المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هذا ربي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام: - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هذا ربي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

الخليل عليه السلام لم يرد من قوله عن الكوكب، والقمر، والشمس: هَذَا رَبِّي: أن هذا هو الذي خلق السموات والأرض، وأنه رب العالمين.

ومن تدبر قصته عليه السلام علم أنها تدل على نقيض مذهب المبتدعة ..

- فهذه القصة التي جرت بين إبراهيم عليه السلام وقومه: إنما هي في إثبات انفراد الله تعالى بالألوهية، لا في إثبات أنه جل وعلا الصانع، وخالق هذا الكون ..

فمن غير المعقول أن يعتقد إبراهيم عليه السلام أن الكوكب أو القمر هو خالق السموات والأرض، أو أن الشمس هي الخالقة لأنها أكبر – كما افترى المبتدعة عليه.

هذا لا يعتقده عاقل ..

ولم يكن قصد الخليل عليه السلام من قوله: هَذَا رَبِّي: أن هذا الذي أشار إليه؛ من كوكب، أو شمس، أو قمر: أنه رب العالمين، وأنه الصانع لهذا الكون؟! حاشاه من قول ذلك – عليه السلام – بل هو أجل من أن يقول لمثل هذه الكواكب: إنه رب العالمين (1).

فلم يكن بصدد إثبات الصانع، بل كان مناظراً لقومه، مستدلاً عليهم، مبيناً فساد معتقدهم في ألوهية الكواكب، وإشراكها مع الله في العبادة .. فكان عليه السلام – إذا – بصدد الاستدلال على نفي الشريك، وإبطال عبادة ما سوى الله تعالى؛ لأن قومه كانوا مقرين بالصانع، ولكنهم كانوا يشركون في عبادته غيره (2).يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"فالقوم لم يكونوا جاحدين لرب العالمين، ولا كان قوله – عليه السلام – هَذَا رَبِّي: هذا هو الذي خلق السموات والأرض؛ على أي وجه قاله؛ سواء قاله إلزاماً لقومه، أو تقديراً، أو غير ذلك. ولا قال أحد قط من الآدميين إن كوكباً من الكواكب، أو إن الشمس والقمر أبدعت السموات كلها. ولا يقول هذا عاقل. بل عباد الشمس والقمر والكواكب يعبدونها كما يعبد عباد الأصنام الأصنام؛ كما يعبد عباد الأنبياء والصالحين لهم ولتماثيلهم، وكما يعبدون آخرون للملائكة، وآخرون يعبدون الجن لما يرجون بعبادتها من جلب منفعة، أو دفع مضرة لا لاعتقادهم أنها خلقت العالم"(3).فالمقصود أن قوم إبراهيم عليه السلام كانوا يقرون بربوبية رب العالمين، ويثبتونه جل وعلا؛ فأي حاجة دعت الخليل عليه السلام إلى إقامة الحجة على قومه لإثبات ما هو ثابت مستقر عندهم (4).وإنما كان قوم إبراهيم – كما مر – يشركون بعبادة هذه الكواكب والأصنام؛ لما يرجون بعبادتها من جلب نفع، أو دفع ضر (5).

ودليل إقرار قوم إبراهيم عليه السلام بربوبية رب العالمين، وأنه الصانع، الخالق للسموات والأرض جل وعلا: موجود في آيات قرآنية، منها:

(1) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (1/ 315).

(2)

انظر ((شرح حديث النزول)) لابن تيمية (ص: 167).

(3)

((الرد على المنطقيين)) لابن تيمية (ص: 305، 306) وانظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) له (1/ 311 – 313، 2/ 216)، و ((بغية المرتاد)) له (ص: 360). و ((منهاج السنة النبوية)) له (2/ 294). و ((رسالة في الصفات الاختيارية له – ضمن جامع الرسائل)) (2/ 51، 52، 53).

(4)

انظر: ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) لابن حزم 4/ 17. و ((مجموع فتاوى)) ابن تيمية (5/ 548 – 550، 6/ 548، 549).

(5)

انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (4/ 77، 8/ 356). و ((شرح حديث النزول)) له (ص: 166).

ص: 479

قول الخليل مخاطباً قومه: قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 75 - 77]: فاستثنى رب العالمين الذي كانوا يعبدونه، ويقرون بربوبيته، ولكن يشركون معه في العبادة غيره ..

وكذا قول الخليل عليه السلام، ومن معه من المؤمنين يخاطبون قومهم: إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4].

فمحل النزاع بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان كان في إفراد الله تعالى بالعبادة وحده، وهذا ما كان يفتقر إليه مشركوا قوم إبراهيم عليه السلام ..

فلم يكن الخليل عليه السلام جاهلاً بخالق السموات والأرض، ولم يكن قومه جاحدين له؛ حتى يقال إنه استدل على الصانع، أو نحو ذلك.

وسبب لجوء الخليل عليه السلام على هذه المناظرة لإقامة الحجة على قومه، وإلزامهم بعبادة الله وحده: هو هذه الجذور المتأصلة عندهم، والعقيدة المتوارثة خلفاً عن سلف في عبادة الكواكب والنجوم ..

فقد وجد الخليل عليه السلام أن انتزاع هذه العقيدة من الصعوبة بمكان؛ لذلك رأى أن الحجة لابد أن تكون قوية وحكيمة حتى تكون أدعى للقبول ..

ولا شك أن الاستدلال الذي يجمع بين القول والحس أقوى من الاستدلال القولي المجرد عن الحس .. لذلك كان انتظار أفول هذه الأجرام، والاستدلال بذلك على عدم صلاحيتها للألوهية أدعى لإجابة قوم إبراهيم عليه السلام من مجرد القول (1).

فالذي يأفل، ولا يملك أن يمنع نفسه من الاحتجاب والمغيب عن أعين عابديه، لا يصلح للعبادة.

فإذا كان لا يملك أن يمنع نفسه عن المغيب، فكيف يملك لعابده نفعاً أو ضراً؟! ..

فقول الخليل عليه السلام عن الكوكب، أو الشمس، أو القمر: هَذَا رَبِّي: من نوع الاستفهام الإنكاري، والمعنى: أهذا الذي تزعمون أنه ربي؟، أو أهذا الذي تعتقدونه رباً لي؟ وهذا أسلوب معروف في لغة العرب؛ من ذلك قول الله تبارك وتعالى: أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء: 34]: أي أفهم الخالدون (2).ولو كان على إبراهيم عليه السلام بقوله: هَذَا رَبِّي: أي هذا رب العالمين؛ لكانت قصة إبراهيم عليه السلام حجة عليهم؛ لأنه حينئذ لم تكن الحركة عنده مانعة من كونه رب العالمين، وإنما المانع هو الأفول" (3).

فعلم مما تقدم فساد استدلال المبتدعة بقصة الخليل عليه السلام على تصحيح دليل الأعراض وحدوث الأجسام، وإبعادهم النجعة في فهمهم لقوله عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي ..

فليس المراد به أن هذا رب العالمين، أو أنه خالق السموات والأرضين.

‌المصدر:

الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد القادر عطا – 2/ 440

(1) انظر: ((روح المعاني)) للألوسي (7/ 199).

(2)

انظر: ((جامع البيان)) للطبري (7/ 250). و ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (7/ 26). وانظر أيضاً: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (1/ 110، 111، 311).

(3)

((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (2/ 196). وانظر. ((درء تعارض العقل والنقل)) له (2/ 216).

ص: 480