الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة
والمقصود باللفظية الذين يقولون: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وهذه الفئة نشأت قبل الأشاعرة. وقد كان موقف الإمام أحمد وغيره من أئمة السلف منهم أنهم جعلوهم جهمية، وجعلوا الجهمية ثلاث طوائف:
- من قال إن القرآن مخلوق.
- واللفظية الذين يقولون تلاوة القرآن، واللفظ بالقرآن مخلوق.
- والواقفة الذين لا يقولون القرآن مخلوق ولا غير مخلوق.
فلما انتشر هذا بين أهل السنة نشأ في مقابل "اللفظية" طائفة مقابلة لهم قالوا: لفظنا بالقرآن غير مخلوق، وتلاوتنا له غير مخلوقة، ولكن الإمام أحمد بدع هؤلاء وأمر بهجرهم.
واستقر مذهب السلف على تبديع الطائفتين، وصار من أصول مذهبهم في القرآن أنه كلام الله غير مخلوق، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق، أو قال غير مخلوق فهو مبتدع، وكذلك من وقف فيه فهو مبتدع.
وموقف السلف مبني على ما في مسألة "اللفظ" و"التلاوة" من الإجمال؛ إذ قد يراد به المقروء والمتلو، وقد يراد به صوت القارئ وفعله. فمنعوا من إطلاق الأمرين لذلك. فلما جاء الأشعري ومن معه – بما معهم من المذهب في الكلام النفسي وأن القرآن العربي مخلوق – وأرادوا موافقة السلف في الإنكار على الطائفتين من طوائف "اللفظية"، ذكروا قول السلف هذا (1)، ولكنهم فسروا مقصودهم باللفظ تفسيرا آخر، وهو أنهم قالوا إن قصد السلف باللفظ: النبذ والطرح، ولم يكن قصدهم التلاوة، وهذا تفسير الأشعري وابن الباقلاني، والقاضي أبي يعلى وابن الزاغوني وغيرهم (2).
والأشاعرة فسروا كلام السلف بهذا التفسير ليسلم لهم مذهبهم في القرآن العربي وأنه مخلوق، لأنهم بهذا موافقون لمن يقول لفظي بالقرآن مخلوق، ويقصد به التلاوة.
ولاشك أن هؤلاء مخطئون فيما ظنوه، والإمام أحمد وغيره لم ينكروا إطلاق اللفظ لأن المقصود به الطرح، وإنما لأن اللفظ يقصد به التلاوة والقراءة، والمسلمون يقولون تلوت القرآن وقرأته. ثم إن اللفظ وارد في الكلام، فيقال: لفظت الكلام وتلفظت به كما قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]، وأهل السنة ربطوا بين اللفظ والتلاوة فقالوا: من قال لفظي بالقرآن وتلاوتي أو قراءتي مخلوقة فهو جهمي، ومن قال: إنه غير مخلوق فهو مبتدع (3).ومسألة اللفظ شرحها شيخ الإسلام وبين ما فيها من اللبس، مع بيان ما جرى بين علماء السنة فيها، وفصل وجه الحق فيها، وبين وجه إنكار السلف على الطائفتين، وما في هذه الألفاظ من الإجمال (4).
(1) انظر: ((مقالات للأشعري)) (ص: 292) – ت ريتر، و ((الكيلانية – مجموع الفتاوى)) (12/ 362)، و ((مجموع الفتاوى)) (6/ 527).
(2)
انظر: ((الكيلانية – مجموع الفتاوى –)) (12/ 362)، و ((درء التعارض)) (1/ 268).
(3)
انظر: ((المسألة المصرية في القرآن – مجموع الفتاوى –)) (12/ 209 - 210).
(4)
انظر: في مسألة "اللفظ"((درء التعارض)) (1/ 256 - 271)، و ((التسعينية)) (ص: 234 - 235)، و ((مجموع الفتاوى)) (12/ 306 - 307، 573 - 574)، و ((المسألة المصرية – مجموع الفتاوى)) (12/ 206 - 210)، و ((مسألة الأحرف – مجموع الفتاوى)) (12/ 74 - 75)، و ((الكيلانية – مجموع الفتاوى)) (12/ 359 - 364، 374، 408 - 433)، و ((جواب أهل العلم والإيمان – مجموع الفتاوى)) (17/ 34 - 36).
كما عرض شيخ الإسلام لمسألة أخرى متعلقة بذلك وهي مسألة الحروف عموما في كلام الله وكلام غيره – هل يقال إن الحروف مخلوقة لأنها من كلام الآدميين، أو يقال: إنها ليست مخلوقة لأنها من كلام الله، كل قول من هذين قال به طوائف. والصواب في ذلك أن يقال ما قاله الأئمة كأحمد وغيره:"إن كلام الإنسان كله مخلوق حروفه ومعانيه، والقرآن غير مخلوق حروفه ومعانيه"(1).
والخلاصة أن مذهب الأشاعرة في القرآن العربي موافق لأقوال اللفظية الذين يقولون ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وهؤلاء عدهم أئمة السنة من الجهمية.
هذه أهم مباحث "كلام الله" عند الأشاعرة، ومن ذلك يتبين أن الأشاعرة وإن أثبتوا صفة الكلام بإجمال، إلا أنهم ضلوا فيه وخالفوا الكتاب والسنة وأقوال السلف – في أمور أهمها:
1 -
قولهم بالكلام النفسي، وأنه لازم لذات الله تعالى.
2 -
قولهم بأن كلام الله قديم وأن الله لا يتكلم إذا شاء متى شاء، وأن موسى لم يسمع كلام الله – وقت تكليمه – وإنما سمع الكلام الأزلي، أو أن الله خلق له الإدراك.
3 -
قولهم بأن كلام الله معنى واحد، لا يتجزأ ولا يتبعض، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وأن الخبر والأمر والنهي شيء واحد.
4 -
قولهم بأن القرآن العربي مخلوق، وما في هذا من موافقة للمعتزلة، واللفظية وغيرهم من الجهمية.
ولا شك أن هذه المسائل المتعلقة بكلام الله عظيمة جدا، ومذهب الأشاعرة فيها كان ضلالا وانحرافا واضحا عن مذهب السلف والأئمة.
المصدر:
موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – 3/ 1305
(1)((الكيلانية – مجموع الفتاوى –)) (12/ 450)، وانظر ((– مناظرة حول الواسطية – مجموع الفتاوى)) (3/ 173)، و ((مسألة الأحرف – مجموع الفتاوى)) (12/ 37 - 116)، و ((الكيلانية – مجموع الفتاوى –)) (12/ 413 - 414، 441 - 453)، و ((مجموع الفتاوى)) (12/ 571 - 573).