الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: إفساد الأخلاق والسلوك
النفاق:-
يقول سبحانه: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، ويقول جل وعلا: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:1 - 4].
هذا هو حكم النفاق في الإسلام.
والنفاق هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر.
ولو غيرنا الاسم (النفاق)، وجعلناه (التقية)، لبقي حكمه نفس حكمه؛ لأن تغيير الاسم لا يغير الحكم، فعندما نسمي الخمر (فودكاً) تبقى خمراً وتبقى محرمة.
ولو عبرنا عن النفاق بمثل قولهم: (اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً)، فسيبقى حكمه نفس الحكم، وسيبقى نفاقاً، ولو وضعنا عبارة أخرى، مثل:(مع مشاهدة المشيئة العامة لا بد من مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهي عنه)، أو مثل:(إياك أن تقول أناه، واحذر أن تكون سواه)، أو مثل:(يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل أنت ممن يعبد الوثنا)، أو مثل:(طريقتنا أن نحفظ الشرع ظاهراً، وهذا هو السر العميق المطلسم)، أو غيرها من مئات عباراتهم المدونة في كتبهم وفي معاجمهم ليستعملوها هم ومريدوهم والسالكون في طريقهم في التمويه على أهل الشريعة. لو عبرنا عن النقاق بأي عبارة كانت، فسيبقى نفاقاً، وسيبقى مصير أهله الدرك الأسفل من النار. لكن الصوفية جعلت النفاق شطراً من الولاية والصديقية، ومن أقوالهم في ذلك: (التقية حرم المؤمن
…
)، وغيرها مما مر. ومعنى التقية في الإسلام هو إبطان الإيمان وإظهار ما يخالفه في حالة الاستكراه ولمدة محدودة عابرة، إلا في حالات استثنائية جداً، أما عندهم فهي على العكس تماماً، إبطان وحدة الوجود، وإظهار الإسلام.
الكذب:-
في الواقع النفاق هو الكذب، بل هو من شر أنواع الكذب، وهذا المرض (الكذب) المستشري في سلوكنا ومعاملاتنا إنما هو مظهر من مظاهر اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً، أو انبثاق عنها تسرب من الشيوخ الذين كانوا على مدى قرون يعدون بعشرات الألوف، إلى مريديهم الذين كانوا يعتبرون نخبة المجتمع، ثم إلى الأتباع والمؤمنين، وبالتالي إلى الجميع.
نسخ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:-
اللذين تأتي فرضيتهما بعد الأركان مباشرة، وهما الركنان اللذان يقوم عليهما المجتمع الإسلامي واستمراريته، وتركهما، أو ترك أحدهما، يدخل في لعنة الله لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:78] كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:79]، ويجعل الفساد ينتشر في الأمة.
جاءت الصوفية فألغت الأمر بالمعروف بحجة الخوف من الرياء، وحصرته فيما يكفي لاستمرار المسيرة الصوفية في المجتمع، وألغت النهي عن المنكر بنفس الحجة وبحجة الخوف من وقوع الناهي فيما نهي عنه، وحصرته في النهي عما يعرقل مسيرة التصوف في المجتمع.
وقد مرت الأمثلة على ذلك في فصول سابقة.
التزهيد بالعمل والدعوة إلى التواكل والكسل:-
العمل من أجل العيش هو من تعاليم الإسلام، ونصوصه كثيرة ومعروفة، وجاءت الصوفية فزهدت المسلمين بالعمل بحجة الزهد والتوكل، بل قررت عدم جواز الصلاة وراء من يأمر بالعمل، وقد مر هذا في فصل سابق نقلاً عن (الإحياء)، وبذلك انتشرت التكايا في البلاد الإسلامية، وغصت بالتنابل، وامتلأت شوارع المدن والقرى وأزقتها بالمكدين (الشحاذين)، وتعطلت الأرض، وتوقفت الأعمال، وكانوا يعدون ذلك من الورع والزهد والتوكل، وأحياء هذه الأيام الذين عاشوا العقود الأولى من القرن العشرين الميلادي يعرفون هذا تمام المعرفة.
نشر الذل والخنوع والخضوع:-
إن انتشار الصوفية الواسع جعل سلوك المريدين تجاه الشيخ ينزلق إلى المجتمعات الإسلامية، فانتشر الخنوع والخضوع وتقبيل اليد والرجل والوقوف للاحترام، وهي أمور كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهها، وشيوخ المتصوفة ومريدوهم يدافعون عنها حتى الآن بأساليب كلها مغالطة والتواء.
تقديس المجانين:-
المجانين هم مرضى يستحقون العطف والعناية والدواء، لكن شيوخ الصوفية كانوا، وما يزالون يعدون المجانين أولياء أرادهم الله سبحانه لولايته، دون سعي منهم (المراد)، ويصفونهم أنهم سائحون في حب الله، ويتبركون بهم بل وببولهم وروثهم، وإذا ماتوا بنوا لهم المقامات والزيارات.
ولسعة انتشار الصوفية طغت هذه النظرة على المجتمعات الإسلامية، وقد رأينا في فصول سابقة من أمثلة ذلك، وكبار السن الآن يعرفون هذه الأمور في صغرهم في مجتمعاتهم. وماذا يمكن أن يُنْتَظَرَ مِن مُجْتَمَعاتٍ تُقَدِّسُ مَجانينَها.
التوكل والتسليم والزهد والورع والإخلاص:-
رأينا
…
كيف شوهوا معنى التوكل والتسليم والزهد والورع في نفوس المسلمين، وكيف كانت نتائج ذلك التشويه مما عانت منه الأمة وتعاني حتى الآن، وأذكر القارئ بوقائع التتر واستسلام المسلمين لهم استسلام النعاج.
وحتى الآن، فقد سمعنا ونسمع وعاظاً وخطباء يطلبون من الناس أن يخرجوا من مسجد ليدخلوا في مسجد، وأن هذا كافٍ لدحر أعداء الإسلام، أي أنهم يقولون بلسان حالهم، بل ولسان مقالهم أيضاً: ربنا حارب، إنا ههنا في المساجد قاعدون. وسمعنا من يقول وهو يعظ ويحث المسلمين على الخير: الحمد لله الذي سخر لنا أمريكا وإنكلترا وفرنسا وروسيا يخترعون الاختراعات ويصنعون الصناعات ويقدمونها لنا، ونحن نتفرغ فقط لعبادة الله؟! إلى آخر قائمة طويلة من التشويه والتزوير لمعاني القيم الإسلامية والأخلاق التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المصدر:
الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود عبد الرؤوف القاسم - ص 824 - 826