الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: البيعة وأخذ الطريق
الختمية طريقة صوفية تركز كما تركز الطرق الأخرى على أخذ البيعة من الأتباع والعهد من المريدين، ولهم طقوس خاصة يلزمون بها من أراد أن يسلك هذه الطريقة وينخرط في سلكها، وتتمثل هذه الطقوس فيما يأتي: يضع الشيخ يده في يد المريد ويقول ويجاوبه المريد معه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم: اللهم إني تبت إليك ورضيت بسيدي السيد محمد عثمان الميرغني شيخا لي في الدنيا والآخرة فثبتني اللهم على محبته وعلى طريقته في الدنيا والآخرة بحق سيدنا محمد بن عبد الله بن عدنان وبحق بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين إلى آخر السورة، (بشرط أن تكون البسملة والفاتحة في نفس واحد)، ثم يقرأ سورة "والعصر" إلى آخرها، ثم يقول الشيخ للمريد سرا: ثبتك الله على الحق وعلى الصبر وعلى الطريقة المحمدية المستقيمة بحق (أهم سفك حلع يص، وبحق آحون قاف أدم هاء آمين) ثم يقول الشيخ:
أهيم بطه مذ أعيش وإن أمت
سأوكل بطه من يهيم به دهري
ثم يقول الشيخ للمريد: اتخذتك مريدا لسيدي السيد محمد عثمان الميرغني الختم رضيت؟ فيقول له المريد قبلت، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" (1).والبيعة الصوفية تتضمن التزاما من قبل المريد بالولاء والطاعة التامة للشيخ والالتزام بآداب الطريقة، ولا شك أن هذه بدعة لم تعرف لدى سلف هذه الأمة، وليس هناك بيعة ملزمة للمسلم سوى بيعة إمام جماعة المسلمين، إذ أن قيام الجماعة المسلمة واجب على المسلمين وانتماء المسلم لهذه الجماعة واجب عليه، وقد يقال أنه لا بأس بالبيعة إذا كان الغرض منها تعلم العلم النافع من الشيخ واكتساب أعمال صالحة منه وأخذ المنهاج والطريقة المؤدية والموصلة إلى الله (2)، ولكن مما يلاحظ أن بيعة الختمية هذه ليس فيها إشارة إلى هذا المضمون كما أنها تتضمن أمورا منكرة لا أساس لها، كإلزام المريد وإقراره بأن يتخذ الشيخ محمد عثمان الميرغني وليا له في الدنيا والآخرة، وقد أشار ابن تيمية إلى أن مثل هذا القول بدعة منكرة من جهة أن المريد جعل نفسه لغير الله، ومن جهة أن قوله شيخ لي في الدنيا والآخرة كلام لا حقيقة له، فإنه إن أراد أن يكون معه في الجنة فهذا إلى الله لا إليه، وإن أراد أن يشفع فيه وإلا لم يشفع، وليس بقوله أنت شيخي في الآخرة يكون شافعا له. هذا إن كان الشيخ ممن له شفاعة، فقد تقدم أن سيد المرسلين والخلق لا يشفع حتى يأذن الله له في الشفاعة بعد امتناع غيره منها. وكم من مدع للمشيخة وفيه نقص من العلم والإيمان ما لا يعلمه إلا الله تعالى "(3).وقد حاول بعض الختمية المعاصرين الدفاع عن اتخاذ السيد محمد عثمان شيخا في الدنيا والآخرة محتجين بقوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً [الإسراء: 71] زاعمين أن المولى سبحانه وتعالى يدعو الناس بأئمتهم يوم القيامة لأن المرء يحشر مع من أحب" (4).وهذا فهم للآية لا سند له، إذ أن الإمام في الآية فسر بأنه النبي صلى الله عليه وسلم كما قال مجاهد وقتادة، بإمامهم أي نبيهم، وهذا كقوله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [يونس: 47]، وقال بعض السلف هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث، لأن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن زيد: بكتابهم الذي أنزل على نبيهم، واختاره ابن جرير. وروي عن مجاهد أنه قال: بكتبهم فيحتمل أن يكون أراد ما روي عن ابن عباس في قوله: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء:71] أي بكتاب أعمالهم. وهذا القول هو الأرجح لقوله تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس: 12]، وقال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [الكهف: 49]، ويحتمل أن المراد " بإمامهم " أي كل قوم بمن يأتمون به، فأهل الإيمان ائتموا بالأنبياء عليهم السلام وأهل الكفر ائتموا بأئمتهم (5). وهكذا نجد أن الإمام في الآية المراد به الكتاب أو الرسول ولم يقل أحد من السلف أن المراد به الأئمة، اللهم إلا إذا أريد به أئمة أهل الكفر والعياذ بالله.
ويضاف إلى ذلك أن ما ورد في صيغة البيعة من كلمات أعجمية لا يعرف معناها، أو طلاسم لا معنى لها، لا أصل له في دين الله، بل من البدع المنكرة، كما سبق أن أشرنا.
المصدر:
طائفة الختمية لأحمد محمد أحمد جلي – ص 132
(1)((مجموع الأوراد الكبير)) (ص 125) انظر أيضا (ص62).
(2)
((قضايا التصوف الإسلامي)) عبد الله حسن رزوق دار الفكر – الخرطوم، (ط 1)، 1985، (ص339).
(3)
((مجموع الفتاوى)) ابن تيمية (11/ 513).
(4)
((الختمية العقيدة والتاريخ والمنهج)) محمد أحمد حامد محمد خير دار المؤمنون، الخرطوم، (ط2)، 1407/ 1987م، (ص 133).
(5)
مختصر ((تفسير ابن كثير)) (الصابوني)(2/ 389).