الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
لإبليس شركان يصيد بهما بني آدم، فيخرجهم من الهدى إلى الضلال، ومن استقامة الفطرة إلى الانحراف والانحلال، واتباع الأهواء.
الشرك الأول: الجنس وملحقاته:
بهذا الشرك يستطيع إبليس أن يبعد ابن آدم عن نداء الفطرة، وعن السلوك المستقيم الموجه بالغرائز السليمة (المتوازنة فيما بينها حسب الفطرة التي فطرها الله عليها)، فتنحرف فيه غرائز، وتتضخم أخرى على حساب بقية الغرائز التي تضمر بسبب هذا التضخم.
وأرسل الله سبحانه الرسل بالتعاليم الاعتقادية والفكرية والعملية التي تحفظ على الإنسان سيره المستقيم، وتعيد الغرائز إلى توازنها الفطري، وتحقق عبادة الله في الأرض. والإسلام هو الرسالة التي جاء بها كل الرسل: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ [آل عمران:19].
الشرك الثاني: الإشراق:
قد يتغلب نداء الفطرة في الإنسان على نداء الهوى، فيسير في الطريق المستقيم ملتزماً التعاليم الإلهية، متخذاً منها المنطلقات التي توجه كل تصرفاته.
وهذا يعني أنه أفلت من الشرك الأول، وأنه سار على الصراط المستقيم. لكنه سيجد أيضاً إبليس أمامه، ينتظره على هذا الطريق: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف:16]، سيجده وقد نصب له الشرك الثاني (الإشراق).
ويستغل إبليس الغرور والجهل في الإنسان ليوقعه في هذا الشرك باسم الإسلام وباسم الولاية وباسم مقام الإحسان، والقرب والمعرفة
…
و
…
إلخ.
وللوصول إلى الإشراق يوجد طريقان:
الطريق الأول: طريق شجرة الخلد وملك لا يبلى، وهي أنواع، فعند بعض الشعوب القديمة، وفي الهند خاصة، كانت شجرة الحشيش، وفي الشرق الأوسط، كانت شجرة الخشخاش (الأفيون)، وفي المكسيك كانت فطر المكسيك، وفي البيرو (أمريكا الجنوبية) كانت شجرة الكوكا، وفي ماليزيا كانت شجرة الكافا
…
إلى غير ذلك مما لم أقف عليه.
كانت شجرة الخلد هذه، وفي قمتها الحشيش والخشخاش، حكراً على الكهان، كما كانت تدخل قصور الملوك في أحيان كثيرة.
وكانت سراً مقدساً يتعاطاها الكهان ضمن طقوس تعبدية سرية كي يقعوا في الجذبة، حيث تشرق عليهم الأنوار الهلوسية، ويتلقون العلوم اللدنية الهذيانية، وينطقون بما يتوهمون أنه الحكمة.
وبهذه الإشراقات الباطلة، والحكمة المتوهمة، كانوا يخرجون من الإسلام، باباً بعد باب، وتدخل عليهم الوثنية من كل باب.
والطريق الثاني: طريق الرياضة والمجاهدة الصوفية، فكثيراً ما كان يتعذر الحصول على المهلس الخارجى لسبب أو لآخر، حينئذ، كان إبليس يهيئ لأوليائه البديل الناجع، وباسم الإحسان، وباسم السير إلى الله والعروج إليه، وباسم المعرفة، كان يستجرهم إلى الرياضة الصوفية التي تهيئ لهم المهلس الداخلي (الإندورفين) ورفيقه الذي توقعهم دفقاته في الجذبة، حيث تشرق عليهم الأنوار الهلوسية، ويتلقون العلوم اللدنية الهذيانية، وينطقون بما يتوهمون أنه الحكمة.
وطريق الرياضة هذه هي طريق خداعة، تخدع الإنسان أكثر من طريق شجر الهلوسة، لذلك كان اعتماد إبليس عليها أكثر من اعتماده على الشجر، وكان اسمها (الكهانة والمعرفة)، وعندما حاربها الإسلام، حولوا اسمها إلى (الصوفية)، وعندما كُفِّر من كهانها من كفر وقُتل من قتل، ظهرت الطريقة البرهانية الغزالية.
والطريقة البرهانية الغزالية، والتي هي الإشراق الممزوج بالإسلام، هي أسلوب إبليسي استعمله إبليس، ويستعمله، للإبقاء على مسيرة الإشراق الذي فتن به بني آدم كما أخرج أبويهم من الجنة.
فأصل الأديان كلها الإسلام: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24] وإِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ [آل عمران:19].، وعن طريق شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى [طه:120]، أو بديلها (الصوفية)، أخرج إبليس بني آدم من إسلامهم إلى مختلف الوثنيات التي عرفها التاريخ.
لقد كان، وما زال، يوحي إلى أوليائه أن يتستروا بدين الله، ليهدمه بهم من الداخل، حيث يوهمهم أن هلوساتهم الجذبية هي إشراقات إلهية، وأنها نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ثم يوحي إليهم أن يضيفوا علومهم اللدنية الهلوسية إلى الدين الحق، حيث تتراكم البدع شيئا فشيئاً، ومع الزمن يختفي الدين الحق، وتسود البدع ويعتقد الناس أنها هي هو.
ومع الزمن، وبإيحاءات الأبالسة وأهواء الكهان وولائجهم، تتشعب البدع وتأخذ طرقاً مختلفة بعيدة كلها عن الدين الحق.
وكثيراً ما يكون للفئات المسيطرة دور في تشجيع مذهب بتشجيع دعاته ودعمهم ومحاولة منع المذاهب المنافسة من التحرك المكشوف، أما التحرك المستور فلا سلطان لهم عليه.
وهكذا ظهرت كل وثنيات التاريخ، وهكذا وجدت الهندوسية والبوذية والطاوية والجينية، أما اليهودية والنصرانية فقد تدخلت فيها عوامل أخرى.
وطبعاً لم ينج المسلمون من هذا الشرك الروحاني، حيث ظهرت (وتظهر) آثاره المدمرة في أشكال متعددة، لعل أبرزها ثلاثة:
1 -
الاستسلام العجيب للتتار.
2 -
تمزيق الأمة الإسلامية إلى فرق مذهبية تحارب الإسلام باسم إسلام محرف ينتهجونه.
3 -
إفساد عام في العقائد والعبادات والأخلاق والسلوك وأساليب التفكير.
وفيما يلي بيان لهذه الأشكال التدميرية نذكرها بإيجاز شديد لأن تفصيلها يستوعب مجلدات، مع التذكير أن الكشوف والمشاهدات الجذبية هي دائماً موجهة بالقناعات الفكرية المسبقة، أي: بالأماني والطموحات والمعلومات المختزنة والعواطف المهيمنة.
المصدر:
الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود عبد الرؤوف القاسم - ص773 - 776