المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

إن من أعظم ما فرق الأمة الإسلامية وأوهن جسدها: الابتداع في دين الله تعالى، إذ لو فتح الباب لكل إنسان أن يقول في الدين برأيه، وأن يحدث في الشرع ما يستحسنه بذوقه لتفرقت سبل الضلالات بالجماعة المسلمة ـ وهي الآن كذلك ـلذلك نهينا عن اتباع السبل وأمرنا باتباع الصراط المستقيم كما يقول الله سبحانه وتعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأنعام: 153 [] ولقد عنون الإمام الآجري الباب الأول من كتابه كتاب (الشريعة): " باب: ذكر الأمر بلزوم الجماعة والنهي عن الفرقة بل الاتباع وترك الابتداع (1).، فهو يرى رحمه الله أنه بلزوم الجماعة يكون الاتباع وإن الفرقة تكون بالابتداع في دين الله.

ولقد جاء الأمر الأكيد بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحذير من الإحداث في الدين الذي لا يكون إحداثا إلا بترك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء: 59].

(1)((كتاب الشريعة)) (1/ 275).

ص: 59

ويقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا [الأحزاب:36].وحذر صلى الله عليه وسلم من الإحداث في الدين فيقول: ((إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)) (1).وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه السيف كائنا من كان)) (2). والهنات جمع هنة: والمراد بها هنا الفتن والأمور الحادثة (3). فالبدع والمحدثات تفرق الأمة المسلمة وفي حديث آخر بين صلى الله عليه وسلم أن في ترك سنته واتباع البدع تفريق للجماعة فيقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم. وفيه دخن قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت: يا رسول الله صفهم لنا قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قال: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) (4) فذكر صلى الله عليه وسلم من الأحوال التي ستحدث أنه سيأتي أقوام يهدون بغير هديه ويستنون بغير سنته وذكر صلى الله عليه وسلم الدعاة على أبواب جهنم وهم من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال كالخوارج والقرامطة (5).

(1) رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42)، وأحمد (4/ 126) (17184). من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 1164): ثابت صحيح. وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (1/ 181). وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/ 582)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/ 136)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.

(2)

رواه مسلم (1852) من حديث عرفجة رضي الله عنه.

(3)

((شرح صحيح مسلم للنووي)) (12/ 241).

(4)

رواه البخاري (3606)، ومسلم (1847).

(5)

انظر ((شرح صحيح مسلم)) (12/ 237) للنووي ((فتح الباري)) (13/ 36).

ص: 60

وكأن حذيفة رضي الله عنه فهم أن الأحوال السابقة من ترك السنة والعمل بالبدعة والدعوة إليها، كفيل بتمزيق الجماعة المسلمة لذلك سأل لما أمره صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة فقال:" فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ وفي حديث آخر يبين صلى الله عليه وسلم أن هذه البدع وهذا الإحداث في الدين يفرق الأمة المسلمة ويوقعها في الاضطراب فتهتز السلطة والقيادة، والذي من شأنه أن يريق دماء المسلمين لذلك يوصينا صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة على من تولى أمر المسلمين واجتمعت عليه كلمتهم ولو عبدا حبشيا ما دام أنه يسير بهم بكتاب الله تعالى فالعلاج الوحيد لما ستقع فيه الأمة ـ وهي واقعة الآن فيه ـ من الاختلاف والفرقة هو اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده والابتعاد عن هذه الضلالات المفرقة للجماعة فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ((وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فبماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ)) (1).ولخطورة البدعة يحذرنا منها صلى الله عليه وسلم وينهانا عنها فيقول: ((إياكم والبدع)) (2). وليعلم أن الافتراق من لوازم البدعة والفرقة من سمات أصحابها يقول سبحانه وتعالى: وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 105]. قال قتادة: يعني أهل البدع (3).يقول الشاطبي رحمه الله: "والفرقة من أخس أوصاف المبتدعة لأنه خرج عن حكم الله وباين جماعة أهل الإسلام (4).ولقد جاء الحكم صريحا فيمن أحدث في الدين فقال عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (5). أي: مردود عليه غير مقبول، لما في هذا الإحداث من خطر بالغ على الدين يقول الإمام ابن القيم: ولهذا اشتد نكير السلف والأئمة لها (6)، وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض، وحذروا فتنتهم أشد التحذير وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش والظلم والعدوان إذ مضرة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد (7).ولقد حذر الصحابة من البدع، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن أصدق القيل قيل الله، وإن أحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها (8).وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (9).

(1) رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42)، وأحمد (4/ 126) (17184). من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 1164): ثابت صحيح. وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (1/ 181). وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/ 582)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/ 136)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.

(2)

رواه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (1/ 20) وحسنه الألباني في ((ظلال الجنة)).

(3)

انظر ((الاعتصام)) للشاطبي (43).

(4)

((الاعتصام)) (90).

(5)

رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718). من حديث عائشة رضي الله عنه.

(6)

أي: للبدع.

(7)

((تهذيب مدارج السالكين)) لابن القيم هذبه عبد المنعم العزي (208).

(8)

رواه المروزي في ((السنة)) (90)، وابن وضاح ((البدع والنهي عنها)) (24).

(9)

رواه المروزي في ((السنة)) (93).

ص: 61

ولقد اشتد نكير ابن مسعود على من أحدث في الدين وابتدع قولا وعملا ومن ذلك أنه جاء رضي الله عنه إلى قوم حلق جلوس في المسجد ينتظرون الصلاة وفي كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مئة فيكبرون فيقول هللوا مئة فيهللون مئة ويقول سبحوا مئة فيسبحون مئة. فجاءهم رضي الله عنه مع جمع من أصحابه ووقف على إحدى تلك الحلق وقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. قال فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضع من حسناتكم شيء! ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: ((إن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم)) وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم. ثم تولى. قال عمرو بن سلمة الكوفي: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج (1).وفي رواية أخرى: أنه ما زال يحصبهم بالحصا حتى أخرجهم من المسجد وهو يقول: لقد أحدثتم بدعة ظلماً أو قد فضلتم أصحاب محمد علماً (2).

فانظر كيف أنكر عليهم ابن مسعود بشدة ولم يعذرهم لحسن نيتهم بل قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إذ لا تكفي النية الحسنة للفعل ليقبل، بل لا بد من اتباع هدي محمد صلى الله عليه وسلم وسنته

ويوصي ابن مسعود رضي الله عنه بالاتباع فيقول: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم. ويقول ابن عباس: عليكم بالاستقامة والاتباع، وإياكم والبدع (3).ويقول الزبير بن العوام: السنن السنن فإن السنن قوام الدين (4).

(1) رواه الدارمي (1/ 68 - 69)، وابن أبي شيبة (7/ 553). قال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (5/ 11): إسناده صحيح.

(2)

كتاب ((ما جاء في البدع)) لابن وضاح.

(3)

((ذم الكلام)) للهروي (4/ 14).

(4)

((السنة)) (111) للمروزي.

ص: 62

ووصايا الصحابة كثيرة متضافرة تأمر بالاتباع وتحذر من الابتداع ولقد سار من بعدهم على نهجهم من التحذير من البدع فأفردوا مصنفات خاصة تأمر بالاتباع ولزوم السنة وتحذر من البدع لخطورتها. حتى لو عدت البدعة بسيطة أو بدا الإحداث في الدين صغيراً، أو كان أمرا فرعياً ميسوراً، فإن لهذا خطره ويجب الحذر منه والنهي عنه. يقول الإمام البربهاري: واحذر صغار المحدثات من الأمو، فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرا يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها فعظمت وصارت دينا يدان بها فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام. فانظر رحمك الله كل من سمعت من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر هل تكلم به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء فإن وجدت فيه أثرا عنهم فتمسك به ولا تتجاوز لشيء ولا تختار عليه شيئا فتسقط في النار (1).إن هذا التحذير من البدعة والهلاك الذي يحيط بصاحبها ليس فقط لخطورة البدعة على الفرد بل لخطورتها على الأمة وتقويضها لأركان الدين، ولقد أدرك أعداء الدين خطورة البدع وأهميتها في تفريق الجماعة المسلمة وزعزعة العقيدة الإسلامية التي توحد المسلمين وتجمعهم فعملوا على إشعال البدع بين المسلمين ومساندتها ورعايتها فما خرجت السبئية إلا من أحضان اليهودية، وما ضل جهم بن صفوان إلا بعد مناقشته للسمنية (2).وما المعتزلة ومناهجهم الكلامية إلا من أثر الفلسفة اليونانية. وما زال أعداء الإسلام يواصلون طريقهم في محاولات جادة لإضلال المسلمين وصدهم عن دينهم بالتشكيك في السنة النبوية والطعن في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وإثارة الشبهات حولها (3).

وما يقوم به المستشرقون من العمل على إخراج كتب البدع وتحقيقها ونشرها بدعوى إحياء التراث الإسلامي وما نشرت كتب الفلسفة وكتب أهل الاعتزال إلا تحت مسمى حرية الفكر والعقل المزعومة. أخيراً: إنه لا حياة للمسلمين ولا قوة لهم ولا نصر إلا باتباعهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يقتدوا بالصحابة رضي الله عنهم في موقفهم منهما تسليماً وانقياداً واتباعاً وعلى المسلم أن يوقن أن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأن شر الأمور محدثاتها فهذا يدحر كل بدعة، يقول ابن القيم: فإن السنة بالذات تمحق البدعة ولا تقوم لها وإذا طلعت شمسها في قلب العبد قطعت من قلبه ضباب كل بدعة وأزالت ظلمة كل ضلالة إذ لا سلطان للظلمة مع سلطان الشمس ولا يرى العبد الفرق بين السنة والبدعة ويعينه على الخروج من ظلمتها إلى نور السنة إلا المتابعة والهجرة بقلبه كل وقت إلى الله بالاستعانة والإخلاص وصدق اللجأ إلى الله والهجرة إلى رسوله بالحرص على الوصول إلى أقواله وأعماله وهديه وسنته فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن هاجر إلى غير ذلك فهو حظه ونصيبه في الدنيا والآخرة والله المستعان (4).

‌المصدر:

موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص209

(1)((شرح السنة)) (61).

(2)

السمنية: قوم في الهند دهريون ينكرون من العلم ما سوى الحسيات. انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (2/ 795).

(3)

انظر: ((صراع الغرب مع الإسلام)) لآصف حسين، ترجمة مازن مطبقاني (92، 115).

(4)

((تهذيب مدارج السالكين)) (902)، وانظر:((الرسالة التبوكية)) لابن القيم (52).

ص: 63