المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

؟

القول بأن الإمام أحمد قال بالتأويل تلقفته طائفتان:

إحداهما: طائفة من الحنابلة الذين مالوا إلى شيء من بدع أهل الكلام، حيث جعلوا مثل هذا النقل عن الإمام أحمد حجة لهم في مخالفتهم لما هو مشهور عن جمهور أصحابه المتبعين لمذهب السلف

والأخرى: طائفة من الأشاعرة وغيرهم، ليستدلوا بمثل هذا النقل على صحة مذهبهم في تأويل بعض الصفات، وأنهم غير مخالفين لمذهب السلف. والذي روى عن الإمام أحمد في هذه المسألة لا يتعدى أحد نقلين: أحدهما: ما نقله الغزالي – في معرض حديثه عن الإمام أحمد ومنعه من التأويل – قال الغزالي: "سمعت بعض أصحابه يقول: إنه حسم باب التأويل إلا لثلاثة ألفاظ: قوله صلى الله عليه وسلم: ((الحجر الأسود يمين الله في أرضه)) (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم:((قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن)(2)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن

)) (3) وقد نقل الرازي هذا عن الغزالي مع تبديل في أحد الأحاديث (4).الثاني: ما نقله حنبل في المحنة، عن الإمام أحمد، يقول: احتجوا عليّ يوم المناظرة، فقالوا: تجيء يوم القيامة سورة البقرة، وتجيء سورة تبارك؟ قال: فقلت لهم: إنما هو الثواب، قال الله جل ذكره: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22]، وإنما تأتي قدرته، القرآن أمثال ومواعظ، وأمر ونهي، وكذا وكذا" (5)، وأحال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات على رواية حنبل فقال: "وقد قال أحمد في رواية حنبل في قوله وَجَاء رَبُّكَ قال قدرته" (6). ونقل هذه الرواية عن القاضي أبي يعلى بعض الحنابلة، منهم ابن الجوزي في تفسيره (7)، وفي كتابه (الباز الأشهب)(8) – الذي نصر فيه مذهب أهل التعطيل -، كما نسبه البيهقي إلى الإمام أحمد (9).

(1) رواه ابن عدي في الكامل)) (1/ 342) والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 326) من حديث جابر وقال الخطيب: منكر وقال ابن تيمية في ((درء التعارض)): معروف من كلام ابن عباس، وروي مرفوعاً وفي رفعه نظر.

(2)

رواه مسلم (2654).

(3)

((إحياء علوم الدين)) (1/ 103) والحديث رواه البزار في ((البحر الزخار)) (9/ 150) الطبراني في ((الكبير)) (7/ 52)(6358) والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/ 391) قال البزار: هذا أحسن طريقاً يروى في ذلك. وصحح إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (3367).

(4)

انظر: ((أساس التقديس للرازي)) (ص: 81)) حيث أبدل حديث أنا جليس من ذكرني بحديث قلوب العباد الذي ذكره الغزالي.

(5)

((الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد)) (ص: 85)، وانظر (ص: 82)، وانظر:((الاستقامة)) (1/ 74).

(6)

((إبطال التأويلات))، (ص: 61) – مخطوط.

(7)

((زاد المسير)) (البقرة: 21)، (1/ 255)، وفي سورة الفجر آية: 22 أحال على آية البقرة.

(8)

(ص: 61)، وهو نفسه ((دفع شبه التشبيه)) والنص فيه (ص: 45)، وأن كان الباز فيه بعض الزيادات. والعجب أن محققي الكتابين – الكوثري، ومحمد منير – يشربان من عين واحدة، هي عين التعطيل وقد رد على ابن الجوزي في دعواه نسبة التأويل إلى الإمام أحمد صاحب رسالة:((ابن الجوزي بين التفويض والتأويل)) (ص: 138 - 143) – ط على الآلة الكاتبة.

(9)

كما ذكره ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (10/ 327) – وقد سبقت الإشارة إلى ذلك (ص: 584).

ص: 403

والعجيب أن هؤلاء المعطلة – يعظم عندهم مثل هذين النقلين – مع ما فيهما من كلام كما سيأتي – وأما النصوص المتواترة المشتهرة عن الإمام أحمد في إثبات الصفات، والرد على الجهمية وأتباعهم، والتحذير من الخوض في علم الكلام وتأويل الصفات – فهذه لا حاج فيها عندهم على مذهب هذا الإمام الموافق لمذهب السلف، وغاية ما يقولون فيها أن الإمام أحمد إنما أراد بها التفويض!.ومع ذلك فلا حجة لهم فيما نقوله عن هذا الإمام، وبيان ذلك كما يلي: أما النقل الأول – الذي ذكره الغزالي والرازي – فقد قال فيه شيخ الإسلام "هذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد، ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه، وهذا الحنبلي الذي ذكر عنه أبو حامد مجهول لا يعرف: لا علمه بما قال، ولا صدقه فيما قال"(1)، والدليل على ذلك اختلاف نقل الرازي عن نقل الغزالي، وله احتمالات: أن يكون الرازي غلط في النقل عن الغزالي، أو أن الغزالي نقل في كتاب آخر – غير (الإحياء) – خلاف ما ذكره في (الإحياء)، قال شيخ الإسلام:"وعلى التقديرين فيعلم أن هذا النقل الذي نقله غير مضبوط"(2). وقال أيضا عن الغزالي، وعدم علمه بالحديث وشهادته على نفسه بأن بضاعته فيه مزجاة: "ولهذا في كتبه من المنقولات المكذوبة الموضوعة ما شاء الله، مع أن تلك الأبواب يكون فيها من الأحاديث الصحيحة ما فيه كفاية وشفاء، ومن ذلك هذا النقل الذي نقله عن أحمد، فإنه نقله عن مجهول لا يعرف، وذلك المجهول أرسله إرسالا عن أحمد، ولا يتنازع من يعرف أحمد وكلامه أن هذا كذب مفترى عليه، ونصوصه المنقولة عنه بنقل الإثبات والمتواتر عنه يرد هذا الهذيان الذي نقله عنه

" (3).

ثم إن هذه الأحاديث التي أوردها الغزالي والرازي ليس فيها ما يوجب التأويل؛ لأن دلالاتها واضحة، فزعمهم أنها – أو غيرها من الأحاديث – بحاجة إلى التأويل، أو أن الإمام أحمد قد تأولها، لا يفيدها شيئا في هذا الباب ولهذا ناقش شيخ الإسلام هذه الأحاديث وغيرها، وبين ما فيها، -وقد سبق قبل قليل نقل كلامه فيها -.

وخلاصة القول:

1 -

أن هذا النقل غير صحيح، ولم يورده أحد في مسائل وكلام الإمام أحمد.

2 -

أن النقول الكثيرة عن الإمام أحمد تدل على إثباته ومنعه من التأويل.

3 -

أن هذه الأحاديث لا حجة فيها لهم، لأن ما فهموه من الظواهر الفاسدة، قد دلت النصوص نفسها على أنه غير وارد.

أما النقل الثاني – الذي أورده حنبل في سياق المحنة – فقد ذكر شيخ الإسلام – أن الحنابلة اختلفوا في هذه الرواية على خمس طرق:

1 -

"قال قوم: غلط حنبل في نقل الرواية، وحنبل له مفاريد ينفرد بها من الروايات في الفقه. والجماهير يرون خلافه.

وقد اختلف الأصحاب في مفاريد حنبل التي خالفه فيها الجمهور، هل تثبت روايته؟ على طريقين، فالخلاف وصاحبه قد ينكرانها، ويثبتها غيرهما كابن حامد.

2 -

وقال قوم منهم: إنما قال ذلك إلزاما للمنازعين له، فإنهم يتأولون مجيء الرب بمجيء أمره، قال: فكذلك قالوا: مجيء كلامه مجيء ثوابه. وهذا قريب.

3 -

وقال قوم منهم: بل هذه الرواية ثابتة في تأويل ما جاء من جنس الحركة والإتيان والنزول، فيتأول على هذه الرواية بالقصد والعمد لذلك، وهذه طريقة ابن الزاغوني وغيره.

(1)((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (5/ 398)، وانظر:((درء التعارض)) (7/ 149 - 150).

(2)

((نقض التأسيس)) – مخطوط – (3/ 94).

(3)

((نقض التأسيس)) – مخطوط – (3/ 100).

ص: 404

4 -

وقال قوم: بل يتأول بمجيء ثوابه. وهؤلاء جعلوا الرواية في جنس الحركة، دون بقية الصفات.5 - وقال قوم – منهم ابن عقيل وابن الجوزي -: بل يتعدي الحكم من هذه الصفة إلى سائر الصفات التي تخالف ظاهرها، للدليل الموجب لمخالفة الظاهر" (1).

ويلاحظ أن الأقوال الثلاثة الأخيرة تصحح نسبة التأويل إلى الإمام أحمد، وتجعل ذلك حجة لها على مذهبها المائل إلى الأشاعرة كما هو قول ابن الزاغوني وغيره، أو ما هو أشد غلوا منهم في التعطيل والنفي كما هو المشهور من مذهب ابن عقيل وابن الجوزي. وقد نفى شيخ الإسلام بشكل قاطع ما نسب إلى الإمام أحمد من التأويل وقال:"لا ريب أن المنقول المتواتر عن أحمد يناقض هذه الرواية، ويبين أنه لا يقول إن الرب يجيء ويأتي وينزل أمره، بل هو ينكر على من يقول ذلك (2) " وقال: "والصواب أن جميع هذه التأويلات مبتدعة، لم يقل أحد من الصحابة شيئا منها ولا أحد من التابعين لهم بإحسان، وهي خلاف المعروف المتواتر عن أئمة السنة والحديث، كأحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة"(3). وهذه رسائل وأقوال الإمام أحمد مشهورة معروفة، وما من مسألة من مسائل أصول الدين إلا وله فيها كلام، ولم يرد فيها ما يخالف مذهب السلف، ولذلك عده الناس إماما لأهل السنة بسبب ما ابتلي به من المخالفين من أهل الأهواء الذين ناظرهم وبين بطلان أقوالهم، وهو في ذلك متبع لمن قبله من أئمة السلف (4).وإذا كان هذا هو المتواتر عن الإمام أحمد فلابد من النظر إلى رواية حنبل – في المحنة – على أنها رواية فردة خالفت المشهور عنه، ولهذا قال القاضي أبو يعلى بعد ذكره لرواية حنبل، وتغليط ابن شاقلا له:"وقد قال أحمد في رواية أبي طالب، هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ [البقرة: 210]، وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] من قال إن الله لا يرى فقد كفر، وظاهر هذا أن أحمد أثبت مجيء ذاته لأنه احتج بذلك على جواز رؤيته، وإنما يحتج بذلك على جواز رؤيته إذا كان الإتيان والمجيء مضافا إلى الذات"(5).

وخلاصة الجواب عن رواية حنبل – في المحنة -:

1 -

إما أن يقال هذه من مفاريده وقد خالفت المتواتر والمشهور عنه.

2 -

وعلى فرض ثبوت هذه الرواية فيقال: أن الإمام قال هذا إلزاما لخصومه وقد قال شيخ الإسلام على هذا الاحتمال: "وهذا قريب".

وشرحه في موضع آخر فقال: "ومنهم من قال: بل أحمد قال ذلك على سبيل الإلزام لهم، يقول: إذا كان أخبر عن نفسه بالمجيء والإتيان، ولم يكن ذلك دليلا على أنه مخلوق، بل تأولتم ذلك على أنه جاء أمره، فكذلك قولوا: جاء ثواب القرآن، لا أنه نفسه هو الجائي، فإن التأويل هنا ألزم، فإن المراد هنا الإخبار بثواب قارئ القرآن، وثوابه عمل له، لم يقصد به الإخبار عن نفس القرآن.

(1)((الاستقامة)) (1/ 75 - 76).

(2)

((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (5/ 401).

(3)

((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (5/ 409).

(4)

انظر: ((نقض التأسيس – مخطوط –)) (3/ 97 - 103).

(5)

((إبطال التأويلات – مخطوط –)) (ص: 61 - 62).

ص: 405

فإذا كان الرب قد أخبر بمجيء نفسه، ثم تأولتم ذلك بأمره، فإذا أخبر بمجيء قراءة القرآن فلأن تتأولوا ذلك بمجيء ثوابه بطريق الأولى والأحرى. وإذا قاله على سبيل الإلزام لم يلزم أن يكون موافقا لهم عليه، وهو لا يحتاج على أن يلتزم هذا؛ فإن هذا الحديث له نظائر كثيرة في مجيء أعمال العباد، والمراد مجيء قراءة القارئ التي هي عمله، وأعمال العباد مخلوقة، وثوابها مخلوق، ولهذا قال أحمد وغيره من السلف: إنه يجيء ثواب القرآن (1)، والثواب إنما يقع على أعمال العباد، لا على صفات الرب وأفعاله" (2).

والخلاصة:

1 -

أن هذا مخالف لما تواتر عن الإمام أحمد من المنع من التأويل.

2 -

أن حنبل تفرد بهذه الرواية.3 - وعلى فرض صحتها فالإمام قالها إلزاما لخصومه المعتزلة (3).

هذه خلاصة مباحث "التأويل" تبين سلامة منهج أهل السنة في الصفات، كما شرحه شيخ الإسلام ورد على المجيزين للتأويل، ولا شك أن هذا الباب لما فتحه المتكلمون – وقد يكون عند بعضهم عن حسن نية – ولج منه أهل الإلحاد من القرامطة والباطنية والفلاسفة وغيرهم ليتوصلوا به إلى تعطيل الشرائع، والأمر والنهي، وإنكار المعاد وما فيه، وهذا وحده كاف لوجوب سد هذا الباب الخطير. ويمكن ذكر نموذج واحد لمقالات هؤلاء الذين فتحوا باب التأويل، يقول شيخ الإسلام:"ولهذا قال كثير منهم – كأبي الحسين البصري، ومن تبعه كالرازي والآمدي وابن الحاجب – أن الأمة إذا اختلفت في تأويل الآية على قولين، جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث، بخلاف ما إذا اختلفوا في الأحكام على قولين. فجوزوا أن تكون الأمة مجتمعة على الضلال في تفسير القرآن والحديث وأن يكون الله أنزل الآية، وأراد بها معنى لم يفهمه الصحابة والتابعون، ولكن قالوا: إن الله أراد معنى آخر. وهم لو تصوروا هذه المقالة لم يقولوا هذا فإن أصلهم أن الأمة لا تجتمع على ضلالة"(4).

ومن تدبر هذا وأمثاله عرف ما فيه وما له من آثار.

‌المصدر:

موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – 3/ 1163

(1) انظر الكلام على مجيء سورة البقرة وآل عمران في ((نقض التأسيس – مخطوط –)) (3/ 116 - 1126).

(2)

((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (5/ 400).

(3)

انظر أيضا: ((مجموع الفتاوى)) (16/ 404، 421 - 422)، حيث نقل كلام ابن الزاغوني، وانظر أيضا (6/ 156 - 166).

(4)

((الفرقان بين الحق والباطل – مجموع الفتاوى)) (13/ 59).

ص: 406