المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

؟

من المعلوم أن الله سمى نفسه بأسماء، وسمى عباده بأسماء مختصة بهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، كما وصف نفسه بصفات، ووصف عباده بصفات مختصة بهم، توافق تلك الصفات إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، وليست صفات الله كصفات الخلق ولا أسماؤه كأسمائهم.

ومن الأمثلة على ذلك أن الله سمى نفسه حيا فقال: اللهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: 255]، وسمى بعض عباده حيا فقال: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [الروم: 19]، ليس هذا الحي مثل هذا الحي، وسمى نفسه سميعا بصيرا فقال: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58]، وسمى بعض خلقه سميعا بصيرا فقال: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان: 2] وليس السميع كالسميع ولا البصير كالبصير، وسمى نفسه بالملك فقال: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ [الحشر: 23] وسمى بعض عباده بالملك فقال: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي [يوسف: 50].وكذلك سمى صفاته بأسماء، وسمى صفات عباده بنظير ذلك فقال في صفة العلم وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاء [البقرة: 255] وقال عن المخلوق: فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ [غافر: 83] وليس العلم كالعلم، وكذلك وصف نفسه بالمشيئة ووصف عبده بالمشيئة فقال: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 28 - 29] وكذلك وصف نفسه بالمحبة ووصف عبده بالمحبة فقال: فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54]، ووصف نفسه بالمناداة فقال: وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم: 52] ووصف عبده بالمناداة فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [الحجرات: 4]، ووصف نفسه بالتكليم في قوله: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] ووصف عبده بالتكليم في مثل قوله: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ [يوسف: 54]، وغيرها كثير (1).

فهل إطلاق هذه الأسماء والصفات على الله وعلى المخلوق هو من باب المشترك اللفظي، أو باب المتواطئ أو المشكك؟.

(1) انظر: ((التدمرية)) (ص: 21 - 30)) – ت السعوي -، و ((الجواب الصحيح)) (3/ 148 - 149).

ص: 348

والفرق بين المشترك اللفظي والمتواطئ أو المشكك كبيرا جدا، لأن معنى المشترك اللفظي أن اللفظ واحد ولكن المعاني والمدلولات التي يصدق عليها هذا اللفظ متباينة لا يجمع بينها معنى مشترك، فالعين تطلق على الباصرة وعلى الذهب وعلى الجارية وليس بين هذه الأمور أي معنى يجمعها سوى لفظ "عين" الذي يطلق على كل منها، وكذا المشتري يطلق على مشتري السلعة، ويطلق على الكوكب المسمى بالمشتري، وليس بينهما أي معنى مشترك سوى أن لفظ "المشتري" جمع بينهما لفظا. فإذا قيل: الله سميع، والمخلوق سميع، فهل السميع هنا من باب المشترك اللفظي؟ ونحن إذا فهمنا معنى السميع بالنسبة للمخلوق فهل يقول قائل: إن السميع بالنسبة لله قد يكون له معنى آخر بعيد جدا، كالبعد الذي بين معنى الكوكب والمبتاع للسلعة.؟، لاشك أن هذا القول يؤدي على تعطيل أسماء الله وصفاته عن معانيها اللائقة به تعالى.

أم المتواطئ فهو معنى كلي على أعيان متعددة، كالإنسان، فهو معنى كلي يدل على جميع بني الإنسان بالسوية، فيصدق على زيد وعمرو ومحمد وأحمد من الناس، لكن هذا المعنى الكلي الذي يجمعهم لا يعني أن حقيقة زيد هو حقيقة عمرو، بل كل له حقيقته الخاصة وإن كان يجمعهم معنى "الإنسان". والمشكك جزء من المتواطئ العام، لأنه يدل على أشياء متعددة لأمر عام مشترك بين أفرادها، لكنه في بعضها أقوى أو أشد.

ص: 349

وقد بين شيخ الإسلام أن هذا التوافق بين أسماء الله وصفاته وأسماء المخلوقين وصفاتهم لا يجوز أن يكون من باب المشترك اللفظي، بل هو من باب المتواطئ أو المشكك؛ لأن هناك معنى كليا يفهم من مطلق صفة السمع أو البصر أو الحياة أو الوجود، وإن كان سمع الله وبصره وحياته ووجوده، يخصه لا يشاركه فيه أحد من الخلق، كما أن سمع المخلوق وبصره وحياته ووجوده يخصه. ومع تجويز شيخ الإسلام أن تكون من باب المتواطئ أو المشكك، إلا أنه يتعمق في ذكر الفرق بينهما، ولذلك فهو يرى أن القول بأنه من المتواطئ واضح في هذا الباب، وأن القول بأن المعنى الذي هو مدلول اللفظ العام ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام، لا مانع منه ما دامت حقيقة كل قسم تخصه لا يشركه فيه غيره، وأما الذي ظنه بعض الناس من أنه يخلص من هذا الاشتراك بجعل لفظ "الوجود" أو غيره من باب التشكيك، لكون واجب الوجود أكمل، كما يقال في لفظ السواد المقول على سواد القار وسواد الحدقة، ولفظ البياض المقول على بياض الثلج وبياض العاج فإن شيخ الإسلام يجيب عن هذا بقوله:"ولا ريب أن المعاني الكلية قد تكون متفاضلة في مواردها، بل أكثرها كذلك: وتخصيص هذا القسم بلفظ المشكك أمر اصطلاحي، ولهذا كان من الناس من قال: هو نوع من المتواطئ؛ لأن واضع اللغة لم يضع اللفظ العام بإزاء التفاوت الحاصل لأحدهما، بل بإزاء القدر المشترك"، ثم يقول شيخ الإسلام:"وبالجملة، فالنزاع في هذا لفظي، فالمتواطئة العامة تتناول المشككة، وأما المتواطئة التي تتساوى معانيها فهي قسيم المشككة، وإذا جعلت المتواطئة نوعين: متواطئا عاما وخاصا، كما جعل الإمكان نوعين عاما وخاصا زال اللبس"(1).والقول بأن هذا التوافق ليس من قبيل المشترك اللفظي هو قول جماهير المسلمين، يقول شيخ الإسلام:"إن مذهب عامة الناس، بل عامة الخلائق من الصفاتية كالأشعرية والكرامية وغيرهم، أن الوجود (ليس) مقولا بالاشتراك اللفظي فقط، وكذلك سائر أسماء الله التي سمي بها، وقد يكون لخلقه اسم كذلك، مثل الحي والعليم والقدير؛ فإن هذه ليست مقولة بالاشتراك اللفظي فقط، بل بالتواطؤ، وهي أيضا مشككة؛ فإن معانيها في حق الله تعالى أولى، وهي حقيقة فيهما، ومع ذلك فلا يقولون: إن ما يستحقه الله تعالى من هذه الأسماء إذا سمي بها مثل ما يستحقه غيره، ولا أنه في وجوده وحياته وعلمه وقدرته مماثلا لخلقه، ولا يقولون أيضا إن له أو لغيره في الخارج وجودا غير حقيقتهم الموجودة في الخارج؛ بل اللفظ يدل على قدر مشترك (إذا) أطلق وجرد عن الخصائص التي تميز أحدهما"(2)، ثم بين أن هذا لا يستعمل في اسما الله فقط ولا في اللغة أيضا، وإنما يذكر في مواضع تجرد عن الخصائص لأجل المناظرة فيقدر الأمر تقديرا (3).

ومع أن هذا هو قول جماهير الصفاتية وغيرهم إلا أن بعض من خاض في الفلسفة والمنطق كالرازي والآمدى والشهرستاني ظنوا – في بعض أقوالهم – أنه يجب أن يكون ما بين أسماء الله وأسماء المخلوقين من توافق مقولا بالاشتراك اللفظي، وقد بين شيخ الإسلام أن الذي دفعهم إلى هذا القول شبهتان:

إحداهما: شبهة الوقوع في التشبيه والتركيب.

(1)((منهاج السنة)) (3/ 586) – ط جامعة الإمام، وانظر: ما قبل ذلك 2/ 118 - 119.

(2)

((نقض التأسيس)) – مطبوع – (2/ 378).

(3)

انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (2/ 379).

ص: 350

والثانية: ظن ثبوت الكليات المشتركة في الخارج. أما الشبهة الأولى فيقول شيخ الإسلام: إن كثيرا من الناس "تنازعوا في الأسماء التي تسمى الله بها وتسمى بها عباده كالموجود والحي والعليم والقدير، فقال بعضهم: هي مقولة بالاشتراك اللفظي حذرا من إثبات قدر مشترك بينهما، لأنهما إذا اشتركا في مسمى الوجود لزم أن يمتاز الواجب عن الممكن بشيء آخر فيكون مركبا، وهذا قول بعض المتأخرين كالشهرستاني والرازي في أحد قوليهما، وكالآمدي مع توقفه أحيانا"(1)، ثم رد على الرازي والآمدي حين ظنا أن الأشعري وغيره ممن ينفي الأحوال ويقول إن وجود كل شيء عين حقيقته – يقولون بهذا القول وأنها مقولة بالاشتراك اللفظي، وزعما أن هذا لازم لهم، لأنهم لو قالوا هو متواطئ لكان بينهما قدر مشترك، فيمتاز أحدهما عن الآخر بخصوص حقيقته، والمشترك ليس هو المميز، فلا يكون الوجود المشترك هو الحقيقة المميزة. وبين أن هذا غلط عليهم (2).هذه شبهة التركيب، أما شبهة التشبيه فإنهم قالوا: إذا قلنا موجود وموجود، وحي وحي، لزم التشبيه (3).وأما الشبهة الثانية: فبسببها غلط الرازي وغيره "فإنه ظن أنه إذا كان هذا موجودا وهذا موجودا، والوجود شامل لهما، كان بينهما وجود مشترك كل في الخارج، فلابد من مميز يميز هذا عن هذا، والمميز إنما هو الحقيقة فيجب أن يكون هناك وجود مشترك وحقيقة مميزة"(4).

وهذه مبنية على مسألة طالما غلط فيها أهل المنطق والفلسفة وأتباعهم، وهي مسألة الكليات المطلقة التي تكون في الأذهان، وتوهمهم أنها قد تكون موجودة في الأعيان فبهاتين الشبهتين: شبهة التشبيه، وشبهة الكليات الذهنية قال بعض هؤلاء الأشاعرة: إن الوجود وغيره إذا أطلق على الخالق والمخلوق كان من قبيل المشترك اللفظي. وقد رد عليهم شيخ الإسلام من وجوه أهمها:

1 -

أن القول الذي يقول به جماهير الناس: جمهور المعتزلة، والمتكلمة الصفاتية من الأشعرية والكرامية والسالمية، وأتباع الأئمة الأربعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، وأهل الحديث، والصوفية، أن هذه الأسماء حقيقة للخالق تعالى، وإن كانت تطلق على خلقه حقيقة.

وأما الأقوال الأخرى فهي باطلة:

مثل قول من يقول: إنها حقيقة في الخالق مجاز في المخلوق، وهو قول أبي العباس الناشىء. ومثل قول من يقول بالعكس، أي أنها حقيقة في المخلوق مجاز في الخالق، كما هو قول غلاة الجهمية والقرامطة والباطنية الذين ينفون عن الله الأسماء الحسنى بل ويقولون: إن الله ليس بحي ولا عالم ولا جاهل (5)

(1)((منهاج السنة)) (2/ 581) - ط جامعة الإمام -.

(2)

انظر: ((منهاج السنة)) (2/ 581 - 582) – ط جامعة الإمام.

(3)

انظر: ((منهاج)) السنة (2/ 584).

(4)

((منهاج السنة)) (2/ 585) – ط جامعة الإمام.

(5)

انظر: في هذه الأقوال: ((الجواب الصحيح)) (3/ 150)، و ((الرد على المنطقيين)) (ص: 155 - 157)، و ((مجموع الفتاوى)) (5/ 196 - 197، 207)، و ((درء التعارض)) (5/ 184 - 185)، و ((منهاج السنة)) (2/ 582 - 583) – ط جامعة الإمام -.

ص: 351

والصواب أنها حقيقة فيهما، ولا معنى لهذا القول إلا بإثبات المعنى المشترك في كل اسم أو صفة، ثم إن وجود الخالق يخصه ووجود المخلوق يخصه، وهكذا بقية الصفات، وكل من قال بالمشتري اللفظي فقد جانب قول أهل الحق، ولزمه أن يقول بواحد من تلك الأقوال الفاسدة.2 - أن كل موجودين فلابد بينهما من قدر مشترك وقدر مميز، وهذه مسألة التشبيه والتمثيل، وقد سبق تفصيل القول فيها، مع بيان اعتراف الأشاعرة، بل وتقريرهم أن، إثبات الصفات لله كالوجود والسمع والبصر والحياة وغيرها، لا يقتضي أن يكون الله مشابها لخلقه (1).3 - أن هؤلاء الذين يقولون بالمشترك اللفظي متناقضون، لأنهم مع قولهم إن الوجود مقول بالاشتراك اللفظي إلا أنهم يجعلونه "ينقسم إلى واجب وممكن، أو قديم ومحدث، كما تنقسم سائر الأسماء العامة الكلية لا كما تنقسم الألفاظ المشتركة كلفظ سهيل المقول على "سهيل" الكوكب، وعلى سهيل بن عمرو، فإن تلك لا يقال فيها: إن هذا ينقسم إلى كذا وكذا، ولكن يقال: إن هذا اللفظ يطلق على هذا المعنى، وعلى هذا المعنى، وهذا أمر لغوي لا تقسيم عقلي، وهناك (أي في المتواطئ) تقسيم عقلي: تقسيم المعنى الذي هو مدلول اللفظ العام، ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام"(2). وتناقضهم في هذا واضح جدا لأن التقسيم لا يكون في الألفاظ المشتركة إن لم يكن المعنى مشتركا (3).4 - أنه لو لم تكن هذه الأسماء متواطئة لأدى ذلك إلى عدم فهم المعاني المرادة في كل سياق، لأنه إذا قيل: إنها من باب المشترك اللفظي، كان ورود هذا الاسم في موضع له معنى. فإذا ورد في موضع آخر وأراد به المعنى الآخر – الذي يختلف عن الأول تماما – فإنه لا يفهم ذلك المعنى إلا بدليل يدل عليه (4)، فإذا قيل المخلوق موجود، ثم قيل والله تعالى موجود، فالقول أن الوجود مقول بالاشتراك اللفظي يقتضي أن معنى الوجود في العبارة الثانية له معنى آخر بعيد عن مدلول اللفظ الأول، ولابد من دليل يدل على المعنى المقصود منه، وهذا لو طبق يؤدى إلى تخبط عجيب في فهم مدلول الألفاظ والعبارات.

5 -

أن القول بالاشتراك اللفظي يؤدي إلى موافقة الملاحدة والقرامطة، "فإنهم إذا جعلوا أسماء الله تعالى كالحي والعليم والقدير والموجود ونحو ذلك مشتركة اشتراكا لفظيا، لم يفهم منها شيء إذا سمي بها الله، إلا أن يعرف ما هو ذلك المعنى الذي يدل عليه إذا سمي بها الله، لا سيما إذا كان المعنى المفهوم منها عند الإطلاق ليس هو المراد إذا سمي بها الله.

(1) انظر: ((مبحث توحيد الألوهية والربوبية)) (ص: 948 - 956).

(2)

((منهاج السنة)) (2/ 586) – ط جامعة الإمام -، وانظر:((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (5/ 322).

(3)

انظر: ((درء التعارض)) (5/ 325).

(4)

انظر: ((درء التعارض)) (5/ 326).

ص: 352

ومعلوم أن اللفظ المفرد إذا سمي به مسمى لم يعرف معناه حتى يتصور المعنى أولا، ثم يعلم أن اللفظ دال عليه، فإذا كان اللفظ مشتركا فالمعنى الذي وضع له في حق الله لم نعرفه بوجه من الوجوه، فلا يفهم من أسماء الله الحسنى معنى أصلا، ولا يكون فرق بين قولنا: حي، وبين قولنا: عليم، وبين قولنا: جهول، أو "ديز" أو "كجز"، بل يكون بمنزلة ألفاظ أعجمية سمعناها ولا نعلم مسماها، أو ألفاظ مهملة لا تدل على معنى، كديز وكجز ونحو ذلك. وهذا هو لب المسألة، لأن القول بالمشترك اللفظي يؤدي إلى اعتقاد أن هذه الأسماء أو الصفات بالنسبة لله تعالى لها معان أخرى بعيدة عن المعاني التي دلت عليها هذه النصوص التي وردت بها، "وإذا لم تكن أسماؤه متواطئة لم يفهم العباد من أسمائه شيئا أصلا، إلا أن يعرفوا ما يخص ذاته، وهم لم يعرفوا ما يخص ذاته، فلم يعرفوا شيئاً"(1)، وهذا هو الإلحاد في أسمائه وآياته.

6 -

والذين قالوا بالمشترك اللفظي طبقوه أو التزموه في لفظ الوجود بالنسبة لله وبالنسبة للمخلوق، فقالوا: يشتركان في الوجود، ويمتاز أحدهما عن الآخر بحقيقته. وهنا يجيبهم شيخ الإسلام بأن القول في الحقيقة كالقول في الوجود، "فإن هذا له حقيقة، وهذا له حقيقة، كما أن لهذا وجودا ولهذا وجودا، وأحدهما يمتاز عن الآخر بوجود المختص به، كما هو ممتاز عنه بحقيقته التي تختص به. فقول القائل: إنهما يشتركان في مسمى الوجود، ويمتاز كل واحد منهما بحقيقته التي تخصه كما لو قيل: هما مشتركان في مسمى الحقيقة ويمتاز كل منهما بوجوده الذي يخصه. وإنما وقع الغلط لأنه أخذ الوجود مطلقا لا مختصا، وأخذت الحقيقة مختصة لا مطلقة، ومن المعلوم أن كلا منهما يمكن أن يوجد مطلقا، ويمكن أن يوجد مختصا، فإذا أخذا مطلقين تساويا في العموم، وإذا أخذا مختصين تساويا في الخصوص، وأما أخذ أحدهما عاما والآخر مختصا فليس هذا بأولى من العكس"(2).

(1)((مجموع الفتاوى)) (5/ 210).

(2)

((منهاج السنة)) (2/ 587 - 588) – ط جامعة الإمام – وانظر: ((درء التعارض)) (5/ 116 - 118).

ص: 353

وهذا المنهج الإلزامي الدقيق كثيرا ما يستخدمه شيخ الإسلام، ومن ذلك قوله في مسألة الصفات التي أولها الأشاعرة، مثل صفة المحبة التي أولوها بإرادة الإنعام، لأنهم قالوا: إن المحبة ميل القلب إلى المحبوب وهذه صفة المخلوق، ولا يجوز أن تكون صفة لله، فهنا يقال لهم: يلزمكم في تأويلكم نظير ما لزمكم في المعنى الذي فررتم منه، فإنه يقال لكم في قولكم: إن المحبة إرادة الإنعام: ونحن لا نعلم من الإرادة إلا ميل النفس إلى المراد. فافعلوا في الإرادة ما فعلتم في المحبة فأولوها، أو فافعلوا في المحبة ما فعلتم في الإرادة فأثبتوها، وهكذا بقية الصفات.7 - أما مسألة الكليات المشتركة التي تكون في الأذهان – وتوهم بعض الفلاسفة وأتباعهم أنها قد تكون موجودة في الأعيان – فإن شيخ الإسلام ناقشها طويلا (1)، وبين أثناء ذلك أن حجج هؤلاء مدارها على أن المطلق المشترك الكلي موجود في الخارج، قال:"وهذا هو الموضع الذي ضلت فيه عقول هؤلاء، حيث اعتقدوا أن الأمور الموجودة المعينة اشتركت في الخارج في شيء، وامتاز كل منها عن الآخر بشيء، وهذا عين الغلط"(2). وفي (منهاج السنة) قال مجيبا عن هذا الاشتباه والغلط الذي وقع فيه الرازي والآمدي وغيرها: "وأما حل الشبهة فهو أنهم توهموا أنه إذا قيل: إنهما مشتركان في مسمى الوجود، يكون في الخارج وجود مشترك هو نفسه في هذا، وهو نفسه في هذا، فيكون نفس المشترك فيهما، والمشترك لا يميز، فلابد له من مميز. وهذا غلط؛ فإن قول القائل: يشتركان في مسمى الوجود، أي: يشتبهان في ذلك ويتفقان فيه، فهذا موجود، وهذا موجود، ولم يشرك أحدهما الآخر في نفس وجوده البتة. وإذا قيل: يشتركان في الوجود المطلق الكلي، فذاك المطلق الكلي لا يكون مطلقا كليا إلا في الذهن، فليس في الخارج مطلق كلي يشتركان فيه، بل هذا له حصة منه، وهذا له حصة منه، وكل من الحصتين ممتازة عن الأخرى (3) "، ثم قال بعد مناقشة أهل المنطق:"فمسألة الكليات والأحوال وعروض العموم لغير الألفاظ، من جنس واحد، ومن فهم الأمر على ما هو عليه، تبين له أن ليس في الخارج شيء هو بعينه موجود في هذا وهذا. وإذا قال: نوعه موجود، أو الكلي الطبيعي موجود، أو الحقيقة موجودة، أو الإنسانية من حيث هي موجودة، ونحو هذه العبارات، فالمراد به أنه وجد في هذا نظير ما وجد في هذا أو شبهه أو مثله، ونحو ذلك. والمتماثلات يجمعها نوع واحد، وذلك النوع هو الذي بعينه يعم هذا ويعم هذا، لا يكون عاما مطلقا إلا في الذهن، وأنت إذا قلت: الإنسانية موجودة في الخارج، والكلي الطبيعي موجود في الخارج، كان صحيحا: بمعنى أن تصوره الذهن كليا يكون في الخارج، لكنه إذا كان في الخارج لا يكون كليان كما أنك إذا قلت: زيد في الخارج، فليس المراد هذا اللفظ، ولا المعنى القائم في الذهن، بل المراد المقصود بهذا اللفظ موجود في الخارج"(4).

(1) انظر مثلا: ((درء التعارض)) (5/ 89 - 175)، وقد ذكر في ((منهاج السنة)) (2/ 595) – ط جامعة الإمام -، أنه أفرد موضوع "الكليات" بمؤلف مختص بها لعموم الحاجة ولإزالة الشبهة، وقد ذكرها ابن القيم في ((أسماء مؤلفات ابن تيمية)) (ص: 24).

(2)

((درء التعارض)) (5/ 112).

(3)

((منهاج السنة)) (2/ 588 - 589) – ط جامعة الإمام -.

(4)

((منهاج السنة)) (2/ 592).

ص: 354

ثم طبق شيخ الإسلام كلامه في مسألة الكليات على شبهة التشبيه التي أوقعت هؤلاء بقولهم بالمشترك اللفظي في مسألة الله وصفاته وما وافقها من أسماء المخلوقين وصفاتهم فقال: "وبهذا يتبين غلط النفاة في لفظ التشبيه؛ فإنه يقال: الذي يجب نفيه عن الرب تعالى اتصافه بشيء من خصائص المخلوقين، كما أن المخلوق لا يتصف بشيء من خصائص الخالق، أو أن يثبت للعبد شيء يماثل فيه الرب، وأما إذا قيل: حي وحي وعالم وعالم، وقادر وقادر، أو قيل: لهذا قدرة ولهذا قدرة، ولهذا علم، ولهذا علم، كان نفس علم الرب لم يشركه في العبد، ونفس علم العبد لا يتصف به الرب، تعالى عن ذلك، وكذلك في سائر الصفات، بل ولا يماثل هذا هذا، وإذا اتفق العلماء في مسمى العلم، والعالمان في مسمى العالم، فمثل هذا التشبيه ليس هو المنفي، لا بشرع ولا بعقل، ولا يمكن نفي ذلك إلا بنفي وجود الصانع"(1).وليس هذا خاصا بالصفات التي أثبتها الأشاعرة، بل يشمل غيرها من الصفات كالنزول والاستواء والمجيء، فإثباتها لله، مع أن المخلوق قد يوصف بالنزول والاستواء والمجيء لا يقتضي المشابهة، والقول بأن ذلك من قبيل المشترك اللفظي يعطل هذه الصفات عن معانيها (2).وقد بين شيخ الإسلام أن الآمدي – في مسألة الكليات المشتركة ووجودها في الأذهان – قد بين في كتابه (أحكام الأحكام) ما يناقضها، يقول:"والآمدي قد بين فساد هذا (أي المشترك الكلي وكونه قد يوجد في الأعيان) في غير موضع من كتبه، مثل كلامه في الفرق بين المطلق والمقيد والكلي والجزئي، وغير ذلك، وزيف ظن من يظن أن الكلي يكون جزءا من المعين، وبين خطأ من يقول ذلك كالرازي وغيره، فلو رجع إلى أصله الصحيح الذي ذكره في الكلي والجزئي والمطلق والمعين، لعلم فساد هذه الحجة، ولكن لفرط التباس أقوالهم وما دخلها من الباطل الذي اشتبه عليهم وعلى غيرهم، تزلق أذهان كثير من الأذكياء في حججهم، ويدخلون في ضلالهم من غير تفطن لبيان فسادها، كالرازي والآمدي ونحوهما: تارة يمنعون وجود الصور الذهنية، حتى يمنعوا ثبوت الكلي في الذهن، وتارة يجعلون ذلك ثابتا في الخارج"(3).ثم ذكر شيخ الإسلام أن الآمدي في دقائق الحقائق أثبت المشترك الكلي في الخارج (4)، وفي أحكام الأحكام نفاها ورد على الرازي (5)، كما ذكر بأن الرازي نفاها أيضا في الملخص (6)، وبيان هذا التناقض الذي وقع فيه هؤلاء هو جزء من منهج شيخ الإسلام في ردوده عليهم (7).

8 -

وإضافة إلى ما سبق من ردود فإن شيخ الإسلام يبين هذه المسألة ويوضحها من خلال بيان منهج السلف في الصفات، القائم على إثبات هذه الصفات لله تعالى كما وردت من غير تمثيل ولا تكييف، ولا تحريف ولا تعطيل، ونظرا لأن هؤلاء إنما أوقعهم بالقول بالمشترك اللفظي الخوف من التشبيه، فقد أوضح شيخ الإسلام المسألة وبينها وضرب لذلك بعض الأمثلة المهمة:

(أ) فقد بين أن الأسماء والصفات نوعان:

(1)((منهاج السنة)) (2/ 595 - 596) – ط جامعة الإمام -.

(2)

انظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/ 200 وما بعدها). و ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (5/ 323 وما بعدها).

(3)

((درء التعارض)) (5/ 120).

(4)

انظر: ((درء التعارض)) (5/ 108 - 111).

(5)

انظر: ((درء التعارض)) (5/ 120 - 125)، وكلام الآمدي في ((الأحكام)) ((2/ 183 - 184)) – ت عبدالرزاق عفيفي-.

(6)

انظر: ((درء التعارض)) (5/ 125 - 126)، وانظر أيضا: 4/ 248 - 261.

(7)

انظر ((درء التعارض)) (5/ 125 - 126)، وانظر أيضا: 4/ 248 - 261، ((الصفدية)) (1/ 99 - 103)، و ((مسألة الأحرف – مجموع الفتاوى)) (12/ 96 - 97)، و ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (2/ 378 - 382)، و ((منهاج السنة)) (4/ 151 - 152) – ط بولاق -.

ص: 355

نوع يختص به الرب، مثل الإله، ورب العالمين، ونحو ذلك، فهذا لا يثبت للعبد بحال، ومن هنا ضل المشركون الذين جعلوا لله أندادا. والثاني: ما يوصف به العبد في الجملة، كالحي والعالم والقادر، فهذا لا يجوز أن يثبت للعبد مثل ما يثبت للرب أصلا، فإنه لو ثبت له مثل ما يثبت له للزم أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، وذلك يستلزم اجتماع النقيضين (1). وقد سبق تفصيل هذا في مبحث الألوهية والربوبية.

(ب) وبالنسبة للنوع الثاني مما يتفقان فيه، فهل يلزم منه التماثل؟ يوضح شيخ الإسلام ذلك ببيان أن هذه الأمور لها ثلاث اعتبارات:

أحدها: ما يختص به الرب، فهذا ما يجب له ويجوز ويمتنع عليه ليس للعبد فيه نصيب.

والثاني: ما يختص بالعبد، كعلم العبد وقدرته وحياته، فهذا إذا جاز عليه الحدوث والعدم لم يتعلق بذلك بعلم الرب وقدرته وحياته، فإنه لا اشتراك فيه. والثالث: المطلق الكلي، وهو مطلق الحياة والعلم والقدرة، فهذا المطلق ما كان واجبا له كان واجبا فيهما، ما كان جائزا عليه كان جائزا عليهما، وما كان ممتنعا عليه كان ممتنعا عليهما، فالواجب أن يقال: هذه صفة كمال حيث كانت، فالحياة والعلم والقدرة صفة كمال لكل موصوف والجائز عليهما اقترانهما بصفة أخرى كالسمع والبصر والكلام، فهذه الصفات يجوز أن تقارن هذه في كل محل – اللهم إلا إذا كان هناك مانع من جهة المحل لا من جهة الصفة -. وأما الممتنع عليهما، فيمتنع أن تقوم بهذه الصفات إلا بموصوف قائم بنفسه، هذا ممتنع عليهما في كل موضع فلا يجوز أن تقوم صفات الله بأنفسها، بل بموصوف، وكذلك صفات العباد لا يجوز أن تقوم بأنفسها، بل بموصوف" (2).

وهذا المطلق الكلي الذي هو النوع الثالث، هو الذي من خلاله نفهم ما خطوبنا به، ولذلك فنحن نعلم مثلا أنه إذا وصف أحد بصفة، فإن هذه الصفة لابد أن تقوم بالموصوف، كما أننا نفرق بين صفة الحياة، والعلم والكلام، من غير أن يرتبط ذلك بتخصيص الموصوف بها، هل هو الخالق أو العبد، ولولا ذلك لكانت معرفتنا بأسماء الله وصفاته وآياته ألغازا وألفاظا أعجمية لا تفهم، ومن أراد أن يلتزم نفي التشبيه بنفي أي نوع من أنواع التشابه الذي يرد في المطلق الكلي فلابد أن يؤدي به الأمر إلى نفي وجود الخالق، ومتى أقر بوجود الخالق وأنه غير هذه المخلوقات لزمه شيء من هذا. (ج) ومن الأصول التي قررها السلف وركز عليها شيخ الإسلام أن القول في الصفات كالقول في الذات، يحتذى حذوه، فكما أن لله ذاتا لا تشبه ذوات المخلوقين، فكذلك له صفات لا تشبه صفات المخلوقين، وإذا كان إثبات الذات لله إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية، وهذا أصل عظيم، مقنع جدا لمن تدبره، وهو مرتبط بما سبق من صفات المخلوق تخصه كما أن له ذاتا تخصه، وكذلك ربنا تبارك وتعالى له صفات تخصه وتليق به كما أن له ذاتا تخصه، ولا يخلط بينهما إلا مشبه ممثل، أو معطل ملحد في أسمائه وصفاته يريد أن يجعل ذلك سلما لتعطيله وتحريفه (3).

(د) ضرب المثل بنعيم أهل الجنة، وبالروح:

(1)((منهاج السنة)) (2/ 596) – ط جامعة الإمام -، وانظر:((الجواب الصحيح)) (2/ 232).

(2)

((منهاج السنة)) (2/ 597 - 598) – ط جامعة الإمام -.

(3)

انظر في بيان هذا الأصل: ((التدمرية)) (ص: 43 - 46) – ت السعوي -، و ((الفتوى الحموية – مجموع الفتاوى)) (5/ 114)، و ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (5/ 330، 351) ـ، و (0مجموع الفتاوى)) (6/ 355، 12/ 575)، و ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (2/ 76).

ص: 356

وهذان المثلان يكثر ورودهما في مناقشات شيخ الإسلام للأشاعرة ولغيرهم، وفي بيانه للمنهج الحق في الصفات، البعيد عن التأويل والتفويض والتمثيل والتشبيه. يقول شيخ الإسلام مستدلا لهذه المسألة:"بل أبلغ من ذلك أن الله أخبر أن في الجنة من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح ما ذكره في كتابه، كما أخبر أن فيها لبنا، وعسلا، وخمرا، ولحما، وحريرا، وذهبا، وفضة، وحورا، وقصورا، ونحو ذلك، وقد قال ابن عباس: (ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء)، فتلك الحقائق التي في الآخرة ليست مماثلة لهذه الحقائق التي في الدنيا، وإن كانت مشابهة المخلوق، فكيف يجوز أن يظن أن فيما أثبته الله تعالى من أسمائه وصفاته مماثلا لمخلوقاته وأن يقال: ليس ذلك بحقيقة، وهل يكون أحق بهذه الأسماء الحسنى والصفات العليا من رب السموات والأرض؟ مع أن مباينة المخلوقات أعظم من مباينة كل مخلوق"(1).

وفي موضع آخر شرح ذلك فقال: "إنه يعلم الإنسان أنه حي عليم قدير سميع بصير متكلم، فيتوصل بذلك إلى أن يفهم ما أخبر الله به عن نفسه من أنه حي عليم قدير سميع بصير متكلم، فإنه لو لم يتصور لهذه المعاني من نفسه ونظره إليه لم يمكن أن يفهم ما غاب عنه، كما أنه لولا تصوره لما في الدنيا من العسل واللبن والماء والخمر والحرير والذهب والفضة، لما أمكنه أن يتصور ما أخبر به من ذلك من الغيب، لكن لا يلزم أن يكون الغيب مثل الشهادة فقد قال ابن عباس

"وذكر قوله السابق، وشرح الفرق بين نعيم الجنة والدنيا وأن نعيم الجنة لا يفسد ولا يتغير، ثم قال: "فإذا كان ذلك المخلوق يوافق ذلك المخلوق في الاسم، وبينهما قدر مشترك وتشابه، علم به معنى ما خوطبنا به، مع أن الحقيقة ليست مثل الحقيقة، فالخالق جل جلاله أبعد عن مماثلة مخلوقاته، مما في الجنة لما في الدنيا. فإذا وصف نفسه بأنه حي عليم سميع بصير قدير، لم يلزم أن يكون مماثلا لخلقه، إذ كان بعدها عن مماثلة خلقه أعظم من بعد مماثلة كل مخلوق لكل مخلوق

" (2).وهذا المثل واضح جدا، مبين للمسألة، وقد وفق شيخ الإسلام في عرضه وشرحه، وهو مما يسلم به مؤولة الصفات، لأنهم يثبتون البعث والجنة والنار، وقد سبق في موضوع تسلط الفلاسفة والقرامطة على المتكلمين بيان أن هؤلاء الملاحدة وصموهم بالتناقض لكونهم أولوا نصوص الصفات ولم يؤولوا نصوص المعاد والجنة والنار، ومعلوم أن الملاحدة طردوا الأمرين نفيا، وأهل السنة طردوهما إثباتا، وهؤلاء تناقضوا، وشيخ الإسلام بينما يضرب هذا المثل – مثل نعيم الجنة – كأنه يريد أن يقرن بين مسألة دلالة النصوص وأنها واحدة في الصفات والمعاد، - وقد شرحها في عرضه لتسلط الملاحدة – ومسألة ما يفهم من النصوص، وأن نصوص النعيم إذا كانت تفهم لأنها تشبه نعيم الدنيا مع ما بينهما من الاختلاف في الحقيقة والكيفية، فكذلك نصوص الصفات تفهم وتعلم ولا تقتضي موافقتها في الاسم لصفات العباد أن تكون مثلها أو مشابهة لها (3).وكذلك مثل الروح، فإنها "إذا كانت موجودة، حية، عالمة، قادرة، سميعة بصيرة، تصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، ونحو ذلك من الصفات، والعقول قاصرة عن تكييفها وتحديدها؛ لأنهم لم يشاهدوا لها نظيرا، والشيء إنما تدرك حقيقته: إما بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره، فإذا كانت الروح متصفة بهذه الصفات مع عدم ماثلتها لما يشاهد من المخلوقات، فالخالق أولى بمباينته لمخلوقاته، مع اتصافه بما يستحقه من أسمائه وصفاته، وأهل العقول أعجز عن أن يحدوه أو يكيفوه منهم عن أن يحدوا الروح أو يكيفوها

" (4).

‌المصدر:

موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – 3/ 1070

(1)((مجموع الفتاوى)) (5/ 208).

(2)

((مجموع الفتاوى)) (9/ 295 - 296).

(3)

انظر: في شرح هذا المثل – مثل نعيم الجنة – ((التدمرية)) (ص: 46 - 50) – المحققة، و ((الحموية – مجموع الفتاوى)) (5/ 115)، و ((منهاج السنة)) (2/ 157 - 159) – ط جامعة الإمام -، و ((مجموع الفتاوى)) (5/ 257 - 258، 6/ 123 - 125، 11/ 482 - 483)، و0 (تفسير سورة الإخلاص – مجموع الفتاوى)) (17/ 326)، و ((التسعينية)) (ص: 122)، و ((الصفدية)) (1/ 288 - 289)، و ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (5/ 348).

(4)

((التدمرية)) (ص: 56) – المحققة-.

ص: 357