المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

يتلخص الرد الإجمالي: على استدلال المبتدعة بقصة الخليل إبراهيم عليه السلام على تصحيح دليلهم، وعلى نفي الصفات الاختيارية عن الله جل وعلا، ونفي أن يكون جسماً، فيما يأتي:1 - إن مبدأ معرفة الأنبياء عليهم السلام لربهم جل وعلا، ولشرائعه تبارك وتعالى تكون عن طريق الوحي، لا بالنظر (1).

يدل على ذلك قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا [الشورى: 52]، وقوله تبارك وتقدس: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [الضحى: 7]، وغير ذلك من الآيات ..

2 -

إن قصة المناظرة كانت بعد بعثة إبراهيم الخليل عليه السلام.

وقد كان الخليل عليه السلام وقتها عارفاً بربه جل وعلا ..

ولم يكن المقام مقام استدلال بالمحدث على المحدث كما زعم المبتدعة، بل كان مقام لقومه، وإبطال لعبادتهم الكواكب من دون الله تعالى

يدل على ذلك قوله تعالى قبل ذكر قصة المناظرة: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام: 75]، ثم قال بعدها: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ [الأنعام: 76]

الآيات.

والفاء للعطف والترتيب ..

وهذا يدل على أن الخليل عليه السلام ناظر قومه، وبين لهم بطلان عبادتهم للكواكب بعد أن رأى ملكوت السموات والأرض، أو بعد مناقشة لأبيه آزر بشأن عدم صلاحية الأصنام للعبادة.

- وهذا الفهم يعضده أمران، هما:

أ- في قول الله تبارك وتعالى: نُرِي: إشارة إلى سبق معرفة إبراهيم بربه جل وعلا، ومعناها: أن الله هو الذي أرى إبراهيم الخليل عليه السلام ملكوت السموات والأرض قبل مناظرته لقومه، لا أن إبراهيم عليه السلام أنشأ استدلالاً فيما بعد ليتوصل إلى إثبات الصانع؛ كزعم المبتدعة ..

ب- في قول الله تعالى: وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ: إشارة إلى أن اليقين قد حصل لإبراهيم الخليل عليه السلام قبل مناظرته لقومه .. واليقين: هو العلم، وزوال الشك (2).

والذي حصل له العلم بربه، وزال الشك عنه، هل يحتاج على الاستدلال ليتوصل إلى معرفة ربه؟! ..

أم إنه تهيأ لمناظرة قومه، وإقامة الحجة عليهم؟

3 -

إن دليل الأعراض وحدوث الأجسام ليس طريقة الخليل عليه السلام، ولا طريقة إخوانه المرسلين عليهم أفضل الصلوات والتسليم ..

فلم يكن نبي من أنبياء الله عليهم السلام يدعو أحداً من أمته على الاستدلال على وجود الله تعالى بالجواهر والأعراض، والحركة والسكون، وغير ذلك من الألفاظ المجملة، والمعاني المبهمة التي ما أنزل الله بها من سلطان ..

بل هذا الدليل، وما يشتمل عليه من طريقة أعداء المرسلين، وطريقة أعداء الخليل عليه السلام بالذات ..

فقد تقدم أن من ابتدع هذا الدليل في الإسلام، تلقاه عن الصابئة المبدلين، وهم أعداء الخليل الذين بعث فيهم صلى الله عليه وسلم حينما عبدوا الكواكب من دون اللهِ، وهم المعنيون بالمناظرة هذه ..

4 -

إن الخليل عليه السلام كإخوانه من الأنبياء والمرسلين، لم يكن ينفي عن الله تعالى صفاته، لا بعضها، ولا كلها ..

بل كان مثبتاً للصفات، موقناً أن معبوده جل وعلا متصف بصفات الكمال، منكراً على من عبد من لا يسمع، ولا يبصر، ولا يغني عن عابديه شيئاً ..

(1) انظر: ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (2/ 1).

(2)

انظر: ((الصحاح للجوهري)) (6/ 2219).

ص: 475

فهو – عليه السلام – الذي قال لآبيه: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا [مريم: 42].

وهو – عليه السلام – الذي قال لقومه يعيب عليهم ما لا يسمع ولا يبصر، ولا ينفع ولا يضر: قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ [الشعراء: 72 - 73].

فاحتج على نفي إلهية ما سوى الله بكونهم لا يسمعون، ولا يبصرون، ولا ينفعون، ولا يضرون.

وهذه صفات ذاتية بالنظر إلى أصلها، فعلية بالنظر إلى تجدد آحادها ..

وهي حجة على المبتدعة من قول إبراهيم الخليل عليه السلام نفسه الذي استدلوا بقصته على مذهبهم .. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ما ذكره الله عن إبراهيم – عليه السلام – يدل على أنه كان يثبت ما ينفونه عن الله؛ فإن إبراهيم قال: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء [إبراهيم: 39]؛ والمراد: أنه يستجيب الدعاء؛ كما يقول المصلي: سمع الله لمن حمده. وإنما يسمع الدعاء ويستجيبه بعد وجوده لا قبل وجوده؛ كما قال تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة: 1]؛ فهي تجادل وتشتكي حال سمع الله تحاورهما وهذا يدل على أن سمعه كرؤيته المذكورة في قوله: وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 105]، وقال: ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس: 14]؛ فهذه رؤية مستقلة ونظر مستقل. وقد تقدم أن المعدوم لا يرى ولا يسمع منفصلا عن الرائي السامع باتفاق العقلاء فإذا وجدت الأقوال والأعمال سمعها ورآها. والرؤية والسمع أمر وجودي لا بد له من موصوف يتصف به؛ فإذا كان هو الذي رآها وسمعها، امتنع أن يكون غيره هو المتصف بهذا السمع وهذه الرؤية، وأن تكون قائمة بغيره، فتعين قيام هذا السمع وهذه الرؤية به بعد أن خلقت الأعمال والأقوال. وهذا قطعي لا حيلة فيه"(1).

فالمقصود أن الخليل عليه السلام قد أثبت الصفات الاختيارية لله تعالى، ومنها السمع والبصر ..

وعلى هذا فلا حجة في قول المبتدعة إن ما ورد في قصة مناظرة إبراهيم عليه السلام لقومه؛ من قوله لما احتجب الكوكب: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] دليل على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى – بزعمهم.

وتفنيد استدلالهم هذا سيأتي بشكل أوسع في المطلب الثاني التفصيلي – إن شاء الله.

5 -

إن الخليل عليه السلام لو قصد الاستدلال بالأعراض على نحو استدلال المتكلمين، لما قال: هَذَا رَبِّي أولاً، ولما فرق بين النجم والشمس والقمر، ولكان دليله على حدوث النجم يدل بعينه على حدوث سائر الأجسام؛ لأنه يكون قد أقام الحجة على الخصم بحدوث الأجسام حين أبطل ربوبية النجم ..

فلم أعاد الاستدلال عند رؤية القمر، ثم أعاده ثالثة عند رؤية الشمس؟

6 -

إن استدلال المبتدعة بقول الله تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام: 83] على تصحيح دليل الأعراض وحدوث الأجسام، وشرعيته؛ بزعمهم أن الله تعالى في هذه الآية قد صدق خليله عليه السلام في استدلاله بدليل الأعراض وحدوث الأجسام: مجانب للصواب.

فالله تعالى قال: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ، ولم يقل على نفسه ..

(1)((رسالة في الصفات الاختيارية لابن تيمية – ضمن جامع الرسائل)) (2/ 54 - 55).

ص: 476

فعلم أن هذه المباحثة إنما جرت بين إبراهيم عليه السلام، وقومه؛ لأجل أن يرشدهم إلى الإيمان والتوحيد، لا لأجل أن يطلب إبراهيم عليه السلام المعرفة لنفسه."ولهذا قال الخليل في تمام الكلام: إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: 78 – 79]. فقوله: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: يبين أنه إنما يعبد الله وحده، فله يوجه وجهه؛ فإنه إذا توجه قصده إليه، تبع قصده وجهه؛ فالوجه موجه حيث توجه القلب؛ فصار قلبه ووجهه متوجهاً إلى الله تعالى ولهذا قال: وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لم يذكر أنه أقر بوجود الصانع؛ فإن هذا كان معلوماً عند قومه، لم يكونوا ينازعونه في وجود فاطر السموات والأرض، وإنما كان النزاع في عبادة غير الله واتخاذه رباً" (1).

"فعلم مما تقدم أن الخليل عليه السلام لم يكن مستدلاً بدليل الأعراض وحدوث الأجسام على إثبات الصانع، بل كان محاججاً لقومه، منكراً عليهم عبادتهم الكواكب من دون الله تعالى.

‌المصدر:

الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد القادر عطا – 2/ 431

(1)((رسالة في الصفات الاختيارية لابن تيمية – ضمن جامع الرسائل)) (2/ 52، 53).

ص: 477