيب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لي، فهذا هو وجه كونه شفيعاً له. وهذا يوضح التقدير في الحديث:((أتوجه إليك بنبيك)) أي: بدعائه، وكذا قوله:((أتوجه بك)) أي بدعائك.3 - عدول الصحابة عن التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه كما قال عمر رضي الله عنه ((اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا)) (6)

(1)((الدرر السنية)) (ص: 14).

(2)

((الدرر السنية لدحلان)) (ص: 17)، وانظر ((مفاهيم يجب أن تصحح)) (ص: 54)، وكتاب الهيتمي هو:((الجوهر المنظم في زيارة النبي المعظم)).

(3)

انظر ((المفردات للراغب)) (ص: 187) - و ((القاموس المحيط)) (ص: 1379). مادة (وسل).

(4)

رواه الترمذي (3578) ، وابن ماجه (1385)، قال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال البيهقي في ((دلائل النبوة)) (6/ 166): روي بإسناد صحيح، وصححه الألباني في ((صحيح الترمذي)).

(5)

انظر ((قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة)) في (ص: 115 - 259 - 260). و ((التوسل للألباني)) (ص: 76 - 83).

(6)

رواه البخاري (1010) ..

ص: 277

، فلو كان التوسل بالمكانة أو الجاه مشروعاً لما عدلوا عن التوسل به صلى الله عليه وسلم ومن ادعى جواز التوسل بذاته رده سياق الحديث، وعلى فرض صحة دعواه فإن ذلك لا يمكن إثباته حال الغيبة أو الموت للفرق الواضح بينهما - على فرض مشروعيته - وبين الاستغاثة بذلك الشخص. يوضحه: أن الاستغاثة هي طلب الغوث (1)، فالمستغيث طالب للغوث من المستغاث به، والاستغاثة تكون على ضربين:(1) أن يكون المستغاث منه ممكناً للخلق أن يغيثوا منه. (2) أن لا يكون ذلك في قدرة أحد إلا الله تعالى. فالأول: واضح لا إشكال فيه ولا خلاف في جوازه. وأما الثاني فإنّ الإنسان إذا استغاث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله يكون قد أشرك بالله تعالى، إذ إجابة المضطرين على هذا النحو من خصائص ربوبية الله تعالى كما قال: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل: 62]، وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 4 - 5]، وقال تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: 13 - 14].فقد حكم الله بضلال من يدعو من لا يستجيب له، ثم بين أن له الملك وحده، وأن غيره لا يملك شيئاً فوجب إذاً أن يدعى الله وحده، ثم حكم أن المدعوين من دونه لا يسمعون إما لموتهم أو نحو ذلك، ولو سمعوا ما استجابوا وقد سمى الله ذلك شركاً (2).فعلى هذا تكون الاستغاثة المنفية عن غير الله نوعين (3): الأولى: الاستغاثة بالميت مطلقاً في كل شيء. والثانية: الاستغاثة بالمخلوق الحي فيما لا يقدر عليه إلا الخالق. ومما تقدم يعرف الفرق بين التوسل بدعاء الشخص وبين الاستغاثة به، فالمستغاث به مطلوب مدعو، وأما المتوسل به فهو غير مطلوب ولا مدعو، وإنما يطلب به، والمستغيث كذلك طالب من المستغاث به، بخلاف توسله بالشخص فإنه طالب به لا منه، وإنما يطلب من الله تعالى وحده ويفرده بالدعاء والمسألة في أن يقبل شفاعة المتوسل به (4). الأمر الثاني: مما فيه قلب الحقائق: فإنهم ذكروا أن الدعاء الوارد في الآيات إنما هو عبادة لا طلب ومسألة، وفرق بين العبادة والمسألة (5) ومقصودهم من هذا التفريق: أن دعاء المسألة لا شرك فيه، ولو كان السائل ينادي ميتاً أو غائباً أو جماداً، إذ الدعاء - الذي هو الطلب - ليس من العبادة! والجواب من وجهين: الوجه الأول: لا شك أن الدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة - والإضافة هنا بيانية أي الدعاء الذي هو عبادة، والدعاء الذي هو السؤال والطلب، والفرق بينهما هو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "

(1) انظر ((الدر النضيد للشوكاني)) (ص: 144) ضمن الرسائل السلفية.

(2)

انظر ((الرد على شبهات المستغيثين بغير الله)) لأحمد بن إبراهيم بن عيسى النجدي ((ص: 41 - 42).

(3)

انظر ((القول الفصل النفيس في الرد على ابن جرجيس)) (ص: 179)، وانظر ((تطهير الاعتقاد)) (ص: 25).

(4)

انظر ((الاستغاثة والرد على البكري)) (ص: 190) و ((غاية الأماني في الرد على النبهاني)) (2/ 291).

(5)

انظر هذه الشبهة في ((الدرر السنية)) (ص: 34) و ((رسالة قوة الدفاع والهجوم)) (ص: 22).

ص: 278

دعاء العبادة يكون الله هو المراد به، فيكون الله هو المراد، ودعاء المسألة يكون (الله هو) المراد منه، كما في قول المصلي: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] فالعبادة إرادته، والاستعانة وسيلة إلى العبادة، (فإرادة العبادة): إرادة المقصود، وإرادة الاستعانة: إرادة الوسيلة إلى المقصود، ولهذا قدم قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وإن كانت لا تحصل إلا بالاستعانة، فإن العلة الغائية مقدمة في التصور والقصد، وإن كانت مؤخرة في الوجود والحصول، وهذا إنما يكون لكونه هو المحبوب لذاته" (1). ودعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة، ودعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، وذلك يتضح بالآتي: وهو أن دعاء المسألة: طلب الداعي ما ينفعه، وطلبه كشف ما يضره أو دفعه عنه قبل وقوعه، والضر والنفع مالكهما هو الله سبحانه، ومالك الضر والنفع هو المعبود لا غيره، ولهذا عاب الله تعالى من يعبد ما لا يملك ضراً ولا نفعاً وبهذا يظهر أن العابد لابد أن يكون راجياً من معبوده نفعاً وطالباً منه كشف الضر أو دفعه ويفزع إليه في ذلك - وهذا من تمام عبوديته - فإذاً إن عبوديته لله تستلزم أن يسأل الله تعالى ويدعوه، وفي سؤاله لله تعالى قد جمع أنواعاً من العبادة: منها: إسلام الوجه له تعالى ورغبته إليه والاعتماد عليه والخضوع والتذلل له وحده، لهذا كان دعاء المسألة متضمناً لدعاء العبادة (2). وعليه بطل قولهم في أن دعاء المسألة ليس بعبادة. الوجه الثاني: هذا الذي ذكروه من أن الدعاء ليس بعبادة قول مخالف لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقول الأئمة ولقول المتقدمين من الأشاعرة ومنهم الرازي الذي صرح بأن الدعاء هو أعظم العبادات. ثم إن الله نص على أن دعوة المشركين لشركائهم دعاء مسألة من الشرك به، وذلك بعد بيانه أنه مالك كل شيء وأن من دونه لا يملكون شيئاً فقال: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر 13 - 14]- قول: لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ صريح في أن الدعاء كان دعاء مسألة، ثم وصفه بكونه شركاً بقوله: يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وهذا رد على زعم من يقول إن دعاء المسألة ليس بعبادة (3). الشبهة الثانية: دعوهم أن الإنسان إذا دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله لا يكون مشركاً إلا إذا اعتقد أن لغير الله تأثيراً أو اعتقد الألوهية لغير الله. فمن أقوالهم في هذه المسألة: "فالذي يقدح في التوحيد هو اعتقاد التأثير لغير الله أو اعتقاد الألوهية واستحقاق العبادة لغير الله، وأما مجرد النداء من غير اعتقاد شيء من ذلك فلا ضرر فيه" (4). والجواب: هذه الشبهة تدور حول مسألتين: الأولى: أن ذلك الدعاء لا يكون شركاً إلا إذا صاحبه اعتقاد التأثير لغير الله. الثانية: أو إذا صاحبه اعتقاد الألوهية واستحقاق العبودية لغير الله.

(1)((النبوات)) (ص: 136) وما بين العلامتين () فزيادة مني للإيضاح.

(2)

((الرد على شبهات المستغيثين بغير الله)) - للشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى (ص: 47).

(3)

انظر ((الرد على شبهات المستغيثين بغير الله)) (ص: 41).

(4)

((الدرر السنية)) (ص35) وانظر ((شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق)) (ص: 150) و ((رسالة قوة الدفاع والهجوم)) (ص: 18) و ((مفاهيم يجب أن تصحح)) (ص: 21 - 25، 95).

ص: 279

أما الأولى: فالجواب عليها من وجهين: الوجه الأول: لا نسلم أن من لجأ إلى غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله أنه لم يعتقد فيه التأثير - وإلا فما الذي ألجأه إلى أن يستغيث به ويدعوه؟ وقد تقدمت أدلة وافية تفيد أن من أسباب الشرك: الغلو في الصالحين - وإساءة الظن برب العالمين، (1) فبمجموع الأمرين يقع الشرك فالذي دعا غير الله تعالى رائده في ذلك: اعتقاده في مدعوه التأثير وظنه أن الله لا يستجيب له لكثرة ذنوبه ومعاصيه. وخير من قول دحلان قول الشيخ محمد عبده: "فالإشراك اعتقاد أن لغير الله أثراً فوق ما وهبه الله من الأسباب الظاهرة، وأن لشيء من الأشياء سلطاناً على ما خرج عن قدرة المخلوقين، وهو اعتقاد من يعظم سوى الله مستعيناً به فيما لا يقدر العبد عليه كلاستنصار في الحرب بغير قوة الجيوش، والاستشفاء من الأمراض بغير الأدوية التي هدانا الله إليها، والاستعانة على السعادة الأخروية أو الدنيوية بغير الطرق والسنن التي شرعها الله لنا، هذا هو الشرك الذي كان عليه الوثنيون ومن ماثلهم، فجاءت الشريعة الإسلامية بمحوه ورد الأمر فيما فوق القدرة البشرية والأسباب الكونية إلى الله وحده"(2)، فهذا إثبات واضح للتلازم الذي ذكرناه. الوجه الثاني: إنه لو سلم - جدلاً - أن المستغيث بغير الله تعالى قصده أن يتخذ مدعوه واسطة بينه وبين الله دون أن يعتقد تأثيره - فهذا باطل أيضاً، إذ هذا هو قصد المشركين الأوائل الذين أقروا لله تعالى بالوحدانية في الربوبية واتخذوا وسطاء بينهم وبين الله تعالى (3) كما قال الله عنهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: 3]. وقال: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ [يونس: 18].وقد تقدم قول الرازي في صور اتخاذ الشفعاء عند الله، وإنكاره ما رآه من أهل زمانه من تعظيم قبور الأكابر، وعده له نظير ما فعل عباد الأصنام، ويضاف إليه كذلك قول التفتازاني - فإنه بعدما ذكر التوحيد بدأ يعدد أصناف المشركين الذين يعتقدون وجود تأثير للكواكب ونحوها - فذكر منهم عباد الأصنام وأن عبادها لا يعتقدون فيها كونها مؤثرة مدبرة فقال:"وأما الأصنام فلا خفاء في أن العاقل لا يعتقد فيها شيئاً من ذلك - (قال) فلهم في ذلك تأويلات باطلة" فذكر خمسة تأويلات، فقال عن التأويل الخامس:"الخامس: أنه لما مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله تعالى اتخذوا تمثالاً على صورته وعظموه تشفعاً إلى الله تعالى وتوسلاً"(4). وأما المسألة الثانية من الشبهة وهي: أن الإنسان يعتبر مشركاً كذلك إذا اعتقد الألوهية واستحقاق العبادة لغير الله. فالجواب: قد تقدم معنى الألوهية، ومعنى العبادة - وبه يظهر أن من صرف شيئاً منها لغير الله يعتبر مشركاً. ومن كلامهم يظهر مدى تقصيرهم في معرفة العبادة - فهم لا يعدون الدعاء من العبادة، وهذا قد وقع فيه المتأخرون، وإلا فقد تقدم النقل عن بعض كبار الأشاعرة في أن الدعاء هو أعظم أنواع العبادة. وعليه فإنه يقال: إن من دعا غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله يكون قد اعتقد الألوهية لغير الله تعالى فعلاً وإن لم يسمها بذلك لفظاً.

‌المصدر:

منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبداللطيف - 1/ 185

(1) انظر مثلاً قول محمد النور في كتابه ((طبقات ود ضيف الله)) (ص: 273) فإنه قال عن أحد المشايخ: (ولقد أعطاه الله الدرجة الكونية وهو لغة: كن فيكون!) اهـ. فهذا يدل على أن أولئك المريدين لجأوا إلى أولئك المشايخ! بالدعاء والخشية وغير ذلك، لاعتقادهم فيهم أوصاف الربوبية، التي عبر عنها هؤلاء باعتقاد التأثير.

(2)

((رسالة التوحيد)) للشيخ محمد عبده (ص: 75).

(3)

((انظر الصواعق المرسلة الشهابية لابن سحمان)) (ص: 128، 135) وانظر ((كشف الشبهات في التوحيد)) للشيخ محمد بن عبدالوهاب (ص: 15). و ((القول الفصل النفيس في الرد على المفتري داود بن جرجيس)) تأليف الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ص: 38 - 39).

(4)

((شرح المقاصد)) (4/ 41 - 42). انظر ((التنبيه المتقدم)) (ص: 11).

ص: 280