الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:
قياس الغائب على الشاهد:
هذا النوع من القياس وإن كان قد رده الأشاعرة في إثبات الصفات إلا أن الملاحظ استخدامهم له في النفي.
فقد صرح الإيجي في كلامه عن المسالك الضعيفة بضعف هذا القياس، فقال:"المقصد الخامس: وههنا طريقان ضعيفان"
الأول: قالوا ما لا دليل عليه فيجب نفيه. الثاني: قياس الغائب على الشاهد، ولابد من إثبات علة مشتركة، وهو مشكل الجواز كون خصوصية الأصل شرطاً، أو الفرع مانعاً
…
" (1) اهـ.
إلا أنه يلاحظ استخدامهم له في نفي ما ثبت لله جل وعلا من الصفات. ومن أمثلة ذلك:1 - قولهم في نفي الصوت عن الله جل وعلا – إذ قد لاحظوا أن الأصوات في الشاهد تحتاج إلى مخارج من الحلق واللسان والشفاة، ولابد من الاصطكاك ليحدث الصوت – قالوا: فإذا ثبت هذا، فإنه إن أثبت لله صوت لزم وجود هذه المخارج (2)! فهذا قياس باطل تقدمت الإجابة عنه.
2 -
قولهم في نفي صفة الاستواء: إنه لو كان مستوياً على العرش لكان محتاجاً إليه، لأنهم لم يعقلوا في الشاهد إلا هذا الاستواء الذي يكون المستوي فيه محتاجاً إلى ما يستوي عليه.
والأمثلة كثيرة جداً في النفي كلها دالة على تناقض الأشاعرة في هذا الدليل.
قياس الشمولوهذا القياس يستخدم لإثبات حكم لجزئي معين لوجود مشترك كلي متناول له ولغيره (3) ويستخدم فيه أداة "كل" الدالة على العموم والشمول.
وقد استخدم الأشاعرة هذا القياس في الإثبات وفي النفي. ففي الإثبات كقولهم لإثبات صفة الإرادة: "الله صانع للعالم بالاختياري، وكل من كان كذلك تجب له الإرادة، فالله تجب له الإرادة."(4).ومثاله في النفي: كل ما كان بجهة جازت عليه الحركة والسكون، وكل ما جازت عليه الحركة والسكون حادث، فإذا كان الله في جهة كان حادثاً – وهو محال – فثبت أنه ليس في جهة (5).
والمناقشة:
استخدام هذا القياس في إثبات الصفات استخدام لا يخلو من خطأ – إذ مؤداه ثبوت الإرادة للخالق كثبوتها للمخلوق – وهذا خطأ، فإن الصفة للخالق أكمل منها عند المخلوق، ولا اشتراك في حقيقتهما أبداً، والله عز وجل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]. فلا يجوز إدخاله وغيره في قضية كلية تستوي فيها أفرادها. ولذا فلو استخدموا قياس الأولى على قاعدة الكمال لكان استخداماً موافقاً للطريقة الشرعية، ونظمها هكذا: الإرادة صفة كمال في حق المخلوق، والخالق يمكن أن يتصف بها، فالخالق إذاً أولى أن يتصف بها على الوجه الأكمل، ويوضح إمكان اتصافه بها أن المخلوق المحدث قد اتصف بها وهي كمال فيه، ولم يستفد كماله هذا إلا من خالقه، ولا شك أن الله الذي جعل غيره كاملاً هو أحق بهذا الكمال منه، وثبوت هذا الكمال له لا يتوقف على غيره (6).
(1)((المواقف في علم الكلام)) للإيجي (ص: 37).
(2)
انظر ((الأسماء والصفات)) للبيهقي (ص: 273).
(3)
انظر معناه في ((الرد على المنطقيين)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص: 119) ونصه فيه: "هو انتقال الذهن من المعين إلى المعنى العام المشترك الكلي المتناول له ولغيره والحكم عليه بما يلزم المشترك الكلي" اهـ.
(4)
((تحفة المريد)) (ص: 66).
(5)
انظر مثل هذا على سبيل المثال في ((لباب العقول للمكلاتي)) (ص: 181).
(6)
انظر: ((ابن تيمية السلفي)) للهراس (ص: 66 - 113).
واستخدامهم لهذا القياس في النفي خطأ كذلك، إذ فيه إدخال الله جل وعلا مع غيره في قضية كلية تستوي أفرادها والله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11].وبهذا يعلم أن كل الشبهات التي أوردها الأشاعرة وغيرهم من علماء الكلام على أهل السنة في إثباتهم للصفات الخبرية الفعلية والذاتية – مبنية على هذا الأصل، وبه يعلم أن كل معطل ممثل، فإنه ما عطل المعطل إلا لاعتقاده أن ما نفاه لو أثبته للزم منه التشبيه والتمثيل، فيكون قد انقدح في نفسه هذا التشبيه أولاً ثم عطل ثانياً (1).
ومما وجه من نقد على هذا القياس – بجانب الخطأ السابق – مسائل صناعية في الاستدلال وهي:1 - إنهم اشترطوا لصحة القياس وإفادته للمطلوب: قضية كلية. وعندئذ يقال لهم: هل العلم بهذه القضية الكلية بدهي أو نظري؟ فإن كان بدهياً فأولى أن يكون كل واحد من أفرادها بدهياً، لأنها تسبق إلى الذهن مباشرة، وعلى هذا أمكن أن يقال عن هذا القياس: إن فيه تطويلاً وإتعاباً للذهن. (2) وإن كان نظرياً احتاج إلى علم بدهي فيفضي إلى الدور أو التسلسل (3).2 - الكليات تتحقق في الأذهان لا في الأعيان. وقياس الشمول على هذا لا يعلم به موجود معين أصلاً، لأنه لا يعلم به إلا الكليات، فاستخدامه – مثلاً – لإثبات وجود الله خطأ، لأنه يدل على وجود موجود مطلق، وهو الأمر الكلي المشترك بينه وبين غيره، فلا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، مع أن الله وهو واجب الوجود – يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، وعليه فهذا الدليل وحده لا يعلم به وجود الله (4).
المصدر:
منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - 2/ 561
(1) انظر: ((الرسالة التدمرية)) (ص: 50).
(2)
انظر: ((الرد على المنطقيين)) (ص: 107، وص: 248).
(3)
انظر: ((الرد على)) المنطقيين (ص: 107).
(4)
انظر: ((الرد على المنطقيين)) (ص: 124 - 125).