الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: خرافات البريلوية
ما من قوم مبتدعة إلا ولهم قصص وحكايات، خرافات وترهات لتقوية باطلهم وتأييد كذبهم كي لا يبقوا بلا سند واستناد، ولا يطعنوا بعدم الدليل والبرهان، وعندما لا يجدون المستند في الأصلين العظيمين في الشريعة الإسلامية من الكتاب والسنة يلتجئون إلى الأساطير الوهمية والقصص الخيالية، والحكايات الباردة الكاذبة، ويقدمونها كالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة ليقوم لهم عود ويستقيم بهم عمود، وأنى لهم ذلك! فلا يقوي الباطل الباطل ولا ينصر المخزول الخازل ولا يكدّس الكذب إلا ظلمات بعضها فوق بعض ولا ينسج الجهل إلا بيت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون، وهم الذين قال فيهم الله عز وجل:
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 104].
فيخسرون الدين لإعراضهم عن الحق والحقيقة وإهمالهم القرآن والسنة ويخسرون الدنيا لانحرافهم عن الحقائق الثابتة والحوادث الواقعة وذلك هو الخسران المبين، وأما من اجتنب من البدع والمحدثات واحترز عن الأهواء والوهميات فقد تمسك بالهدى واتبع النور الذي أنزله الله لتبديد الظلمات وتشتيت الجهل، هل يستوي الظلمات والنور، وقد قال الرب جل وعلا:
وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [النور: 40].
فكم من فئة منحرفة زائغة ومنتمية إلى الإسلام اتخذوا هذا القرآن مهجورا. وجعلوا الأراجيف ملتزمة الإطاعة والاتباع، وكم من قوم جعلوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتروكة وبدعات المنتحلين المبطلين الأدعياء متبوعة.
فإن البريلويين على دأب هؤلاء ومنوالهم فما تركوا أكذوبة إلا واعتنقوها ولا أضحوكة إلا وتمسكوا بها لإحقاق الباطل وإبطال الحق وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. ولكم مضحكاتهم ومبكياتهم في آن واحد وما أكثرها وأطولها ولكننا نقتصر على التي ساقها وسمر بها البريلوي أحمد رضا نفسه، وقليلا ما نذكر التي أوردها البارزون من أنصاره وأتباعه والمعتمدين لدى القوم فيقول البريلوي وهو يحاول إثبات معتقداته الواهية المخالفة نصوص الكتاب والسنة من قدرة الأولياء واختياراتهم على إغاثة المستغيثين وإجابة المضطرين وكشف الضر عن المكروبين وعلمهم بالغيب وحضورهم في كل مكان وزمان فيقول قبل ذكر أحد المشايخ إنه: إذا ناداه مريده أجابه من مسيرة سنة أو أكثر" (1).
وبعد قول القائل: أنا من المتصرفين في قبورهم فمن كانت له حاجة فليأت إلي قبالة وجهي ويذكرها أقضها له" (2).
فيستدل لتصديق هذه الأقوال المكذوبة على أصحابها بحكاية باطلة كاذبة لتقوية الكذب بالكذب فيحكي: أن سيدي مدين بن أحمد الأشبوني رضي الله عنه كان يتوضأ فإذا خلع نعله ورماها إلى بلاد المشرق، وبعد سنة كاملة حضر إليه شخص ومعه تلك النعل فقال: يا شيخي كانت ابنتي في بادية فتعرض لها رجل قبيح بالسوء وابنتي لم تكن تعرف اسم شيخي ومرشدي فنادت يا شيخ أبي! لاحظني. فلم تنطق بهذا الاسم ولم تستغث به حتى جاءته هذه النعل وضربت رأس ذلك الرجل فنجت ابنتي" (3).
(1) رسالة البريلوي ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرجة في ((مجموعة رسائل)) للبريلوي (1/ 182).
(2)
رسالة البريلوي ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرجة في ((مجموعة رسائل)) للبريلوي (1/ 182).
(3)
((أنوار الانتباه)) (1/ 182).
ومثل هذه الحكاية حكى عنب ابن محمد الحنفي. أن أحد مريديه كان في السفر فتعرض له السراق في الطريق وجلس واحد على صدره ليذبحه فنادى: يا سيدي محمد حنفي! خاطر معي، فما أن ناداه باسمه إلا وحضرت نعله طائرة وضربت على صدر السارق فأغمي عليه ونجا مريد السيد الحنفي" (1).ويختلق قصة أخرى أن فقيرا كان يتسول فمرة وقف على باب دكان شخص وسأله أن يعطيه روبية فامتنع الراعي من إعطائها إياه فقال له الفقير، أعطني وإلا قلبت عليك الدكان، فاجتمع الناس وازدحموا ومر عليهم رجل ذو قلب فقال للراعي: أعطه الروبية وإلا انقلب عليك الدكان، فقال له الناس، أيها الشيخ إنه رجل جاهل ومخالف للشريعة كيف يستطيع أن يعمل هذا؟ فقال الشيخ: أنا شاهدت وعاينت قلبه فوجدته خاليا فألقيت نظرة المشاهدة في باطن شيخه فوجدته خاليا أيضا ولكنني تعمقت وشاهدت شيخ شيخه فوجدته من العارفين المتصرفين ورأيته واقفا لأن ينطق هذا الفقير وينفذ ما نطق به ويقلب على الراعي دكانه"(2).
فهذه هي الدلائل الواضحة والحجج القاطعة والبراهين الدامغة على قدرة الأولياء وتمكنهم على إغاثة المستغيثين ونصرة المصابين ودفع بلاء المبتلين.
ومن الحكايات العجيبة الغريبة التي اخترعوها لبيان قوة الأولياء وقدرتهم: إن شخصا حضر بايزيد البسطامي رضي الله عنه فرآه ينظر إلى السماء وعيناه تفيض من الدمع فقال له: يا سيدي ما هذا؟ قال: ذهبت إلى العرش وطويت الأرض بقدم واحد فإذا أراه أي العرش فاغراً فاه في طلب الرب كالذئب الجائع، فاستغربت وصرخت، إن هذا لشيء عجاب، يخبرنا الرحمن أنه على العرش استوى، فجئت إليك في طلبه وأجدك في هذا الحال، فأجاب العرش أما ما قاله لي جل وعلا: يا عرش إن تريد أن تجدني فاطلبني في قلب بايزيد" (3).
هذه، ومن اختياراتهم أن الحيوانات المفترسة تهابهم وتخاف منهم وتطيعهم، ولهم من علم الغيب أنهم يعرفون ما يختلج في صدور الناس. فيحكي البريلوي هذه الأسطورة: أن رجلين عالمين حضراً إلى ولي من أولياء الله وصلا خلفه، فقرأ القرآن في الصلاة ولم يرتله ترتيلا ولم يخرج الحروف من مخارجها حسب قواعد التجويد، فخطر في بالهما أي ولي هذا الذي لا يعرف قواعد التجويد فعرف الولي ما اختلج في صدورهما ولكنه سكت ثم ذهب الرجلان العالمان إلى النهر للغسل وخلعا أثوابهما ووضعاها على الحافة فجاء أسد وجمع الأثواب وجلس عليها فانتظرا ذهابه حتى يخرجا ولكنه لم يأت ليذهب وبلغ الخبر إلى الولي فأسرع إلى الأسد وأخذه من أذنه ولطمه على خده الأيمن فولى وجهه ثم لطمه على الجانب الأيسر فانحرف يمينا ثم قال قومتم اللسان "إشارة إلى علمهم بالتجويد والقراءة" ونحن قومنا القلوب وكان هذا ردا منه على ما خطر في قلوبهما" (4).
(1)((أنوار الانتباه)) (181).
(2)
((ملفوظات لمجدد المائة الحاضرة)) أحمد رضا البريلوي بترتيب ابنه مصطفى رضا البريلوي (189).
(3)
((حكايات رضوية)) المروية عن البريلوي أحمد رضا بترتيب مفتي البريلوية محمد خليل.
(4)
((حكايات رضوية)) نقلا عن ((الملفوظات للبريلوي)) (110) ط باكستان.
وما أكثر هذه الخرافات في كتب القوم وأطول بها. وأما المضحكات المبكيات فإنها كثيرة. ومنها ما يحكيها البريلوي: أن سيدي أحمد كانت له زوجتان وكان من مريدي الشيخ سيدي عبدالعزيز الدباغ رضي الله تعالى عنه، فقال له مرة يا سجلماسي! مالك وقد جامعت وباشرت زوجتك عندما كانت الثانية يقظة ناظرة؟ فقال: يا سيدي! لم تكن مستيقظة بل إنها كانت نائمة، فقال: لا إنها تظاهرت النوم ولكنها لم تكن نائمة، فقال: كيف علمت ذاك يا سيدي! قال له شيخه، أكان هناك سرير آخر ثالث؟ قال: نعم كان هناك، فقال: كنت أنا على ذلك السرير" (1).
أستغفر الله من هذه الخرافات، وهل هناك خرافة أكبر وأنجس من هذه؟
شيخ ينام بين المريد وأزواجه في غرفة واحدة؟ ثم أكثر من ذلك يراقب حركاته وسكناته وحتى مباشرته مع زوجته ويراقب الأخرى ونظرتها إليهما.
أهذا دين وهذه شريعة؟
فإن كان الدين هذا فلا ندري ما هو الإلحاد والزندقة، والفجور والفسوق؟ ولا نعلم ما هو الحياء وما هي الأخلاق التي يعلم الأجيال الناشئة من غض البصر والإعراض عن اللغو؟ مدام أولياء الله حسب زعم القوم يعملون هذه الأعمال ويرتكبون هذه الفواحش، وينظرون إلى المحرمات الشرعية وينامون بين النساء الأجنبيات ويترقبون الحركات الزوجية ما بينهم ثم يخبرون بكل وقاحة وفضاحة ما شاهدوها وعاينوها في الخلوات.
إن كانت هذه هي الولاية وهذه هي الكرامات فعلى الكرامات والولايات السلام.
ثم يعلق على هذه الحكاية التي لم تخترع ولم تختلق إلا للاستلذاذ بالشهوات وذكرها، يعلق المعلق الفاضل:
يستنتج من هذه الواقعة أن الشيخ لا يفارق مريده في آن ما كما قال الشعراني في "الميزان":إن أئمة الفقهاء والصوفية كلهم يشفعون في مقلديهم ويلاحظون أحدهم عند طلوع روحه وعند سؤال منكر ونكير له وعند النشر والحشر والحساب والميزان والصراط ولا يغفلون عنهم في موقف من المواقف" (2).
هذا ويحكي البريلوي حكاية أخرى في "ملفوظاته" ومن بينها يبين فوائد الأعيان والأعراس على القبور ويلفت انتباه السوقة والأوباش من الناس إليها: أن السيد أحمد البدوي الكبير رضي الله تعالى عنه كان يقام على قبره الأعراس والأعياد إلى ثلاثة أيام يوم ميلاده، وكان الناس يجتمعون عليه سنويا ومن بين الذين كانوا يحضرون على الدوام الإمام عبدالوهاب الشعراني، فحضر في عيد ميلاده مرة وكان الناس مزدحمين إذ وقع نظره على جارية تاجر، فوقعت في قلبه واستأسرته فذهب إلى القبر فناداه السيد البدوي: يا عبدالوهاب! أأعجبتك تلك الجارية؟ فقال: نعم! لا ينبغي لمريد أن يكتم سره عن شيخه، فقال، أحسنت وقد وهبتك هذه الجارية، فاستغرب الشعراني أن الشيخ كيف يهبني إياها حيث أنها لتاجر فلاني، وبعد حين حضر التاجر وقدم الجارية نذرا إلى مزاره المقدس فألهم خادم القبر أن يقدم هذه الجارية هدية ونذرا إلى عبدالوهاب فتحير الشعراني وتأخر حتى ناداه السيد البدوي ولم هذا التأخير الآن يا عبدالوهاب! اذهب بها إلى الحجرة الفلانية واقض بها حاجتك" (3).
فأراد البريلوي إثبات علم الغيب للأولياء وتصرفهم وقدرتهم على الأمور حتى وبعد الموت ولم يجد السند والدليل على ذلك إلا هذه القصص الباطلة الكاذبة والحكايات الجنسية الشهوانية الفاسدة.
فهذه هي الدعاوى وتلك هي البراهين:
(1)((حكايات رضوية)) نقلا من ((ملفوظات البريلوي)) (55).
(2)
((حكايات رضوية)) تعليق مفتي البريلوية محمد خليل البركاتي (55) أيضا حاشية ((الاستمداد على أجيال الارتداد)) لابن البريلوي مصطفى رضا (35).
(3)
((ملفوظات)) البريلوي مجدد المائة الحاضرة عند القوم (275،276).
وأكثر من ذلك وأغرب أن الشيخ وحده لا يعلم علم الغيب ولا يطلع على ما يختلج في صدور الناس عامة وفي صدور مريديه خاصة بل مريدو الشيخ أيضا يطلعون عليه بتقبيل أرجل المشايخ والأرض التي تمس أقدامهم، والدليل على ذلك حكاية أيضا رواها البريلوي نفسه: إن حضرة سيدي سيد محمد كان من أكابر العلماء وأجلة الأشراف، ومرة كان يمشي في الطريق إذ رأى حضرة نصير الدين محمود شراغ الدهلوي على مركبه فبادر إليه وقبل ركبته فقال له شيخه: اذهب إلى الأسفل أيها الشريف! فقبل السيد محمد رجله، فقال له شيخه وإلى الأسفل منها أيضا، فتأخر السيد محمد وقبل الأرض التي مستها سنابك خيل شيخه، فاستغرب الناس وقالوا: إن سيدا جليل مثل الشريف محمد قبر ركبة الشيخ فلم يرض، فقبل رجله فلم يرض، ثم قبل سنابك خيله ولم يرض، حتى قبل الأرض أمامه. فقال السيد محمد: إن الناس لا يعلمون أن شيخي ما أعطاني بهذه القبلات، فإنني لما قبلت ركبته انكشف علي عالم الناسوت، ولما قبلت رجله انكشف على عالم الملكوت، وعند تقبيلي سنابك الخيل تنور علي عالم الجبروت، ولما قبلت الأرض ظهر عليّ كل ما كان في عالم اللاهوت" (1).
فهؤلاء الذين قال فيهم الرب جل وعلا:
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [البقرة: 16].
وقالوا أن الأولياء كالأنبياء أحياء في قبورهم ولا يطرأ عليهم الموت إلا لثوان ولحظات كخطف البصر ثم يرجع إليهم أرواحهم ويحيون حياة دنيوية مع الأبدان، يسمعون ويجيبون، ويقومون ويجلسون، ينامون ويستيقظون.
فإن قيل للقوم، هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين؟ قالوا:
كان الشيخ أحمد بن الرفاعي يرسل كل عام مع الحجاج السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فلما زاره وقف تجاه مرقده وأنشد:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها
…
تقبل الأرض مني فهي نائبتي
وهذه نوبة أشباح قد حضرت
…
فأمدد يديك لكي تحظى بها شفتي
فقيل إن اليد الشريفة بدت فقبّلها" (2).والأولياء كذلك، وبرهان ذلك "أن الإمام عبدالوهاب الشعراني قدس الله سره الرباني كان يلتزم الحضور في عرس سيدي أحمد البدوي الكبير رضي الله تعالى عنه ومرة حصل له التأخير في الحضور ليومين فرأى المجاورون لمرقد الحضرة أن حضرة السيد البدوي يرفع حجابه بتكرار ويسأل عن مريده عبدالوهاب هل حضر أم لم يحضر حتى الآن؟ فلما حضر أخبره المجاورون لقبره بما جرى من رفع الحجاب عن القبر وسؤال الحضرة عنه فقال عبدالوهاب: أيعلم السيد بحضوري على مرقده ومزاره فقالوا: وكيف! وهو الذي قال: من أراد زيارتي من منزله مهما بعد منزله أعلم بإرادته وأرافقه حتى يحضر قبري ولا يضع حمله إلا وأكون ضامنا له" (3).وأكثر من ذلك، نعم أكثر من ذلك حيث يحكي: إن شقيقين قتلا في سبيل الله وكان لهما أخ ثالث فلما جاء يوم زواجه حضرا في حفلة الزفاف فاستغرب الأخ الثالث حضورهما، فقالا: نحن أرسلنا خصيصا للمشاركة في هذه الحفلة ثم هما اللذان تولا عقدة النكاح وبعد ذلك رجعا إلى مكانهما"(4).
(1)((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات البريلوي)) (63،64).
(2)
رسالة ((ابرّ المقال في قبلة الإجلال)) المندرجة في ((مجموعة رسائل)) للبريلوي (173).
(3)
((ملفوظات)) للبريلوي (275).
(4)
((حكايات رضوية)) نقلا عن ((أنوار الانتباه)) للبريلوي (116).
ويقص علينا بقصة أخرى: إن سيدنا أبا سعيد الخزاز قدس الله سره الممتاز يروي أنني كنت في مكة المكرمة ورأيت شابا ميتا على باب بني شيبة فالتفت إلي فتبسم ضاحكا وقال يا أبا سعيد! أما علمت أن الأحباء أحياء وإن ماتوا وإنما ينقلبون من دار إلى دار" (1).
وأيضا: إن حضرة سيدي أبا سعيد قدس الله سره يقول: مات فقير فنزل به في قبره وفتحت كفنه ووضعت رأسه على التراب ليرحمه الله على فقره ومسكنته ففتح الفقير عينيه وقال: يا أبا علي! تذللني بين يدي من يدللني؟ فاندهشت وقلت: يا سيدي! أحياة بعد الموت؟ قال لي: أنا حي وكل محب لله حي، لأنصرنك بجاهي غدا" (2).
وما أكثر مثلها، ومنها:
إن امرأة ماتت ثم كفنت ودفنت فلقيت ابنها في منامه فقالت: إن كفني بلى وأستحيي أن أذهب به إلى رفاقي ففي اليوم الثالث من هذا اليوم يأتي إلينا فلان فلما يكفن ضع في أكفانه كفنا جديدا جيدا لي. فلما أصبح الابن وفتش عن ذلك الرجل علم أنه صحيح لا مرض له ولكن اليوم الثالث أخبر أنه مات، فاستعجل الابن وأحضر الكفن الجديد الغالي ووضعه في أكفانه وقال: أصل هذا إلى أمي ولما نام ليلته حضرته أمه وقالت: جزاك الله خيراً أرسلت إلي كفنا جيدا" (3).
ولا بأس أن نحكي حكاية أخرى التي تنبئ عن انتقال الميت من مكان إلى مكان آخر بنفسه كما يحكي أحد البريلويين: إن امرأة صالحة ماتت في جونبور "مدينة من مدن الهند" ورجل غير صالح من جونبور مات في المدينة المنورة ودفن في البقيع فانتقلت المرأة الصالحة من جونبور إلى البقيع ونقلت جثة ذلك الرجل من قبره إلى قبرها جونبور ورأى الناس هذه الحادثة بأعينهم" (4).وأما قدرتهم على إحياء الموتى فأيضا ثابتة في أساطير الأولين ووجدوا آبائهم لها معتقدين، منها: إن حضرة سيدي أحمد جان رضي الله تعالى عنه كان يمر على طريق فرأى فيلا ميتا والناس مجتمعين حوله، فذهب إليهم وقال: ما الذي حدث؟ قالوا إن الفيل قد مات فقال: إن خرطومه صحيح وعينيه كذلك، وكذلك يديه ورجليه فكيف مات؟ وما نطق بهذه الكلمات إلا وتحرك الفيل ووقف حيا"(5).وأيضا: إن الشيخ الجيلاني نظر نظرة الغضب إلى الحدأة فسقطت ميتة ثم لمسها فطارت حية" (6).
(1) رسالة "أحكام قبور المؤمنين" المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (2/ 243) تحت عنوان "أن الأنبياء والشهداء والأولياء أحياء بأبدانهم مع أكفانهم".
(2)
رسالة "أحكام قبور المؤمنين" المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (2/ 243– 244) تحت عنوان "أن الأنبياء والشهداء والأولياء أحياء بأبدانهم مع أكفانهم".
(3)
((ملفوظات)) للبريلوي (95).
(4)
((مواعظ نعيمية)) لمفتي البريلوية أحمد يارخان البريلوي (26).
(5)
((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات البريلوي)) (53).
(6)
((باغ فردوس)) للرضوى البريلوي (27).
هذا ومن غرائب القوم أنهم يسامرون بالأساطير التي يمجها العقل ويزدريها الفكر. ومنها "أن شخصين من أولياء الله كانا يسكنان على جانبي النهر، فمرة طبخ أحدهما المحلبية وأراد إرسالها إلى الثاني على الضفة الثانية، فقال لخادمه اذهب بها إلى صديقنا ذاك. فقال: وكيف أجتاز النهر وليس عندنا ما أجتاز به من سفينة وغيرها، فقال: اذهب إلى النهر وقل له: جئت من عند شخص لم يجامع امرأته قط فاستغرب الخادم وغرق في الحيرة لأن الشيخ كان له أولاد، فامتثل الأمر وذهب إلى النهر، وقال له ما قاله الشيخ فانفلق النهر ومر منه سالما فقدم على صاحب تلك الضفة المحلبية فأكل منها ودعا له بالخير وقال: سلم على سيدك، فقال له الخادم: أبلغ سلامك إليه عندما أصل هناك، وكيف الوصول إليه وبيني وبينه نهر، فقال: اذهب إلى النهر وقل له: جئت من عند شخص لم يطعم من ثلاثين سنة فازدادت حيرته لأنه شاهده وهو يأكل من المحلبية التي جاء بها إليه ولكنه لم يبلغ رسالته إلى النهر حتى انشق له الطريق فيه"(1).ومن غرائب ما يحكونها هي "أن رجلا من مريدي يحيى المنيري سقط في البحر وكاد أن يغرق فظهر الخضر عليه السلام وقال له، هات يدك في يدي أنقذك من الغرق، فانتبه المريد وقال: لا يا سيدي! إن هذه اليد في يد المنيري فلا أتركه وأذهب إلى غيره، فغاب الخضر عليه السلام وحضر المنيري وأخذ بيده ونجاه من الغرق"(2).ومنها أيضا "أن بشراً الحافي لم يكن يلبس النعلين ولذلك سمي بالحافي، وكان من عظمته واحترامه أن الحيوانات لم يكن يبولون في الطرق التي كان يمر فيها الحافي ولم تكن ترفث كي لا تتوسخ قدمه فيوما فعندما رأى شخص الرفث والبول في الطريق الذي كان يمر فيه الحافي فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وسئل عن تفوهه بهذه الكلمات فقال: هذا دليل على أن الحافي قد مات ثم فتش وثبت أن ما قاله حق رضي الله تعالى عنه"(3).
وأن الأولياء لهم قدرة واختيار أن ينقذوا أهل النار من النار وينجوا المعذبين من العذاب، وبرهان ذلك:"إن السيد إسماعيل الحضرمي مر على المقابر وكان معه الإمام محب الدين الطبري، فقال له أتؤمن أن أهل القبور يكلمون الأحياء؟ قال: نعم أؤمن بذلك، فقال له: إن صاحب هذا القبر كان يقول لي: أنا من أهل الجنة، ثم وقف على قبور تجاوز عددهم من أربعين قبراً وبدأ يبكي حتى طلعت الشمس وأسفر النهار ثم ضحك وقال: أنت منهم، فسئل ما هذا وما الذي حدث؟ قال: إن أصحاب هذه القبور كانوا يعذبون فبدأت أبكي وأشفع لهم حتى قبلت شفاعتي ورفع عنهم العذاب، وكان قبر في ناحية لم ألتفت إليه، فسمعت أن قائلة تقول لم حرمتني من شفاعتك وأنا منهم، "يعني كنت معهم في العذاب وقبري بينهم" كنت مغنية فلانية فشفعت لهم ولم تشفعني؟ فضحكت من قولها وقلت: أنت منهم أيضا، ورفع عنها العذاب"(4).
وكتب البريلوي: أن شابا كان جالسا في مجلس ابن عربي فبكى فقال له ابن عربي ما يبكيك؟ قال رأيت في الكشف أن أمي تعذب وملائكة النار يجرونها إلى النار، فقال ابن عربي كان ثواب بعض الأوراد مدخراً عندي فقلت في نفسي إنني وهبت لها هذا الثواب، وبدأ الشاب يضحك، فقيل له: ما الذي حدث حتى انقطعت عن بكائك وبدأت تضحك؟ فقال: رأيت ملائكة العذاب تركوا أمي وأخذتها ملائكة الرحمة وذهبوا بها إلى الجنة بدل النار" (5).
(1)((الحكايات الرضوية)) نقلا عن ((ملفوظات)) للبريلوي (53).
(2)
((ملفوظات البريلوي)) (164)
(3)
((الحكايات الرضوية)) (172).
(4)
((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات)) البريلوي (57،85).
(5)
((ملفوظات البريلوي)) حكايات رضوية (48).
وهل يحتاج بعدئذ إلى دليل وبرهان؟ بعد هذه الأدلة القطعية قطعية الثبوت والدلالة؟ ومن سأل أو طلب فهو وهابي كافر. معاذ الله من هذه العقول الضعيفة والقلوب المريضة التي استولى عليها الشيطان وأضلها عن سواء السبيل.
ومن عجائب ما يحكون وغرائب ما يسطرون هي القصص التي ترغب الناس عن الله وتوجههم إلى غير الله وتنبئ أنه لم يبق لله قدرة ولا اختيار ولا نفوذ ولا رسوخ بل كل هذه الأشياء انتقلت إلى الأولياء والصالحين، فبيدهم كل شيء فلا استغاثة إلا بهم ولا نجاة إلا في أيديهم، وخير مثال لهذا ما حكاه البريلوي نفسه: أن سيدي بايزيد البسطامي وقف على شاطئ الدجلة فسمى الله ونزل فيه ومشى على ماءه كمشيته على الأرض فرآه شخص وكان يريد عبوره أيضا فنزل فيه ومشى خلفه وسمى باسمه ولما قرب منه رآه وهو يذكر الله فقلده فسمى الله فإذا بدأ يغرق فالتفت إليه بايزيد وقال له: اسمي اسمي لا اسم الله، كيف تجرأ على ذكر اسمه وتترك اسمي؟ فقال له الغريق رأيتك تسمي الله فسميت، فقال: وهلا وصلت إلي حتى تصل إليه، فنادى باسم بايزيد ونجا من الغرق وبدأ يمشي على الماء كأنه يمشي على الطريق الممهد في الأرض" (1).
ونختتم هذا الباب على حكاية طريفة أخرى من المئات والألوف التي عليها أسس القوم دينهم وبنوا شريعتهم وجعلوها مستندهم وحجتهم في الدين والدنيا، وما أخسرهم وأبخس بهم، فقالوا، والقائل البريلوي نفسه:
أن عارفا كان يبحث عن شيخ ومرشد كامل ولكنه لم يهتد إليه ففي ليلة من الليالي قال لله عز وجل: وعزتك وجلالك صباحا أبايع أول شخص ألتقيه بعد طلوع الفجر، فلما أصبح خرج عن بيته ووقف في الطريق ينتظر أول القادمين، وكان سارقا حاملاً لسرقته، فبادر إليه وأخذ يده وقال له مد يدك أبايعك، فاستغرب السارق وتحير وأراد أن يهرب منه ولكنه لم يتركه حتى اضطر إلى أن يبوح بحقيقته فقال له: يا شيخ ماذا تريد مني وأنا سارق مشهور ونهاب معروف، وهذا هو مال السرقة على غاربي؟ قال له العارف: مهما يكن من الأمر فأنا حلفت بالله أن لا ألتقي بأول شخص في الصباح إلا وأبايعه على يده، فأنت أول من لقيته فلا أتركك إلا أن تأخذ بيعتي، ولما رأى الخضر عليه السلام هذه الواقعة ورأى صدق الطالب حضر وأخذ بيد السارق وخلع عليه جميع مراتب الولاية ومناصبها واجتاز به المقامات وأدخله في الكلمة وهو واقف على موقفه ثم أمره أن يأخذ بيعة ذلك العارف" (2).
فهؤلاء هم القوم وهذه هي حججهم وبراهينهم في إثبات المسائل الشرعية والعقائد الدينية ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:30]
وقال الله جل وعلا: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً 43 أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَاّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان: 43 - 44]
المصدر:
البريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص213
(1)((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات البريلوي)) (52،53).
(2)
((حكايات رضوية)) بجمع وترتيب مفتي البريلوية وتلميذ البريلوي خليل البركاتي (71،72).