المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

؟ وقد سئل شيخ الإسلام عن القرآن: هل هو حرف وصوت؟ فأجاب بأن إطلاق هذا الجواب – نفيا وإثباتا – من البدع المولدة، الحادثة بعد المئة الثالثة، ثم قال: "والصواب الذي عليه سلف الأمة، كالإمام أحمد والبخاري صاحب الصحيح في كتاب (خلق أفعال العباد)، وغيره، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم – أتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة وهو أن القرآن جميعه كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلاما لغيره

وأن الله يتكلم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح

" (1).

وهذا من دقة السلف رحمهم الله في مسائل العقيدة، وخاصة ما يتعلق منها بالله وصفاته. حيث إنهم لا يبتدعون كلاما جديدا، بل يصفون الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما لم يرد إطلاق أن القرآن بحرف وصوت لم يطلقوه عليه كما يفعله البعض، وإنما يقولون: القرآن كله حروفه ومعانيه كلام الله، كما يقولون إن الله نادى موسى، والنداء لا يكون إلا بصوت، والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن الله ينادي بصوت. ومن المعلوم أن الكلام إذا أطلق فإنه يشمل الحروف والمعاني وهذا هو الذي فهمه السلف من صفة الكلام لله تعالى – على ما يليق بجلاله وعظمته -.ولكن لما وجد – في أهل البدع – من ينكر الحرف والصوت لينكروا كلام الله، بين السلف أن كلام الله شامل للحروف والمعاني، وأنه تعالى يتكلم بصوت، كما يصفونه بما ورد من التكليم والمناداة والمناجاة (2).وقد وردت نصوص فيها ذكر الحرف في كلام الله، وهو القرآن، ومن ذلك حديث:((إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف)) (3)، وحديث ((أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته)) (4)، وحديث ((أقرأني جبريل على حرف

)) (5). وحديث: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف)) (6) وحديث: ((من قرأ حرفا من كتاب الله

)). (7) وغيرها.

‌المصدر:

موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – 3/ 1295 اتفق الأشاعرة على أن كلام الله تعالى ليس بحرف ولا صوت (8)، ولهم شبهات وهي: المشبهة الأولى: قالوا إن الحروف متعاقبة يعقب بعضها بعضاً وكذلك الأصوات، فلو كان كلام الله بحرف وصوت لكان حادثاً، والله منزه عن الحوادث، فلزم أن يكون كلامه بلا حرف ولا صوت (9).

والجواب:

(1)((مجموع الفتاوى)) (12/ 243 - 244).

(2)

انظر: ((مجموع الفتاوى)) (6/ 518).

(3)

رواه (مسلم)(821) من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه.

(4)

رواه مسلم (806) ، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(5)

رواه البخاري (3219) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(6)

رواه البخاري (4992) ، ومسلم (818) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(7)

رواه الترمذي (2910) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني في ((صحيح الترمذي)) و ((مشكاة المصابيح)) (2079).

(8)

انظر ((الإنصاف)) للباقلاني (ص:149) و ((التبصير)) للإسفراييني (ص: 167)، ((ولمع الأدلة)) للجويني (ص: 92)، و ((تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد)) (ص: 72).

(9)

انظر ((مشكل الحديث)) لابن فورك (ص: 202) و ((الإنصاف)) للباقلاني (ص: 149) و ((التبصير)) للإسفراييني (ص: 167).

ص: 331

1 -

تعارض الأشاعرة هنا بما سبق أن أورد عليهم في صفات الأفعال إذ يلزمهم القول بقيام الصفات الاختيارية بذات الباري وهم يسمون مثل هذا بحلول الحوادث. ووجه الإلزام أنه ما من شك أن كل مخلوق فهو كائن في وقت مخصوص بعد أن لم يكن فيقال عندئذ: ما الذي أوجب حدوثه في ذلك الوقت المخصوص؟ فإن قالوا الإرادة الأزلية هي التي خصصت ذلك! فيقال لهم: إن الإرادة صالحة لذلك أزلاً، فما من وقت يقدر إلا والإرادة صالحة للإيجاد فيه، قالوا: إن الإرادة وإن كانت صالحة أزلاً للتخصيص إلا أنها تعلقت تنجيزياً في وقت مخصوص بذلك المخلوق المراد. فيقال لهم: هذا التعلق إن كان شيئاً عدمياً فهو ليس بشيء، فلم يحدث شيء إذا، فيلزم عدم وجود شيء أصلاً، وإن كان التعلق وجودياً فهذا هو الفعل الاختياري الذي فررتم منه، فصح إذا أن الله يفعل ما شاء متى ما شاء – فإذا ثبت هذا كان لا محذور من وجود التعاقب في الكلام.2 - ثم إن قولهم: يلزم من القول: بالتعاقب الحدوث، وأن كل حادث فهو مخلوق، فقول لا يسلم فيهم، إذ هذا الكلام مبني على القياس الشمولي – وهو لا يجوز في المطالب الإلهية – فإنه وإن ثبت تعاقب في الكلام لكن لا يلزم ثبوت المساواة والمماثلة – بدليل "أن الله سبحانه وتعالى يتولى الحساب بين خلقه يوم القيامة في حالة واحدة، وعند كل واحد منهم أن المخاطب في الحال هو وحده"(1) فثبت من هذا عدم تحقق المماثلة.

3 -

وإيرادهم الذي ذكروه هو خلاف مجرد للأدلة الكثيرة كقوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] ففي هذه الآية إثبات تعلق الكلام بالمشيئة. وعلقه بإذا الدالة على المستقبل. الشبهة الثانية: (2) قالوا إن الحروف تحتاج إلى مخارج: الحلق واللسان والشفة، ولابد من اصطكاك الهواء بالمخارج ونحو ذلك ليحدث الصوت، وهذه صفات الخلق لا صفات الخالق، فوجب تنزيه الله عنها. والجواب (3): قولهم إنه لا يعقل حرف ولا صوت إلا بمخارج منقوض بتكلم السموات والأرض: قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت: 11] وتكلم الجوارح: أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت: 21]. إلى غير ذلك مما تواتر نقله، فإذا بطلت هذه المقدمة فسدت النتيجة.

ويجاب عليهم ثانياً: بأن هذا قياس للخالق على المخلوق – وهو ممنوع – كما قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11].

ويلزمهم على قولهم هذا ما أورده عليهم المعتزلة من أنه يلزم من إثبات صفة البصر إثبات ما للخلق من الحدقة وغيرها، وهم لا يسلمون بلزوم هذا الاشتراك فلزمهم كذلك. الشبهة الثالثة (4): قالوا: إذا قلتم إن الحروف والأصوات قديمة لزم أن يكون كل كلام قديماً كذلك، وإذا قلتم إنها حادثة رجع الكلام إلى ما قلناه أولاً، وإذا قلتم إن كلام الله بحروف وأصوات قديمة وأن الخلق يتكلمون بحرف وصوت حادث لزم أن يكون ما في المصحف ليس كلاماً لله لأنه مكتوب بحروف حادثة، وإذا قرئ فبصوت حادث كذلك.

(1)((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) للسجزي (ص: 168).

(2)

انظر ((الإنصاف)) للباقلاني (ص: 173)، و ((قواعد العقائد)) للغزالي (ص: 182 - 184)، وانظر ((الأسماء والصفات)) للبيهقي (ص: 273).

(3)

انظر: ((الرد على الزنادقة والجهمية)) للإمام أحمد (ص: 35). و ((الرد على من أنكر الحرف)).

(4)

انظر هذه الشبهة في ((الإنصاف)) للباقلاني (ص: 173).

ص: 332

الجواب: لا يلزم إذا قلنا إن صوت الباري وحروفه غير مخلوقة أن تكون كل الأصوات والحروف غير مخلوقة، لأن الصوت الذي يحصل به إنشاء الكلام ليس مثل الصوت الذي يحصل به أداؤه وتبليغه – يوضحه الآتي: لو أن شخصاً أنشد شعراً لأحد فحول الشعراء كلبيد مثلاً: فإنه يقال: إن الشعر شعر لبيد، الذي تكلم به بصوته، إلا أن هذا الشخص أداه بصوته، وهو فعله، وليس صوت هذا الشخص هو صوت لبيد وهذا معلوم ضرورة – فإذا علم هذا الفرق بين المخلوقين، فأولى أن يكون هذا الفرق بين الخالق والمخلوق ثابتاً، وما قيل في الصوت يقال في الحرف (1).ولا يجوز إطلاق القول بأن الحروف قديمة، ذلك لأن الحروف صفة للكلام، فهي وإن كانت واحدة بالنوع إلا أن أعيانها ليست كذلك، والكلام إذا أطلق لا يكون إلا بحرف وصوت، فكلام الله ما قام به وهو ليس مخلوقاً، ففي هذه الحالة لا تكون الحروف مخلوقة. وأما كلام الخلق فهو ما قام بهم وهو مخلوق، إذ هو صفة لهم فحروفهم وأصواتهم إذاً مخلوقة (2).وأما قولهم إن المصحف مكتوب بحروف حادثة وإذا قرئ فبصوت حادث فيلزم أن يكون ما في المصحف ليس كلاماً لله فجوابه: إن الحروف تطلق ويراد بها الصوت المقطع، وقد يراد بها المداد أو شكله (3).

ولا شك أن المداد مخلوق وشكله كذلك إذ هو فعل الإنسان، ولكن لا يلزم من هذا أن يكون ما في المصحف ليس كلاماً لله – يوضحه: أن الأشياء إما أعيان قائمة بذاتها، أو أشياء قائمة بالأعيان، فالأشياء القائمة بنفسها – وهي الأعيان كالسماء – لها أربع مراتب: وجودها الخارجي بنفسها، ووجودها الذهني، ووجودها اللفظي اللساني، ووجودها الرسمي الكتابي، ولاشك أن كل مرتبة تختلف عن الأخرى. أما الأشياء التي لا تكون قائمة بنفسها وإنما تقوم بغيرها – فهذه قد تكون لها المراتب الأربع المذكورة سابقاً كالألوان، وقد تكون لها ثلاث مراتب فقط كالكلام فله وجود خارجي: وهو ما قام باللسان، ووجود ذهني هو ما قام بالقلب، ووجود رسمي هو ما ظهر بالكتابة (4).وعليه فإن المرتبة اللفظية للكلام هي المرتبة الخارجية عينها ولذلك فإن كلام الله غير مخلوق حيث ما تصرف، فإذا كتب كان هو كلامه، وأما الحبر والمداد وشكله فمخلوق، وإذا قرئ فسمع كان المسموع كلامه مسموعاً من المبلغ عنه لا مسموعاً من الله (5).

ثم فيما يلي أربعة إلزامات على الأشاعرة في قولهم إن كلام الله بلا حرف وصوت موجهة إليهم بطريقة السؤال:-

(1) انظر ((مجموع الفتاوى)) (12/ 73 - 74) و ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 435).

(2)

انظر ((مجموع الفتاوى)) (12/ 64 - 65).

(3)

انظر ((مجموع الفتاوى)) (12/ 69 - 70) و ((درء التعارض)) (4/ 133).

(4)

انظر ((مجموع الفتاوى)) (12/ 112) و (مختصر الصواعق)(2/ 435).

(5)

انظر ((مجموع الفتاوى)) (12/ 139).

ص: 333

الإلزام الأول: إذا كان الكلام نفسياً بلا حرف ولا صوت فما الذي سمعه موسى عليه السلام؟ أجابوا: بأن الله أزال عنه الحجاب وأسمعه الكلام القديم ثم أعاد الحجاب (1).وهذا القول صريح منهم بأن الله تعالى لا يتكلم، وإنما الذي فعله هو رفع الحجاب، ورفع الحجاب ليس تكليماً، وقد أكد الله أنه تكلم فقال: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] فأكد قوله بالمصدر ليفيد الحقيقة. ثم إنه يقال لهم ما شفيتم عليلاً إذ فررتم من الحقيقة وهي هل يمكن سماع غير الأصوات؟ وهنا اضطربوا فالتزام الغزالي: أنه سمعه بلا حرف ولا صوت كما أنه يرى في الآخرة بلا كم ولا كيف (2)، وهذه الموازنة غلط بين إذ هو قد أثبت رؤية ذاته ولم يلتزم أن تكون ذاته ذات كم وكيف فكان عليه أن يثبت صوتاً لا يشبه أصوات الخلق كما وازن، وإلا فلا فائدة في موازنته ولا مناسبة. مع أن استعماله لتلك العبارات لم يكن معروفاً عند السلف – وأيضاً فإنه لم يأت ببرهان يفيد أنه يمكن سماع غير الأصوات فلجأ إلى أن ذلك عن طريق خرق العادة – ولم يأت ببرهان على ما ادعاه – بل ناقض صريح الآية في تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام كما تقدم قريباً. والتزم الإسفراييني أن موسى عليه السلام سمع صوتاً تولى الباري خلقه من غير كسب للعباد؟ (3) قلت: وهذا رجوع صريح لمذهب المعتزلة. ولهم قول ثالث: وهو أنه سمعه بصوت من جميع الجهات على خلاف ما هو العادة (4). ولم يبينوا هل الصوت الذي سمعه هو صوت الباري أو لا؟ والذي يظهر أنهم لا يثبتونه صوتاً للباري لأنهم اتفقوا على أن كلامه نفسي فقط والفرق بين هذا القول والقول الثاني: هو أن القول الثاني: خص الصوت المخلوق بجهة معينة، والقول الثالث: لم يخص الصوت المخلوق بجهة معينة، وهذا كله محض افتراء وتمويه والتزام للجهالة إذ القول الثالث مآله إلى أن الكلام لم يقم بمتكلم أصلاً، وهو مع ذلك مناقض للآية في تحديد جهة الكلام التي سمع منها موسى عليه السلام كلام الله بلا واسطة، قال تعالى: نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ [القصص: 30].

الإلزام الثاني: وهو إذا كان الكلام نفسياً فقط بلا حرف ولا صوت، فما الفرق بين مراتب الوحي الثلاث؟ وبتعبير أوضح، ما مزية موسى عليه السلام الذي اصطفاه الله بكلامه على من سمع الوحي بواسطة الملك أو كان إلهاماً؟ وليس لهم جواب يشفي في هذا الموضوع – فغاية ما قالوه هو قول الباقلاني: "إن الله تعالى يسمع كلامه لخلقه على ثلاث مراتب: تارة يسمع من شاء كلامه بغير واسطة لكن من وراء حجاب – ونعني بالحجاب للخلق لا للحق – كموسى عليه السلام، أسمعه كلامه بلا واسطة لكن حجبه عن النظر إليه، وتارة يسمع كلامه من شاء بواسطة مع عدم النظر والرؤية أيضاً من ملك أو رسول أو قارئ

وتارة يسمع كلامه من شاء من الخلق بغير واسطة ولا حجاب كتكليمه لنبينا عليه السلام ليلة المعراج

" (5).

وهذا كله مع التزامه بنفي الحرف والصوت، فظهر أن تقسيمه السابق لم يفد شيئاً.

(1)((تحفة المريد)) (ص: 74) وانظر ((شرح المقاصد)) (4/ 156).

(2)

انظر ((شرح المواقف)) (4/ 156).

(3)

انظر ((شرح المواقف للجرجاني)) (4/ 156).

(4)

انظر ((شرح المواقف)) (4/ 156).

(5)

((الإنصاف)) للباقلاني (ص: 145 - 146).

ص: 334

الإلزام الثالث: إذا كان الكلام نفسياً بلا حرف ولا صوت، وإنما هو شيء قديم، فما الفرق بينه وبين الإرادة والعلم؟ وليس لهم إلا أن يقولوا: إن تعلق الكلام تعلق دلالة، وتعلق العلم تعلق انكشاف، وتعلق الإرادة تعلق تخصيص بالمراد، وأيضاَ فإن دليل الكلام السمعي والإرادة والعلم عقلي، وإن المعنى لغة لكل واحدة يختلف عن الأخرى (1).

والجواب:

إنه إذا رجعتم إلى اللغة لزمكم أن تثبتوا الصفات كما دل على ذلك الوضع اللغوي، ففي اللغة لا يفهم متكلم إلا من قام به الكلام وتكلم به حقيقة، وإن كانت الحقائق تختلف بين الخالق والمخلوق.

والتفريق بين الصفات من حيث نوع الدليل فيه اضطراب واضح، إذ أنه لا يمكن إقامة الدليل على شيء معين إلا بعد تصور ذلك الشيء المعين، وأن الدليل يدل عليه. وهم لم يتصوروا شيئاً من ذلك على وجهه سوى أنهم قالوا: إن تعلق الكلام تعلق دلالة، ولم يلتزموا هذا في تعريف الكلام بأنه يكون بحرف وصوت فأين الدلالة؟ وسيأتي إلزام خطير في المقصد الرابع – الإلزام الثالث منه – إن شاء الله تعالى. الإلزام الرابع: إذا كان الكلام بلا حرف ولا صوت يقوم بالمتكلم، فما المراد بالخرس؟ (2).أجابوا بأن الخرس آفة باطنية تمنع من الكلام النفسي (3).وهذا الجواب في غاية السقوط، فهم لم يعرفوا الخرس كما هو في اللغة ويلزمهم على هذا أن يقولوا إن الأخرس متكلم، لأنه لاشك متصور للكلام إلا أنه قامت به آفة فلم يتكلم كلاماً مسموعاً – وفي هذا قلب واضح للحقائق اللغوية والشرعية (4).وكل هذا التزموه لاختراعهم قولاً لم يسبقوا إليه قط لا من السلف ولا من المبتدعة قبلهم، وفي هذا يقول الإمام الحافظ أبو نصر السجزي: "لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم

في أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً ذا تأليف واتساق وإن اختلفت به اللغات" (5). وقد نقل الشهرستاني قولاً قريباً من هذا ولم يتعقبه بشيء (6) – مما يدل أنه قد أقر بخرق الأشاعرة للإجماع.

‌المصدر:

منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - 2/ 517

(1) انظر ((تحفة المريد)) (ص: 86).

(2)

انظر ((مجموع الفتاوى)) (6/ 296).

(3)

انظر ((تحفة المريد)) (ص: 72).

(4)

انظر ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) للسجزي (ص: 146) و ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام)) ابن تيمية (6/ 296).

(5)

قاله في رسالته إلى أهل زبيد في ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) (ص:80 - 81)، ونقله عنه شيخ الإسلام في ((درء تعارض العقل والنقل)) (2/ 83).

(6)

انظر ((نهاية الإقدام في علم الكلام)) للشهرستاني (ص:313 - 317).

ص: 335