المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

ويمكن حصر التناقض والاضطراب في هذا النوع في مسألتين:

المسألة الأولى: في الإثبات: التناقض الأول: أثبت الأشاعرة من الصفات الوجودية الثبوتية سبع صفات سموها صفات المعاني، ونفوا ما عداها من الصفات الخبرية الذاتية والفعلية، فألزمهم الناس إلزاماً قوياً وهو: إن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر، فإن كان لا يلزم من إثبات الصفات السبع أي محذور من المعاني الباطلة من الجسمية أو حلول الحوادث أو التركيب، فكذلك لا يلزم من إثبات بقية الصفات تلك المحاذير – وهذا هو الصواب -. وإن كان يلزم من إثبات بقية الصفات تلك المحاذير، فقد لزم إثباتها من الصفات السبع كذلك، إذ الأصل واحد كما تقدم (1). ولا شك أن الذي دفعهم إلى هذا التفريق هو ما توهموه من قياس الغائب على الشاهد – وسيأتي مزيد بيان لتناقضهم في السبب الموجب للتأويل إن شاء الله.

التناقض الثاني: إن طريقة إثباتهم لصفات المعاني طريقة غريبة أوقعتهم في بعض الإشكالات المتناقضة:

منها أنهم أثبتوا إرادة قديمة ذاتية – وهذا حق – ولكنهم نفوا تخصيصاً فعلياً فلزمهم أحد أمرين: إما أن يقولوا إن الحوادث كلها قديمة لقدم موجبها – وهم لا يقولون به-.، أو يقولوا إن كل حادث حدث بعد أن لم يكن لتخصيصه بالإرادة في وقته المعين، فيلزم إثبات الصفات الاختيارية، وهو الصواب.

ومنها: أنهم أثبتوا نوعين من الكلام، نفسي قديم أزلي وآخر لفظي مخلوق، ثم قالوا بأن الأسماء الحسنى – وهي كلام الله – غير مخلوقة فاضطربوا، وحاولوا تخريج هذا القول فلم يوفقوا.

ومنها: أنهم جوزوا عقلاً وقوع الكذب عليه يثبت بالشرع، والشرع يثبت بالمعجزة، وهي لا تثبت إلا بالعلم بامتناع الكذب على الله، فحصل الدور!

والثاني: جواز إفحام الأنبياء، إذ يمكن على أصلهم إفحام الأنبياء بأنه لا يلزم من الإتيان بالمعجزة إثبات صدقهم!

ومنها أنهم أثبتوا تعدداً للكلام بحسب تعلقاته أما هو في أصله فمعنى واحد، فألزموا بأمرين:

الأول: إذا كان التعدد في الكلام إنما هو بحسب التعلق فإذا كان طلب فعل سمى أمراً، وإذا كان طلب ترك سمي نهياً وهكذا

فلم لا يجوز أن يقال إن الصفات السبع التي أثبتموها حقيقتها صفة واحدة، وتعددها إنما هو بحسب التعلقات فقط، فمثلاً إذا تعلقت تلك الصفة بالممكن إيجاداً سميت قدرة، وبه تخصيصاً سميت إرادة، وإذا تعلقت بالموجود انكشافاً سميت سمعاً أو بصراً .. – وهكذا إلى بقية الصفات.

الثاني: وهو متفرع عن هذا الإلزام، وهو: إذا عادت حقيقة الصفات السبع إلى صفة واحدة، فلم لا يجوز رد هذه الصفة إلى الذات فلا تثبت له أي صفة، فيقال عندئذ: إن الذات إذا تعلقت بإيجاد الممكن سميت قدرة، وإذا تعلقت بتخصيصه سميت إرادة – وهكذا.

ومنها في صفة العلم، فإنهم اشترطوا لإثباته قصد إتقان الفعل وإحكامِهِ، لأنه إذا لم يشترط كان حدوث الفعل اتفاقياً – وهو لا يدل على العلم، لذلك اشترطوه – وهذا كلام مستقيم، ولكنهم تناقضوا، فنفوا قصد الحكمة في أفعال الله وأحكامه، وأثبتوا حكمة في الجملة، أما أن تكون مقصودة فلا، فصارت الحكمة على أصلهم هذا اتفاقية لا مقصودة، وكل ما أوردوه من إشكالات في صفة الحكمة فإنها ترد عليهم في العلم والإرادة كذلك.

المسألة الثانية: في التنزيه:

وأما تناقضهم واضطرابهم فيه ففي عدة أشياء منها: أنهم اعتمدوا في نفي الصفات الفعلية كالغضب والرضى والنزول والاستواء على أصل: نفي حلول الحوادث، ثم شرعوا في تأويلها، فثبت تناقضهم في أمرين:

(1) انظر ((التدمرية)) (ص: 31 - 32).

ص: 494

الأول: إنه ما من شك في وجود المفعولات، فيلزم أحد أمرين، إما أن يقال: هي قديمة أزلية لأن الموجب لها وجود القدرة والإرادة، وهما صفتان أزليتان ولا شك في صلاحيتهما للإيجاد أزلاً، وإما أن يقال إنه قد حدث تخصيص في وقت معين لإحداث الفعل، وهو أمر لازم – وهم يسلمون به – ولكنهم يقولون إن الذي حدث هو التعلق، ولكن ما زال الإشكال باقياً: وهو هل هذا التعلق أمر وجودي أو عدمي؟ - فإن كان الأول فقد أثبتوا فعلاً اختيارياً ولابد وإن سموه تمويهاً بحلول الحوادث، وإن كان الثاني فإن العدم ليس بشيء فضلاً عن أن يوجد شيئاً ولهذا السبب اضطربوا في معنى التعلق فمنهم من أثبته أمراً وجودياً، ومنهم من عده من النسب والإضافات وأن الموجب لذلك الذات!! الثاني: إن المعنى الذي فروا إليه يلزمهم فيه نظير ما فروا منه بل أشد، فمثلاً تأويل الاستواء بالاستيلاء، فإن الاستيلاء دال على المغالبة كما قال أهل اللغة، فإنه قد جاء رجل إلى ابن الأعرابي فقال له: "ما معنى قول الله عز وجل الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] فقال: هو على عرشه كما أخبر عز وجل، فقال: يا أبا عبدالله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: اسكت: ما أنت وهذا، لا يقال: استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، فإذا غلب أحدهما قيل استولى

" (1) ويزداد قبح هذا التأويل بورود كلمة "ثم" الدالة على التراخي في قوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] فقد لزمهم هنا ما هو أشد من المعنى الذي فروا منه. وهكذا يلزم الأشعري في تأويل الغضب فإن قال: "هو غليان دم القلب لطلب الانتقام، قيل له: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة، فإن قلت (أيها الأشعري) هذه إرادة المخلوق، قيل لك وهذا غضب المخلوق" (2) فظهر من هذا أن الذي فر إليه الأشعري فيه من اللوازم نظير ما فر منه مما توهم فيه الباطل. ولذلك فإن الأشاعرة يلزمون هنا بما قد ذكروا من أن وجود بعض الاشتراك لا يوجب المماثلة، فكان يلزمهم ذلك في الصفات التي نفوها بزعم المشاركة والمشابهة، فمن أقوالهم في هذه المسألة قول الرازي فإنه قد قال: "فإن قيل المشاركة في صفات الكمال تقتضي المشاركة في الإلهية؟ قلنا: المشاركة في بعض اللوازم البعيدة مع حصول المخالفة في الأمور الكثيرة لا يقتضي المساواة في الإلهية، ولهذا المعنى قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]." (3) اهـ فظهر من هذا الاعتراف تناقضهم في التفريق بين المتماثلات.

ومما اعتمدوا عليه في التنزيه: نفي الجسمية، فنفوا صفات كثيرة ذاتية وفعلية واردة في الكتاب والسنة مثل: العلو والاستواء واليدين. فألزمهم الناس بالتناقض إذ هم قد أثبتوا أن الله قائم بنفسه، فما معنى القيام بالنفس؟ "وذكروا أن بعضهم أورد هذا على أبي إسحاق الإسفراييني ففر إلى قوله: إنما أعني بقوله: قائم بنفسه: أنه غير قائم بغيره! وهذا عجب! فإنه إذا كان موجوداً، والموجود إما قائم بنفسه: أنه غير قائم بغيره! وهذا عجب! فإنه إذا كان موجوداً، والموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره، فقوله:"غير قائم بغيره" إنما حاصله أنه قائم بنفسه، فحاصل جوابه إنما يعني بقوله: قائم بنفسه أنه قائم بنفسه!! " (4)

فإذا كان لا يلزمهم من قولهم: إنه قائم بنفسه، إثبات الجسمية، فكذلك لا يلزم من إثبات العلو والاستواء واليدين ونحو ذلك من الصفات إثبات الجسمية – فإن كان يلزم في الثانية فقد لزم في الأولى، فيلزم الوقوع في التناقض.

‌المصدر:

منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - 2/ 642

(1) أخرجه عنه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (3/ 399 – برقم: 666).

(2)

((التدمرية)) (ص: 32).

(3)

((أساس التقديس)) (ص: 86 - 87).

(4)

((القائد على تصحيح العقائد)) للمعلمي (ص: 213).

ص: 495