المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

لقد أفرط الأشاعرة كغيرهم من علماء الكلام في الاعتماد على الأدلة العقلية والتقليل من شأن الأدلة السمعية، مع أن الأدلة العقلية التي سلكوها في معارضة الشرع كلها غير مستقيمة.

والمقصود في هذا المبحث بيان بعض صور الاضطراب والتناقض عندهم في مسألة الاعتماد على الدليل العقلي، وذلك في خمس مسائل:

المسألة الأولى: قولهم بعدم التيقن من انتفاء المعارض العقلي في الدليل النقلي مع الجزم بانتفائه في الدليل العقلي. مما اشترطه الأشاعرة في الدليل النقلي ليتم الاستدلال به على وجه القطع واليقين: العلم بعدم المعارض، وذكروا بأنه على فرض وجود القرائن المرجحة لإفادة الأدلة النقلية القطع، إلا أنه يبقى "في إفادتها لليقين في العقليات نظر لأنه مبني على أنه هل يحصل بمجردها الجزم بعدم المعارض العقلي؟ وهل للقرينة مدخل في ذلك؟ وهما مما لا يمكن الجزم بأحد طرفيه" (1) وهذا الذي قاله الأشاعرة علق عليه ابن القيم بقوله:"ولا ريب أن هذا القول من أفسد أقوال العالم، وهو من أعظم أصول أهل الإلحاد الزندقة، وليس في عزل الوحي عن مرتبته أبلغ من هذا"(2) اهـ.

وهذا الذي قاله الأشاعرة في الدليل النقلي يلزمون به في الدليل العقلي، إذ أين الدليل على عدم وجود المعارض العقلي فيه؟ فإن قالوا: إنه لا دليل على وجود المعارض العقلي، فيدل على عدمه، قيل لهم: لقد أثبتم أنتم أنفسكم ضعف هذا الدليل، فقد قال الإيجي: "المقصد الخامس: وههنا طريقان ضعيفان:

الأول: قالوا: ما لا دليل عليه يجب نفيه

الثاني: قياس الغائب على الشاهد" (3) ولم يبق بعد هذا كله إلا قولهم: "عدم المعارض والغلط في المقدمات القطعية ضروري" (4) اهـ وهذا الجواب صحيح، ولكن يقال لهم: أليس التجويز قائماً عقلاً بوجود المعارض العقلي؟ مثاله ما ذكره الرازي من أنه إذا رأى شخص شخصاً أمامه، ثم أغمض عينه، ثم نظر إليه ثانياً، فإنه يحتمل أن يكون شخصاً آخر يماثله، إذ أن الله يقدر على إفناء الشخص الأول في تلك اللحظة اللطيفة ويوجد شخصاً آخر يماثله (5) ومع بقاء هذا الاحتمال قالوا: "إنه لا يمتنع أن يكون الشيء معلوم الجواز والإمكان، ومع ذلك فإنه يكون الجزم والقطع حاصلاً بأنه لم يوجد ولم يحصل" (6) وقالوا:"قد يحصل القطع والجزم مع قيام مثل هذا التجويز"(7) اهـ. فعندئذ يقال لهم: أليس اختياركم هذا مناقضاً لما ذهبتم إليه من أن الدليل النقلي لا يكفي بمجرده في الجزم بعدم المعارض العقلي ولو كانت القرائن شاهدة على إفادته اليقين؟ لاشك أن هذا تناقض بين.

(1)((المواقف في علم الكلام)) للإيجي (ص: 40).

(2)

((الصواعق المرسلة)) (2/ 732).

(3)

((المواقف في علم)) الكلام للإيجي (ص: 37).

(4)

((المواقف في علم الكلام)) للإيجي (ص: 37).

(5)

انظر: ((المطالب العالية)) (8/ 97 - 98).

(6)

قاله الرازي في ((المطالب العالية)) (8/ 97).

(7)

قاله الرازي أيضاً في ((المطالب العالية)) (8/ 99).

ص: 496

المسألة الثانية: قطعهم بعلمهم بالآخرة مع عدم تيقنهم بانتفاء المعارض العقلي في الدليل النقلي: إن المتكلم الأشعري بقوله إن الدليل النقلي لا يكفي بمجرده في الجزم بعدم المعارض العقلي يلزم القول بأن الأدلة النقلية كلها إما: "أنها تفيد ظناً أو لا تفيد علماً ولا ظناً، فإن قال: لا تفيد علماً ولا ظناً، فهو مع مكابرته للعقل والسمع والفطرة والإنسانية من أعظم الناس كفراً وإلحاداً، وإن قال: بل تفيد ظناً غالباً وإن لم تفد يقيناً قيل له: فالله سبحانه قد ذم الظن المجرد وأهله فقال تعالى: إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم: 28] فأخبر أنه ظن لا يوافق الحق ولا يطابقه، وقال تعالى: إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى [النجم: 23] وقال أهل النار إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية: 32] ولكان قوله عن المؤمنين: وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة: 4] خبراً غير مطابق، فإن علمهم بالآخرة إنما استفادوه من الأدلة اللفظية، لا سيما وجمهور المتكلمين يصرحون بأن المعاد إنما علم بالنقل"(1)." (2) اهـ.

فلا شك في وقوعهم في التناقض عندئذ في إثبات السمعيات بصورة قاطعة مع قولهم إن الدليل النقلي لا يكفي بمجرده في الجزم بعدم المعارض، إذ تصور تجويز إمكانه وارد على أصلهم فيسوغ تأويل السمعيات، فإن منعوا تأويلها وقعوا في التناقض.

المسألة الثالثة: الاضطراب في تحديد ما يستدل له بدليل العقل فقط أو بدليل النقل فقط:

فهم قد اتفقوا مثلاً على أن صفات الحياة والعلم والقدرة والإرادة أدلتها عقلية فقط، والسمع إنما يأتي على وجه التأكيد، ثم اختلفوا بعد ذلك في صفات البصر والسمع والكلام هل هي سمعية أو عقلية؟ ويظهر مثل هذا الاضطراب في مثل جواز إثبات رؤية الله تعالى – فمنهم من أثبت جواز وقوعها بالسمع فقط ومنهم من أثبت جواز وقوعها بالعقل (3).

المسألة الرابعة: تناقضهم في أصل الأدلة عندهم (دليل الحدوث):

(1) انظر: ((الاقتصاد في الاعتقاد)) للغزالي (ص: 103).

(2)

((الصواعق المرسلة)) (2/ 739 - 740).

(3)

انظر: ((نهاية الإقدام)) (ص: 369).

ص: 497

إن الأصل الذي لأجله أول الأشاعرة النصوص الواردة بالصفات الفعلية هو نفي حلول الحوادث – فإن إثباتها يؤدي إلى إبطال دليل الحدوث الذي أثبتوا به وجود الله تعالى، فظهر من هذا أن أكبر مشكلة واجهتهم هي هذه، لأنها منافية لدليل الحدوث، ولكن مع هذا كله يبقى الكلام في أنه هل من حاجة إلى هذا الدليل؟ الجواب: لا، وذلك لأمرين: الأمر الأول: إن إثبات وجود الله أمر فطري، وقد أقر بهذا كبار علماء الأشاعرة كما تقدم النقل عن الشهرستاني (1). ومن هؤلاء الرازي فإنه عدد أصناف الناس من أهل الدنيا كلها ثم قال:"وكلهم مطبقون على وجود الإله"(2) وقال عن الوحدانية: "اعمل أنه ليس في العالم أحد يثبت لله شريكاً يساويه في الوجود والقدرة والعلم والحكمة، وهذا مما لم يوجد إلى الآن، لكن الثنوية يثبتون إلهين، أحدهما حكيم يفعل الخير، والثاني سفيه يفعل الشر، وأما الاشتغال بعبادة غير الله الذاهبين إليه كثرة."(3).الأمر الثاني: إن كبار المتبحرين في علم الكلام والغائصين في العقليات، جزموا بأن طريقة القرآن أقرب على الحق والصواب وأن طرق المتكلمين لا تخلوا من إشكال قال الرازي:"إن الدلائل التي ذكرها الحكماء والمتكلمون وإن كانت كاملة قوية، إلا أن هذه الطريقة المذكورة في القرآن عندي: أنها أقرب إلى الحق والصواب، وذلك لأن تلك الدلائل دقيقة، وبسبب ما فيها من الدقة انفتحت أبواب الشبهات وكثرت السؤالات، وأما الطريق الوارد في القرآن فحاصله راجع إلى طريق واحد، وهو المنع من التعمق، والاحتراز عن فتح باب القيل والقال، وحمل الفهم والعقل على الاستكثار من دلائل العالم الأعلى والأسفل، ومن ترك التعصب وجرب مثل تجربتي علم أن الحق ما ذكرته، ولما ثبت أن هذا الطريق الذي ذكره الله في القرآن أنفع، وفي القلوب أرجح، لا جرم أفردنا له باباً مستقلاً"(4).

فظهر من مجموع الأمرين السابقين؛ الفطرة مع كفاية دليل الآيات عن دليل الحدوث: أن الاعتماد على دليل الحدوث في إثبات وجود الله قول غير مستقيم، وكان عليهم أن يؤمنوا بما جاء به الكتاب والسنة من إثبات الصفات، إذ قد سلم بعضهم بأن دليل الحدوث ليس هو العمدة في إثبات وجود الله لما يرد عليه من إشكالات. فإن لم يرجعوا كان هذا تناقضاً واضطراباً.

المسألة الخامسة: القول بأن العقل هو العمدة مع بقاء إشكالات لم يستطيعوا الإجابة عنها عقلاً:

(1) انظر ((كلام الإيجي في المواقف)) (ص: 279).

(2)

((المطالب العالية)) (1/ 252).

(3)

((مفاتيح الغيب)) للرازي، وهو تفسيره الكبير (13/ 37) وانظر منه كذلك (2/ 122).

(4)

((المطالب العالية)) (1/ 236).

ص: 498

مع شدة الوثوق بدليل العقل بقيت إشكالات على الأشاعرة لم يستطيعوا الإجابة عنها، فيقعون إما في الحيرة أو الرجوع إلى دليل السمع. فمن ذلك أن الشهرستاني لما ذكر ما أورد على الأشاعرة في مسألة تعلقات الكلام بأنه يلزمهم إثبات صفة واحد أو نفي كل الصفات قال:"ثم هل تشترك هذه الحقائق والخصائص في صفة واحدة؟، فتلك الطامة الكبرى على المتكلمين، حتى فر القاضي أبو بكر الباقلاني رضي الله عنه منها إلى السمع، وقد استعاذ بمعاذ والتجأ إلى ملاذ والله الموفق"(1) ولم يعقب بشيء، وفي إقراره للباقلاني بالاستدلال بدليل السمع يفيد أن له شعوراً عميقاً بعدم الوثوق بالأدلة العقلية الوثوق التام. ومن ذلك قول الشهرستاني نفسه لما أوردت شبهات كثيرة في مسألة جواز وقوع الرؤية عقلاً فقال:"واعلم أن هذه المسألة سمعية، أما وجود الرؤية فلا شك في كونها سمعية، وأما جواز الرؤية فالمسلك العقلي ما ذكرناه، وقد وردت عليه تلك الإشكالات، ولم تسكن النفس في جوابها كل السكون ولا تحركت الأفكار العقلية إلى التفصي عنها كل الحركة، فالأولى بنا أن نجعل الجواز أيضاً مسألة سمعية"(2)!!

أليس هذا الكلام يناقض دعوى الوثوق بالعقل وأنه العمدة؟ - ثم على فرض أنه لا مدخل للعقل في إثبات جواز الرؤية، إلا أنه بقي شرط في الاستدلال بالدليل النقلي، وهو عدم وجود المعارض العقلي، كيف وهو قائم – على زعمهم – أليس هذا هو التناقض؟!.ومن ذلك أيضاً ما ذكره الرازي في المقابلة بين أدلة أصحابه الأشاعرة وبين أدلة المعتزلة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين ثم قال بعدها:"واعلم أن هذه المذاهب لما تلخصت على هذا الوجه، وظهر ما في كل واحد منها من المدائح والقبائح، فعند هذا قال أصحاب الحيرة والدهشة: إن هذه الدلائل ما بلغت في الوضوح والقوة إلى حيث تزيل الشك وتقطع العذر وتملأ بقوتها ونورها العقل، بل كل واحد منها يتوجه فيه نوع غموض، واللائق الرحيم الكريم أن يعذر المخطئ في أمثال هذه المضائق وعند هذا أتضرع وأقول: إلهي حجتي: حاجتي، وعدتي: فاقتي، ووسيلتي إليك: نعمتك علي، وشفيعي عندك: إحسانك إلي. إلهي أعلم أنه لا سبيل إليك إلا بفضلك، ولا انقطاع عنك إلا بعدلك، إلهي، لي علم كالسراب وقلب من الخوف خراب، وأنواع من المشكلات بعدد الرمل والتراب، ومع هذا فأرجوا أن أكون من الأحباب فلا تخيب رجائي، يا كريم يا وهاب. إلهي إنك تعلم أن كل ما قلته وكتبته ما أردت به إلا الفوز بالحق والصواب والبعد عن الجهل والارتياب، فإن أصبت فاقبله مني بفضلك، وإن أخطأت فتجاوز عني برحمتك وطولك يا ذا الجود يا مفيض الوجود"(3) اهـ.

‌المصدر:

منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - 2/ 649

(1)((نهاية الإقدام)) (ص: 236 - 237).

(2)

((نهاية الإقدام في علم الكلام)) (ص: 369).

(3)

((المطالب العالية)) (4/ 426 - 427).

ص: 499