المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها) - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثاني: أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف

- ‌المبحث الأول: النصوص التي جمعت بين الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد

- ‌المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة

- ‌المبحث الثالث: بيان حال أهل الفرقة والاختلاف

- ‌المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين

- ‌المبحث الخامس: الفرقة والاختلاف عذاب وعقوبة

- ‌المبحث السادس: الإخبار أن الفرقة واقعة لا محالة ليعلم هذا ويحذر

- ‌المبحث السابع: الأصل في البشرية هو الوحدة والجماعة على التوحيد

- ‌المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها

- ‌المبحث التاسع: تبرئة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الافتراق

- ‌المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

- ‌المبحث الحادي عشر: التفريق بين المسلمين من غايات وأهداف المنافقين والكافرين

- ‌المبحث الثاني عشر: الفرقة من وسائل الشيطان ومكائده التي ينصبها للمسلمين على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة

- ‌المبحث الأول: الجهل

- ‌المبحث الثاني: الابتداع وعدم الاتباع

- ‌المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الجدل والخصومات في الدين، والتأويل الفاسد

- ‌المبحث الخامس: الغلو في الدين، وردود الأفعال

- ‌المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: التنازع على السلطة والملك وحب الرئاسة والظهور والبغي

- ‌المبحث الثامن: الخروج عن طاعة أولي الأمر (العلماء والأمراء)

- ‌المبحث التاسع: التشنيع على أولي الأمر والتقول عليهم، وتأليب الناس ضدهم وتتبع زلاتهم والاحتجاج بها

- ‌المبحث العاشر: التشبه بالكافرين، واتباع سننهم

- ‌المبحث الحادي عشر: اتباع الهوى

- ‌المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق

- ‌المطلب الثاني: ضرر الفرقة على المجتمع المسلم

- ‌المبحث الثاني: سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: من هي الفرقة الناجية

- ‌المبحث الثاني: معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌المبحث الثالث: منهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل الأول: الأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثاني: عقيدة فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: الألقاب الصحيحة

- ‌المبحث الثاني: الأسماء والألقاب الباطلة التي ينبز بها أهل الباطل أهل الحق من السلف الصالح

- ‌الفصل الرابع: أقوال السلف في وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل الخامس: لزوم السلف جماعة المسلمين وتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل السادس: الثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌المبحث الأول: الجهود الحربية

- ‌المبحث الثاني: جهودهم في خدمة العقيدة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في عبادة الله تعالى

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام

- ‌المطلب الثاني: وسطيتهم في الحكم على أصحاب المعاصي

- ‌المطلب الثالث: وسطيتهم في الإيمان بالقدر

- ‌المطلب الرابع: وسطيتهم في موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

- ‌المبحث الأول: أشهر الأئمة

- ‌المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

- ‌الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري

- ‌المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

- ‌المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

- ‌المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

- ‌المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

- ‌الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

- ‌المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك

- ‌المبحث الثالث: اعتراضات المتأخرين من الأشاعرة على إدخال توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع: الشبهات الرئيسة للمتأخرين من الأشاعرة في بعض مظاهر الشرك

- ‌المبحث الخامس: الدليل المعتمد في إثبات استحقاق الله تعالى للعبودية دون ما سواه

- ‌المبحث السادس: منع المتأخرين من الأشاعرة حمل الآيات التي نزلت في المشركين على من عمل عملهم ممن انتسب إلى الإسلام

- ‌المبحث السابع: تبرير متأخري الأشاعرة بعض صور الشرك بأدلة عقلية

- ‌المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة

- ‌المبحث الأول: المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: المسائل المتعلقة بالصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: صفتا السمع والبصر:

- ‌المطلب الثالث: كلام الله

- ‌المسألة الأولى: نشأة قول الأشاعرة في كلام الله، وأسبابه

- ‌المسألة الثانية: الرد عليهم في قولهم بالكلام النفسي

- ‌المسألة الثالثة: هل كلام الله بحرف وصوت

- ‌المسألة الرابعة: القرآن العربي كلام الله وغير مخلوق

- ‌المطلب الرابع: بين اللفظية والأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: الحقيقة والمجاز

- ‌المطلب السادس: الصفة النفسية

- ‌المطلب السابع: الصفات السلبية

- ‌المطلب الثامن: أسماء الله وصفاته التي تسمى واتصف بمثلها المخلوقون هل هي من قبيل المشترك أو المتواطئ أو المشكك

- ‌المطلب التاسع: هل الصفة هي الموصوف أو غيره

- ‌المطلب العاشر: قاعدة التنزيه في الصفات عند الأشاعرة

- ‌المطلب الحادي عشر: التفصيل في النفي مع الإجمال في الإثبات

- ‌المطلب الأول: الأدلة العقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الثاني: أنواع الأدلة العقلية:

- ‌المطلب الثالث: الأدلة النقلية ومنزلتها من الاستدلال

- ‌المطلب الرابع: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ

- ‌المطلب الخامس: المسلكان المأخوذان تجاه الأدلة النقلية عند التعارض

- ‌المسلك الأول: مسلك التفويض:

- ‌المسلك الثاني: مسلك التأويل

- ‌المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل

- ‌المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌المطلب الثامن: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية

- ‌المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها

- ‌المطلب العاشر: الصفات الاختيارية تفصيلا

- ‌المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية

- ‌المطلب الثاني عشر: العلو

- ‌المبحث الرابع: منشأ ضلال الأشاعرة في باب الصفات

- ‌المطلب الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات

- ‌المطلب الثالث: أن الصفات ليست من المتشابه

- ‌المطلب الرابع: أيهما الأصل العقل أم الشرع

- ‌المطلب الخامس: نقد القاعدة الكلية للرازي

- ‌المطلب السادس: فكرة التفريق بين العقائد والأحكام

- ‌المبحث الخامس: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية

- ‌المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم

- ‌المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:

- ‌المطلب السادس: الرد على استدلال المبتدعة بقول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: 76] على نفي قيام الصفات الاختيارية بذات الله تعالى

- ‌المطلب الأول: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في إثبات الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين وإبطال تأويلها

- ‌المطلب الثاني: بيان موافقة أبي الحسن الأشعري للسلف في عدم التفريق بين صفة وأخرى

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌المطلب الرابع: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في بعض مسائل توحيد الألوهية:

- ‌المطلب الخامس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب السادس: اضطراب المنهج الأشعري وتناقضه في الأدلة

- ‌المبحث الأول: انقطاع صلة الأشاعرة بأبي الحسن الأشعري في أكثر المسائل

الفصل: ‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

‌الفصل التاسع: علامات وسمات الفرقة الناجية وعلامات وسمات الفرق الهالكة (مزايا العقيدة السلفية وأصحابها)

امتازت عقيدة السلف بمزايا عظمية ميزتهم عن جميع العقائد التي قامت على الهوى وما أفرزته العقول البشرية.

لأن العقيدة السلفية مصدرها غير مصدر العقائد البدعية فلا بد أن يحصل بينهم التمايز وإضافة إلى أنها قامت على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإنها لم تدنس بعلم الكلام والمنطق وسائر ما أفرزته عقول فلاسفة اليونان وغيرهم، بل هي عقيدة نقية تملأ النفوس يقيناً وطمأنينة وأتباعها يعظمون كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يجتمعون عليها ولا يتفرقون في ثبات عظيم كثبات عقيدتهم الناصعة التي رضيها الله عز وجل وهدى أحباءه إليها.

فقد انعكست هذه العقيدة بصفائها على معتنقيها فصاروا أثبت الناس على الحق بخلاف أهل الأهواء الذين تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه وسبب ثباتهم يعود إلى يقينهم بصحة ما هم عليه واقتناعهم به، وهم من أكثر الناس اتفاقاً وأقلهم اختلافاً لأن هدفهم أصبح واحداً وتفكيرهم واحداً وهذا التوحد سببه تمسكهم بعقيدة واحدة، وثقتهم أن السلف من قبلهم كانوا على الحق والصراط المستقيم فاحتذوا أثرهم وسلكوا مسالكهم وأخلصوا في نشر عقيدتهم فملأت الدنيا نوراً وأخرج الله بهم أقواماً من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وكانوا أمة وسطاً عدولاً يستحقون ثناء الله وثناء رسوله عليهم وكانوا من أحرص الناس على اجتماع الكلمة وعدم التفرق في الآراء والأفكار ولا أدل على هذا من أن بعضهم كان إذا اختلف مع آخر في قضية واشتد الخلاف بينهم وخشي أن تكون فتنة كان يترك خلافه لأخيه حباً في اجتماع الكلمة وكراهية للتفرق كما يذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ولهذا استحقوا أن يسموا أهل السنة والجماعة وهما وصفان يدلان على أفضليتهم وحسن ما هم عليه من السلوك الحميد والمعتقد السليم.

وإذا كنا نذكر سماتهم هنا وسمات غيرهم من أهل الأهواء فإنما ذلك على حد ما قال الشاعر: (وبضدها تتميز الأشياء) والناظر في مذهب السلف والخلف يجد لكل منهم علامات تميزهم نابعة عن اعتقاد كل منهم لأنه كما يقال: (كل إناء بالذي فيه ينضح). فلأهل السنة علامات وصفات ولغيرهم من المخالفين علامات وصفات ولا تشكل على طالب العلم التمييز بينها.

فإن المتتبع لسلوك السلف سيجد أنهم تميزوا بصفات كثيرة منها:

أنهم أعرف الأمة بالحق.

وأرحم الأمة بالخلق.

وأرحم الناس بخصومهم من بعضهم البعض.

ومن أشد الناس رجوعاً إلى الحق وانقياداً له ووقوفاً عنده.

ومن أشدهم رحابة صدر ودماثة خلق وتسامح وإنصاف في حال قدرتهم على المخالفين لهم.

ومن أكثرهم تواضعاً وتلطفاً وأبعدهم عن السباب والفحش وسيء الأخلاق.

لا يشمتون بأحد ولا يظهرون الاستهزاء إلا بالقدر الذي يتبين به غرضهم من الرد على المخالفين إن كان ذلك ضرورياً. ولقد كانت لهم مواقف تشهد بنبل أخلاقهم وحبهم للتسامح والشفقة على المخالفين يتمثلون ما كان عليه نبيهم الكريم من الصبر حينما كان يؤذيه قومه وهو يقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) (1)

والأمثلة على هذا كثيرة سجلها التاريخ لهم وتاريخ الصحابة مليء بالأمثلة المشرفة ومن ذلك:

- مواقفهم في سقيفة بني ساعدة.

- مواقفهم تجاه أهل الذمة.

- مواقفهم في حال الحرب مع المخالفين.

- مواقفهم في الحفاظ على العهود والمواثيق.

(1) رواه البخاري (3477).

ص: 184

وكان نصيب الخلفاء الراشدين من تلك الصفات القمة والحظ الأعلى ومن اطلع على تاريخهم عرف ذلك فهذا الخليفة الصديق صاحب النبي صلى الله عليه وسلم كان من أشد الناس شفقة ورحمة بالمخالفين له وفي غاية التسامح مع كل من أساء إليه يبادر بالعفو إذا ذُكّر به مهما كان الحال.

وقصته مع مسطح خير دلالة على ذلك فإنه حين غضب عليه لمشاركته مع أصحاب الإفك وكان ينفق عليه آلى على نفسه أن لا يُنفق عليه بعدها فلما أنزل الله تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور:22] فرجع ينفق عليه حباً في مغفرة الله.

ومواقف أخرى عديدة كلها تدل على تأصل هذه الصفة في نفسه، ومثل موقفه حين تشاجر مع عمر وشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم على عمر واحمر وجهه وأخذ يعاتبه حتى أشفق أبو بكر على عمر وهدّأ من غضب الرسول صلى الله عليه وسلم شفقة بعمر رضي الله عنهما.

وكذلك عمر الفاروق رضي الله عنه فقد كان من أشد الناس رحمة على رعيته وأبنائه، وكل المسلمين كانوا عنده كأنهم رجل واحد يتعهد فقراءهم فيواسيهم ويرشد ضالهم ويعلمه وقصته مع المرأة التي باتت تعلل بنيها بالماء فوق النار توهمهم أن بها أكلا ليناموا فلما وقف عليها عمر رضي الله عنه وسألها عن حالها وشكت فقرها فذهب وجاء بالدقيق والسمن وكان ينفخ النار والدخان يخرج من خلال لحيته حتى أنضج لهم الطعام ولم ينصرف إلا والأطفال يلعبون فرحين من الشبع.

وكان من رحمته برعيته أنه كان يبذل النصيحة ويرشد المخطئ حتى في أحرج المواقف فقد دخل عليه رجل يعوده حين طعنه أبو لؤلؤة المجوسي فلما خرج الشاب رأى عمر أن ثوبه طويل فاستدعاه وهو في تلك الحال التي كان يجود بنفسه فيها وقال له: ارفع ثوبك يا ابن أخي فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك.

وما فعله مع صبيغ من تأديبه لإرجاعه إلى الحق وغير ذلك من المواقف التي تدل على رحمته وحبه للمسلمين.

وكذلك عثمان رضي الله عنه وما كان يتصف به من الرقة والحياء والكرم أمر مشهور في كتب التاريخ فقد كان سريع العفو لا ينتقم لنفسه محباً للعافية تجاه رعيته فقد واساهم في زمن المجاعة ابتغاء مرضاة الله بقافلة من الشام وقعد لتمريض زوجته رضي الله عنهما بل عفا عن البغاة الذين أتوا للنقمة عليه في المدينة.

ومثلهم علي رضي الله عنه وما ميزه به الله من الأخلاق الطيبة والرحمة بالمساكين والعطف على رعيته وتقديم نفسه في المعارك حماية للمسلمين ودفاعاً عنهم.

ص: 185

وإذا تجاوزنا الحديث عن بقية الصحابة الكرام ومآثرهم العظيمة وانتقلنا إلى علماء السلف من المسلمين فإننا نجدهم من أرحم الناس وأشدهم شفقة على المخالفين وأنصحهم لهم ويأتي في أول هؤلاء إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله وتاريخه مع القائلين بخلق القرآن وما لقيه من الآلام التي تنفطر لها القلوب خير شاهد على ذلك وعلى محبته للمسلمين ولقد ابتلي بالضراء فكان أصلب من الرواسي وابتلي بالسراء فكان شديد الحلم والتواضع لم تخضعه نقمة ولم تستخفه نعمة. وتاريخ السلف غني بالرجال الأفذاذ فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية كان من أحرص الناس على بيان الحق ومن أشدهم عفواً عمن ظلمه لم يبال بالسجن والإهانات التي وجهت له من قبل المخالفين الحاقدين عليه وطالما تمكن من الانتصاف منهم ولكنه كان يبادر إلى العفو عنهم ولا يطلب منهم إلا معرفة الحق والتبصر في الدين قال رحمه الله عن إنصاف أهل السنة وشفقتهم بمخالفيهم: (أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس الإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك فليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الكذب والزنى حرام لحق الله وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلى من كفره الله ورسوله)(1).

وإذا تجاوزنا تاريخ تلك الحقبة ورجالاتها إلى رجال العصور الأخيرة من السلف فسنجد رجالاً كانوا مثال الأخلاق الفاضلة وحب الخير للناس جميعاً ومن أشدهم رحمة بكل المسلمين حتى المخالفين منهم وفي أول هؤلاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي بذل نفسه لخدمة العقيدة وتفهيم الناس بدينهم الصحيح.

وكذا من سار على طريقته مثل الشيخ عبد الله القرعاوي رحمه الله، الذي أخرج الله به أقواماً من الظلمات إلى النور ومن الشرك إلى التوحيد ومن الخرافات الجاهلية إلى الحقائق الإسلامية في منطقة جيزان ففتح الله به القلوب ونور به البصائر وكان رحمة من الله تمكن حبه في القلوب وتمكنت دعوته في النفوس ولن تزال أبداً إن شاء الله قوة راسخة. هذه نماذج سقتها على عجل مكتفياً بمن تقدم ذكرهم كأمثلة مشرفة لسلف هذه الأمة وما امتازوا به من حميد الصفات وهناك مئات الأمثلة التي لا تكاد تحصى إلا بالكلفة.

ومن المعلوم أن هذا التسامح ليس هو تسامح العاجزين فقد كانوا فرسان الوغى وليوث الحروب لا يخافون إلا ربهم من فوقهم وإنما هو تسامح الواقف عند الحق المقدم له الراضي به، أما بالنسبة لسمات أهل البدع من الفرق الهالكة فقد اتصفوا بأسوأ الصفات التي أبانت عن سوء معتقداتهم لعدم تحليهم بآداب السنة الغراء وهو أمر بدهي فإن المخالف لها لا بد أن يركب هوى نفسه والهوى من أخطر المطايا وأسرعها إلى الهلاك ومخالفة الشرع.

وبتتبع الصفات التي يتصف بها هؤلاء تجد أنها كثيرة ومنها:

بغي بعضهم على بعض والتطاول في السباب.

اختلافهم لأتفه الأسباب وكثرة تفرقهم.

اتباعهم لما يهوون حسبما تمليه عليهم رغباتهم وتكفير بعضهم البعض وتكفير كل طائفة لما عداها.

تتبعهم المتشابه وإثارة الخلافات حوله.

بغضهم لأهل السنة واختراع الألقاب الباطلة لهم تنفيراً عنهم.

بغض مذهب السلف وتسميته بالأسماء والألقاب الباطلة.

قبولهم للروايات الكاذبة وعدم تحريهم النصوص الصحيحة.

قبولهم للأخبار التي لا يصدقها العقل ولا تعضدها حجة.

عدم اهتمامهم –كما يجب بالسنة النبوية- وتسلطهم عليها بالتأويل أو الرد بحجة أنها غير ملزمة مثل القرآن.

وغير ذلك من الصفات التي عرفت عنهم قديماً وحديثاً.

(1)((الرد على البكري)) (258).

ص: 186

فالخوارج وهم أول الفرق الهالكة خروجاً تجد أنهم يتصفون بالجفاء والخروج عن الدين وضيق الأفق وتكفير المخالفين لهم واستحلال دمائهم وأموالهم فكانوا يقتلون المصلين في المساجد حينما يغيرون عليهم محكمين بزعم أنهم كفار وأن جهادهم قربة إلى الله، وقد كفروا خيرة الناس بعد الأنبياء والمرسلين من عظماء الصحابة رضوان الله عليهم مثل علي بن أبي طالب وعثمان وأبي موسى الأشعري ومعاوية وعمرو بن العاص والحسن والحسين وغيرهم من فضلاء الصحابة ومن سار المسلمين.

وكفروا الناس بالمعاصي واستحلوا دماءهم بها وأوجبوا الخروج على الحكام لأتفه الأسباب فسفكوا من الدماء ما لا يعلمه إلى الله وحده وتفرقوا فيما بينهم تفرقاً لا يكاد يكون له نظير إذ كان أقل خلاف يحصل بينهم يختلفون ويتقاتلون لا يرعون في بعضهم إلاًّ ولا ذمة. فكانوا أشبه ما يكونون بالوحوش المسعورة لقي الناس منهم الأمرين وشغلوا الناس حكاماً ومحكومين وأذاقوهم الفتن المتلاحقة والويلات المتعاقبة، وما ذلك إلا لبعدهم عن هدي الكتاب والسنة وطريق سلف هذه الأمة وهو طريق من تركه ضل وارتكب الظلم وفعل المحرمات وخرج عن الحق وتلقفته السبل التي أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه حينئذ يصبح مثل البهيمة التائهة أو الجمل الذي لا خطام له.

وبعد الخوارج نجد مثالاً آخر من تلك الطوائف وهم الرافضة الضالة الذين وقفوا أسوأ المواقف من الصحابة وسائر أهل السنة كما لا يخفى على طالب العلم.

ثم نبغت المعتزلة الذين تشبعوا بآراء الخوارج وبعلم الكلام وآراء الشيعة فإذا بهم يملؤون كتبهم سباباً لأهل السنة والمتمسكين بها وإذا بهم يحرضون الحكام عليهم ليشفوا غيظ صدورهم وما فعله ابن أبي دؤاد بإمام أهل السنة وغيره من علماء المسلمين المخالفين لآراء هذه الفرقة الضالة لهو أقوى مثال على ذلك.

ثم توالت الأمثلة على مر العصور فظهرت المرجئة والقدرية والأشعرية وغيرها من الطوائف الكثيرة الذين اتصفوا بضيق الأفق والشدة على كل من خالف آراءهم حتى وإن كان في المسائل البسيطة الاجتهادية، فكان المعتزلة لا يرجعون إلى كتاب ولا إلى سنة في مسائل الصفات ولا في أحكامهم على المخالفين لهم وإنما يأخذون ما تمليه عليهم عقولهم إضافة إلى الشبهات التي تلقفوها من علماء الكلام.

ولذلك تقرر في مذهبهم أنه إذا تعارض العقل والنقل فإنه يقدم العقل ويؤول النص أو يترك. مع أنه في الواقع الصحيح لا تعارض أبداً بين العقل السليم والنص الصحيح وكذلك الجهمية وهم مشائخ المعتزلة الذين أسسوا كثيراً من الشبهات وفتحوا أبواب الجدل والخوض في مسائل العقيدة فضلوا وأضلوا وفرقوا الأمة وكانوا من أسوأ الناس أخلاقاً وفظاظة على المخالفين لهم ولعل القارئ قد سمع عن هذا النمط من المنحرفين وما يقولونه عن أهل الحق.

ولعل القارئ أيضاً لا يخالفني في أن الكوثري في وسط أهل البدع والخرافات شيخ الإسلام رحمه الله في وسط أهل السنة والجماعة وكم للكوثري ولمشائخه ومن سار على نهجه من أفكار خاطئة وكم له من الردود والسباب والشتائم لأهل السنة ولعقيدتهم الصافية وقد صب جام غضبه على مشاهير أهل السنة على مدار تاريخهم وأطلق عليهم عدة ألقاب باطلة هم منها براء، جاءت منه على طريقة أهل البدع في التسرع إلى التكفير والسخرية بالصالحين لغلبة الهوى عليهم وضيق أفهامهم. وقد رد عليه علماء السلف قديماً وحديثاً ردوداً كالصواعق وبينوا أخطاءه بالدليل من الكتاب والسنة وإجماع الأمة مجانبين التجني عليه أو على غيره- كما هي عادتهم- في رأفتهم بالمخالفين وبالتالي دعوتهم بالتي هي أحسن. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف أهل الأهواء والبدع:((إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه أولئك الذين سماهم الله فاحذروهم)) (1) وقد تحدث علماء السلف عن سمات الفرق الهالكة وأسباب تفرقهم وما أحدثوه في الدين تحدثوا من باب النصيحة والتحذير. فقد سأل عمرو بن قيس الحكم بن عتبة: ((ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء أن يدخلوا فيها؟ قال الخصومات)) (2) وقال الفضيل بن عياض: ((لا تجادلوا أهل الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله)) (3) وفي مصنف عبد الرزاق أن رجلاً قال لابن عباس: الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم. فقال: كل هوى ضلالة)) (4).وعن أبي قلابة قال: ((ما ابتدع قوم بدعة إلا استحلوا السيف)) (5).وقال علي بن المديني: ((من قال فلان مشبه علمنا أنه جهمي ومن قال فلان مجبر علمنا أنه قدري ومن قال فلان ناصبي علمنا أنه رافضي)) (6).

وأقوالهم في هذا كثيرة جداً وما قصدناه هو الإشارة التي يفهم بها اللبيب.

‌المصدر:

فرق معاصرة لغالب عواجي 1/ 194

(1) رواه البخاري (4547) ومسلم (2665)

(2)

رواه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (1/ 82).

(3)

رواه الدرامي (406).

(4)

((المصنف)) لأبن أبي شيبة (11/ 126).

(5)

((الشريعة)) للآجري (1/ 46).

(6)

رواه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (1/ 147).

ص: 187