الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: المغالاة في الرسول وأئمتهم والصالحين
الفرع الأول: المغالاة في رسول الله
أولا: اعتقاد أن نوره أول المخلوقات وخلق من أجله الأفلاكمشايخ الديوبندية يضاهئون قول البريلوية والقبورية، ويقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله سبحانه وتعالى وأنه أول الخلق، مستدلين على ذلك بروايات موضوعة، فقد أورد الشيخ أشرف على التانوي في كتابه حديثاً موضوعاً عن جابر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء قال: ((يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، وليس في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول حملة العرش ومن الثاني الكرسي ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء، فخلق من الأول السموات ومن الثاني الأرضين والثالث الجنة والنار)) (1).
ثم قال الشيخ التانوي بعد ذكره لهذا الحديث الموضوع:
"ثبت بهذا الحديث أن النور المحمدي هو أول الخلق مطلقاً، وتحققت له الأولية الحقيقية".
ثم ذكر الشيخ التانوي رواية أخرى، ولعلها أوهى من الأولى، ونصها:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فأوحى الله إليه ومن محمد، فقال: تبارك اسمك، لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك إذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك، فأوحى الله إليه يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك، ولولا هو ما خلقتك)) (2).
وقال الشيخ حسين أحمد المدني في كتابه:
"إن الوهابية يسيئون الأدب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون ليس له علينا إلا فضيلة قليلة وليس له علينا حق ولا إحسان ولا يفيدنا شيئاً بعد موته، وتقول أكابر الوهابية: إن عصاي هذا أنفع لنا منه صلى الله عليه وسلم أذود بها الكلاب، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينفع شيئا".
(1) أورده العجلوني في ((كشف الخفاء)) (827) وعزاه إلى ((مصنف عبد الرزاق)) وليس الحديث في المصنف وزعم بعضهم أنه في القطعة المفقودة من المصنف وأنه وجدها وتبين كذبه وافتراؤه بما ليس هنا موضع بيانه، وعزاه أيضا اللكنوي في كتابه ((الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة)) (1/ 42) للمصنف أيضا وذكر أيضا أن الحديث ذكره القسطلاني في ((المواهب اللدنية))، وقال السيوطي في ((الحاوي في الفتاوي)) (1 - 479)" ليس له إسناد يعتمد عليه"
(2)
رواه الحاكم (2/ 672) والطبراني في ((الأوسط)) (6502) و ((الصغير)) (992)، والبيهقي في ((الدلائل)) (5/ 489) وابن عساكر (7/ 437) قال الحاكم صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي فقال بل موضوع، وقال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن أسلم من هذا الوجه عنه وهو ضعيف. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 256): فيه من لم أعرفهم. وقال ابن حجر في ((إتحاف المهرة)) (12/ 97): عبد الرحمن متفق على تضعيفه. وقال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (12): موضوع.
ثم ذكر المدني حب علماء ديوبند لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحترامهم له واعتراف فضله وإحسانه عليه الصلاة والسلام، ثم قال:"هذا هو معنى ((لولاك لما خلقت الأفلاك)) (1) و ((أول ما خلق الله نوري)) (2) و ((أنا نبي الأنبياء)) (3) وغيرها من الأحاديث".
فذكر المدني لهذه الروايات الواهية الموضوعة يدل على أنه يرى ما يراه الآخرون من طائفته بأن النور المحمدي هو أول الخلق وأن الدنيا ما خلقت إلا لأجله صلى الله عليه وسلم.
ومما يتعلق بعقيدة الديوبندية في خلق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه أول الخلق، هو ما قاله الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره لقوله تعالى: وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163] وفيما يلي ترجمته:
"ذهب عامة المفسرين إلى أن المراد بهذه الآية هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أول المسلمين نظراً إلى الأمة المحمدية".
ثم قال:"ولكن لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول الأنبياء كما جاء عند الترمذي: ((كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد)) (4) الحديث، فما الريب في كونه صلى الله عليه وسلم أول المسلمين؟ ".
وقال أيضا في تفسيره لقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7]، ما يلي:
"قدّم الله تعالى ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على بقية أولى العزم من الرسل، مع أنه آخر الأنبياء ظهوراً في عالم الشهادة، وذلك لأنه أول الأنبياء منزلة، كما أنه أقدمهم وجوداً في عالم الغيب، كما ثبت في الحديث".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 188 - 192
ثانيا: اعتقاد علمه الغيب
سئل الشيخ خليل أحمد السهارنفوري:
"هل تقولون أن علم النبي عليه السلام مقتصر على أحكام الشريعة فقط أم أعطي علوماً متعلقة بالذات والصفات والأفعال للباري عز اسمه والأسرار الخفية والحكم الإلهية وغير ذلك مما لم يصل إلى سرادقات علمه أحد من الخلائق كائناً من كان"؟.
فأجاب عليه بقوله:
"نقول باللسان ونعتقد بالجنان أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق قاطبة بالعلوم المتعلقة بالذات والصفات والتشريعات من الأحكام العملية والحكم النظرية والحقائق الحقة والأسرار الخفية وغيرها من العلوم، ما لم يصل إلى سرادقات ساحته أحد من الخلائق، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولقد أعطى علم الأولين والآخرين، وكان فضل الله عليه عظيماً".
ويقول الشيخ حسين أحمد المدني في كتابه وهو يذم الوهابية ويطعن فيهم:
(1) أورده الصغاني في ((موضوعاته)) (52) وكذلك الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (282) وقال موضوع، وقال اللكنوي في ((الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة)) (1/ 44) قال علي القاري في ((تذكرة الموضوعات)) (2) حديث:(لولاك لما خلقت الأفلاك). قال العسقلاني موضوع كذا في ((الخلاصة)).أ. هـ
(2)
قال اللكنوي في ((الآثار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة)) (1/ 43) لم يثبت بهذا المبنى ونقل عن السيوطي قوله عنه أنه لم يرد بهذا اللفظ وقال الألباني أنه باطل كما في ((السلسلة الصحيحة)) (1/ 820).
(3)
لم نجده
(4)
رواه أحمد (5/ 59)(20615) والحاكم (2/ 665)(4209) من حديث ميسرة الفجر ورواه الترمذي (3609) من حديث أبي هريرة. بلفظ (متى وجبت لك النبوة قال: .. ) وقال الحاكم صحيح الإسناد وقال الذهبي صحيح وقال الترمذي حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وصححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (/ 1856)
"يعتقد الوهابية أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه مقتصر على أحكام الشريعة فقط، وليس له أي نصيب من العلوم الباطنية والأسرار الحقيقية، وأما أكابرنا فيرون أنه صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق قاطبة بعلوم الأحكام والشرائع وبالعلوم المتعلقة بالذات والصفات والأفعال للباري عز اسمه، وبالأسرار الكونية الحقة وغيرها من العلوم، بحيث لم يصل إلى سرادقات ساحته أحد من الخلائق، ولقد أعطي علوم الأولين والآخرين، لا يساويه في ذلك أحد، لا بشر ولا ملك مقرب فضلاً عن أن يكون أفضل منه
…
".
وقال الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره لقوله تعالى: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143] الآية، ما معناه:
"
…
وكما جاء في الأحاديث أن الكفار من الأمم السابقة حينما يكذبون رسلهم ويقولون بأنه ما جاءنا في الدنيا رسول يهدينا إلى الصراط المستقيم، فحينئذ تقوم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتشهد على صدق الأنبياء، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم شهيداً على صدق أمته وعدالتهم، الذي هو مطلع على أحوال أمته جميعاً
…
".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 165 - 167
ثالثا: اعتقاد أنه حي حياة دنيوية في قبره
عامة الديوبندية يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة دنيوية بجسده العنصري لا حياة برزخية وأنه صلى الله عليه وسلم يصلي في قبره بأذان وإقامة وأن خروجه صلى الله عليه وسلم من الدنيا انعزال كانعزال المعتكف أربعين يوما مثلا ولذلك لا يجوز لأحد نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم
المصدر:
الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 305
يعتقد علماء ديوبند في هذه المسألة ما يخالف معتقد أهل السنة، حيث يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة دنيوية، ويذكرون في هذا الصدد بعض القصص التي حصلت لأكابرهم عن طريق الكشف والكرامة.
قال القاضي مظهر حسين الديوبندي:
"إن الأنبياء عليهم السلام أحياء في قبورهم، يسمعون تسليم الزوّار، ولا يحول التراب والجدران دون السماع، وقد أجمعت الأمة على هذه العقيدة".
وقال الشيخ خليل أحمد السهارنفوري وهو يجيب على سؤال في موضوع حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره، وفيما يلي نصه:
"عندنا وعند مشائخنا حضرة الرسالة صلى الله عليه وسلم حي في قبره الشريف وحياته صلى الله عليه وسلم دنيوية من غير تكليف وهي مختصة به صلى الله عليه وسلم وبجميع الأنبياء صلوات الله عليهم والشهداء، لا برزخية، كما هي حاصلة لسائر المؤمنين بل لجميع الناس، كما نص عليه العلامة السيوطي في رسالته أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء حيث قال قال الشيخ تقي الدين السبكي حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا ويشهد له صلاة موسى عليه السلام في قبره، فإن الصلاة تستدعي جسداً حيًّا إلى آخر ما قال، فثبت بهذا أن حياته دنيوية برزخية لكونها في عالم البرزخ، ولشيخنا شمس الإسلام والدين محمد قاسم العلوم على المستفيدين قدس الله سره العزيز في هذا المبحث رسالة مستقلة دقيقة المأخذ بديعة المسلك لم ير مثلها، قد طبعت وشاعت في الناس واسمها "آب حيات" أي ماء الحياة".
وقال أيضاً:
"الرسول صلى الله عليه وسلم حي في قبره، يسمع تسليم من يسلم عليه من داخل المسجد، مهما خفض به صوته".
وقال الشيخ أشرف على التانوي:
"أما كون الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع سلام المسلِّم من قريب، وإبلاغ الملائكة إياه من بعيد، بصفة دائمة مستمرة، فهو أمر ثابت".
وقال الشيخ أنور شاه الكشميري:"الأنبياء أحياء، وإن كثيراً من الأعمال قد ثبتت في القبور، كالأذان عند الدارمي، وقراءة القرآن عند الترمذي (1) ".
وقال أيضاً:"والأحاديث في سماع الأموات قد بلغت مبلغ التواتر وفي حديث صححه أبو عمر أن أحداً إذا سلم على الميت فإنه يرد عليه ويعرفه إن كان يعرفه في الدنيا (2)، .. (إلى أن قال) ولذا قلت بالسماع في الجملة، بقي القرآن فأمره صعب، قال تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] وقال: وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ [فاطر:22] وهو بظاهره يدل على النفي مطلقاً، فقيل بالفرق بين السماع والإسماع، والمنفي هو الثاني دون الأول، والمطلوب هو الأول دون الثاني".
وفي موضوع آخر فقد صرح الشيخ أنور شاه الكشميري والشيخ شبير أحمد العثماني بأن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في قبره بأذان وإقامة".
كما احتج الشيخ محمد قاسم النانوتوي والشيخ رشيد أحمد الكنكوهي والشيخ أشرف علي التانوي لإثبات هذه العقيدة الباطلة بأن تركة النبي صلى الله عليه وسلم لا تورث، وأن أزواجه لا يحللن لأحد بعده، فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة عنصرية، لكنه انعزل عن الناس كما ينعزل المعتكف أربعين يوماً مثلاً
…
".
هذا، وقد ذكر الشيخ أحمد حسين الديوبندي قصة 3 لشيخ حسين أحمد المدني فقال:
"جلس الشيخ المدني يدرس في المسجد النبوي عند باب الرحمة، مستقبلاً بوجهه إلى الشبابيك، وكان في الطلاب من يشك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فرفع هذا الطالب بصره نحو الحجرة الشريفة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ولا قبة هناك ولا شبابيك، فأراد الطالب أن يلفّت أنظار زملائه إليه فمنعه الشيخ من ذلك، ثم رفع الطالب بصره مرة أخرى نحو الحجرة فإذا كل شيء قد رجع إلى حاله".
كما ذكر الشيخ محمد زكريا - شيخ جماعة التبليغ - القصة التالية:
"إن الشيخ أحمد الرفاعي لما جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قام مقابل القبر الأطهر وأنشد هذين البيتين:
وفي حالة البعد روحي كنت أرسلها
…
تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت
…
فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من قبره فقبّلها الرفاعي، وقد شاهد هذه القصة جمعاً يقارب (90000) شخص، ومنهم المحبوب السبحاني القطب الرباني الشيخ عبدالقادر الجيلاني، وكلهم شرفوا بزيارة يده صلى الله عليه وسلم".
(1) الترمذي (2890) من حديث ابن عباس ولفظه: قال: ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الملك حتى ختمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (6/ 36): صحيح. وقال الألباني في ((ضعيف الترمذي)): ضعيف، وإنما صح منه قوله هي المانعة
(2)
رواه ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (1/ 185) عن ابن عباس مرفوعا (ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام قال الأشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (345): إسناده صحيح. وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (3/ 305): صحيح. ورواه البيهقي في ((الشعب)) (8857) من حديث أبي هريرة وقد ضعفه الألباني بالطريقين في الضعيفة (4493) وقال ابن رجب في ((أهوال القبور)) (فصل: معرفة الموتى بمن يزورهم ويسلم عليهم) غريب بل منكر
ولم يقف علماء ديوبند عند هذا الحد، بل ذهبوا إلى أن الشهداء أيضاً أحياء حياة دنيوية في قبورهم، فقد حكى الشيخ أشرف على التانوي قصة ما ملخصها:
"إ‘ن رجلاً من أصحاب القبر زار قبر الحافظ، فلما انتهى من قراءة الفاتحة عليه، قال: إن في صاحب القبر مداعبة، فإني لما بدأت في قراءة الفاتحة عليه قال لي: لماذا جئت تقرأ الفاتحة على الأحياء، اذهب وأقرأها على ميت من الأموات، فسأل الناس عن صاحب هذا القبر فأخبروه أنه مات شهيداً في سبيل الله".
هذه نبذة مما يحكيه مشايخ الديوبندية وعلماؤها، ويعتقد به عامتهم اعتقاداً لا يترك لهم مجالاًُ حتى يسألوا مشايخهم كيف علم المقبور بمجيء أحد إلى قبره للزيارة وقراءة الفاتحة عليه، والقرآن يقول: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل:21].
ملحوظة مهمة:
ولا يخفى على القارئ أن مسألة حياة النبي صلى الله عليه وسلم من أهم المسائل التي اختلف عليها علماء أهل الحديث وعلماء الطائفة الديوبندية في شبه القارة الهندية قديماً وحديثاً، وهي التي أشار إليها الشيخ حسين أحمد المدني الملقب بشيخ الإسلام لدى طائفته، بقوله:
"يعتقد النجدي وأتباعه أن حياة الأنبياء عليهم السلام كانت فقط إلى العصر الذي عاشوه في الدنيا، وأما بعد مماتهم فهم وعامة المؤمنين سواء في الموت، وأنه ليس لهم حياة بعد الموت إلا الحياة البرزخية التي ثبتت لجميع أفراد الأمة، ويرى البعض منهم سلامة جسد النبي دون بقاء علاقته بالروح، كما نسمع منهم كلمات شنيعة في حياة النبي عليه السلام لا يجوز أن ننقل هذه الكلمات بلساننا، وكتبوا ذلك في كتبهم ورسائلهم، وأما أكابرنا فإن رسائلهم ومعتقداتهم تخالف كل ذلك، فقد ألف حضرة الشيخ النانوتوي كتاباً ضخماً في هذا الموضوع، والكتاب معروف لدى جميع الناس، أثبت فيه حياة النبي وذكر أدلة قوية لمذهب أهل الكنكوهي، قدس الله سره، أيضاً أيد ذلك وصرح به في كتابه (هداية الشيعة) و (رسالة الحج) وغيرها ومن أراد الإطلاع على هذه المسألة فليراجع (آب حيات) و (هدية الشيعة) و (أجوبة أربعين) و (اللطائف القاسمية) و (زبدة المناسك) وغيرها من الرسائل، وهذه مسألة خاصة خالفت الوهابية فيها علماء الحرمين، مما أدى الأمر عدة مرات إلى الجدل والنزاع".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 199 - 205
رابعا: اعتقاد أن زيارة قبره من أعظم القربات
علماء ديوبند يرون زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات وقريبة من الواجب.
يقول الشيخ خليل أحمد السهارنفوري في كتابه إجابةً على أسئلة وجهت إليه، وإليك نص السؤال والجواب:" (1) ما قولكم في شد الرحال إلى زيارة سيد الكائنات عليه أفضل الصلوات والتحيات وعلى آله وصحبه (2) أي الأمرين أحب إليكم وأفضل لدى أكابركم للزائر هو ينوي وقت الارتحال للزيارة زيارته عليه السلام أو ينوي المسجد أيضاً وقد قال الوهابية إن المسافر إلى المدينة لا ينوي إلا المسجد النبوي؟ ".
وأجاب عليه الشيخ السهارنفوري بما يلي:"عندنا وعند مشايخنا زيارة قبر سيد المرسلين (روحي فداه) من أعظم القربات وأهم المثوبات، وأنجح لنيل الدرجات بل قريبة من الواجبات، وإن كان حصوله بشد الرحال وبذل المهج والأموال، وينوي وقت الارتحال زيارته عليه ألف الف تحية وسلام وينوي معها زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم وغيره من البقاع والمشاهد الشريفة بل الأولى ما قاله العلامة الهمام ابن الهمام أن يجرد النية لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام ثم يحصل له إذا قدم زيارة المسجد لأن في ذلك زيادة تعظيمه وإجلاله صلى الله عليه وسلم ويوافقه قوله صلى الله عليه وسلم: ((من جاءني زائراً لا تحمله حاجة إلا زيارتي كان حقاً عليَّ أن أكون شفيعاً له يوم القيامة)) (1) وكذا نقل عن العارف السامي الملا جامي أنه أفرد الزيارة عن الحج وهو أقرب لمذهب المحبين، وأما ما قالت الوهابية من أن المسافر إلى المدينة المنورة على ساكنها ألف ألف تحية لا ينوي إلا المسجد الشريف استدلالاً بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) (2) فمردود لأن الحديث لا يدل على المنع أصلاً بل لو تأمله ذو فهم ثاقب لعلم أنه بدلالة النص يدل على الجواز، فإن العلة التي استثنى بها المساجد الثلاثة من عموم المساجد والبقاع هو فضلها المختص بها، وهو مع الزيادة موجود في البقعة الشريفة، فإن البقعة الشريفة والرحبة المنيفة التي تضم أعضائه صلى الله عليه وسلم أفضل مطلقاً حتى من الكعبة ومن العرش والكرسي، كما صرح به فقهاؤنا رضي الله عنهم، لما استثنى المساجد لذلك الفضل الخاص فأولى ثم أولى أن يستثنى البقعة المباركة لذلك الفضل العام، وقد صرح بالمسألة كما ذكرناه بل بالبسط منها شيخنا العلامة شمس العاملين مولانا رشيد أحمد الكنكوهي قدس الله سره العزيز في رسالته "زبدة المناسك" في فضل زيارة المدينة المنورة وقد طبعت مراراً وأيضاً في هذا المبحث الشريف رسالة لشيخ مشائخنا مولانا المفتي صدر الدين الدهلوي قدس الله سره العزيز، أقام الطامة الكبرى على الوهابية ومن وافقهم وأتى ببراهين قاطعة وحجج ساطعة سماها (أحسن المقال في شرح حديث لا تشد الرحال)، طبعت واشتهرت، فليرجع إليها والله تعالى أعلم".
(1) رواه الطبراني (13149) وفي ((الأوسط)) (4546) قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/ 5): فيه مسلمة بن سالم وهو ضعيف. وقال ابن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (93): ضعيف الإسناد، منكر المتن. وقال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (5732): ضعيف جدا.
(2)
(([14598] رواه البخاري (1189) ومسلم (1397) من حديث أبي هريرة.
ويقول الشيخ أنور شاه الكشميري في شرحه لصحيح البخاري حول حديث ((لا تشد الرحال)) ما نصه."قوله: ((لا تشد الرحال .. )) الخ وقد افتتن الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى لأجل هذا الحديث في الشام مرتين فحبس مرة مع تلميذه ابن القيم رحمه الله تعالى وأخرى وحده حتى توفي فيه، وكان من مذهبه أن السفر إلى المدينة لا يجوز بنية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم لأجل هذا الحديث، نعم يستحب له بنية زيارة المسجد النبوي وهي من أعظم القربات، ثم إذا بلغ المدينة يستحب له زيارة قبره صلى الله عليه وسلم أيضاً لأنه يصير حينئذ من حوالي البلدة وزيارة قبورها مستحبة عنده، وناظره في تلك المسألة سراج الدين الهندي الحنفي وكان حسن التقرير فلما شرع في المناظرة جعل الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى يقطع كلام الهندي فقال له: ما أنت يا ابن تيمية إلا كالعصفور إلخ، وقال الشيخ ابن الهمام رحمه الله تعالى: إن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم مستحبة وقريب من الواجب، ولعله قال قريباً من الواجب نظراً إلى هذا النوع، وهو الحق عندي فإن آلاف الألوف من السلف كانوا يشدون رحالهم لزيارة النبي ويزعمونها من أعظم القربات، وتجريد نياتهم أنها كانت للمسجد دون الروضة المباركة باطل، بل كانوا ينوون زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً، وأحسن الأجوبة عندي أن الحديث لم يرد مسألة القبور، لما في المسند لأحمد رحمه الله تعالى ((لا تشد الرحال إلى مسجد ليصلى فيه إلا إلى ثلاثة مساجد)) (1)، فدل على أن نهي شد الرحال يقتصر على المساجد فقط ولا تعلق له بمسألة زيارة القبور، فجره إلى المقابر مع كونه في المساجد ليس بسديد، قال الشافعي (كذا) رحمه الله تعالى: بلغني أن الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى كان ينهى عن شد الرحال لها أما لو ذهب بدون الشد جاز، قلت: مذهبه النهي عن السفر مطلقا سواء كان بشد الرحال أو بدونه".
(1) لم أجده بهذا اللفظ وإنما رواه أحمد (6/ 397)(27273) بسنده عن أبي بصرة الغفاري قال: لقيت أبا هريرة وهو يسير إلى مسجد الطور ليصلي فيه قال فقلت له لو أدركتك قبل أن ترتحل ما ارتحلت قال فقال ولم قال فقلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي قال الألباني في ((الإرواء)) (4/ 142): إسناده حسن. وقال الأرنؤوط: صحيح.
ويقول الشيخ حسين أحمد المدني في كتابه وهو يقارن بين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه وبين علماء ديوبند في المعتقدات:"وتعتقد هذه الطائفة - أي الوهابية - بأن زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم والحضور عند ضريحه الشريف ومشاهدة روضته المطهرة بدعة محرمة، وأن السفر إليها بهذه النية محظور، ويستدلون على ذلك بـ (حديث)((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) (1)، وحتى يعتقد بعضهم- والعياذ بالله- أن سفر الزيارة بمنزلة الزنا. وإذا جاء هؤلاء إلى المسجد النبوي فلا يصلون ولا يسلمون على صاحب النبوة عليه الصلاة والسلام، ولا يدعون متوجهين إليه، وأما أكابرنا (أي أكابر ديوبند) فيخالفون هذه الطائفة الباغية في هذه المسألة من كل ناحية، ودائماً يسافرون لزيارته صلى الله عليه وسلم، خائفين من (حديث) ((من حج، ولم يزرني
…
)) (2) وعاملين بـ (حديث) ((من رآني
…
)).
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 213 - 218
يعاكسون سلف هذه الأمة وأئمة السنة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: الزائر ينوي زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ويجرد النية لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم وتكون زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم تبعا؛ لأن في ذلك زيادة تعظيم وإجلال له صلى الله عليه وسلم وأما ما قالته الوهابية من أن الزائر ينوي زيارة المسجد وتكون زيارة القبور تبعا فمردود والمختار أن يستقبل الزائر قبره صلى الله عليه وسلم في الدعاء
المصدر:
الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 305
خامسا: التوسل به وبالأنبياء والصالحين
التوسل بالصالحين أحياء وأمواتاً، بل التوسل بأمثال ابن عربي الاتحادي الملحد الوجودي (638هـ) والشعراني الوثني (973هـ) من أعظم عقائد الديوبندية.
وقد جعلوا مسلك التوسل بالأحياء والأموات من المسائل التي امتازت الديوبندية بها عن الوهابية.
المصدر:
جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 803
علماء ديوبند يرون جواز التوسل في الدعوات بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، وحتى بالأنبياء والصالحين بعد مماتهم.
فيقول الشيخ خليل أحمد السهارنفوري في كتابه إجابة على بعض الأسئلة، وفيما يلي نص الأسئلة والأجوبة:
"هل للرجل أن يتوسل في دعواته بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد الوفاة أم لا؟ ".
"أيجوز التوسل عندكم بالسلف الصالحين من الأنبياء والصديقين والشهداء وأولياء رب العالمين أم لا".
وأجاب عليه الشيخ السهارنفوري بقوله:
"عندنا وعند مشائخنا يجوز التوسل في الدعوات بالأنبياء والصالحين من الأولياء والشهداء والصديقين في حياتهم وبعد وفاتهم بأن يقول في دعائه اللهم إني أتوسل إليك بفلان أن تجيب دعوتي وتقضى حاجتي إلى غير ذلك، كما صرح به شيخنا ومولانا الشاه محمد إسحاق الدهلوي ثم المهاجر المكي، ثم بينه في فتاواه شيخنا ومولانا رشيد أحمد الكنكوهي رحمة الله عليهما، وفي هذا الزمان شائعة مستفيضة بأيدي الناس، وهذا المسألة مذكورة على صفحة 93 من المجلد الأول منها فليرجع إليها من شاء".
وقال محمد زاهد الكوثري، وهو يحرف ما ورد من نصوص التوسل والوسيلة في الكتاب والسنة إلى ما يلي:
(1)(([14600] رواه البخاري (1189) ومسلم (1397) من حديث أبي هريرة.
(2)
أخرجه ابن حبان في المجروحين (3/ 73) وابن عدي (7/ 14). قال الدارقطني في ((تعليقات على المجروحين)) (272) غير محفوظ عن النعمان بن شبل إلا من رواية ابن ابنه عنه، والطعن فيه عليه. وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (27/ 29): كذب. وقال الذهبي في ((ترتيب الموضوعات)) (185): وضع على مالك.
"إن التوسل لغة وشرعاً هو التوسل بذات الولي وشخصه في حضوره وغيبته وبعد موته، وبذلك جرت الأمة طبقة فطبقة، رغم كل مفترّ أفّاك".
ويوضح معتقد هذه الطائفة في هذه المسألة أيضاً ما قاله الشيخ أنور شاه الكشميري في شرحه لأثر "وإنا نتوسل إليك بعم نبينا" ونصه:"قوله: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا فيسقون)(1). قلت: وهذا توسل فعلي، لأنه كان يقول له بعد ذلك: قم يا عباس فاستسق، فكان يستسقي لهم، فلم يثبت منه التوسل القولي، أي الاستسقاء بأسماء الصالحين فقط، بدون شركتهم. أقول: وعند الترمذي ((أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أعرابياً هذه الكلمات، وكان أعمى، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة
…
، إلى قوله: اللهم فشفعه في)) (2)، فثبت منه التوسل القولي أيضاً، وحينئذ إنكار الحافظ ابن تيمية تطاول.
وهذه المسألة هي التي أشار إليها الشيخ حسين أحمد المدني في كتاب (الشهاب الثاقب) بقوله:
"إن أكابرنا يتوسلون دائماً بالأنبياء الكرام والأولياء العظام، ويأمرون أتباعهم بذلك، والذي يحرّمه الوهابية كالشرك، وقد كتب الشيخ النانوتوي - رحمة الله عليه- قصيدة طويلة في توسل مشايخ السلسلة الجشتية الصابرية، وهي مطبوعة ضمن كتاب (إمداد السلوك) وغيره من الرسائل الأخرى".
ثم ذكر الشيخ المدني أبياتاً من هذه القصيدة، وقال:
"هل الوهابية يرون استعمال هذه الكلمات؟ ويتبين للذي يتمعن في هذه القصيدة أن هؤلاء الأكابر يخالفون ويعارضون عقائد الوهابية أشد المعارضة، فالوهابية لا يجوز عندهم التوسل بالأنبياء فضلاً عن الأولياء، ومن ثم فإن استعمال كلمة "بحق فلان" أكره عندهم من ذلك، بل لا يجوز عندهم مثل هذا المدح والثناء".
وقال أيضاً:
"وقد طبعت الوهابية عدة رسائل في هذا الموضوع، صرحوا فيها بمنع التوسل بالرسول عليه السلام وبالأولياء الكرام، ومن أراد أن يتأكد من ذلك فله أن يتأكد".
كما سئل الشيخ السهارنفوري:
"هل للداعي في المسجد النبوي أن يجعل وجهه إلى القبر المنيف ويسأل من المولى الجليل متوسلاً بنبيه الفخيم النبيل"؟.
فأجاب عليه بقوله:
"المختار أن يستقبل وقت الزيارة مما يلي وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، وهو المأخوذ به عندنا وعليه عملنا وعمل مشائخنا، وهكذا الحكم في الدعاء، كما روى عن مالك رحمه الله تعالى لما سأله بعض الخلفاء، وقد صرح به مولانا الكنكوهي في رسالته زبدة المناسك، وأما مسائلة التوسل فقد مرت في نمرة نمبر 3، 4".
ويقول الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره لقوله تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:14] الآية، ما معناه:
"أي إن الله تعالى نجّى هذه الأمة من عذاب الدنيا بطفيل الرسول عليه الصلاة والسلام، وإلا لكان هذا الأمر يستحق العذاب".
ويقول في تفسيره لقوله تعالى: قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا [الإسراء:100] الآية، ما يلي:
"
…
إن الخزائن الحاصلة بطفيل محمد صلى الله عليه وسلم لأتباعه لتحصل لهم وليجود بها الرسول وأتباعه على البشر، ولا يبخلون بها".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 223 - 228
(1) رواه البخاري (1010) من حديث عمر.
(2)
رواه الترمذي (3578) وابن ماجه (1385) من حديث عثمان بن حنيف، قال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي. وقال ابن تيمية في ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (1/ 18) صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح الترمذي)).
الفرع الثاني: المغالاة في أئمتهم والصالحين
أولا: اعتقاد تصرفهم في الكون
1 -
اعتقاد طي الزمان والمكان لأئمتهم
طائفة الديوبندية ترى وتعتقد في مشايخهم أنهم كانوا يطوون مسافات بعيدة خلال لحظات، وكانوا يزورون المسجد الحرام كل يوم، حال كونهم مقيمين بالهند، أو بأي مكان آخر بعيد من مكة المكرمة.
حكى مؤلف "تذكرة الرشيد" عن الشيخ محمود حسن النكينوي قال:
"أخبرتني حماتي (أي أمّ زوجتي) وقد أقامت بمكة اثنا عشر عاماً مع أبيها، وكانت تقية عابدة صالحة، وكانت تحفظ مئات الأحاديث عن ظهر القلب، فقالت: إن الشيخ الكنكوهي تلاميذه كثرٌ، ولكنه للأسف أنهم لم يعرفوه على كثرتهم، ففي الأيام التي أقمت بمكة كنت أرى الشيخ الكنكوهي يصلي الفجر كل يوم في الحرم الشريف، وأيضاً سمعت الناس يقولون: هذا الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، يأتي كل يوم من قرية "كنكوه" (في الهند) ".
وهناك قصة أخرى رواها الشيخ أشرف على التانوي عن الشيخ محمد إسماعيل عن الشيخ أحمد حسين قال:
"وصلت إلى بيت الله، فلقيت رجلاً حكى لي عن نفسه فقال: ذهبت إلى المدينة وأقمت بها أياماً، فرأيت محمداً صلى الله عليه وسلم في الطواف، وأمرني أن أبايع على أيدي الأسرة الصابرية، فرجعت إلى مكة المكرمة وبايعت أحد المشايخ، امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكنتُ أحضر إلى حضرة الحاج رضي الله عنه، فقلت له يوماً، سمعت من بعض المشايخ أن هناك طريقاً لو سلكه أحد بعد صلاة الظهر يصلي العصر بالمدينة الطيبة، ثم يعود ويصلي المغرب بمكة، فقال الشيخ إمداد الله: أما أنا فلا أعرف هذا الطريق، فقلت له: إن كنت لا تعرف ذلك فما حاجة البقاء في مكة؟، ثم رجعت، وبعد أيام قال لي حضرة الحاج رضي الله عنه: هيا بنا نخرج للتنزه، وأخذ بيدي في يده المباركة، وصعد بي فوق جبل ونزلنا منه فإذا نحن بالمدينة، فصلينا هناك، ثم رجعنا وصلينا الصلاة الثالثة في مكة المكرمة".
وسوف تتضح هذه المسألة أكثر بعد الإطلاع على ما قاله الشيخ أنور شاه الكشميري في شرحه لصحيح البخاري وهو يفسر قوله تعالى: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [الإسراء:55] وإليك النص بكامله، فلعلك تجد فيه بعض العجائب الأخرى:
"باب "قوله: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [الإسراء:55]"- قوله: (فكان يقرأ قبل أن يفرغ) أي معجزة، وفي رواية: أنه كان يفرغ من قراءته فيما بين أن يضع قدميه في الركابين، وذكر السيوطي عن بعض الأولياء أنه كان يختم القرآن تسع مرات في يوم وليلة، وكان الشيخ السهروردي يفعله ستين مرة في يوم، ويحكى عن ثقة أن الشاه إسماعيل ختمه بعد العصر إلى الغروب مع ترتيل، وهو بين أيدي الناس، وعند الترمذي: ص183 في"كتاب الدعوات" أن عمر بن هانئ كان يصلي ألف سجدة كل يوم، ويسبح مائة ألف تسبيحة، وصنف ابن كثير رسالة في متعلقات القرآن، ووضع فيها فصلاً جمع فيه أسماء الذين ختموا القرآن في يوم وليلة، أو دونه، فالحكاية في مثله قد تواترت، بحيث لا يسوغ منها الإنكار، ولكن من يحرم عن الخير يجعل رزقه أنه يكذب بالكرامات، والبركات، ويزعمه مستحيلاً، ثم هذه المسألة تسمى عند الصوفية بطي الزمان، أما طي المكان، فهو مسلَّم بلا نكير، ففي "الفتوحات" أن الجوهري أجنب مرة، فذهب إلى نهر ليغتسل، فنعس فيه، فإذا هو يرى في المنام أنه دخل بغداد، وتزوج فيها امرأة، وولدت منه أولاداً، فإذا هب من نومه، رجع إلى بيته، ولم يمض بعد ذلك مدة، إذ جاءته امرأة من بغداد، تدعي إنه نكحها، وهؤلاء صبيان منه، ومر عليه العارف الجامي في "النفخات"، وأغمض عنه، وأنكره الشيخ المجدد، قلت: لا استحالة فيه، فهو من باب طيّ الزمان عندي".
والعجب أن الشيخ الكشميري يحمل سفره صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج على ما عرف عند الصوفية بـ"طي الزمان" كما ذكر ذلك تلميذه فقال معلقاً على كلمة "طي الزمان" ما نصه:
"وعليه حمل الشيخ سفره صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج.
فيقول في قصيدته في الإسراء:
أبدى له طي الزمان فعاقه رويدا عن الأحوال حتاه ما أجرى
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 102 - 105
2 -
اعتقاد تصرف أئمتهم في الكون بالإحياء والإماته وغيرهما
عقيدة الديوبندية في تصرف الأموات وتجسد الأرواح وتدمير الأعداء ونصر الأولياء:
قال القاضي ثناء الله الباني بتي أحد كبار أعاظم أئمة الديوبندية الملقب عندهم ببيهقي الوقت (1225هـ) في تفسير قوله تعالى: بَلْ أَحْيَاء [البقرة:154]: (يعني أن الله يعطي لأرواحهم قوة الأجساد، فيذهبون من الأرض والسماء والجنة حيث يشاؤون؛ وينصرون أولياءهم ويدمرون أعداءهم).
قلت: تدبر أيها المسلم إلى هذه الوثنية السافرة.
ولقد استدل بكلام هذا القاضي ونقله الداجوي الديوبندي، وغيره.
واحتج البريلوية على عقيدة الديوبندية بكلام إمامهم هذا إتماماً للحجة عليهم.
هكذا عقيدة تصرف الأرواح وإتيانها إلى أبواب بيوتهم، وتصرفها في الإنسان الحي وغيره، من أوضح عقائد الديوبندية.
تنبيه: لقد شن الفنجفيرية الغارة على هذا الداجوي لأجل هذه الخرافات.
والفنجفيرية في ذلك على حق .. ولكن هذا الداجوي إنما تبع أئمته الديوبندية، فما بال الفنجفيرية يعظمون الباني بتي ويحكمون على الداجوي بأنه مشرك
المصدر:
جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 783، 784
أسطورة الكلب والولي صاحب الكرامة: قال الشيخ حكيم أمة الديوبندية عن شيخ الديوبندية إمداد الله (1317هـ) أنه قال: (كان الحضرة الجنيد البغدادي جالساً فمر كلب أمامه فوقع نظره عليه فصار الكلب صاحب الكمال إلى حد تبعته كلاب تلك المدينة، ثم جلس ذلك الكلب في مكان وجلست تلك الكلاب حوله كالحلقة وانشغلت كلها في المراقبة).
قلت هذه حالة الكلب في الكمال والولاية والكرامة لأجل نظرة وقعت عليه من نظرات الجنيد، فما ظنك بإنسان وقعت عليه نظرة من نظراته؟
المصدر:
جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 797
قول الديوبندية في قدرة الأولياء أحياء وأمواتاً ومددهم لزوارهم:
قال الشيخ نصير الدين الغورغشتوي إمام الديوبندية في مناطق بشاور وأفغانستان (1388هـ): (إن للأولياء مدداً ظاهراً بالغًا لزوارهم بحسب أدبهم).
قالوا إن للأولياء قدرة من الله تعالى إلى حد يستطيعون أن يقدروا على السهم المتدفق المرسل من القوس، فيردوه إلى القوس قبل أن يصل إلى الهدف، ويستطيعون أن يجعلوا قل (أي كن) بدل لا (لا تقل)(أي لا تكن) وأن هذا من الكرامات الحسية.
قالوا إن شخصاً صاحب الكشف أراد زيارة قبر الحافظ محمد ضامن رحمة الله عليه ليقرأ عليه سورة الفاتحة فلما ذهب إلى قبره وقرأ عليه سورة الفاتحة قال لرفقته: إن هذا الولي مزَّاح عجيب إلى الغاية لأنني حينما كنت أقرأ عليه سورة الفاتحة قال لي: اذهب إلى ميت فاقرأ عليه الفاتحة ماذا تصنع ههنا؟ جئت لتقرأ الفاتحة على الأحياء!
يعني: أن هذا الولي يقول: أنا حي لا حاجة لي أن تقرأ علي الفاتحة، اذهب إلى ميت فاقرأ عليه؟!
قلت: انظر أيها المسلم إلى قدرة هذا الولي المقبور الحي في قبره؛ حيث إنه سمع سورة الفاتحة وعلم بالزائر ثم كلمه ذلك الكلام الذي فيه سخرية ومزاح، وإخباره بأنه حي لا يحتاج إلى الفاتحة، وأن الفاتحة لا تقرأ إلا علي ميت؟!
ثم انظر إلى صاحب هذا الكشف الزائر وقدرته على سماع كلام المقبور مع أنه لم يرد السفر إلى زيارة القبور؛ كما أنه لم يرد قراءة الفاتحة عليها.
ولكن كل ذلك من شؤم التصوف القبوري الذي يزعمون أنه نقي وتقي ولب خالص عن القشور.
المصدر:
جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 797 - 799
فيما يلي بعض القصص لأكابر ومشايخ ديوبند، والتي تدل - زعماً منهم- على أنهم كانوا يملكون الموت والحياة عن طريق الكرامة أو باستخدام قوة التصوف التي يملكونها.
ذكر الخواجة عزيز الحسن المجذوب في كتابه:
"إن الشيخ أحمد حسين- أحد تلاميذ الشيخ التانوي- دعا على رجل، فمات ذلك المدعو عليه من فوره، فلم يفرح أحمد حسين بهذه الكرامة، بل فزع للأمر، وكتب إلى شيخه التانوي يسأله هل عليَّ من إثم في ذلك؟ فأجابه الشيخ التانوي بقوله: إن كنت تملك قوة التصوف، واستخدمت هذه القوة في الدعاء على الشخص المذكور، كنت آثماً".
وهناك قصة أخرى قريبة من القصة المذكورة حصلت من الشيخ محمد قاسم النانوتوي. وقد ذكرها الشيخ مناظر أحسن الكيلاني في كتابه حيث قال:
"عُقد للشيخ محمد قاسم مجلس للوعظ في مدينة لكناؤ، فتآمر الروافض لإفشال هذا المجلس، ودعوا أربعة من مجتهديهم، ورتبوا لكل واحد منهم عشرة أسئلة، يوردونها على الشيخ واحداً تلو الآخر، وأجلسوهم في الزوايا الأربعة في المجلس، كل واحد في زاوية، فأجاب الشيخ محمد قاسم النانوتوي على جميع أسئلتهم مرتبة قبل أن يعرضوها عليه، فبهت الروافض وندموا على خيبة مؤامرتهم، ثم دبروا مكيدة أخرى للاستهزاء بالشيخ والضحك عليه، -يقول راوي القصة- فجاءت الروافض يطلبون من الشيخ أن يصلي على شاب منهم مات، فاعتذر الشيخ وقال: نحن من أهل السنة، وأنتم الشيعة، والخلاف قائم بيننا في الأصول والفروع، فكيف تجوّزن الاقتداء بمثلي؟ قالوا: نحن نحترمك ونرجو من حضرتك أن تصلي عليه، وكانوا قد دبروا مكيدة، والجنازة كانت مزورة، وكانوا قد قرروا فيما بينهم أن الشاب المتماوت سوف يقوم بعد التكبيرة الثانية، حتى يضحكوا على الشيخ، فذهب الشيخ إلى المصلى، وقام يُرى عليه آثار الغضب، فتقدم وكبّر ثم كبّر، ولما لم يتحرك الشاب بعد التكبيرة الثانية، كما قرروا فيما بينهم، قلقوا عليه، ونادوه ولكنه لم يكن ليقوم، فأتم الشيخ أربع تكبيرات وسلّم، ثم قال: إنه لن يقوم إلا يوم القيامة، فكشفوا عنه، فإذا هو قد مات، فجعلت الروافض يبكون ويدعون بالويلات ويضربون صدورهم ندماً وحسرة".
وقال الشيخ أنور شاه الكشميري وهو يبين معتقده في إحياء الميت من الولي هل يمكن ذلك أم لا؟ ونصه:
"وهل يمكن إحياء الميت من الولي أو لا؟ فكنت متردداً في ذلك حتى رأيت حكاية نقلها الشيخ عبدالغني النابلسي عن العارف الجامي رحمه الله تعالى أن رجلاً من الأغنياء اتخذ له طعاماً وطبخ دجاجة ميتة اختياراً له، ثم دعاه فجاء العارف الجامي وقال قم بإذن الله، فكان كما قال، إلا أني لا أعرف سنه، وهكذا نقل الشنطوفي ووثقه المحدثون عن الشيخ عبدالقادر حبلى رحمه الله أنه كان يذكر الناس إذ جاءت حدياً تصيح حتى شوشت على الشيخ كلامه فدعا عليها وقال: مالك قطع الله عنقك، فسقطت على الأرض ميتة من ساعتها، ثم إذا فرغ الشيخ عن الوعظ قام ورآها ميتة في فناء المسجد فسأل عنها فأخبر بها فقال بها قم بإذن الله فطارت، وهكذا جاء رجل في "بجنور فقطع عنق طائر حتى فصلها بين أعين الناس ثم ضمها فكانت كما كانت قبله".
ويقول الشيخ بدر عالم الميرتي - تلميذ الشيخ الكشميري- في تعليقه على "فيض الباري" بصدد القصة التي نقلها الكشميري عن الشنطوفي عن الشيخ عبدالقادر، وفيما يلي نصه:
"وسمعت من حضرة صاحب هذه الأمالي رحمه الله حكاية لطيفة أخرى أيضاً في هذا الصدد، وهي أن صبياً كان يشتغل بالاستفادة والتعلم عند بعض العرفاء، فزارته يوما أمه وبيده خبز شعير يأكله، ودخلت على الشيخ فرأت عنده دجاجة مشوية، فشكت إليه وقالت: تطعم ابني خبز الشعير وأنت تأكل هذه، فأشار الشيخ إلى الدجاج وقال قم بإذن الله، فقام حياً فتحيرت، فقال الشيخ، إذا وصل ابنك إلى هذه المنزلة فيأكل الدجاج، وأنا أيضاً كنت قبل ذلك أكل خبز الشعير كما هو يأكله الآن" ......
ويذكر مؤلف (البصائر) في كتابه:
"وقد تواتر عن كثير من الأولياء أنهم ينصرون أولياءهم ويدمرون أعداءهم".
ومما يتعلق بمعتقدات الديوبندية في موضوع التصوف هو ما قاله الشيخ شبير أحمد العثماني في "بلعم بن باعوراء" وذلك تفسيراً لقوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا [الأعراف:175]
حيث قال:
"ذهب معظم المفسرين إلى أن هذه الآيات نزلت في بلعم بن باعوراء الذي كان رجلاً عالماً درويشاً صاحب التصرف، ثم انسلخ من آيات الله
…
إلخ".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص107 - 112
3 -
اعتقاد قدرتهم على شفاء المرضى والمصابين
يقول الشيخ محمد قاسم النانوتوي - مؤسس جامعة ديوبند-:
"إن خواجة أحمد جامح كان مشهوراً مستجاب الدعوات، فجاءته امرأة بابن لها أعمى فقالت: امسح بوجهه وردَّ عليه بصره. قالت ذلك ثلاث مرات أو أربعاً.
وكان هذا الولي يقول لها: "أنا لست أهلاً لذلك". فلما ألحت المرأة وأصرّت على طلبها - قام هذا الولي من مجلسه قائلاً: إن هذا الفعل يليق بعيسى عليه السلام، ولست أهلاً لذلك.
فجاءه إلهام من الله وقال الله تعالى له:
"من أنت؟ ومن عيسى؟ ومن موسى؟ ارجع وامسح وجه ابن هذه المرأة".
وقال الله تعالى له أيضاً باللغة الفارسية: "ما ميكنم" فلما سمع هذا الولي قول الله تعالى: "ما ميكنم". بالفارسية حرف وصوت. رجع قائلاً: "ما ميكنم، ما ميكنم" ويكرره، ومسح على وجه ابن تلك المرأة فبرأ ورجع بصره!! ".
ثم علق الشيخ النانوتوي على هذه القصة بما يلي:
"إن الحمقى من الناس يزعمون أن كلمة "ما ميكنم" كلام هذا الولي نفسه، كلا بل هو قول الحق تعالى، فكان هذا الولي يردد قول الحق تعالى مراراً وتكراراً بلذة هذا الإلهام. كما أن أحداً من الناس يردد شعر أحد من الشعراء يتلذذ به".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص116، 117
قلت: معاذ الله من خيال صوفي وقياس فلسفي انظر أيها المسلم كيف جعل هذا الإلهام وقوله بالفارسية: ما مينكم. كلام الله مباشرة مع أن الماتريدية يعتقدون أن القرآن مخلوق وأنه ليس كلام الله حقيقة بل هو دال على كلام الله لأن كلام الله ليس بحرف وصوت ولم يسمع كلام الله أحد من خلقه لا محمد صلى الله عليه وسلم ولا موسى عليه السلام ولا جبريل عليه السلام أما هذا الولي فقد سمع هذه الجملة الفارسية ما مينكم من الله مباشرة وهذا كلام الله على الحقيقة وإنما الولي ردده على لسانه كما يردد أحدنا شعرا لأحد الشعراء مع أن هذا من حجج أهل السنة لإثبات صفة الكلام
المصدر:
الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات3/ 311
ويحكى الشيخ نجيب الديوبندي القصة التالية:
"
…
وكان الشيخ النانوتوي أيضاً قد أصابته رصاصة في إحدى صدغيه، التي هي من أشد الأعضاء خطراً، حتى أن شعرات من لحيته كانت قد احترقت بسبب هذه الرصاصة، وظن الناس أنه قد استشهد، ولكنه قام بجرأة ومسح يده على وجهه فكأنه لم يصبه شيء".
ونفس هذه القصة يذكرها الشيخ عاشق إلهي فيقول:
"أنه ذات مرة جلس الشيخ قاسم العلوم ممسكاً رأسه بيده، وقد شاهد بعض الناس أنه أصابته رصاصة في إحدى صدغيه وخرجت من الجانب الآخر مروراً بالدماغ، فأقبل عليه حضرة الشيخ الكنكوهي وقال له: ما بك؟ ثم وضع عمامته على رأسه ونظر إلى الرأس فما كان هناك أثر للرصاصة، والعجب أن الملابس كلها كانت مبللة بالدم".
وهذه القصة نفسها يحكيها الشيخ محمد يعقوب فيقول:
"إن الشيخ النانوتوي لما أصابته الرصاصة قال له: ما بك؟ فقال: أصابتني رصاصة، فوضع العمامة عن رأسه ونظر إليه فما كان هناك أثر للرصاصة، والعجب أن الملابس كلها كانت مبللَّة بالدم".
فهذه الروايات الثلاثة للقصة المذكورة متفقة على أن الرصاصة أصابت في رأس الشيخ النانوتوي، وأنه ما كان هناك أي أثر للرصاصة في رأسه، وأن ملابسه كلها كانت مبللة بالدم.
يقول الشيخ مناظر أحسن الكيلاني في توجيهه لهذه القصة متعددة الروايات:
"فالحاصل أنه ما كان هناك أثر للرصاصة، كان لابد من عادة أثر إصابة الرصاصة، كما شاهد الناس ذلك، سواء قلنا في توجيهه أنه كان نتيجة التصرف الباطني لسيدنا الإمام الكبير كما يبدو ذلك من رواية الشيخ محمد طيب، أم قلنا أنه كان ذلك بسبب تدخل توجه الشيخ الكنكوهي نفسه، كما أشار إلي ذلك الشيخ عاشق إلهي".
ثم يقول الكيلاني:
"ولو أرادوا لفعلوا مثل ذلك بالحافظ الشهيد".
هذا، ويقول الشيخ محمد طيب معلقاً على القصة المذكورة:
"يبدو من كلام المصنف الإمام يعقوب أن عدم تأثير الرصاصة كانت كرامة لحضرة الشيخ نفسه".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 117 - 119
4 -
اعتقاد أن أرواحهم تتمثل في الأجساد
عقيدة إتيان الموتى في أجسادهم العنصرية البشرية المادية للقضاء والفصل يقظة من أعظم عقائد كبار أئمة الديوبندية، ولهم في هذا الباب أساطير عجيبة غريبة.
ومنها إتيان إمام الديوبندية ومؤسس مدرستهم: الشيخ النانوتوي (1297هـ) لفصل القضاء على المخاصمة التي وقعت في مدرسة ديوبند.
وللشيخ أشرف علي التهانوي الملقب بحكيم الأمة عند الديوبندية (1363هـ) عجائب في التعليق على هذه القصة، فزاد الطين بلة والمريض علة.
وللديوبندية أعاجيب في الدفاع عن هذه الأساطير.
وقد احتجت البريلوية على الديوبندية بهذه الأساطير الوثنية. وفي ذلك عبرة ونكال فهل من مدكر؟!؟!
قصة أخرى: في إتيان إمام الديوبندية بعد موته لمناظرة عالم ديوبندي في مناظرته لرجل بريلوي، ولم يكن لهذا الديوبندي المسكين بمناظرة هذا البريلوي القوي أي قِبَل وقوة، وكاد أن ينهزم لولا إتيان الناتوتي لمناصرته؟!؟!
أسطورة ثالثة: في إتيان الخواجة الأجميري الجشتي إمام الصوفية الجشتية (627هـ) لمناصرة الشيخ إمداد الله إمام أئمة الديوبندية في التصوف والبيعة (1317هـ) وذلك يقظة دون منام وبجسده العنصري البشري الدنيوي، والقصة طويلة، ولكنها وثنية محضة
المصدر:
جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 784،785
قال الشيخ أشرف على التانوي في كتابه:
"إن أهل التصرف يقدرون على العناصر، فيركّبون الأجساد ويتشكلون في الأشكال، وذلك لأن الروح ذات انبساط، فيوقفون بينها وبين عدد من الأجساد، مما يسهّل عليهم التشكل في أشكال مختلفة".
وقال الشيخ القاري محمد طيب:
"إنه حصل نزاع بين كبار المدرسين في دار العلوم، ودخل في هذا النزاع مدير الدار الشيخ رفيع الدين رئيس المدرسين والشيخ محمود الحسن، وطال النزاع، وبينما هم كذلك إذ طلب الشيخ رفيع الدين من الشيخ محمود الحسن أن يحضر إلى حجرته - الواقعة في دار العلوم- وذلك بعد صلاة الفجر صباحاً، فذهب الشيخ محمود الحسن ودخل عليه في حجرته، وكان الجو بارداً جداً آنذاك، فقال له الشيخ رفيع الدين: انظر أولاً إلى شعاري وهو من القطن، فرأه الشيخ محمود الحسن فإذا هو مبلل يقطر، فقال الشيخ رفيع الدين: لقد جاءني الشيخ النانوتوي، رحمة الله عليه، بجسده العنصري آنفاً، مما عرقتُ له عرقاً شديداً، وأمرني أن أخبرك بأن لا تقع في هذا النزاع، وما دعوتك إلا لأبلغك هذا فقال الشيخ محمود الحسن: أتوب على يديك مما كان مني، وأتعاهد بأنني لن أتكلم في هذا الأمر بشيء".
هذا، وقد صدّق الشيخ أشرف على التانوي هذه القصة ووجّهها قائلاً:
"إن هذه الواقعة فيها تمثل للروح، وله صورتان: الأولى: أن هذا الجسد كان مثالياً شبيهاً بالجسد العنصري. والثانية أن الروح تصرفت في العناصر وهيأت لها جسداً عنصرياً".
هذا، وقد ذكر الشيخ مسعود الدين العثماني في كتابه أن بعض الديوبندية يقولون: إن مدرسة ديوبند أسسها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يأتي إلى هذه الدار أحياناً مع أصحابه وخلفائه لتدقيق حساب المدرسة".
كما ذكر الشيخ أشرف على التانوي في كتابه القصة التالية:
"يقول ديوان محمد ياسين - وكان من خدام الشيخ النانوتوي رحمة الله عليه - كنت مشغولاً بالذكر تحت القبة الشمالية في مسجد "جَهتّة" وكان الشيخ النانوتوي رحمة الله عليه، مراقباً في صحن المسجد في الجهة الشمالية نفسها، وكان متوجهاً إلى قلبي، إذ طرأت عليّ حالة خاصة، ورأيت وأنا في حالة الذكر، أن غاب سقف المسجد وقبته، مع بقاء جدرانه، وأن نوراً عظيماً في القضاء ممتد إلى السماء، إذ رأيت عرشاً ينزل من السماء، وعليه الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الأربعة على الزوايا الأربعة، نزل العرش حتى استقر قريباً مني في المسجد، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد خلفائه: اذهب وائت بالشيخ محمد قاسم، فذهب وأتى به، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الشيخ محمد قاسم حساب المدرسة، فقدم الشيخ حساب المدرسة بكل دقة، ففرح الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا فرحا شديداً وأذن له بالذهاب، ثم صعد العرش إلى السماء وغاب عن الأنظار".
ثم قال الشيخ التانوي معلقاً على هذه القصة:
"إن هذه الواقعة كانت نوعاً من الكشف، والذي يحتمل أن يكون قد حصل بتوجه الشيخ، ولعل تعبير هذه الواقعة هو أن يرى صاحبها ما رأى فيها من تدقيقه صلى الله عليه وسلم لحساب المدرسة، حتى يطمئن الذين كان في قلوبهم شك حول ذلك، وأما المعاندون فمن دأبهم التشكيك حتى في الوحي".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 95 - 97
ثانيا: اعتقاد معرفتهم بالأمور الغيبية:
تمهيد
علماء ديوبند يدّعون في أكابرهم ومشايخهم علمهم بالمغيبات، ويذكرون عنهم قصصاً نذكر بعضاً منها في السطور القادمة، إن شاء الله تعالى.
يقول الشيخ إمداد الله المهاجر المكي:
"وقد زعم بعض الناس أن الأنبياء والأولياء لا يعلمون الغيب، وأما أنا فأقول إنه بإمكان أهل الحق أن يبصروا المغيبات ويدركوها إذا ما التفتوا إليها".وجاء في حاشية "فيض الباري" للشيخ أنور شاه الكشميري بصدد شرح حديث ((إلا أخبرتكم في مقامي هذا)) (1) ما نصه:
(1) رواه البخاري (540) ومسلم (2359) من حديث أنس.
"قلت ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم عالماً للغيب مطلقاً ظاهراً عليه بمفاتيحه كما فهمه بعض الجهلاء، لما كان لهذا التقييد معنى، بل هو من نحو تجلي عليه إذ ذاك على نحو ما يطرأ على الأولياء من بعض تلك الأحوال، فتارة يخبرون عن العرض وأخرى يغفلون عن الفرش، وأحوال الأنبياء أرفع
…
".
وجاء أيضاً في حاشية "فيض الباري" ما نصه:
"
…
أن الأولياء يرون في كشوفهم أشياء بعين الباصرة لا نراها، كذلك الأنبياء عليهم السلام يرون المغيبات بعين الباصرة في اليقظة
…
".
ويقول الشيخ نجم الدين الديوبندي في كتابه:
"إن علماء ديوبند لا يقولون أبداً أنه لا يطلع أحدٌ غير الله على شيء من الغيب، كما أنهم لا يقولون إن الإنسان لا يستطيع التصرف البتة، في حياته أو بعد مماته".
وقال أيضاً:
"بل إنهم ذهبوا إلى أن من المغيبات ما يعلمها عامة الناس، بل الأصفياء من الأولياء والأنبياء المقربين".
وقال:
"ثم وجد في كل زمان وفي كل عصر مَن منَّ الله عليه وأطلعه على كثير من الغيب".
وقال صاحب "انكشاف":
"أما اطلاع أولياء الله وخاصته على بعض المغيبات فليس من علم الغيب في شيء، ومن حمله على العلم بالغيب فهو جاهل لا يعقل".
وقال الشيخ محمد يسين الديوبندي:
"لا يخبر الشيخ إلا بما شاهده وعاينه".
وقال الشيخ أنوار الحسن الهاشمي - أحد دعاة دار العلوم بديوبند:
"إن أولياء الله الكاملين الذين قضوا معظم حياتهم في تزكية النفوس وترويضها تحصل لهم ملكة راسخة تكشف عليهم في المنام واليقظة أموراً خفيت على عامة الناس".
وقال الشيخ المفتي عزيز الرحمن الديوبندي:
"قد حدث عدة مرات أن الليلة التي قرأ فيها الشيخ حسين أحمد المدني سورة القدر في صلاة الوتر من شهر رمضان، كانت هي ليلة القدر، كما جربنا عليه مراراً أنه كان يستعد للعيد منذ الصباح قبل ليلة الهلال، ويختم القرآن قبلها بيوم، حتى ولو كان الشهر ناقصاً (تسعاً وعشرين يوماً) وبناءً على عادته فقد كان يعرف كل من في "الخانقاه" بأن الليلة ليلة العيد".
وقال مؤلف "أرواح ثلاثة":
"إن الشاه عبدالقادر كان يعرف تمام شهر رمضان ونقصانه عند مستهله، فإذا عرف تمامه وأنه لا يرى هلال العيد إلا بعد ثلاثين قرأ في صلاة التراويح في الليلة الأولى جزءاً واحداً، وإذا كان الشهر ناقصاً قرأ جزءين،
وبما أن هذا الأمر كان قد أصبح مجرّباً فكان الشاه عبدالعزيز يبعث شخصاً يستعلم عن القدر الذي قرأه الشاه عبدالقادر. فإن أخبره بأنه قرأ جزءين قال الشاه عبدالعزيز لأصحابه: ما يكون الشهر إلا ناقصاً".
هذا، وقد علق عليه شيخ الديوبندية الشيخ محمود حسن فقال:
"وقد اشتهر هذا الأمر في دلهي بحيث أصبح التجار وأصحاب السوق يعتمدون عليه في مواعيدهم".
كما ذكر المؤلف قصة أخرى فقال:
"كان الطيب "خادم علي" جالساً في مسجد في رمضان، وجاء وقت الإفطار فأفطر، إذ دخل عليه نفر من الروافض وقالوا: قسماً بالحسين، أفطرت ولم تغرب الشمس؛ قال خادم على: كذبتم، ما أفطرت إلا بعد غروبها؛ فألحوا على اعتراضهم، فقال خادم علي: إن قلوبنا عامرة بالإيمان والدين، فهي لا تخطئ في الشهادة، وإن كنتم في شك مما أقول فاحبسوني في غرفة وأغلقوا عليّ الأبواب، وراقبوا الشمس، ولسوف أخبركم عند غروبها، وسوف تصدّقوني، وقد استغربت الروافض هذه الدعوى، وعزموا على تجربتها، ففي اليوم التالي حبسوه في غرفة، وصعدوا فوق السطح ينتظرون غروب الشمس، فلما غربت ناداهم "خادم علي" من الغرفة بأن الشمس قد غربت، فعرفوا صدق دعواه".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 168 - 172
اعتقاد كشفهم لما في القبور والقلوب
إن مسألة كشف القبور ومخاطبة الأرواح من المسائل المهمة لدى الصوفية، والتي تميّز الديوبندية عن غيرها، فهم يؤمنون بها إيماناً لا يترك لهم مجال الشك فيها.
قال "الله يار" الديوبندي:
"كان شيخنا قد أعطي حظاً وافراً من كشف القلوب وكشف القبور".
وقال الشيخ نجم الدين الديوبندي:
"وهل قال أحد من علماء ديوبند أنه لا ترتفع الحجب أمام الصالحين".
وقال مؤلف "انكشاف"
"أولئك الصالحون يشاهدون عالم المثال والأنوار والتجليات بأعينهم، لصفاء قلوبهم".
ولنقرأ فيما يلي قصة تزيد هذه العقيدة أيضاحاً:
ذكر الشيح حسين أحمد المدني في كتابه:
"إن شيخاً نقشبنديًّا زار قرية ديوبند أيام حركة الخلافة، وقام مراقباً على قبر الشيخ النانوتوي، وأطرق طويلاً، ثم رفع رأسه وقال: عرضتُ على الشيخ ما نعاني من الحكام الإنجليز، فأشار إلى الشيخ محمود الحسن وقال: هذا آخذ بقائمة العرش يناشد ربه أن يطرد الإنجليز من الهند".
ويقول مؤلف "انكشاف" عن هذه القصة:
"هذا ما حكاه الشيخ حسين أحمد المدني، ويدل على عدة أمور، منها مخاطبة الأرواح، وكشف القبور، وكون الأرواح موجودة في القبور، وأنها خبيرة بأحوال الدنيا، وأنها تدعو لأهل الدنيا أو عليهم، والاستفادة من الأرواح".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 141، 142
إن عقيدة الديوبندية في كشف القلوب لا تختلف كثيراً عن عقيدتهم في مسألة علم الغيب والعلم بما في الصدور، كما يتضح ذلك من خلاص النقول التالية:
قال الشيخ أخلاق حسين القاسمي:
"إن الشيخ المدني أحس بما خطر على قلب الحاج، بقوة إيمانه، وهذا ما يسمى في اصطلاح الصوفية بكشف القلوب".
ولما اعترض أحد البريلوية على مثل هذه القصة أجابه مؤلف "انكشاف" قائلاً:
"لو سلمنا أن الشيخ المدني اطلع على ما تخفي القلوب، بواسطة الكرامة، فأي غرابة في ذلك".
وقال في موضع آخر:
"والذي لا يفرق بين الكشف وبين علم الغيب، ويجعلها شيئاً واحداً، فهو جاهل لا يعرف لطائف الشريعة الإسلامية".
وذكر الشيخ عبدالماجد الدريا آبادي فقال:
"شهد قلبي أن شيخي متنور القلب، وتظهر عليه خفايا الأمور، ولا يسبقه أحد في الكشف والكرامة، فما قمت من مجلسي ذلك حتى أيقنت أن للشيخ قدماً راسخة في علم الغيب وكشف القلوب".
وقال الشيخ حبيب الرحمن:
"إن "ديوان جي" - وكان من أخص خدام الشيخ النانوتوي- كان قد بلغ أمره في الكشف بحيث أنه كان يبصر المارين على الشارع من عقر داره، ولا تحول الجدران دون ذلك عند اشتغاله بالذكر".
وذكر مؤلف "أرواح ثلاثة":
"كان الشيخ "فضل حق" يقرأ الحديث على الشاه عبدالقادر، وكان الشاه عبدالقادر من كبار أصحاب الكشف، حتى فاق جميع أسرته في هذه الصفة، فكان يعرف عن طريق الكشف هل جاء فضل حق يحمل كتبه بنفسه أو حملها خادمه، فكان لا يدرّسه إلا إذا جاء يحمل كتبه بنفسه".
وقال الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره لقوله تعالى: وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ [غافر:32]. الآية:
"ذهب عامة المفسرين على أن المراد بيوم التناد هو يوم القيامة، ولكن ذهب حضرة الشاه إلى أن المراد بيوم التناد هو اليوم الذي جاء فيه العذاب إلى قوم فرعون - إلى أن قال- فلعل هذا الرجل المؤمن علم عن طريق الكشف أو عن طريق القياس أنه هكذا يأتي العذاب على كل قوم".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 143 - 145
اعتقاد علمهم بما في الصدور
إن العلم بما في الصدور من الأمور الغيبية التي استأثر الله تعالى بعلمها، وقد دلت على ذلك نصوص من الكتاب والسنة، منها قوله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]. وقوله تعالى: وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل:19] وقوله تعالى: رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ [الإسراء:25].وفي الحديث: ((إن الله تعالى يقول لعبده يوم القيامة سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم)) (1).
وبعد هذه النصوص الصريحة نقرأ فيما يلي أقوالاً وقصصاً لعلماء ديوبند حتى نعرف معتقدهم في هذه المسألة.
ذكر مؤلف "تذكرة الرشيد" قصة حصلت لـ"ولي محمد" مع شيخه الكنكوهي، ثم قال "ولي محمد".
"أنا أخاف كثيراً من مقابلة الشيخ - أي الكنكوهي- فإنه يطلع على وساوس القلب، ونحن لا نملك دفعها".
وقال الشيخ نذر محمد، وكان من أصحاب الشيخ الكنكوهي:
"كنت شديد الغيرة وكنت لا أسمح لزوجتي أن تخرج من البيت أو أن يسمع صوتها أحد ليس بمحرم لها، فلما خرجت لمبايعة الشيخ خطر ببالي أن الشيخ ليسمع صوتها، فاطلع الشيخ عن طريق الكرامة على ما وسوست به نفسي، وأمرني أن أجلسها في الغرفة وأغلق عليها الباب".
وقال الشيخ أشرف على التانوي:
"إن قلب الشاه عبدالرحيم الرايفوري كان نورانيًّا جدًّا فكنت أخاف أن أجلس عنده خشية أن تنكشف عيوبي".
وقال الشيخ محمد قاسم النانوتوي في الشيخ محمد يعقوب الديوبندي:
"إن الشيخ جدُّ خبير بخفايا النفس وأسرارها الدقيقة".
وقال مؤلف "انكشاف":
"حسبك أن تطلع على ما قاله سلطان الأولياء محيي الدين ابن عربي في الفتوحات المكية، مما يسهل لك الحكم في مسألة إمكان الإطلاع على هواجس النفس وخطرات القلب عن طريق الكرامة، فإنه قال فيه: الكرامة على نوعين؛ حسية ومعنوية، فالعامة لا تعرف إلا الحسية كالإطلاع على ما تخفي الصدور، والإخبار عن المغيبات وإعلام الناس بالأخبار الحالية والمستقبلية".
ثم قال:
"فعلى القارئ المنصف أن يحكم دون أن يتعصب لرأي هل في ذلك ما يخالف الشرع، ولكن قبل الإجابة بنفي أو إثبات لابد من أن تجعل نصوص شيخ الإسلام العلامة ابن عربي صاحب الفتوحات المكية أمامك".وفي هذا المقام يجدر بنا أن نشير إلى نقطة مهمة، وهي أن الكشف من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، فرفع له بيت المقدس وهو في مكة (2)، كما أنه رأى ما كان يجري في "مؤتة" وهو بالمدينة (3)، ولكنه لم يكن ذلك بصفة دائمة مستمرة، فلم يطلع صلى الله عليه وسلم على عقد ضاع لعائشة رضي الله عنها في موقعة بني المصطلق (4)، كما هو معروف في كتب التاريخ والسير والتفسير والحديث.
وبعد معرفة هذه الحقيقة نقرأ ما قاله مؤلف "انكشاف" في علماء الصوفية والديوبندية:
"الكشف هو الاطلاع على الأسرار والأخبار الخفية، وهو على نوعين: الأصغر والأكبر، فالأصغر، ويقال له الكشف الكوني أيضاً، ويطلع به السالك على أحوال الملائكة والأرواح والعرش والكرسي واللوح المحفوظ وما يحدث في السموات والأرض، وينكشف له أحوال أهل القبور، وأما الكشف الأكبر فهو مشاهدة الذات الإلهية، فعلماء ديوبند الكبار هدفهم الأول هو الكشف الأكبر، وأما الكشف الأصغر فيرونه مفيداً ومساعداً في السلوك".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 151 - 154
اعتقاد علمهم بالآجال
(1) رواه البخاري (2441) ومسلم (2768) من حديث ابن عمر
(2)
ينظر ((صحيح البخاري)) (3886) و ((دلائل النبوة)) للبيهقي (2/ 390 - 396).
(3)
ينظر ((صحيح البخاري)) (2798).
(4)
ينظر ((صحيح البخاري)) (334) ومسلم (367).
إن العلم بالآجال من الأشياء التي استأثر الله بعلمها، قال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].
ولكن الديوبندية تزعم أنه ليس من خصائص الله سبحانه وتعالى بل يمكن الاطلاع عليه من خلال الكشف والمراقبة، كما أن مؤلفي هذه الطائفة يحكون قصصاً وروايات تدل على ما ذكرناه، وهذه القصص كثيرة وكثيرة، نكتفي على ذكر بعض منها دون أي تعليق عليها.
ذكر مؤلف "أرواح ثلاثة":
"إنه خرج الشيخ مظفر حسين حاجاً إلى مكة في 23 جمادى الثانية عام 1282هـ، وأصيب بمرض الإسهال قبل وصوله إلى مكة، وذات مرة قال للشيخ إمداد الله وهو في مكة: أتمنى أن أموت بالمدينة المنورة ولكنه يبدو أن أجلي قد قرُب، فلو راقبت، فراقب الشيخ، ثم رفع رأسه وقال: لا، وسوف تصل إلى المدينة، وبعد أيام برئ مظفر حسين من مرضه، وتوجه إلى المدينة في اليوم التالي، ولما كان على مسافة يوم من المدينة عاد مرضه، فمات بالمدينة في 10 محرم عام 1283هـ ودفن بالبقيع قريباً من قبر عثمان رضي الله عنه".
وذكر الشيخ رياض أحمد - رئيس جمعية علماء ميوات- لقاءه الأخير مع الشيخ حسين أحمد المدني، قال:
"قلت للشيخ: يا سيدي! سوف أحضر إليكم في نهاية هذه السنة، إن شاء الله. فقال الشيخ المدني: لن نجتمع في هذه الدنيا مرة أخرى، بل نلتقي يوم القيامة، إن شاء الله، فذرفت عيون الحاضرين في المجلس".
هذا، وقد اعترض أحد البريلوية على هذه القصة المذكورة فأجابه مؤلف "انكشاف" قائلاً:
"لو سلمنا أن الشيخ المدني علم بموعد وفاته قبل أوانه فأي غرابة في ذلك؟ فإن مثل هذا لا يستبعد من ذكاء وفراسة الصالحين".
وقال مؤلف "تذكرة الرشيد" ما ملخّصه:
"مرض النواب "تشاري" مرضاً شديداً، يئس الناس من حياته، فأرسلوا رجلاً إلى الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي يطلب منه الدعاء للمريض المذكور، فقال الشيخ لمن معه في المجلس: ادعوا لفلان، فحزن الناس بذلك، حيث أن الشيخ ما وعد له بالدعاء، فطلبوا منه الدعاء له مرة أخرى، فقال: إن الأمر قد قدٍّر، وأنه لم يبق إلا أيام قليلة من حياته، فلما سمعوا منه ذلك لم يكن لهم مجال للكلام فيه، ويئسوا من حياة النواب، ولكن الرسول طلب منه وقال: ادع الله له أن يفيق ويصحو من غمته، حتى يوصى ويقول ما شاء في أمور الدولة، فقال الشيخ: لا حرج في ذلك، فدعا له وقال: سيفيق من مرضه، إن شاء الله؛ فكان الأمر كما أخبر به الشيخ، وأفاق النواب من مرضه إفاقه طارت الأصوات بخبر صحته وشفاءه إلى الأماكن البعيدة،
…
وفجاءة اشتد به المرض وانتقل إلى عالم الآخرة".
وهذا غيض من فيض وقليل من كثير، ومن أراد المزيد فعليه أن يرجع إلى مؤلفات أكابر هذه الطائفة، يجد فيها الكثير والكثير من مثل هذه القصص والحكايات.
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 147 - 149
اعتقاد معرفتهم بزمن نزول المطر وقدرتهم على حبسه
ذكرت مجلة "نقيب" قصة من مذكرات السيدة "ثامنة خاتون" تقول:
"لما أردنا بناء المنزل بدأنا بالمرحاض نظراً لأمر الوالد الكريم بذلك، وكانت الأيام أيام مطر، إلا أنه ما كان ينزل المطر في تلك الأيام، وكان الفلاحون في قلق شديد، فقلت للوالد: ادع الله أن يسقي الناس، فقال: كيف ينزل المطر ومرحاضنا لم يكتمل بناءه بعد؛ قلت: ومتى سيكتمل بناءه؟ قال: قد اكتملت الجدران ولم يبق إلى السقف، وسوف يتم الليلة.
تقول السيدة المذكورة:
وبعد يومين نزل مطر غزير، فسألت الوالد وكان في البيت: ألا يضر المطر مرحاضنا؟ قال: لا، بل يشيده، فقلت: هل كان المطر حبس من أجل مرحاضنا؟ فلم يرد على أن تبسم ولم يقل شيئاً".
يا للعجب؛ هل بلغ من نفوذ هؤلاء من قضاء الله وقدره إلى هذا الحد، فيحبس المطر عن عامة الناس لمصلحة شخصية تافهة، والأرض تحترق والحقول تتجفف، وصاحب المرحاض يقول لابنته في تدلل وعدم مبالاة: كيف يمكن أن ينزل المطر ومرحاضنا لم يكتمل بناؤه بعد.
هذا، وقد حكى الشيخ جميل الرحمن قصة عن مؤتمر لحزب الكانغرس الذي كان الشيخ حسين أحمد المدني موجوداً فيه، يقول:
"قبل بدء المؤتمر بقليل تغيمت السماء فجأة، وتحير المسئولون عن عقد المؤتمر، إذ جاءني شخص مجذوب الهيئة غير معروف، وذهب بي إلى مكان منعزل وقال: أخبر الشيخ حسين أحمد بأنني خادم هذه المنطقة، فإن كان يريد أن يحبس المطر فهذا يكون عن طريقي وتوسطي، فتوجهت إلى المخيم الذي كان فيه حضرة الشيخ، فلما سمع ذلك مني قال في لهجة عجيبة وقورة، وهو على سريره: قل له: إن المطر لا ينزل، فخرجت من عنده لأبلغ هذا الجواب ذلك الرجل، وبحثت عنه كثيراً فلم أجده؛ وبعد قليل بدأ يزول الغمام، وصحت السماء خلال دقائق معدودة، وما نزل المطر حتى انتهينا من المؤتمر".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 155، 156
اعتقاد علمهم بما في الأرحام
إن الديوبندية تزعم أن هناك من يعلم ما في الأرحام، غير الله سبحانه وتعالى، كما أن هذه الطائفة تحكي عن أكابرها ومشايخها روايات وقصصاً تدل على أنهم كانوا يعرفون المولود قبل ولادته هل هو ذكر أم أنثى، نكتفي على ذكر بعض منها:
قال مؤلف "أرواح ثلاثة":
"كان من قبيلة راجبوت رجل يسمى عبدالله خان، وكان من أخص أصحاب الشاه عبدالرحيم الولائتي، وكان قد بلغ من أمره أنه كلما جاءه أحد يطلب منه التعويذ لزوجته الحامل، كتب له التعويذ وأخبره بما تضعه زوجته من ذكر أو أنثى، وفعلاً فكانت المرأة تضع حسبما أخبر به".
وذكر المؤلف أيضاً قصة أخرى فقال:
"ذكر الشيخ حبيب الرحمن أن "راؤ عبدالرحمن" خليفة الشاه عبدالعزيز - كان من أصحاب الكشف، وكان قد بلغ من كشفه أنه كلما جاءه من يطلب منه التعويذ للولد، قال له دون أن يتردد: اذهب، وأخبره بما ستضعه زوجته من ذكر أو أنثى؛ فقيل له: كيف تخبر بهذا؟ فقال: ماذا أفعل، يعرض عليّ المولود فأراه ولا أشك".
وقال الشيخ نجم الدين الديوبندي، وقد اعترض على الديوبندية أحد البريلوية بقوله: إنكم تكفّروننا وتبدعوننا لمثل هذه المعتقدات مع أنكم تعتقدون في مشايخكم وكبار علمائكم مثل عقائدنا؟ فأجابه نجم الدين الديوبندي قائلاً:
"إنه لم يقل أحد من علمائنا قط أن الحجب لا ترفع أمام الصلحاء والأولياء".
وقال أيضاً وهو يردّ على مثل الاعتراض السابق:
"إنه كان القاضي عبد الغني - مرشد والد الشيخ سعيد أحمد الأكبر آبادي- قد اطلع بإلهام من الله على أنه سيولد لوالد الشيخ سعيد الأكبر آبادي ولد ذكر، وذلك قبل ميلاده، فأية غرابة في ذلك".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 157 - 159
اعتقاد اطلاعهم على اللوح المحفوظ
عقيدة الديوبندية في اطلاع الأولياء على اللوح المحفوظ:
قال القاضي الباني بتي (1255هـ) شيخ الديوبندية والملقب عندهم ببيهقي الوقت، وتبعه الشيخ صفدر الديوبندي، واللفظ للأول:
(ومن هذا القبيل ما قيل إنه قد ينكشف على بعض الأولياء بعض الأحيان اللوح المحفوظ: فينظرون فيه القضاء المبرم والمعلق)
المصدر:
جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 804، 805
ثالثا: تنزيل أئمتهم منزلة الألوهية والرسالة (أشرف علي رسول الله)
الديوبندية يعتقدون في الشيخ عبد القادر الجيلاني (561هـ) أنه الغوث الأعظم، وغوث الثقلين كما قالوا في إمام النقشبندية: إنه غوث الورى السبحاني. وهذه جريمة قبورية ووثنية سافرة.
المصدر:
جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 775
خلع إمام الديوبندية على الجيلاني خلعة الألوهية.
فقد وقفت على كفر بواح وشرك صراح لم أره عند الأولين ولا عند الآخرين من قبورية هذا الأمة الإسلامية إلا عند مشركي الجاهلية.
وهو أن إمداد الله إمام الديوبندية قد نص على أن الجيلاني فاز بمرتبة الألوهية حيث قال: (لقد تناظر رجلان فقال أحدهما: إن الشيخ معين الدين الجشتي رحمة الله عليه أفضل من الحضرة الغوث الأعظم الجيلاني قدس سره.
وقال الآخر: إن الحضرة الغوث المطهر الجيلاني أفضل من الشيخ الجشتي.
فقلت لا ينبغي لنا أن نفضل بعض الأولياء على بعض، وإن كان الله تعالى قال: فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253]
فقال مفضل الجيلاني على الجشتي: لما قال الحضرة الغوث المطهر الجيلاني: قدمي على رقاب أولياء الله
قال الحضرة معين الدين الجشتي: بل على عيني.
فثبت أفضلية الغوث الجيلاني على الجشتي.
قال إمداد الله إمام الديوبندية: فقلت: هذا يدل على أفضلية الحضرة معين الدين الجشتي على الحضرة الغوث الجيلاني؛ لأن الحضرة الغوث الجيلاني في ذلك الوقت كان في مرتبة الألوهية وكان الحضرة الشيخ الجشتي في مرتبة العبودية.
قلت: سبحانه وتعالى على أن يكون معه أحد في مرتبة الألوهية والغوثية؟؟؟
وأقول: ما كنت أظن أن الديوبندية قد وصلوا في خرافاتهم القبورية الصوفية إلى حد التنصيص على ألوهية الجيلاني.
ولكن تبين أن الديوبندية كمن قيل فيه:
وكنت أرى زيداً كما قيل سيداً إذا إنه عبد القفا واللهازم
وأقول أيضاً: قد كنت أسمع أن كتب الديوبندية مكتظة بالخرافات القبورية الصوفية، ولكن كنت أستنكر تلك الأخبار، وأستكبرها وأستكثرها عليهم، وكنت أقول: لعلها كذب عليهم؛ لما عندهم من العلوم الجمة وتظاهرهم بالسنة؛ ثم لما أمعنت النظر في كتبهم وجدت عندهم من الطامات القبورية والخزعبلات الصوفية ما لا يخطر بالبال فكان الأمر كما قيل:
وأستنكر الأخبار قبل لقائه فلما التقينا صدّق الخبرَ الخبرُ
هذه عدة أمثلة كقطرة من البحر أو كحبة من الصبرة ذكرتها لبيان أن الديوبندية قبورية إلا من شاء الله منهم.
فهل يشك أحد في قبوريتهم؟ وقد رأيتم تصوفهم النقي فما ظنكم بغير النقي؟؟
فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح
وللتفصيل موضع آخر.
ولو كان هذا موضع القول لاشتفى به القلب لكن للمقال مواضع.
المصدر:
جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 805 - 807
ذكر أحد مريدي الشيخ أشرف علي التانوي قصة حصلت له حيث كتب إلى شيخه التانوي:
"إني رأيت نفسي في المنام أني كلما أحاول أن أنطق كلمة الشهادة على وجهها الصحيح يجري على لساني بعد لا إله إلا الله: أشرف علي رسول الله"
وقد أجاب الشيخ التانوي على ذلك فقال:
"إنك تحبني على غاية الدرجة، وهذا ثمرة هذا الحب ونتيجته".
وقد حكى هذا المريد في خطاب له وجّهه إلى مرشده التانوي هذه القصة، فقال بعد ذكر الرؤيا:
"فاستيقظت من الرؤيا، فلما خطر ببالي خطأ كلمة الشهادة أردت أن أطرح هذا من قلبي، فجلست ثم اضطجعت على الشق الآخر وبدأت أقول: الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأتدارك هذا الخطأ، ولكني أقول: اللهم صلِّ على سيدنا ونبينا ومولانا أشرف علي والحال أنني مستيقظ ولست في رؤيا، لكني مع هذا أنا مضطر ومجبور ولا أقدر على لساني".
فأجاب الشيخ التانوي على ذلك بقوله:
"في هذا تسلية لك بأن الشخص الذي ترجع إليه هو بعون الله تعالى متبع للسنة".
وذكر مؤلف تذكرة الرشيد:
"إنه سمع من الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي عدة مرات يقول: "اسمعوا؛ الحق هو الذي يقوله رشيد أحمد وأقسم بالله أني لست بشيء إلا أن الهداية والنجاة موقوفة على اتباعي في هذا الزمن".
وذكر الأستاذ محمد أسلم نقلاً عن بعض مؤلفات التبليغيين:
"أنه لما توفي الحاج إمداد الله، كان الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي - وهو من تلاميذ الحاج إمداد الله - يذكره دائماً ويقول: آه رحمه للعالمين، آه رحمه للعالمين".
وقال الشيخ مناظر أحسن الكيلاني:
"إن الشيخ محمد قاسم النانوتوي شكا إلى مرشده حاجي إمداد الله، فقال: كلما وضعت السبحة في يدي؛ ابتليت بمصيبة، وبلغ الثقل بحيث كأنه وضع عليَّ أحد صخرات، كأن وزن كل صخرة مئات منِّ، ووقف اللسان والقلب؟ فقال الحاج إمداد الله: إن هذا فيضان النبوة على قلبك، وهذا هو الثقل الذي كان يحسه النبي صلى الله عليه وسلم وقت الوحي، فيستخدمك الله لعمل كان يفعله الأنبياء".
وذكر الأستاذ محمد أسلم عن الخواجة معين الدين الجشتي:
"أن رجلاً جاءه للمبايعة، وقبّل رجليه، فأجلسه الشيخ، فقال: إني جئت لأكون مريدكم. فقال الخواجة معين الدين الجشتي: هل تفعل ما آمرك؟ فإن تقبل هذا الشرط؛ أجعلك مريدي. قال الرجل: أنا أعمل بكل ما تقول. فقال الخواجة: قد تعودت على قراءة كلمة الإسلام (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؛ فاقرأ مرة هكذا: (لا إله إلا الله، جشتي رسول الله) ولأجل أنه كان راسخاً في عقيدته؛ قرأ كما أمره الشيخ، فبايعه الخواجة، وأعطاه الخلعة، وأنعم عليه، ثم قال: إنما اختبرتك لأعرف مدى حبّي وتقديري في قلبك، ما كنت قاصداً منك قراءة كلمة الإسلام بهذا الطريق، فيظهر من هذا صدق اعتقادك بي، وصرت الآن مريداً لي صادقاً، هكذا ينبغي للمريد أن يكون صادقاً في جناب شيخه".
وذكر الشيخ محمد الثاني الحسني في كتابه (سيرة محمد يوسف)(ص196) ما يلي:
"إن الشيخ زكريا حرر شهادة الإجازة للخلافة التي أعطاها الشيخ إلياس لولده الشيخ محمد يوسف، فقال فيه: أنا أجيز هؤلاء للبيعة، فأضاف فيها الشيخ محمد إلياس وأملي: وأنا أجيزها نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 181 - 185
رابعا: اعتقادهم أن أئمتهم قد يفوقون الأنبياء في العمل وغيره
ذهبوا إلى أن الأئمة يتفوقون على الأنبياء في العمل، كما قال الشيخ محمد قاسم النانوتوي - مؤسس دار العلوم بديوبند - في كتابه (تحذير الناس) (ص5):
"إن الأنبياء يمتازون بين أمتهم بعلمهم، وأما الأعمال ففي بعض الأحيان يساويهم أتباعهم في الظاهر بل يتفوقون عليهم في العمل".
كما ذكر أيضاً عن الشيخ محمد إلياء - مؤسس جماعة التبليغ - أنه كتب في خطاب أرسله إلى أعضاء جماعته:
"إذا لم يرد الله أن يقوم أحد بعمل فلا يمكن حتى للأنبياء أن يبذلوا جهودهم فيقوموا بشيء، وإذا أراد الله شيئاً، يقوم أمثالكم الضعفاء بالعمل الذي لم يستطع الأنبياء".
المصدر:
الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص186، 187
خرافة عجيبة غريبة ذكرها حكيم الأمة عن شيخ الديوبندية إمداد الله: أنه قال: (لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم والتقى بموسى عليه السلام استفسره موسى عليه السلام وقال إنك قلت: ((علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل)) (1) كيف يصح هذا؟!
فحضر حجة الإسلام الغزالي وسلم بإضافة: وبركاته ومغفرته)
فقال له موسى عليه السلام: ما هذا الطول أمام الأكابر؟!
(1) قال السخاوي في ((المقاصد)) (459) قال شيخنا ومن قبله الدميري والزركشي إنه لا أصل له، ومثله قال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (466)
فقال له الغزالي: إن الله تعالى قال لك: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه:17] فلم طولت في الجواب قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:18]؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: للغزالي: أدب يا غزالي).
وقد علق على هذه الأسطورة حكيم أمة الديوبندية فقال: (قوله: أدب يا غزالي يمكن أنه كشف لأحد الأكابر، وأن هذه المكالمة بين الغزالي وبين موسى في المعراج أيضاً كشفت له لأن هناك اجتماع الأرواح وليس المراد المعراج الجسدي).
أقول: تفكر أيها القارئ طالب الحق في هذه الأسطورة كم فيها من الطامات:
الطامة الأولى: نسبة حديث علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه حديث لا أصل له موضوع باطل مختلق مصنوع.
الطامة الثانية: تصرف روح الغزالي وقدرته إلى أن وصل إلى مجلس الأنبياء والمرسلين في السموات العلى.
الطامة الثالثة: انهزام موسى عليه السلام في المناظرة أمام الغزالي وغلبة الغزالي على موسى عليه السلام.
الطامة الرابعة: نسبة قول: أدب يا غزالي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ليس بكلام عربي فصيح بل هو كلام ركيك عربية ونحوية، والعبارة الفصيحة أن يقال: الأدب أيها الغزالي.
قلت: هذا كله من آفات التصوف النقي اللب الخالص من القشور الذي يدعيه الديوبندية.
المصدر:
جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 795 - 797