الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: آداب المريد مع شيخه
أن يكون مستسلما منقادا راضيا بتصرفات الشيخ يخدمه بالمال والبدن لأن جوهر الإرادة والمحبة لا ينبني إلا بهذا الطريق، ولا ينكر عليهم شيئًا من أفعالهم لأن المنكر عليهم لا ينجو. وفضلوا خدمة الشيخ على التقرب إلى الله بالنوافل بل على أي عمل صالح آخر كما قال محمد أمين الكردي:«قال بعضهم: الخدمة عند القوم من أفضل العمل الصالح» (1).فقال عبيد الله أحرار: «وظن بعض الناس أن الاشتغال بالنوافل أولى من خدمة الشيخ وليس كذلك، فإن نتيجة الخدمة المحبة وميل القلوب لأنها جبلت على حب من أحسن إليها، وفرق بين ثمرة النوافل وثمرة الخدمة» (2).
وقد تجاهلوا ثمرة التقرب إلى الله بالنوافل وهي محبة الله كما قال: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» . زاعمين أنه لا يزال المريد يتقرب إلى الشيخ بالخدمة حتى يحبه!!! وزعموا في ذلك أن صوفيا رأى النبي في المنام فسأله أن يوصيه فقال له النبي: «وقوفك بين يدي ولي الله كحلب شاة أو شي بيضة خير لك من أن تعبد الله حتى تتقطع إربا إربا، قال: حيا أم ميتا يا رسول الله؟ قال: حيا كان أو ميتا» (3).
أن يحب ما يحبه شيخه ويكره ما يكرهه. وأن لا يتوجه إلا لما أراده شيخه رافعا نظره عن غيره.
أن يكون اعتقاده مقصورا على معتقد شيخه. أن يفنى في الشيخ في ذاته وأفعاله وصفاته فإن الفناء في الشيخ مقدمة للفناء في الله (4). أن لا يتوضأ بمرأى من شيخه ولا يصلي النوافل بحضرته بل زاد السرهندي على ذلك فقال: ولا يذكر الله إلا بإذن الشيخ (5).
أن لا يتوجه إلا لما أراده الشيخ. أن لا يتكلم في مجلس قط إلا بدستور شيخه إن كان جسمه حاضرا، وإن كان غائبا يستأذنه بالقلب (6).
أن لا يشرب ماء ولا يأكل طعاما ولا يكلم أحدا في حضور شيخه.
أن لا يكون متوجها إلى أحد. ولا يمد رجله عند غيبة شيخه إلى جانب هو فيه ولا يرمي بصاقه إلى ذلك الجانب. أي الجهة التي يكون فيها الشيخ في أي مكان في العالم.
أن لا ينكر على شيخه قولا أو فعلا ظاهرا كان أم باطنا؛ لأن شيخه بيد الله تعالى: والله لا يأمر بالفحشاء والمنكر. أن يعتقد أن كل شيء يصدر عن شيخه يعتبره صوابا وإن لم يره صوابا في الظاهر فإنه يفعل ما يفعله بطريق الإلهام والإذن (7). أن لا يقوم في محل يقع ظله على ثوب شيخه أو ظله (8).
أن لا يضع رجله في مصلاه. أن يكون بين يديه كالميت بين يدي غاسله لا يخالفه في شيء مطلقا (9).
ثم أنشد الكردي شعرا يبين كيف يكون المريد من شيخه فقال:
وكن عنده كالميت عند مغسل
يقلبه ما شاء وهو مطاوع
ولا تعترض فيما جهلت من أمره
عليه فإن الاعتراض تنازع
وسلم له فيما تراه ولو يكن
على غير مشروع فثم مخادع (10)
(1)((تنوير القلوب)) 528 - 530 وانظر ((المواهب السرمدية)) 79 و ((الأنوار القدسية)) 112.
(2)
((المواهب السرمدية)) 163 ((الأنوار القدسية)) 161.
(3)
من كتاب ((بارق الحمى)) للمهدي الرواس ص 47 و181 (ضمن كتاب المجموعة النادرة).
(4)
((السعادة الأبدية فيما جاءت به النقشبندية)) 30 ط: مكتبة الحقيقة أو وقف الإخلاص بتركيا.
(5)
((المكتوبات الربانية)) 347.
(6)
((البهجة السنية في آداب الطريقة النقشبندية)) 26.
(7)
((السبع الأسرار في مدارج الأخيار)) 105 مكتوبات السرهندي الفاروقي المعصومي 347.
(8)
انظر المكتوبات للإمام الرباني السرهندي 347.
(9)
((الحديقة الندية في الطريقة النقشبندية)) 76 - 77. ((البهجة السنية)) لمحمد الخاني 25و41و57. ((مكتوبات الإمام الرباني)) السرهندي الفاروقي 73.
(10)
((تنوير القلوب)) 529.
فتأمل صفات المريد تجاه شيخه: استسلام وانقياد مطلق كأنه ميت. ثم تأمل ما قاله في موضع آخر من نفس الكتاب أن أكمل أحوال العبد مع الله «أن يكون بين يدي الله تعالى كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف أراد» (1).
وماذا لو كان المريد فتاة تريد أن تتخذ لها شيخا؟ أليس مطلوبا منها أن تكون ميتة (أو مستلقية) بين يدي الشيخ وأن لا تعترض على ما ظاهره حراما؟
ولقد حيرنا هذا الرجل فتارة يأمر المريد بأن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي غاسله وتارة يأمرنا بأن نكون بين يدي الله كالميت بين يدي مغسله! «أن لا ينكر على أفعالهم فإن المنكر عليهم لا ينجو» (2). أن يرى كل نعمة إنما هي من شيخه (3).
أن لا يعترض عليه فيما فعله ولو كان ظاهره حراما أن لا يشير على الشيخ برأيه
…
بل يرد الأمر إلى شيخه اعتقادا منه أنه أعلم منه بالأمور وغني عن استشارته» (4). وهذا معناه والله «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الشيخ ذلك خير وأحسن تأويلا» !!! أين هذه التعاليم الهندوكية من أمر الله لنبيه بمشورة أصحابه وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159] وقد كان يستشيرهم دائما كقوله: ((أشيروا علي أيها الأنصار)) (5). وقد أشار عليه الحباب بن المنذر بخلاف رأيه يوم بدر فقال له رسول الله: ((لقد أشرت بالرأي)) (6). فأقره على نصيحته.
فهذا رسول الله لم يستغن عن مشورة أصحابه وهو المعصوم. فهذه التعاليم النقشبندية تجعل للمشايخ العصمة والكمال المطلق وهذا تقديس في صورة أدب! قال تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ [التوبة:31] هؤلاء وإن ادعوا أنهم لا يدعون العصمة للمشايخ فإن لسان حالهم يؤكد اعتقادهم العصمة.
فهل هذا إلا طلب الشرف في الدين وتحقيق الملذات والتسلط على العوام باسم الدين وباسم التأدب مع الشيخ.
فالمشيئة مشيئتهم والأمر أمرهم والخدمة لهم أحب إلى الله من صلاة النوافل إليه.
وهم يراقبون المريد ولو من بعيد، ويغيثون المكروب ويقلبون الشقي إلى سعيد.
الاستسلام لمعاصيهم طاعة، والاعتراض على معاصيهم معصية.
من رأى منهم غلطا فليقل هذا ظاهره خطأ ولكن باطنه صواب.
التوجه إلى الله لا يكون إلا بهم.
بيوتهم قبلة ولنعالهم ألف وألف قبلة. وفي ذلك الاستسلام المطلق للشيخ، يقول محمد أمين الكردي:«اعلم أن كل ما وضعوه من الآداب للمريدين كتغميض العين وقت الذكر وإغلاق الأبواب فينبغي أن تتلقاه بالقبول وتعلم أنهم اقتبسوه من مصباح السنة، فإذا أردت أدبا من آدابهم ولم تعرف مأخذه من السنة فلا ينبغي أن تطيل لسانك بالاعتراض عليهم» (7).
وهذه دعوة إلى التقديس وتهديد للمعترض بالحرمان على نمط وثائق الحرمان الكنسي عند النصارى لكل من يجرؤ على الاعتراض على البابا الممثل لإرادة الله على الأرض!!!
(1) تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب قارن بين صفحة 479 وبين 528 وانظر ((الحديقة الندية في الطريقة النقشبندية)) 38. ((البهجة السنية)) لمحمد الخاني 25.
(2)
((المواهب السرمدية)) 79 ((الأنوار القدسية)) 112.
(3)
((المواهب السرمدية)) 494 - 495، ((تنوير القلوب)) 529 ..
(4)
((تنوير القلوب)) 529 ((البهجة السنية في آداب الطريقة الخالدية العلية النقشبندية)) 41.
(5)
لم نجده بهذا اللفظ، ورواه ابن إسحاق بمعناه كما في ((البداية والنهاية)) (3/ 261) وقال ابن كثير: له شواهد.
(6)
رواه ابن سعد (3/ 567)، قال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (3448): ضعيف.
(7)
((المواهب السرمدية)) 323.
إنها تعاليم تحجر العقل وتروض على الذل وهدم الشخصية. إذ إن هؤلاء لما رأوا العقل لا يقبل بدعهم سارعوا إلى الهيمنة على عقول العوام وتسلطوا عليها بالتخويف والتهديد والطرد من رحمة الله، وسلب الفيوضات التي أفاضها الشيخ على المريد مما يجعل المريد عبدا يحقق كل معاني الإسلام للشيخ لا لله. ولا تنس أن للمشايخ مريدات لا مريدين فقط: والباقي عندك أيها القارئ.
الشيخ يأمر مريده بالسرقة
بل قد أرغموا المريد على ارتكاب المعصية مهما كبرت إذا أمر الشيخ مريده بها: وفي ذلك يحكون قصة للشيخ بهاء الدين مؤسس الطريقة أنه كان في بخارى مع تلميذه نجم الدين دادرك فقال الشيخ له: «أتمتثل كل ما آمرك به؟ قال: نعم. قال: فإن أمرتك بالسرقة تفعلها؟ قال: لا. قال: ولِمَ؟ قال: لأن حقوق الله تكفرها التوبة، وهذه من حقوق العباد. فقال: إن لم تمتثل أمرنا فلا تصحبنا. ففزع نجم الدين فزعا شديدا وضاقت عليه الأرض بما رحبت وأظهر التوبة والندم وعزم على أن لا يعصي له أمرا فرحمه الحاضرون وشفعوا له عنده وسألوه العفو عنه فعفا عنه» (1).
ومن آداب المريد مع شيخه أيضا
أن لا يتزوج زوجة طلقها شيخه أو مالت نفسه إليها. ويلزم منه أن تنطبق أحكام تحريم زواج نساء النبي بنساء الولي. وكأن الله قال: وما كان لكم أن تؤذوا أولياء الله ولا أن تنكحوا أزواجهم من بعدهم أبدا إن ذلكم كان عند الإله عظيما. وبذلك تصير زوجات الأولياء أمهات المؤمنين (2)!!!
أن يلازم عند الذكر في مخيلته وبين عينيه صورة الشيخ وذلك من أصول الذكر (3). ولا يبعد عند هذه الحالة أن يتشكل الشيطان بصورة الشيخ فيكون التوجه عند الذكر للشيطان وحينئذ يفتح له عجائب الخيالات ويحصل الفناء في الشيطان في حين يظن المسكين أنه فني في ذات الله.
آداب أخرى للمشيخة مع المريدين
أن ينام في مكان ويجعل رأسه إلى الغرب وقدميه إلى الشرق.
أن يجلس المريد بين يدي شيخه متوركا عكس تورك الصلاة. أن يغلق الباب، وهذه عندهم من أهم الآداب ويستدلون على ذلك بما زعموه أن الرسول قال لأصحابه:((هل فيكم غريب؟ يعني أهل الكتاب. قالوا: لا، قال ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله)) (4)(5). وهذا الحديث لا أصل له، ثم إن نصه يفيد أن الغريب أهل الكتاب وهم يحتجون به لغلق الباب عن المسلمين لا عن أهل الكتاب! أن يعلم المريد أسماء آبائه في الطريق لئلا ينتسب إلى غير أبيه ولأن الأبوة الروحية أقوى من الأبوة الجسمية فإنه إذا أراد أن يستمد من روحانيتهم وكان انتسابه إليهم صحيحا أمدته رجال السلسلة النقشبندية بأسرارها وأنوارها» (6).واعتبروا أنه يمكن للسالك في طريقة القوم أن يكلم من يشاء ابتداء من مشايخ الطريقة الأموات إلى النبي إلى الله. قالوا: وأقل ما يحصل للمريد إذا دخل في سلسلة القوم بالتلقين: أنه إذا حرك السلسلة تجيبه أرواح الأولياء: من شيخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حضرة الله عز وجل (7).وجعلوا من أعرض عن السلسلة في حكم اللقيط الذي لا يعرف أباه وأمه. وحرموه ميراث النبوة فصرحوا بأنه «مقطوع الفيض غير وارث للنبي وزعموا أن النبي قال: ((طوبى لمن رآني ورأى من رآني)) (8) بل زعموا أن النبي قال في الصحيحين: ((من صافحني أو صافح من صافحني إلى يوم القيامة دخل الجنة)) (9)(10).
المصدر:
الطريقة النقشبندية لعبد الرحمن دمشقية - ص114 فما بعدها
(1) الحدائق الوردية في حقائق أجلاء النقشبندية 139 ((المواهب السرمدية)) 138 ((الأنوار القدسية)) 140 ((جامع كرامات الأولياء)) 1/ 150.
(2)
((تنوير القلوب)) 529.
(3)
((رسالة في تحقيق الرابطة)) لخالد النقشبندي الملقب بذي الجناحين 9 شفاء العليل 90 و78 ((المواهب السرمدية)) 494، ((الأنوار القدسية)) 145 ((تنوير القلوب)) 517 السعادة الأبدية 78. ((البهجة السنية في آداب الطريقة النقشبندية)) لمحمد بن عبد الله الخاني 42 - 43 نور الهداية والهرفان ص 38.
(4)
رواه أحمد (4/ 124)(17162) والحاكم (1/ 679)(1844) قال الهيثمي في ((المجمع)) (10/ 81) فيه راشد بن داود وقد وثقه غير واحد وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات، وقال الألباني في ((الترغيب والترهيب)) (924) ضعيف.
(5)
((نور الهداية والعرفان في سر الرابطة والتوجه وختم الخواجكان)) 16.
(6)
((السعادة الأبدية فيما جاء به النقشبندية)) 11 - 12 ((الحديقة الندية في الطريقة النقشبندية)) 11.
(7)
((الحديقة الندية في الطريقة النقشبندية)) 11.
(8)
رواه الطبراني (17880) والحاكم (4/ 96)(6994) عن عبدالله بن بسر، قال الحاكم هذه أقرب الروايات إلى الصحة، وقال الذهبي جميع بن ثوب واه، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (10/ 20) فيه بقية وقد صرح بالسماع فزالت الدلسة، وبقية رجاله ثقات، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (1254)
(9)
لم نجد له أصلا
(10)
((الحجج والبينات في ثبوت الاستعانة من الأموات)) (ص 55) ط: مكتبة الحقيقة - اسطنبول.