المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أحب الآفلين [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أحب الآفلين [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

.

زعم المبتدعة أن الخليل عليه السلام بقوله: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ استدل على حدوث الكواكب بتحركها وتغيرها؛ لأن كل متحرك محدث ..

ثم نفى صلاحيتها لأن تكون صانعة للعالم بكونها محدثة، والمحدث لا يصلح أن يكون رباً ..

- وقد تقدم أن مراد المبتدعة من ذلك نفي قيام الأفعال الاختيارية بذات الله تعالى؛ لأنها حوادث، وما قامت به الحوادث كان محلاً لها، وما كان محلاً للحوادث فهو حادث، والمحدث لا يصلح أن يكون رباً ..

- فهذا مما أبعدوا فيه النجعة، وجانبوا فيه جادة الصواب ..

ولا يسعفهم في ذلك برهان، لا من اللغة، ولا من واقع الحال ..

- أما من اللغة:

فالأفول باتفاق أهل العلم والتفسير: هو المغيب، والاختفاء، والاحتجاب .. وهذا أمر متواتر ضروري في التفسير واللغة (1).- فلا يعرف في لغة العرب إطلاق الأفول على الحركة والانتقال (2).

فهذا المعنى لم تعرفه العرب كما هو مبين في كتب ومعاجم اللغة ..

- وكذا لم تعرف العرب أن الأفول هو التغير.

فلا يسمى المتحرك، أو المتغير في اللغة آفلاً ..

- ولا يقال لمن تحرك، أو جاء، أو ذهب، أو صعد، أو نزل، أو أتى إنه آفل ..

- ولا يقال للتغير الذي هو تحول عن حال إلى حال؛ كاستحالة لون الإنسان إلى الاصفرار عند المرض، واستحالة لون الشمس إلى الاصفرار عند تضيفها للغروب: إن ذلك أفول ..

- وإنما المعروف أن الأفول: هو الغياب والاحتجاب ..

وهذا من المتواتر المعلوم بالاضطرار من لغة العرب ..

- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على حدوث الكواكب بتحركها وتغيرها؛ لأن كل متحرك محدث – بزعمهم – وزعمهم أن الأفول: هو الحركة والتغير: "إن هذا خلاف إجماع أهل اللغة والتفسير.

بل هو خلاف ما علم بالاضطرار من الدين، والنقل المتواتر للغة والتفسير.

فإن الأفوال: هو المغيب.

يقال أفلت الشمس تأفل، وتأفل أفولا: إذا غابت.

ولم يقل أحد قط إنه هو التغير، ولا أن الشمس إذا تغير لونها يقال إنها أفلت، ولا إذا كانت متحركة في السماء يقال إنها أفلت.

ولا أن الريح إذا هبت يقال إنها أفلت.

ولا أن الماء إذا جرى يقال إنه أفل.

ولا أن الشجر إذا تحرك يقال إنه أفل.

ولا أن الآدميين إذا تكلموا، أو مشوا، وعملوا أعمالهم يقال إنهم أفلوا.

بل ولا قال أحد قط إن من مرض، أو اصفر وجهه، أو احمر يقال إنه أفل. فهذا القول من أعظم الأقوال افتراء على الله، وعلى خليل الله، وعلى كلام الله عز وجل، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله، وعلى أمة محمد جميعاً، وعلى جميع أهل اللغة، وعلى جميع من يعرف معاني القرآن" (3).

(1) انظر: ((بغية المرتاد)) لابن تيمية (ص: 359).

(2)

انظر من كتب ابن تيمية: ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 195). و ((رسالة في الصفات الاختيارية ضمن جامع الرسائل)) (2/ 50). و ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/ 313، 314، 2/ 216، 4/ 76 – 77، 8/ 355). و ((شرح حديث النزول)) (ص: 165، 166).

(3)

((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (6/ 284، 285). وانظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) له (6/ 109 – 110، 313، 314، 2/ 216، 4/ 76، 77، 8/ 355). و ((شرح حديث النزول)) له (ص: 166). و ((منهاج السنة النبوية)) له (2/ 195).

ص: 481

فالأفول – إذاً – باتفاق أهل اللغة جميعاً، وعلماء التفسير، وكل من يعرف معاني القرآن: هو المغيب، والاختفاء، والاحتجاب. يقول الأزهري – وهو أحد علماء اللغة -:"يقال: أفلت الشمس تأفل وتأفل أفلا وأفولا، فهي آفلة، وكذلك القمر يأفل إذا غاب قال الله تعالى: فَلَمَّا أَفَلَ [الأنعام: 76 - 77]: أي غاب وغرب"(1).

وقال ابن فارس: "أفلت الشمس: غابت ونجم أفل وكل شيء غاب فهو آفل .. - إلى أن قال:- وإبراهيم عليه السلام قال: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76]؛ حين غابت الكواكب واحتجبت"(2).ولم يشذ عن هذا أحد من أهل اللغة (3).

فعلم أن اللغة تدحض حججهم .. بل إن من يعرف معاني القرآن ليجزم أن معنى الأفول هو الغياب والاحتجاب، وليس معناه التحرك والتغير (4).

وأما من واقع الحال:

فلم يكن قصد الخليل إبراهيم عليه السلام الاستدلال بالحركة والسكون على أن هذه الكواكب حادثة لا تصلح للألوهية – كما زعم المبتدعة.

لذلك لما رآها تتحرك لم يقل: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ، وإنما قال ذلك عندما غابت واحتجبت ..

فمعلوم أن القمر لما بزغ، كان في بزوغه متحركاً إلى أن غاب ..

وكذلك الشمس لما بزغت، كانت في بزوغها متحركة إلى أن غابت .. فلو كان إبراهيم عليه السلام يقصد الاستدلال بالحركة التي يسميها المبتدعة – تغيراً – لكان قد قال ذلك – لا أُحِبُّ الآفِلِينَ – حين رأى القمر، أو الشمس بازغين، ولما انتظر أفولهما، "بل كان نفس الحركة التي يشاهدها حين تطلع إلى أن تغيب هي الأفول" (5).يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مخاطباً المبتدعة الذين استدلوا بالأفول على الحدوث:"إن قصة الخليل عليه السلام حجة عليكم؛ فإنه لما رأى كوكباً وتحرك إلى الغروب فقد تحرك، ولم يجعله آفلاً. فلما رأى الشمس بازغة علم أنها متحركة، ولم يجعلها آفلة. ولما تحركت إلى أن غابت، والقمر إلى أن غاب لم يجعله آفلاً"(6).

فلو كانت الحركة التي ظهرت في الشمس – مثلاً – حين بزوغها هي الدليل على الحدوث، لكان الخليل عليه السلام من حين بزغت استدل بتلك الحركة على حدوثها، ولما انتظر إلى أن غابت ..

فدل ذلك على أن الحركة ليست دليلاً على نفس مطلوبه، بل الأفول هو الدليل .. فعلم بذلك أن ما ذكر من التغير والحركة والانتقال لم يناف مقصود إبراهيم عليه السلام، وإنما نافاه التغيب والاحتجاب (7).

(1)((تهذيب اللغة)) للأزهري (15/ 378).

(2)

((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/ 119).

(3)

انظر: ((الصحاح للجوهري)) (4/ 1623). و ((القاموس المحيط للفيروز آبادي)) (ص: 1242). و ((لسان العرب)) لابن منظور (11/ 18). و ((المعجم الوسيط)) (ص: 21) وغير ذلك كثير.

(4)

انظر مثلا: ((معالم التنزيل)) للبغوي (2/ 90، 91). و ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 151). و ((روح المعاني للألوسي)) (7/ 199) وغير ذلك.

(5)

((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (2/ 196).

(6)

((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (6/ 285). وانظر من كتب ابن تيمية: المصدر نفسه (6/ 253) و ((بغية المرتاد)) (ص: 360)((ومنهاج السنة النبوية)) (2/ 196) و ((شرح حديث النزول)) (ص: 166) و ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/ 313، 314، 2/ 216، 4/ 77، 8/ 356). و ((رسالة في الصفات الاختيارية ضمن جامع الرسائل)) (2/ 50 - 51).

(7)

((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (4/ 77).

ص: 482

- ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عليها في هذا الباب: أن ما استدل به المبتدعة من نفي التغير – الحركة، والسكون – الذي سموه أفولاً، على تعطيل الباري جل وعلا عن صفاته الاختيارية: هو على نقيض مطلوبهم، لا على تعيين مرادهم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فإن كان إبراهيم – عليه السلام – إنما استدل بالأفول على أنه ليس رب العالمين؛ كما زعموا: لزم من ذلك أن يكون ما يقوم به الأفول؛ من كونه متحركاً، منتقلاً، تحله الحوادث، بل ومن كونه جسماً متحيزاً: لم يكن دليلاً عند إبراهيم على أنه ليس برب العالمين وحينئذ: فيلزم أن تكون قصة إبراهيم حجة على نقيض مطلوبهم، لا على تعيين مطلوبهم. وهكذا أهل البدع لا يكادون يحتجون بحجة سمعية، ولا عقلية، إلا وهي عند التأمل حجة عليهم لا لهم" (1).فقيام الحركة والانتقال بالكوكب، أو القمر، أو الشمس: لم يناف مقصود إبراهيم عليه السلام، لذلك لم ينف محبة من قامت به هذه الصفة، وإنما نفى محبة من أفل؛ فعلم أن التغيب ينافي مقصود الخليل عليه السلام؛ "فإن كان مقصوده نفي كونه رب العالمين، كان ذلك حجة عليهم لا لهم. وكانوا قد حكوا عن إبراهيم أنه لم يجعل التغير والحركة والانتقال مانعة من كون الموصوف بذلك رب العالمين، فما ذكروه لو صح كان حجة عليهم لا لهم. وبكل حال: فإبراهيم لم يجعل الحركة والانتقال مانعة من حب المتصف بذلك، كما جعل الأفول مانعاً فعلم أن ذلك ليس من صفات النقص التي تنافي كون المتصف بها معبوداً عند إبراهيم" (2).يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ولقائل أن يقول: إن كان الخليل صلى الله عليه وسلم احتج بالأفول على نفي كونه رب العالمين، لزم أنه لم يكن ينفي عنه حلول الحوادث؛ لأن الأفول هو المغيب والاحتجاب باتفاق أهل التفسير واللغة، وهو مما يعلم من اللغة اضطراراً. وهو حين بزغ قال: هَذَا رَبِّي، فإذا كان من حين بزوغه إلى حال أفوله لم ينف عنه الربوبية، دل على أنه لم يجعل حركته منافية لذلك، وإنما جعل المنافي: الأفول"(3).

- فالخليل عليه السلام لم ينف الربوبية عن الكوكب، أو القمر، أو الشمس: حال حركتهم وانتقالهم من مكان إلى مكان، وإنما نفى ذلك وقت غيابهم واحتجابهم ..

فدل ذلك على أن رب العالمين تقوم به الأفعال الاختيارية، لا كما زعم نفاتها ..

هذا لو سلمنا للمبتدعة أن إبراهيم عليه السلام كان بصدد إثبات رب العالمين.

غير أن الواقع أن الخليل عليه السلام كان يحتج بالأفول على أن من يتصف به لا يصلح أن يتخذ رباً يشرك به، ويدعى من دون الله.

وهكذا تبين لنا أن طريقة الخليل عليه السلام إنما كانت لنفي ألوهية الكواكب، ونفي عباداتها من دون الله تعالى، لا لإثبات حدوث العالم بدليل الحركة والسكون، ولا للاستدلال على حدوث الأجسام بتغيرها وأفولها ..

واتضح أن قصة الخليل عليه السلام حجة على المبتدعة؛ سيما أولئك الذين يستندون إليها في نفي قيام أفعال الله الاختيارية بذاته جل وعلا ..

‌المصدر:

الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد القادر عطا – 2/ 444

(1)((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (6/ 254).

(2)

((درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية)) (4/ 77، 78).

(3)

((درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية)) (2/ 216). وانظر: ((رسالة في الصفات الاختيارية له – ضمن جامع الرسائل)) (2/ 51).

ص: 483