الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: مسألة علم الغيب
ومن أهم المعتقدات التي يعتقد بها البريلويون خلاف أهل السنة هي عقيدتهم بأن الأنبياء ورسل الله والصالحين من عباده والأولياء يعلمون الغيب، غيب السموات والأرض، مخالفين النصوص الصريحة من الكتاب والسنة وحتى الفقه الحنفي أيضا مع انتسابهم إلى الحنفية، فالله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه:
قُل لَاّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ [النمل: 65]
وقال: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [فاطر: 38]
وقال جل وعلا:
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحجرات: 18]
ووَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ [هود: 123]
وأمر لنبيه أن يقول:
إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ [يونس: 20].
وقال تبارك وتعالى:
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَاّ يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام: 59].
وقال وهو أصدق القائلين:
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34]
هذا ومثل هذا فإنه لكثير، وبمثل هذا ورد في الأحاديث الشريفة التي يأتي بيان بعضها أثناء الكلام، ولكن البريلويين يقولون عكس ذلك: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعلمون، بل يرون ويشاهدون جميع ما كان وما يكون من أول يوم إلى آخره (1).و "أن الأنبياء يعلمون الغذيب منذ ولادتهم"(2).هذا وأما النبي صلى الله عليه وسلم، فحصل له جميع العلوم الجزئية والكلية وأحاط بها" (3).
وقال: إن علم اللوح وعلم القلم وعلم ما كان وما يكون جزءا واحدا من علوم النبي صلى الله عليه وسلم" (4).و "إن علومه "أي النبي صلى الله عليه وسلم" تتنوع إلى الجزئيات والكليات وحقائق ودقائق وعوارض ومعارف تتعلق بالذات والصفات، وعلم اللوح والقلم إنما يكون سطراً من سطور علمه ونهرا من بحور حلمه، ثم مع هذا ببركة وجوده صلى الله عليه وسلم، هو وسع العالمين علما وحلما" (5).
كما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم عليم بجميع الأشياء من شئونات الإلهية وأحكام صفات الحق والأسماء والأفعال والآثار وأحاط بجميع العلوم الظاهرة والباطنة والأولى والآخرة" (6).
وقال الآخر من طائفته: ولم يحجب عن روح النبي صلى الله عليه وسلم شيء من العالم، فهو مطلع على عرشه وعلوه وسفله ودنياه وآخرته وناره وجنته، لأن جميع ذلك خلق لأجله صلى الله عليه وسلم" (7).وقال: إن علم النبي صلى الله عليه وسلم محيط بجميع المعلومات الغيبية الملكوتية" (8).
(1) نص ما قاله البريلوي أحمد رضا في رسالته ((الدولة المكية بالمادة الغيبة)) (58) ط لاهور باكستان.
(2)
((مواعظ نعيمية)) لأحمد يار البريلوي (192).
(3)
((الدولة المكية)) (230).
(4)
((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (38).
(5)
((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (38).
(6)
((الدولة المكية)) (210).
(7)
((الكلمة العليا لإعلاء علم المصطفى)) لنعيم الدين المراد آبادي (14).
(8)
((الكلمة العليا لإعلاء علم المصطفى)) لنعيم الدين المراد آبادي (56).
وقال الآخر: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم جميع المخلوقات والموجودات وجميع أحوالهم تماما وكمالا من ماضيهم وحالهم ومستقبلهم، ولا يخفى عليه خافية، كما أنه يعلم خالقهم وبارئهم" (1)
وآخر أراد أن يسبق هذا فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يعلم أحوال قلوب الجمادات والحيوانات ألا يعلم أحوال قلوب عشاقه ومحبيه" (2).و "إن النبي صلى الله عليه وسلم لو وضع قدمه على حيوان لعلم الحاضر والغائب، فالوي الذي يضع عليه النبي صلى الله عليه وسلم يده كيف لا يصير عالما للشاهد والغائب" (3).و "أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جازمون بإطلاعه على الغيب" (4).
وأكثر من ذلك "أن النبي عليه الصلاة والسلام يعلم الغيوب الخمسة التي هي مخصوصة بذات الله تبارك وتعالى، والتي قال عنها الرب جل مجده:
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34]
اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 8 - 9]
وقال جل مجده:
إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه: 15]
وقال عز وجل مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَاّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 187]
وأيضا قال الله عز وجل:
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ [الأحزاب: 63]
وقال عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام: 2]
وغير ذلك من الآيات الكثيرة مثل وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الزخرف: 85].
ووَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ [الأنعام: 59]
والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه نفى هذه الغيوب عنه وعن غيره وبين أنها مختصة بالرب جل مجده لا يشاركه أحد في العلم بها، كما ورد في حديث جبرئيل المشهور ((أنه قال في جواب سائل سأله: متى الساعة؟ قال "عليه الصلاة والسلام": ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة إبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ .. [لقمان: 34])) (5).
وقال عليه السلام: ((مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غدا إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله)) (6).
(1)((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) لأحمد سعيد الكاظمي البريلوي (65) ط سكر، باكستان.
(2)
((مواعظ نعيمية)) لاقتدار.
(3)
((مواعظ نعيمية)) لاقتدار (364،365).
(4)
((خالص الاعتقاد)) (28).
(5)
رواه البخاري (50)، ومسلم (9). من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري.
(6)
رواه البخاري (7379)، من حديث عبدالله ابن عمر.
وأيضا ما رواه جابر رضي الله عنه أنه قال: ((سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر: تسألوني عن الساعة؟ وإنما علمها عند الله)) (1).
وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خمس لا يعلمهن إلا الله، عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت)) (2).
هذا ومثل هذه الروايات كثيرة جدا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن القوم يقولون عكس ذلك تماما، فها هو البريلوي يقول: لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أعلمه الله تعالى بهذه الغيوب الخمس" (3).و "إنه صلى الله عليه وسلم أوتي علم الخمس في آخر الأمر لكنه أمر فيها بالكتمان" (4).
وقال الآخر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم غيوب الماضي والمستقبل ويعلم أكثر ما في اللوح المحفوظ ويعلم علم الساعة" (5).
وينقل عن أمثاله: يعلم محمد عليه السلام ما بين أيديهم من الأمور الأوليات قبل الخلائق وما خلفهم من أحوال القيامة وفزع الخلق وغضب الرب .... وهو شاهد على أحوالهم، ويعلم ما بين أيديهم من سيرهم ومعاملاتهم وقصصهم وما خلفهم من أمر الآخرة وأحوال أهل الجنة والنار وهم لا يعلمون شيئا من معلوماته إلا بما شاء من معلوماته، وعلم الأنبياء من الأولياء بمنزلة قطرة من سبعة أبحر، وعلم نبيا من الأنبياء بهذا المنزلة" (6).
ثم يقول: لا فرق بين موته وحياته صلى الله عليه وسلم في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وعزائمهم" (7).
ويقال آخر: إن رسول الله يشاهد من المدينة العالم كله" (8).
وكذب الآخر على نبي الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((علمي بعد وفاتي كعلمي في حياتي يا أهل الهدى وأولى الفضل والتقى)) (9)(10).
وليس هذا فحسب، بل قال البريلوي: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم هذه الغيوب الخمسة فحسب، بل كان يعطى هذه العلوم من شاء من خدمه" (11).
وقال الآخر: إن المراد من قول الله عز وجل وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3] هو النبي صلى الله عليه وسلم" (12).
(1) رواه مسلم (2538).
(2)
رواه أحمد (5/ 353)(23036). قال ابن كثير في ((تفسيره)) (6/ 355): إسناده صحيح، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 92): رجال أحمد رجال الصحيح. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3255).
(3)
((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (53).
(4)
((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (56)، أيضا ((الدولة المكية بالمادة الغيبية)) (144).
(5)
((جاء الحق)) (43).
(6)
((جاء الحق)) (50،51).
(7)
((خالص الاعتقاد)) (39) أيضا ((جاء الحق)) (151).
(8)
((مواعظ نعيمية)) لأحمد يار (326).
(9)
موضوع، انظر ((السلسلة الضعيفة)) (5875).
(10)
((رسول الكلام لبيان المولد والقيام)) لديدرا علي (1).
(11)
((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (14).
(12)
((تسكين الخواطر)) للكاظمي البريلوي (52،53).
ثم وهذه الغيوب الخمسة لم يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل يعلمها كثير من الناس، كما صرح بذلك البريلوي حيث قال ناقلا عن أمثاله: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه شيء من الخمس المذكورة في الآية الشريفة، وكيف يخفى عليه ذلك والأقطاب السبعة من أمته الشريفة يعلمونها وهم دون الغوث؟ فكيف بسيد الأولين والآخرين، الذي هو سبب كل شيء ومنه كل شيء" (1).وأيضا "وكيف يخفى أمر الخمس عليه صلى الله عليه وسلم والواحد من أهل التصرف من أمته الشريفة لا يمكنه التصرف إلا بمعرفة هذه الخمس فاسمعوا هذا يا منكرين ولا تكونوا لأولياء الله مكذبين، فإن تكذيبهم خراب للدين وسينتقم الله من الجاحدين وأعاذنا الله بعباده العارفين" (2).
وقبل ذلك أثبت أيضا في كتابه: رأينا جماعة علموا متى يموتون وعلموا ما في الأرحام حال حمل المرأة وقبله" (3).وقال واحد منهم: كثيرا ما سمعت من الأولياء يمطر السماء غدا أو ليلا فحصل كما قال .... وسمعت أيضا من بعض أولياء الله أنه أخبر ما في الرحم من ذكر وأنثى ورأيت بعيني ما أخبر وسمعت واقعة غد قبل المجيء"(4). ومنهم الشيخ المكارم.
فقد أدرج البريلوي هذه الحكايات الوضعية الباطلة في كتابه لإثبات الغيوب الخمسة وغيرها من الغيوب له مخالفا آيات القرآن الكريم وتصريحات الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم فيقول بعربيته:
إن أبا المجد يقول: كنت عند الشيخ مكارم رضي الله تعالى عنه بداره على نهر الخالص، فخطر في نفس لو رأيت شيا من كراماته فالتفت إلى مبتسما وقال: سيدخل علينا خمسة أنفار أحدهم عجمي أبيض اللون أحمر، نجده الأيمن شامة بقى من عمره تسعة أشهر، ثم يفترسه أسد في البطائح ومن ثم يبعثه الله تعالى.
والآخر عراقي أبيض أشقر بعينه برجله عرج يمرض عندنا شهرا ثم يموت.
والآخر مصري أسمر، في كفه الأيسر ست أصابع، وبفخذه الأيسر طعنة رمح أصيب بها منذ ثلاثين سنة يموت بأرض الهند تاجرا بعد عشرين سنة.
والآخر شامي آدمي اللون، شئن الأصابع، يموت بأرض الحريم على باب دارك بعد سبع سنين وثلاثة أشهر وسبعة أيام.
والآخر من أرض اليمن، أبيض اللون، هو نصراني وتحت ثيابه زنار، خرج من بلاده منذ ثلاث سنين ولم يعلم به أحد ليمتحن المسلمين من يكشف منهم حاله، وقد اشتهى العراقي أوزة بارز، واشتهى المصري عسلا بسمن، واشتهى الشامي تفاحا من فاكهة الشام، واشتهى اليمني بيضا مسلوقا، ولم يجد أحد بشهوة الآخر، وستأتينا أرزاقهم وشهواتهم رغدا من كل مكان والحمد لله رب العالمين.
(1)((خالص الاعتقاد)) (53،54).
(2)
((خالص الاعتقاد)) (54) و ((الدولة المكية)) (48).
(3)
((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (53) أيضا ((الكلمة العليا)) للمرادآبادي (35).
(4)
((الكلمة العليا)) (94،95).
قال أبو الحمد رحمه الله تعالى: فوالله لم نلبث إلا يسيرا حتى دخلوا خمسة كما وصف الشيخ رضي الله تعالى عنه لم يخل من أوصافهم بشيء، فسألت المصري عن طعنة فخذه، فتعجب من سؤالي، فقال: هذه طعنة أصبت بها منذ ثلاثين سنة، ثم جاء رجل ومعه تلك الأصناف التي اشتهوها فوضعها بين يدي الشيخ رضي الله تعالى عنه، فأمره فوضع بين يدي كل واحد منهم شهوته وقال لهم: كلوا ما اشتهيتهم، فأغمى عليهم، فلما أفاقوا قال قال اليمني للشيخ: يا سيدي ما وصف الرجل المطلع على أسرار الخلق، قال: أن يعلم أنك نصراني وتحت ثيابك زنار، فصرخ الرجل وقام إلى الشيخ وأسلم فقال له: يا بني كل من رآك من المشايخ فقد عرف حالك ولكن عرفوا عن إسلامك على يدي فامسكوا عن كلامك. قال: ولقد جرت الحال في وفاتهم كما أخبر الشيخ رضي الله تعالى عنه في الوقت الذي ذكره والمكان الذي عينه من غير تقديم ولا تأخير، ومات العراقي عند الشيخ في الزاوية بعد أن مرض شهراً، وكننت ممن صلى عليه، ومات الشامي عندنا بالحريم على باب طريح ونودي له فخرجت فإذا هو صاحبنا الشامي وبين موته وبين الوقت الذي اجتمعت به عند الشيخ رضي الله تعالى عنه سبع سنين وثلاثة أشهر وسبعة أيام رحمة الله تعالى، فانظر إلى هذا الذي هو خادم من خدم خدام محمد رسول الله قد أخبر في نفس واحدة باثنين وسبعين غيبا فيها ما في الصدور وأمكنة الموت وأزمنة الموت وأسباب الموت، وما يكسب غدا إلى غير ذلك" (1).
هذا ولقد كذبوا على الشيخ الجيلاني أنه كان يقول: ما تطلع الشمس حتى تسلم على، وتجيء السنة إلى وتسلم على وتخبرني بما يجري فيها، ويجيء الشهر ويسلم على ويخبرني بما يجري فيه، ويجيء اليوم ويسلم على ويخبرني بما يجري فيه، وعزة ربي، إن السعداء والأشقياء ليعرضون على، عيني في اللوح المحفوظ، أنا غائض في بحار علم الله ومشاهدته، أنا حجة الله عليكم جميعا، أنا نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووارثه في الأرض" (2).
ومن أكاذيبهم عليه أيضا: لولا لجام الشريعة على لساني لأخبركم بما تأكلون وما تدخرون، أنتم بين يدي كالقوارير أرى ما في بواطنكم" (3).
ويقول أحد البريلويين مناديا إياه: أيها الغوث الأعظم أنت مطلع على الصغير والكبير، وأنت تعلم ما يختلج في الصدور" (4).
ولما فتح هذا الباب للبعض فلم لا يفتح للآخرين؟ ففعلا فتحوه على مصراعيه.
فقالوا: لا يكمل الرجل حتى يعلم حركات مريده في انتقاله في الأصلاب وهو نطفة من يوم ألست بربكم إلى استقراره في الجنة أو في النار" (5).
وقال البريلوي: الكامل قلبه مرآه الوجود العلوي والسفلي كله على التفصيل" (6).
ونقل أيضا: ليس الرجل من يقيده العرش وما حواه من الأفلاك والجنة والنار، وإنما الرجل من نفذ بصره إلى خارج هذا الموجود كله" (7).و "ما السموات السبع والأرضون السبع في نظر العبد المؤمن إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض" (8).
ويقول الآخر: يتطلع العبد إلى حقائق الأشياء ويتجلى له الغيب وغيب الغيب" (9).
(1)((الدولة المكية)) (162) وما بعد.
(2)
((الأمن والعلى)) للبريلوي (109)، أيضا ((الكلمة العليا)) للمرادآبادي (67)، ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (49).
(3)
((خالص الاعتقاد)) (49).
(4)
((باغ فردوس)) لأيوب رضوي البريلوي (40).
(5)
((الكلمة العليا)) للمراد آبادي (69)، ((تسكين الخواطر)) للكاظمي (146)، ((جاء الحق)) (87).
(6)
((خالص الاعتقاد)) (51).
(7)
((خالص الاعتقاد)) (51).
(8)
((خالص الاعتقاد)) (51).
(9)
((جاء الحق)) (85).
ولقد حكى القوم حكايات باردة طويلة عريضة في هذا الموضوع، وأثبتوا أن جميع الأولياء فضلا عن الأنبياء والرسل يعلمون الغيب وحتى العامة وحتى حيواناتهم، ونسجوا أساطير كثيرة في ذلك أعاذنا الله منهم ومنها.
فهذه هي عقيدة القوم في علم الغيب الذي يثبتونه لغير الله وذلك ما قال الله عز وجل وقال رسوله صلوات الله وسلامه عليه:
وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النحل: 77]
ولَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ [الكهف: 26]
وإِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [فاطر: 38]
ويَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110]
وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول:
قُل لَاّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَاّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلَاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188]
وقُل لَاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50]
وقال جل وعلا منبها إياه ومخبرا الخلق أنه لا يعلم الغيب:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التحريم: 1].
ونفى عنه الغيب في قوله:
وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة: 101]
وقال جل وعلا:
عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة: 43]
كما نفى الغيب عن الرسل قاطبة حيث قال:
يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلَاّمُ الْغُيُوبِ [المائدة: 109]
كما نفى الغيب عن ملائكته بقوله:
قَالُواْ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَاّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة: 32]
والوقائع والشواهد في هذا كثيرة لا تحصى في الكتاب والسنة من الأنبياء والمرسلين من آدم إلى نوح ومن الخليل إلى الكليم ومنه إلى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والسيرة النبوية وأحوالها مليئة بالأمور التي تقطع جازما بأنه لم يكن يعلم الغيب وإلا فلم يحدث تلك الحوادث التي حدثت كشهادة القراء في بئر معونة وبيعة الرضوان ووقعة الإفك وتأبير النخل وحادثة العرنيين وغيرها من الوقائع والحوادث الكثيرة الكثيرة، ولكن القوم يصرون على أن الأنبياء والأولياء ليعلمون الغيب وحتى البريلوي حيث قالوا: إن أحمد رضا البريلوي كان يعرف يوم موته ووقت موته بالتحديد" (1).ولم يفعلوا هذا إلا لأن يؤلهوا البشر ويرفعوه إلى حد ليس له أن يرفع إليه، لأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:((لا أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله)) (2).
وقال: لا تطروني كما اطرأت النصارى عيسى بن مريم" (3). ((ولما قالت جارية في المدينة: وفينا نبي يعلم ما في غد: أنكر عليها وقال صلى الله عليه وسلم: دعي هذا، وقولي ما كنت تقولين، لا يعلم ما في غد إلا الله)) (4).صدق الله جل وعلا وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذب من قال خلاف ذلك كما قالت الصديقة بنت الصديق زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عاشرته، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (من حدثك أنه "صلى الله عليه وسلم" يعلم الغيب فقد كذب وهو يقول لا يعلم الغيب إلا الله) (5).
(1) انظر لذلك ((وصايا البريلوي)) (7).
(2)
رواه أحمد (3/ 153)(12573) من حديث أنس رضي الله عنه، قال محمد بن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (459): إسناده صحيح على شرط مسلم. وقال أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 611): إسناده صحيح. وقال الحكمي في ((معارج القبول)) (2/ 532): إسناده جيد. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1097): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(3)
رواه البخاري (3445) من حديث عمر بن الخطاب.
(4)
رواه البخاري (5147) من حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء
(5)
رواه البخاري (7830) من حديث عائشة رضي الله عنهما.