المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

أخبرنا الله عز وجل عن أهل الكتاب واختلافهم، وكشف لنا سبحانه عن سبب تفرقهم مع ما عندهم من العلم الذي كان يجب أن يجمعهم، ويحسم الخلاف الذي وقعوا فيه، ولكنهم حقيقة اختلفوا عن علم، وتفرقوا عن عمد، وما ذاك إلا لبغي بعضهم على بعض، يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلَاّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران: 19]، وقال سبحانه وتعالى: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ [الشورى: 14]. قال أبو العالية عن قوله تعالى: إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ بغيا على الدنيا وطلب ملكها وسلطانها، فقتل بعضهم بعضا على الدنيا من بعد ما كانوا علماء الناس (1).وقال الطبري في معناه:" أنهم أتوا ما أتوا من الباطل على علم منهم بخطأ ما قالوه، وأنهم لم يقولوا ذلك جهلا منهم، ولكنهم قالوه واختلفوا فيه تعديا من بعضهم على بعض، وطلب الرياسات والملك والسلطان "(2).فالذي فرق أهل الكتاب هو تنازعهم على السلطة والملك، وحب الرئاسة والظهور والسعي لحصول ذلك ولو بظلم الناس وأخذ أموالهم وقطع رقابهم (3).ولقد حذر عثمان بن عفان رضي الله عنه من ذلك، فقال في آخر خطبة له في جماعة بعد كثرة الفتوحات قال للناس:". . لا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، وآثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة، وإن المصير إلى الله، واتقوا الله، واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا "(4).

(1) انظر ((تفسير الطبري)) (3/ 142).

(2)

انظر ((تفسير الطبري)) (3/ 142).

(3)

انظر: ((تفسير القرطبي)) (3/ 23)(4/ 29)، ((فتح القدير)) للشوكاني (1/ 213، 326).

(4)

انظر ((البداية والنهاية)) لابن كثير (7/ 215) باختصار.

ص: 71

إن التهالك على الدنيا والسعي الحثيث للحصول على المناصب والرئاسة فيها مذموم، إذ يطبع صاحبه على الحسد، والشح ويدفع ساعيه لظلم الناس ليتحقق مطلوبه، والفساد لا يظهر في البلاد والعباد إذا صدر هذا العمل من فئتين من الناس – المفترض فيهم الإصلاح والإخلاص – فإن صدر من الأمراء، وصدر من العلماء وقعت البلية، وعمت الرزية، وتمكن العدو من المسلمين لأن ولاتهم من العلماء والأمراء في شغل شاغل لتحقيق مصالحهم ومطامعهم. فتقع الفرقة في كيان الأمة لأن المصلحين من العلماء والأمراء متفرقون فيما بينهم، مختلفون في مصالحهم فكيف يجمعون الأمة ويسعون لإصلاح الناس؟! إن فاقد الشيء لا يعطيه. لذلك جاء التحذير الشديد من الرسول الرحيم عليه الصلاة والسلام لما سمعت الأنصار بقدوم مال من البحرين تعرضوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر، فتبسم عليه السلام ثم قال:((أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ فقالوا: أجل يا رسول الله. قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) وفي رواية: ((وتلهيكم كما ألهتهم)) (1). ولقد أخبر عليه الصلاة والسلام بوقوع ذلك في هذه الأمة ففي حديث آخر قال: ((إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو غير ذلك؟ تنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون – أو نحو ذلك – ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض)) (2).ولقد رتبت الأمور بعضها على بعض في الحديث، إذ الأمر يأتي بالتدريج، قال النووي رحمه الله:" قال العلماء التنافس إلى الشيء المسابقة إليه وكراهية أخذ غيرك إياه، وهو أول درجات الحسد، أما الحسد فهو تمني زوال النعمة عن صاحبها، والتدابر: التقاطع وقد بقي مع التدابر شيء من المودة أو لا يكون مودة ولا بغض، أما التباغض فهو بعد هذا ولهذا رتبت في الحديث "(3). وأما قوله: ((. . ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين. .)) أي ضعفائهم فيجعلون بعضهم أمراء على بعض (4).ولقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن هلاكا سيقع في الأمة عند تنازع ولاتها على الملك، ففي الحديث أنه قال:((هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش)) (5).والمراد بالغلمة هنا جمع غليم بالتصغير وهو الضعيف العقل والتدبير والدين، ولو كان محتلما (6).فأخبر صلى الله عليه وسلم أن ولايتهم هلاك للأمة، وذلك أنهم يهلكون الناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله، فتفسد أحوال الناس، ويكثر الخبط بتوالي الفتن (7).ولقد جاء في وصف الخوارج أنهم " حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام " ومن كان هذا وصفه حري به أن يسارع في الفتنة جهلا منه، مع ما قد يجتمع معه من حب الرئاسة والظهور، وهذا كان حال الخارجين على عثمان رضي الله عنه، المثيرين النزاع حول السلطة، المفرقين للأمة، إذ المتتبع لتراجم هؤلاء الخارجين على عثمان رضي الله عنه يجدهم ممن يوصف بالشجاعة والجرأة والإقدام، ومع حب الرئاسة والظهور، وليس بينهم من يوصف بالعلم والفقه (8).

(1) رواه البخاري (6425) ومسلم (2961).

(2)

رواه مسلم (2962).

(3)

شرح ((صحيح مسلم)) للنووي (18/ 96).

(4)

شرح ((صحيح مسلم)) للنووي (18/ 97).

(5)

رواه البخاري (7058).

(6)

انظر ((فتح الباري)) (13/ 9).

(7)

انظر ((فتح الباري)) (13/ 10).

(8)

انظر حاشية ((العواصم من القواصم)) في ثوبه الجديد، تحقيق في مواقف الصحابة لمحب الدين الخطيب (ص 109 - 115.

ص: 72

ومما يدل على أن الخارجين على عثمان رضي الله عنه كان سبب خروجهم طلب الرئاسة والملك، أنه لما بويع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واستقر له الأمر بعد وقعة الجمل، استعمل رضي الله عنه عبد الله بن عباس على البصرة وبلغ ذلك مالكا الأشتر (1) - وهو من الخارجين على عثمان – فغضب وقال:" علام قتلنا الشيخ (2)؟ إذ اليمن لعبيد الله، والحجاز لقثم (3)، والبصرة لعبد الله، والكوفة لعلي "(4)؟! بل إنهم صرحوا بأن خروجهم وشغبهم على عثمان كان طلبا للرئاسة، فقد كان هؤلاء النفر (5) أثاروا الشغب والفتنة في الكوفة، فسيرهم عثمان رضي الله عنه إلى معاوية في الشام، فذكرهم معاوية بالله وبالتقوى لفساد الحال وهتك حرمة الأمة (6)، وبين لهم معاوية كيف أن ولاة الأمر للمسلمين جنة فقال: " أن أئمتكم لكم إلى اليوم جنة (7)، فلا تسدوا عن جنتكم

".فقال صعصعة بن صوحان (8): أما ما ذكرت من الجنة، فإن الجنة إذا اخترقت خلص إلينا (9). أي إذا قتلنا ولاتنا صارت الولاية إلينا (10).ولقد كتب معاوية إلى عثمان رضي الله عنه يصفهم فقال: إنه قدم علي أقوام ليست لهم عقول ولا أديان. أثقلهم الإسلام وأضجرهم العدل، ولا يريدون الله بشيء، ولا يتكلمون بحجة، إنما همهم الفتة، وأموال أهل الذمة، والله مبتليهم ومختبرهم، ثم فاضحهم ومخزيهم

" (11).إن إثارة الشغب والفتنة في الأمة، وظهور الخلافات السياسية بين ولاة أمر المسلمين من شأنه أن يضعف الدولة الإسلامية، ويشجع على ظهور الفرق المبتدعة، فسرعان ما تطل الفتنة برأسها، وترفع البدعة لوائها لتفرق الجماعة المسلمة، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصف الخوارج:((يخرجون على حين فرقة من الناس)) (12).ولقد عاب الصحابة رضي الله عنهم التنازع على السلطة والتقاتل على الملك، فعن سعيد بن جبير (13)

(1) هو: مالك بن الحارث النخعي المعروف بالأشتر، كان من ملوك العرب، وأحد الأشراف والأبطال، وكان ممن ألب على عثمان وحضر حصره في المدينة، شهد الجمل وصفين مع علي بن أبي طالب، توفي عام 37هـ. انظر:((السير)) (4/ 34)، ((تهذيب التهذيب)) (10/ 11).

(2)

يقصد به عثمان رضي الله عنه.

(3)

هو: قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخو الفضل وعبد الله وعبيد الله له صحبه، قد أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو قليل الرواية. انظر: السير (3/ 440)، تهذيب التهذيب (8/ 361).

(4)

انظر ((تاريخ الطبري)) (3/ 31) حاشية ((العواصم من القواصم)) لمحب الدين الخطيب (ص 115).

(5)

منهم: عبد الرحمن بن عديس، ومالكا الأشتر، وحكيم بن جبلة، وابن الكواء اليشكري، وصعصعة بن صوحان العبدي وأخوه زيد، وجندب بن زهير الغامدي وغيرهم، انظر ((تاريخ الطبري)) (2/ 639).

(6)

انظر ((العواصم من القواصم))، تحقيق محب الدين الخطيب (ص 116).

(7)

معنى جنة أي سترة، لأنه يمنع العدو أذى المسلمين، ويكف أذى بعضهم عن بعض. انظر ((فتح الباري)) (6/ 116).

(8)

هو: صعصعة بن صوحان العبدي أبو طلحة، أحد خطباء العرب، وشهد صفين مع علي رضي الله عنه، توفي بالكوفة في خلافة معاوية رضي الله عنه. انظر: الإصابة (3/ 259)، السير (3/ 528).

(9)

انظر الخبر في الفتنة ووقعة الجمل رواية سيف بن عمر الضبي، جمع أحمد عرموش (ص 38).

(10)

انظر حاشية ((العواصم من القواصم)) للخطيب (ص 116).

(11)

انظر ((الفتنة ووقعة الجمل)) (ص 39).

(12)

رواه البخاري (6163) ومسلم (1064).

(13)

هو: سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الكوفي أبو محمد وقيل أبو عبد الله، قال الطبري: هو ثقة إمام، حجة على المسلمين قتل في شعبان سنة 95هـ .. انظر: السير (4/ 321)، تهذيب التهذيب (4/ 11).

ص: 73

فقال خرج علينا عبد الله عمر فرجونا أن يحدثنا حديثا حسنا، قال فبادرنا إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن حدثنا عن القتال في الفتنة والله يقول: " قاتلوهم حتى لا تكون فتنة " فقال: " هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة وليس كقتالكم على الملك "(1).فالرجل أراد أن يحتج بالآية على مشروعية القتال في الفتنة التي تقع بين المسلمين، والتي كان ابن عمر ترك القتال فيها، ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقة والأخرى مبطلة، فأخبره عن الفتنة المأمور بالقتال فيها، وقوله:" وليس كقتالكم على الملك " أي: في طلب الملك، وهو يشير إلى ما وقع بين مروان ثم عبد الملك ابنه وبين ابن الزبير وما أشبه ذلك (2).ولقد ذم أبو برزة الأسلمي (3) رضي الله عنه وأنكر القتال على الملك ولطلب الدنيا فقال: " إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش، إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم حتى بلغ بكم ما ترون، وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم. إن ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على دنيا (4)، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على دنيا (5)، وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل على الدنيا (6)(7).

إن المنازعة على الملك والسلطة مذمومة لكل أحد، فما بالك إذا كانت المنازعة من قبل العلماء؟!. إن صلاح العلماء وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر صلاح للأمة، وبالمقابل فإن فسادهم وسوء نياتهم بلاء وفتنة للأمة، لذلك جاء الوعيد الشديد لمن طلب العلم بقصد الرئاسة والظهور، وكان همه الحصول على متاع دنيوي بهذا العلم الرباني، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار)) (8).يقول الإمام الآجري محذرا من هذا المسلك: " فمن طلبه للفخر والرياء، والجدل والمراء، وتأكل به الأغنياء، وجالس به الملوك وأبناء الملوك، لينال به الدنيا فهو ينسب نفسه إلى أنه من العلماء، وأخلاقه أخلاق أهل الجهل والجفاء، فتنة لكل مفتون، لسانه لسان العلماء، وعمله عمل السفهاء (9).يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله سادوا به أهل زمانهم، ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا من دنياهم فهانوا على أهلها " (10).ويبين معاذ بن جبل رضي الله عنه خطورة العلماء طلاب الرئاسة والدنيا فيقول في كل مجلس يجلسه:" هلك المرتابون، إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه الرجل والمرأة، والحر والعبد، والصغير والكبير، فيوشك الرجل أن يقرأ في ذلك الزمان فيقول: ما بال الناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن، فيقول: ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع فإنما ابتدع ضلالة "(11).

فهذا الرجل الجاهل الذي قرأ القرآن وتحلى بزي العلماء – وليس منهم – يبتدع في دين الله، ويضل عباد الله، كل ذلك طلبا للرئاسة وحب الظهور، فهذا الصنف من الناس من شأنه أن يفرق الأمة بما ينشر بينهم من بدع وضلالات. وليس هذا فقط، بل من شأنه أن يسارع في كل فتنة ويخرج عن كل قول ومذهب؛ متى ما برقت الدنيا أمامه، ووعد بمنصب أو رئاسة (12)، وصدق عبد الله بن المبارك حينما قال: وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها (13)

‌المصدر:

موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص255 - 263

(1) رواه البخاري (7095).

(2)

انظر ((فتح الباري)) (13/ 47).

(3)

هو: نضلة بن عبيد الأسلمي أو برزة مشهور بكنيته، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، روى عدة أحاديث، توفي سنة 64هـ. انظر:((الإصابة)) (6/ 237)، ((السير)) (3/ 40).

(4)

يقصد به مروان بن الحكم وقصد بيعة ابن الزبير وبايع له أهل الشام.

(5)

أي: أهل البصرة.

(6)

يقصد به عبد الله بن الزبير لما بويع بالخلافة.

(7)

رواه البخاري (7112)، فأبو برزة رضي الله عنه ذم الطوائف الثلاث كلها لأنه كان لا يرى قتال المسلمين أصلا، فكان يرى لصاحب الحق أن يترك حقه لمن نازعه فيه ليؤجر على ذلك ويمدح بالإيثار على نفسه لئلا يكون سببا لسفك الدماء. وهذا رأي ابن عمر رضي الله عنهما أيضا، ولكن الجمهور على أن الفتنة مختصة بها إذا وقع القتال بسبب التغالب في طلب الملك، وأما إذا علمت الباغية فلا تسمى فتنة وتجب مقاتلتها حتى ترجع إلى الطاعة. انظر ((فتح الباري)) (13/ 47، 70).

(8)

رواه الترمذي (2654)، وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحسنه الألباني في صحيح ((سنن الترمذي)) (2/ 337).

(9)

انظر ((أخلاق العلماء)) (ص 78).

(10)

انظر ((أخلاق العلماء)) للآجري (ص 88).

(11)

كتاب ((الشريعة)) للآجري (1/ 405)، والحلية لأبي نعيم (1/ 232).

(12)

انظر ((الاعتصام)) للشاطبي (447 – 449).

(13)

انظر ((شرح العقيدة الطحاوية)) (1/ 235).

ص: 74